قراءة في كتاب "القيادة المرتكزة على المبادىء"
أغسطس 30, 2014
العلماء وتأسيس الدول
أكتوبر 12, 2014

إنقاذ سوريا.. المرجعية والميدان

الكاتب: مهنا الحبيل – كاتب وباحث إسلامي
قراءة واقع سوريا اليوم تعطي نتيجة مروعة لحجم المأساة التي تضافر على تعزيزها تحالف لم يسبق له مثيل من تكتلات دولية وإقليمية وطائفية، واجتهادات وتدخلات عربية وإسلامية زادت من الفاجعة، في ظل وجود أكثر من مائتي ألف قتيل غالبيتهم العظمى شهداء مدنيون من مناطق الثورة، ومليون ونصف مليون جريح، وستة ملايين نازح، وكمٌّ هائل من المآسي والمعاناة الإنسانية البالغة ربما لم يعشها أي شعب منذ الحرب العالمية الثانية.
ومنذ ستة أشهر توجهت شخصيات اعتبارية سورية متعددة ومشاركة في رعاية الثورة منذ انطلاقتها، إلى عقد لقاءات مركزية تحاول رسم خريطة الطريق للإنقاذ، ومنها المجلس الإسلامي السوري الذي يضم العديد من الشخصيات والعلماء والتوجهات الشرعية العلمية السورية المتعددة، لتحقيق مرحلة توازن في المرجعية للقضية، إثر تصدع الواقع المرجعي الديني وكثرة التدخلات من مشيخات دينية متعددة خاصة من داخل الخليج العربي، ورغم إخلاصها فإنها غير موفقة قسّمت الميدان، وقادته للتفتيت الذي عزز اجتياح النظام وداعش (تنظيم الدولة).
وكون هذا المجلس يضم الشيخ أسامة الرفاعي أبرز العلماء لرعاية الثورة المدنية، والأستاذ المفكر عبد الكريم بكّار مع بقية الشركاء، فإن وضع أسس للرؤية السياسية والمرجعية للميدان هو مشروع مهم إثر العصف الشامل الذي جعل الثورة وقفا لفوضى الفقه المتطوع الذي قسم الثورة أسهما، وفرقها ألوية، وهنا تنبع أهمية المجلس الإسلامي السوري وحساسيته.
ولا بد من التذكير هنا بمقدمات مهمة تساعد على الخروج من هذا الواقع وتشرح بعض أساسيات الأزمة:
مقدمات في التفكير الشرعي
1- مهمٌّ جدا أن نؤكد على حاجة الوعي الإسلامي في سوريا أن يدرك مساحة الاجتهاد في مضمار الوعي السياسي، وأن الفكر الشرعي الأصلي يسع مدارات عدة بدءا من جدول حماية الدعوة، كفعل الصحابة في تأمينهم دينهم  عند أول النبوة، ووصولا إلى بعث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لنعيم بن مسعود لينطلق بمشروع كامل لإسقاط حرب الأحزاب عبر فكرة: “خذل عنّا فإنما أنت رجل واحد”.
وقد أنتجت هذه الفكرة قاعدة السقوط لمعسكر الأحزاب الحلفاء وانتصار المسلمين بعدها.
ولم أقصد في تثبيت هذه الفكرة التذكير الشرعي الكريم بأهمية المسار السياسي فقط، لكنني قصدتُ ضرورة الانتباه لما تعنيه هذه القاعدة وسلسلةٌ من اجتهادِ الأئمةِ المتقدمين ودورات الرشد في التاريخ الإسلامي، من إعطاء مساحة مناورة وتخطيط واسع وحراك للبعد السياسي دون الإلزام بدليل تفصيلي محدد.
أو حتى ضرورة التذكير أن هذا الحل إسلامي وذلك ليس إسلاميا، ما دام في أصله وجملته يخدم قواعد شرعية حاسمة لحماية المسلمين ومصالحهم الكبرى التي نصت عليها الضروريات الخمس.
2- ولماذا نورد هذه القاعدة في مقدمة المقال؟
لأنّ ما رصدناه عن واقع الميدان السوري والصراع بين الاجتهادات الدينية، كان أحد أسبابه غياب معنى هذا التصور في إدراك مساحة الرأي المشروعة للمشروع السياسي وحراك الثورة ودائرة إمكانية الخطأ فيها، فما بالك أمام الضرورة القصوى لإنقاذ شعب مظلوم.
3- كما اتضح أن هشاشة هذا التصور عند بعض الثوّار كانت مدخلا لإغراق النقاش الشرعي برزمةٍ من التشكيكات والاضطراب والانقسام، وتدخل العديد من موجهي الفتوى الدينية المحبين في الخليج العربي فضلا عن تدخل النظم السياسية، فقادهم لفرقة ولارتباطات هي بالفعل مخالفة للفقه السياسي الواجب أن يكون موجها نظرته لمصلحة الشعب المسلم وإنقاذه، وهي أولوية في تطبيق الشريعة الإسلامية.
وتتمثل هذه الأولوية في أن تنقذ الشعب قبل أن تبحث صور الوصول لتحقيق مقاصد الدين الحق في حياة المسلمين.
4- فالميدان الثوري بحاجة إلى رسم خريطة العقيدة الفكرية القتالية ليجتمع عليها أكبر تكتل ممكن من الثوار أو المجاهدين أو المناضلين أو المقاومين، فالتسميات لا تُغيِّرُ من مضمون اعتقاد الشخص ولا تصيغُ نيته، وإن ندب الشرع لها وأورد لها مسارا، فهذا لا يعني أن من لم يتسمّ بها لمصلحة زمنية لا يدخل في سياق المؤمنين المدافعين عن أرضهم وشعوبهم.

