الحمد لله ناصر المظلومين وقاهر الظالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الهجرة واللجوء إلى دول الغرب حتى صارت شغل الناس الشاغل والمادة الأولى في القنوات الفضائية والوسائل الإعلامية، علماً بأنّ ظاهرة اللجوء لم تبدأ هذه الأيام بل لها أربع سنين ، فالأمواج البشرية تتدفق إلى دول الجوار ولم تحرك ساكناً عند الغرب، لكن لما وصلت هذه الأمواج إلى شواطئهم وحدودهم بدأت تأخذ هذه القضية طريقها للإعلام العالمي، لقد حركت صورة الطفل الغريق مشاعر العالم وكان حرياً أن يحركها مناظر أشلاء الأطفال وهي تنتزع من تحت المباني التي دمرتها براميل النظام المتفجرة، ثم بدأ الباحثون يحللون هذه المسألة ويتحدثون عن حكمها فتعددت الآراء وتباينت الأحكام، لكون هذه المسألة اجتهادية يعتمد الحكم فيها على فقه مقاصد الشريعة الذي عماده جلب المصالح ودرء المفاسد وحفظ الضروريات، ورأى المجلس الإسلامي السوري أن يصدر في ذلك بياناً أعمّ وأشمل من فتاوى شرعية صدر أمثالها عن الروابط الشرعية والهيئات العلمية وبعض السادة العلماء ، فنقول والله المستعان:
أولاً: إنّ ما يحصل للسوريين هو نتيجة متوقعة لترك عصابة الأسد وزمرته الإجرامية مدةً تقارب أربع سنين ونصف ترتكب المجازر وجرائم الإبادة الجماعية بكل أنواع الأسلحة حتى الممنوعة منها دولياً كالأسلحة الكيميائية والقنابل الفراغية والعنقودية ، دون وجود أي رادع حقيقي أوالتلويح به ، فالمجتمع الدولي والقوى الفاعلة فيه مهما لبسوا مسوح الإنسانية وذرفوا دموع الأسى فهم شركاء جميعاً في جريمة العصر ، فكل من دعم النظام علناً كروسيا وإيران أو تواطأ معه فمنع الشعب السوري من الدفاع عن نفسه وحظر عنه السلاح المكافئ لسلاح النظام كل أولئك شركاء حقيقيون للنظام ويتحملون كامل المسؤولية ، وكل من وقف ضدّ إنشاء منطقة آمنة داخل الأراضي السوري هو شريك في تهجير السوريين.
ثانياً: ومع تدفق اللاجئين بهذه الأعداد بسبب تقاعس المجتمع الدولي رأينا من الدول من يتعامل مع اللاجئين بقسوة ووحشية بعيداً عن كل الاعتبارات الإنسانية التي أدت إلى هجرتهم ونحن نستنكر هذا السلوك المشين، وفي الوقت الذي نثمّن فيه موقف بعض الحكومات من استقبال اللاجئين ومعاملتهم معاملة كريمة نذكّر هؤلاء بأن كلفة الإطاحة بدكتاتور متهالك مع عصابته أقل وأسهل بكثير من استيعاب ملايين اللاجئين.
ثالثاً: نطالب الدول العربية والإسلامية باسم الإخوة الإسلامية وصلة الرحم وحق الجوار أن تفتح أبوابها للسوريين ، فلا يعقل أمام هذه الكارثة الإنسانية أن تبقى أبواب كثير من الدول العربية وحتى نوافذها موصدة في وجه السوريين ، بل نرى كثيراً من الدول تضيّق على السوريين المقيمين على أراضيها فلا تمنحهم أي وضع قانوني يتيح لهم العمل أو تعليم الأبناء أو الاستطباب ؛ بل تفرض على كثير منهم رسوماً وضرائب يعجزون عنها، ولا يعقل أن يبقى السوريون ما يزيد على أربع سنوات في مخيمات لا تتحقق فيها أدنى مقومات الكرامة الإنسانية دون إتاحة الفرصة لهم بالعمل والاندماج في المجتمعات والعودة إلى حياة طبيعية.
إن أغلب المهاجرين الذين يفدون اليوم إلى أوربا جاؤوا من مخيمات دول الجوار السوري ولم يأتوا للتوّ من سوريا لأن هذه الدول أغلقت أبوابها منذ سنة تقريباً ، لذا نأمل من هذه الدول تحسين ظروف اللجوء ، فبقاء اللاجئين قريباً من بلادهم يحفظ لهم هويتهم ويتيح لهم فرصة العودة عند تحسن الأوضاع في بلادهم ، على عكس أولئك الذين يرحلون إلى بلاد الغرب؛ فقد دلنا الاستقراء على ضآلة احتمالات عودتهم ، ونذكّر الدول العربية بأنهم حين يغضون الطرف عن تهجير السوريين يساهمون في نجاح المخطط الإيراني الصفوي الطائفي القائم على التهجير القسري والتغيير (الديمغرافي) كما صار ذلك جلياً واضحاً وشواهده كثيرة كما في ريف دمشق كالزبداني مثلاً.
رابعاً: أما بالنسبة للسوريين ؛ ومع تقديرنا الكامل لكل الأسباب التي دفعتهم لمغادرة وطنهم – والوطن غالٍ عند الجميع – فنبيّن لهم أنهم ليسوا سواءً في مواقفهم ومسؤوليتهم عند ربهم، فشتّان من خرج حماية لدينه ونفسه وأهله وعرضه ومن يعدّ خروجه خذلاناً لإخوانه وفراراً من الزحف ، وفرق بين من يهاجر إلى دول الغرب بعد أن تقطعت به السبل وضاقت به الحيل ومن خرج من مكان كان فيه آمناً مكفياً – ولو داخل سوريا في المناطق الخاضعة للنظام أو المحررة أو في دول الجوار – لم تلجئه الحاجة ولا الضرورة ، ولا ريب أن الكثيرين يتحملون المسؤولية الشرعية عن كل الكوارث التي تعرضوا لها أثناء رحيلهم من غرق ومرض ونهب عندما أوقعوا أنفسهم وأسرهم في براثن المهربين وعصابات الاتجار بالبشر فألقوا بأيديهم إلى التهلكة ، وفرق بين من يدرك مخاطر اللجوء إلى هذه البلاد على أبنائه والأجيال اللاحقة لا سيّما في ظروف الاستسلام وعدم التوازن ومن لا يدرك ذلك ، وعلى كل الأحوال لم يعد النظر في هذه القضية قاصراً على حالات هجرة الأشخاص وأسبابها ومآلاتها فحسب لكن صارت هذه قضية عامة يعود آثارها على الجميع وعلى مستقبل البلاد التي بشر بها النبي عليه الصلاة والسلام أنها ستكون فسطاط المسلمين ومعقلهم ، وأنها بلاد مباركة وأرضها مقدسة يهاجَر إليها ولا يهاجَر منها.
أيها السوريون الأحرار: لقد صبرتم طويلاً وتحملتم كثيراً، وحقّقتم أمر الله بالصبر وبقي عليكم أن تصابروا وترابطوا وتتقوا الله لعلكم تفلحون كما بشرت بذلك الآية الكريمة، وإنّ أحلك ساعات الليل تلك التي تسبق ضوء النهار، فاتّقوا الله في أنفسكم وفي أهليكم وأولادكم، نسأل الله ألا يضيع صبركم وجهادكم، وأن يعجل فرجكم ويتمم نصركم إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.
المجلس الإسلامي السوري
23 ذو القعدة 1436 هجري الموافق 7 أيلول م2015