بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد إمام المجاهدين وسيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الله تعالى يقول: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾ صدق الله العظيم.
لقد تابع المجلس الإسلامي السوري مجريات الأحداث على الساحتين السورية والعراقية وكان آخرها إعلان تنظيم دولة العراق والشام إلغاء هذا الاسم وإعلان قيام (دولة الإسلام) وتنصيب (خليفة) للمسلمين، ودعوة المسلمين جميعاً إلى مبايعته والانصياع لأوامره وحرمة الخروج عليه ، وأضافوا إلى ذلك الإعلان ببطلان شرعية جميع الولايات والتنظيمات الأخرى.
وأمام هذا الخطب الذي أحدث فتنة لدى بعض الناس وشماتة لدى الأعداء، كان لابد من تجلية الأمر من الناحية الشرعية، حتى يكون الناس على بينة من أمرهم.
وكذلك فإن المجلس الإسلامي يرى من واجبه وقياماً بالأمانة التي تحملها أن يبين الحق للناس والحكم الشرعي في الأمور التي تتعلق بقضايا الأمة العامة، وبناء عليه نقول:
ـ إن هذه الفئة التي أعلنت قيام (دولة الإسلام) لا تمثل إلا نفسها ، وهي التي سبق أن أصدرنا بياناً ذكرنا فيه تجاوزاتها وغلوها وبغيها ومجازفتها بتكفير المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم وانتهاك حرماتهم، وبيّنا الحكم الشرعي في التعامل معها، وناشدناها أن تؤوب إلى رشدها وتتوب إلى ربها وتكف عن بغيها، فإذا بها تنصّب نفسها وصية على المسلمين وتعتبر نفسها أهل حل وعقد عن هذه الأمة، وتزعم أنها تمثل أهل الشورى فيها، وهي بحقيقتها فئة باغية ظالمة خارجة على الأمة، ومخالفة لعلماء الأمة الأثبات الثقات ومضيعة للجهاد المبارك في بلاد الشام.
ـ إن هذه الفئة جمعت إلى بغيها الجهلَ والافتئات على الأمة المسلمة، فهي لا يعرف علماؤها وليس لها مرجعٌ شرعيٌّ معتبر مشتهر عند أهل السنة والجماعة لما تقوم به. بل نصّبت للخلافة التي أعلنوها من هو مجهول ومطعون في عدالته عند أهل السنة والجماعة وأئمة الجهاد في بلاد الشام وأن ادعي ظهوره مؤخراً لا ينفي الجهالة عنه إذ العبرة ظهور عدالته واشتهاره عند أهل السنة من المسلمين، ثم هم يطلبون له البيعة من العامة متجاوزين كل ما اشترطه فقهاء أهل السنة والجماعة في باب الإمامة وتنصيب الخليفة المعتبر. وإذا كانت الشريعة الإسلامية لا تجيز لنا العقد على مجهول في أمور الدنيا من بيع وشراء وغير ذلك فهل نرتضي ذلك لمثل هذا المنصب؟!! ومن ثمَّ تأثيم الأمة إن لم تبايعه !!!
ـ إن شأن تنصيب حاكم أو خليفة في المسلمين لهو من أوثق الأحكام الشرعية، فهي (الإمامة الكبرى) في الأمة تمييزاً لها عن إمامة الصلاة، نظراً لأهميتها وخطورة قدرها إذ هي “موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا”. وهي عنوان إقامة دولة العدل والحق والفضيلة ومراعاة الحقوق وإنفاذ أحكام الحق سبحانه في الخلق، ومن هنا كان لزاماً لإقامة تلك الإمامة توفر مقومات الدولة وتحقق عوامل الاستقرار والتمكين من رضى المسلمين وطواعية بيعتهم وصدق نصرتهم. وهو ما كان من سيرته صلى الله عليه وسلم عند انتقاله إلى المدينة المنورة، أما ما كان من هذه الفئة فهو أنهم افتأتوا على المسلمين خلافةً هلامية ليس لها مقومات الدولة لا شرعاً ولا عقلاً ولا واقعاً.
ـ ثم إعلانهم عن بطلان شرعية الولايات والتنظيمات الإسلامية الأخرى ممن لا ينضوي تحت لوائهم ورايتهم -وهم في الواقع عموم الأمة وسوادها الأعظم- ظلم كبير على المسلمين وإشاعة للفوضى فيهم، إذ في ذلك تعطيلٌ لأعمال الدعوة والجهاد والإغاثة وسائر أعمال الخير والبر التي تقوم بها تلك الجهات. وفي هذا ضرر عظيم على المسلمين ومفسدة كبرى فيهم.