5- فلو لم يكن ذلك من فقه التعاضد الإسلامي لكان ضمن مقتضيات حلف الفضول، والذي يمكن أن نتصور مقتضياته في قضية الشعب السوري بإنقاذه من النظام الإرهابي مع ضمان سلامته بعده، ثم الانطلاق إلى حياته الفكرية الجديدة.الواقع الميداني
في الواقع الميداني للثورة هناك إشكاليات كبيرة، أهمّها على الإطلاق:
1- غياب الحاضن المركزي الاجتماعي للثورة بعد إسقاط الجيش الحر، والذي يُقصد منه تجميع فصائلها في إطار جغرافي طبيعي تتحد فيه فصائلها، وهو أمر من أعراف الخلق الذي طبقته الشعوب الإسلامية وغيرها في مراحل صراعها مع الاحتلال والقوى الغاشمة.2- ولا يعني هذا العقد الاجتماعي الوطني أنه مخالف لفكرة التضامن الإسلامي لأبناء الوطن من ذوي الدين أو من المظلومين من الطوائف الأخرى وإنصافهم، بل هو من مقتضيات ذلك الأمر، واتضحت أهمية هذا الكيان لكل الأطراف خاصة بعد فشل الجبهة الإسلامية التي ساهم مشروعها في إسقاط الجيش الحر، وهو ما يجب أن يشجع كل الأطراف بما فيها التوجهات السلفية على محاولة التصحيح العاجلة لمشروع ميداني يتجاوز أيديولوجيات واجتهادات مشايخ الخليج.
3- إن تفجير المصطلحات الذي توغلت منه داعش وأفكار أخرى قبلها كان مدخلا للفوضى التي تعرض لها الميدان، وبالتالي أسقطت رمزية الجيش السوري الحر دون وجود بديل، فانهارت صورة الميدان لدى أنصار الثورة خارج سوريا وربما داخلها.

4- وضع الجيش السوري الحر هو أنه كيان رمزي وليس كيانا وهميا، وهناك فرق كبير بين المصطلحين في الرابطة المعنوية والقتالية للمؤسسة الميدانية الموحدة بأكبر كيان ممكن لأي ثورة في العالم.
5- وعليه فإن الميدان بحاجة اليوم لهذه المؤسسة عبر إعادة صياغة الجيش الحر أو إيجاد بديل يتحقق فيه الجامع الاجتماعي الوطني لغالبية من فصائل وعناصر الثوّار.
6- في المقابل ورغم الإحباطات والفرص التي منحها التوافق الدولي والإقليمي لنظام الأسد، والمواقع الخطيرة التي وقعت في يديه، فهو ما زال عاجزا عن الحسم لصالح قواته، وتسترد الثورة بعض مواقعها، وفي ظل اضطراب جديد ومنهك لأبرز شركائه في إيران وحزبها اللبناني، فإن هذا الوضع يعطي للثوّار فرصا مهمة لاستعادة الميدان.
7- إن قضية داعش قضية كبرى وليست سهلة، لكن الإغراق في مطارحة مقترحات الثورة لمواجهتها في ظل سطوتها العنيفة وتداخل مصالح وصراعات مخابرات عربية وإقليمية ودولية كل يدفعها عنه لمصالحه ويدفع بعضها لتحقيق مصالحه، لن يجدي نفعا اليوم إلا بمقدار دفع ضررها عن الثورة وشعبها، في حين أن الحل المركزي معها سيتعزز في تأسيس الكيان الجامع للثورة، ويبدأ زحفه على الأرض لاستعادة مواقعه من داعش والنظام في توقيته الميداني والظرفي، والتعامل مع مجموعاتها منفردة خاصة التي تميل إلى منهج أهل السنة أو هي سُنية لكنها دخلت تحت راية داعش لضرورة ما.
هذه التأسيسات المرجعية والميدانية تشكل داعما مهما لخريطة الطريق المنقذة للشعب السوري، والاستفادة من أي بعد إقليمي لا تخضع الثورة لجدوله ولكن تستفيد من تقاطعاته، وهو ما سنعرض له في المقالة القادمة.

المصدر : الجزيرة