الشائعة ومخاطرها
يناير 20, 2015
ثورة في كل شيء
فبراير 4, 2015

آثار التطفيف على المجتمع الإنساني

الكاتب: جمال الدين سيروان -عضو الجمعية العمومية في المجلس الإسلامي السوري
قال الله تعالى:

(وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُوْلَـئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العالمين) [المطففين].

التطفيف داءٌ وبيلٌ، وعِلّةٌ خبيثة، إذ أنه حين يستشري في المجتمع يُنبِتُ الأحقاد، ويُرَسِّخُ الفساد، ويُزَلزِلُ العدل، ويُفشِي الظلم.

إن التطفيف يُخسِرُ الموازين ويمحو القيم، فلا عدل في الحكم، ولا رأفة في القلب، لذا فإن الله تعالى حين خلق السموات والأرض خلقهما بالحق إثباتا له لجميع الخلق، إذ به تستقيم الحياة الكريمة، وتستقر الفضائل العالية، قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)
[الأنعام: 73].
وكذلكم فقد وضع الله تعالى مع خلقهما الميزان، الذي هو العدل، قال الله تعالى: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)
[الرحمن].
نظرةٌ إلى ما يقوم في المجتمع الإنساني في أيامنا المعاصرة، توضح صورة التطفيف القميء، الذي دُعِسَت من خلاله القيم، وطُمِسَت الأخلاق، وضُيِّعَت المكارم، وتَوَرَّمَت الذَّوات، وطَغَت الأنانيّات، أفلا نرى إعلامًا مارقًا وبيانا فاجرا وقانونا مأجورًا، يُخَوَّنُ فيه الأمين، ويُؤَمَّنُ الخائن، ويُرفَعُ الوضيع، ويُحَطُّ مِن شأن الشريف؟!..
شعوبٌ تُقتَل، ومُدُنٌ تُدَكّ، وأموالٌ تُسلَب، وحرائرُ تُغتَصَب، وأطفالٌ يُيَتَّمُون، ومساجدُ تُهدَّم، وقِيَمٌ تُهدَر، إثر ذلك يقف المجتمع الدولي ليُصدِرَ بدمٍ باردٍ، وإحساسٍ ميّتٍ ووحشيةٍ مُقَزِّزَة، قراراتِهِ الأثيمة التي غلَّفَها بوشاح حريريٍّ مُزَوَّر يَدَّعي فيه حماية المجتمع الدولي من الفوضى وصيانته من الإرهاب !!، وما كانت هذه التصريحات إلا ترسيخًا لبغي المجرمين، واستعلاءِ الطغاة الباغين.
أما حين تَصدُرُ من مكلوم مظلوم مقموع أنّةٌ معبرة عن معاناته وآلامه، فإنها لا تروق لهم، وينطلقون مستفزين العالم كله لدرء هذا الخطر الماحق، جاعلين من هذا الصوت الوجيع زلزالا مدمرا يهدد العالم بأسره، عاقدين من أجله المؤتمرات، ومخططين في سبيله المؤامرات، ألا ساء ما يزرون.
لقد دُعي النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية إلى حلف الفضول في دار عبد الله بن جدعان، وسبب ذلك الحلف أن أعرابيا قَدِمَ ببضاعةٍ فاشتراها منه العاصُ بن وائل، ومنعه حقه، فاستعدى عليه أشراف قريش فلم يعينوه لمكانة العاص فيهم، فوقف عند الكعبة، واستغاث بأهل المروءة، فقام الزبير بن عبد المطلب، وجمع بني هاشم، وبني زهرة، وبني تيم في دار عبد الله بن جدعان، وتحالفوا لَيَكُونُنَّ يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يرد إليه حقه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حاضرا في ذلك المجلس، فقال: (لقد شهدتُ في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أنَّ لي به حُمْرَ النَّعَم، ولو دُعيتُ به في الإسلام لأجبت)، فأين أنت يا مجلس الأمن وما شأنكِ يا هيئة الأمم المتحدة، وما الذي اعتراكم أيها المنادون بحقوق الإنسان، أأصابكم البَكَم، واعتراكم الصمم، ونزل في عيونكم العمى، (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) [الحج: 46].
أجل؛ هو ذا التطفيف البذيء الذي يتعاون فيه حُكَّامٌ طغاةٌ مارقون، وسَاسَةٌ مُتَزَلِّفُون منافقون، ورجالُ مال نَهِمُون خسيسون، وقانونيون فجرة مراوغون، وعلماءُ سوء أفاكون مُحَرِّفون، ورجالُ إعلام مُهَيِّجُون مُهَرِّجُون، يتعاون هؤلاء جميعُهُم على قمع الشعوب الحرة، ووأد الكرامة الإنسانية، ولا يتورعون عن أية موبقةٍ مهما عظُمَت، ولا يتعففون عن أية نازلة مهما بَلَغَت، (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف:179].
لقد حضَّ الله تعالى عباده المؤمنين على القيام لله بالشهادة الحقة، والحكم بالقسط، وتمكين العدل، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ) [المائدة: 8].
وكأني بهؤلاء المكرة السفلة هم الدجاجلة الذي يظهرون بين يدي الدجال الأكبر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليكونن قبل المسيح الدجال كذابون ثلاثون أو أكثر) رواه أحمد.