ـ إن إعلان تلك الفئة عن قيام “دولة” وتنصيب “خليفة” في هذا الوقت وفي هذه الظروف وبهذه الطريقة يعد تشويهاً لصورة الإسلام وازدراءً للمسلمين، وهم من عرف عنهم استباحة دماء المسلمين وتضييع حرماتهم، حتى غدا في تصور كثير من الناس في المناطق التي تغلبوا عليها أن الإسلام ذبح وقتل وصلب لأدنى تهمة أو شبهة دون نظر أو اعتبار لأي مانع شرعي معتبر من جهل أو إكراه أو خطأ أو تأويل، فكيف يؤمل من أناس هذه حالهم أن يحفظوا على هذه الأمة دينها ويحموا حوزتها ويجمعوا المسلمين والناس على هدي الإسلام؟ كما أن تلك الفئة تقدّم خدمة تلو الأخرى وذريعة تلو الذريعة لكل المتربصين والمتآمرين على المسلمين في أرض الشام والعراق ليجهضوا هاتين الثورتين بحجة مكافحة الإرهاب والتطرف والغلو!! ولا عجب إذ رأينا وسائل إعلام أعداء الثورتين في الشام والعراق ومن يحوم حولها يضخمون من شأن تلك الفئة وينسبون الإنجازات إليها، ثم لا عجب بعد ذلك إذا تطورت الأمور إلى تحقيق ما يتربص له أعداء الأمة من تقسيم للبلاد وتفتيت لها وهي الممزقة أصلاً. وهي النتيجة المناقضة لما تزعم تلك الفئة أنها تسعى إليه من وحدة بين بلاد المسلمين وإلغاء الحواجز فيهم ورعاية لمصالحهم. وهو ما يراه الناس منذ أن ظهرت هذه الفئة الباغية وافتأت على المسلين وصاية واختطافا، فضرب الجهاد من داخله، وقتلوا من قادته ظلماً وغدراً، وطعنوا الثورة في ظهرها، واستولوا على مقدرات بلاد المسلمين من نفط وقمح وموارد أخرى وتفردوا بها وخصوا أنفسهم بجني ثمارها، فأُتيت الثورة من قِبٓلهم وتأخر نصرها.
ـ وبناء على ما تقدم من الحقائق نؤكد على الأمور التالية :
1- ندعو كل الذين غُرِّر بهم فناصروا هذه الفئة الباغية أن يتوبوا إلى الله تعالى ويعلنوا البراءة منها، ويلزموا سواد المسلمين و طريقة أئمة جهادهم إذا كانوا يبتغون بجهادهم وجه الله تعالى ورجاء ما عنده، ويتوقون لإزالة الطغاة والظالمين وتحقيق العدالة للعالمين، فلم يقم الناس بثورتهم ليستبدلوا ظلماً بظلم ولا طغياناً بطغيان، وكذلك على هؤلاء أن يصدروا عن رأي العلماء الثقات الذين شهد لهم القاصي والداني بالعلم والأمانة والاستقامة، ونهيب بأولياء الأمور أن يحذروا أبناءهم من اعتناق هذا الفكر الضال أوالالتحاق بهذه الفئة المنحرفة، ولا سيما في هذه الأيام التي اشتدت فيها حاجة الناس واستغل هؤلاء حاجتهم بدفع المال وتأمين جهازهم لإعدادهم للجهاد كما يزعمون، وكذلك نحذر من يتبرع لهم أو يساندهم قولاً أو فعلاً أنه شريك لهم في إجرامهم.
2- ندعو كل المسلمين من مجاهدين وعاملين إلى التلاحم والتكاتف فيما بينهم ، والالتفاف حول علمائهم الصادقين المشهود لهم بالصلاح والعلم والتقوى والجهر بكلمة الحق والاستقامة على منهج أهل السنة والجماعة، وألا يغتروا بما يصدر عن تلك الفئة الباغية من شعارات وبيانات براقة تدغدغ مشاعر الشباب المندفع المتحمس دون علم أو بصيرة، وأن يحذروا تزييف الحقائق وتلبيس تلك الفئة عبر عبثها بمصطلحاتنا الإسلامية وتحريف الكلم عن مواضعه، بذريعة القيام بمصالح الأمة والدفاع عنها وهم الذين يوردونها موارد التهلكة، ويجهضون تطلعات الأمة في تمكين شرع الله تبارك وتعالى.
3- نؤكد على أن الخلافة الراشدة التي ينشدها المسلمون إنما هي ما كان على منهاج النبوة، دون تسلط أو ظلم أو بغي أو عدوان أو افتآت، وأنها ليست ما يكون على نهج الخوارج الذين يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، فيصولون على الأنفس والأموال، ويكفرون من ثبت إسلامه بيقين بلا سبب، أو يكفرونه بشبهة، ونحذر المسلمين من هذا الفكر الخارجي المناقض لما قرره فقهاء أهل السنة والجماعة في أحكام الإمامة والخلافة ومقوماتها. كما ونهيب بعلماء الأمة أن يوضحوا ذلك للناس حتى لا ينخدع العامة بمثل هذه الدعاوى متذرعين بتحقيق الانتصارات التي أجادوا استغلالها واختطافها، ولا ينخدع الناس بمظاهرهم التي ربما تكون مظنة صلاحهم، فالخوارج من أوصافهم التي وصفهم بها عليه الصلاة والسلام أنهم “قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وأعمالكم مع أعمالهم” إلا أنهم “يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”، وتوعدهم بالقتل والاستئصال فقال: “لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد”.
4- ندعو المسلمين وقد بلغت المحنة ذروتها في بلاد الشام والعراق وقد رمانا الطغاة وأعداء الإسلام عن قوس واحدة أن يثبتوا ويصبروا، ويعلموا أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسراً، وأن الحق لابد أن ينتصر ولو بعد حين ، فالحق أبلج والباطل لجلج، قال تعالى: ﴿ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾، كما نحث المسلمين في أيام هذا الشهر الكريم المبارك بالإكثار من الالتجاء والدعاء إلى الله تعالى أن يزيل الغمة ويفرج الكرب وينصر الحق وأهله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
8 رمضان / 1435هـ
الموافق 6 تموز/2014م
المجلس الإسلامي السوري