بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ، الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد: فإنه كثر في الآونة الأخيرة حوادث استطالة بعض الفصائل على البعض الآخر لأسباب متعددة جلها يعود إلى مكاسب مادية بسبب خلاف على مواقع أو حواجز أو معابر، فتسفك فيها الدماء ويؤسر فيها الشرفاء من المجاهدين، ويستطال بها على الأموال والحقوق، قد لا يستغرب مثل هذا من (داعش) وأضرابها ممن يكفّرون الآخرين ويحكمون بردتهم والنتيجة المنطقية عند ذاك أن يستبيح هؤلاء دماء المجاهدين وأموالهم، وكما رأينا تبدأ الأمور بحملة الشيطنة وتنتهي بالافتراس والابتلاع على مبدأ (زنّاه فحده)، لكن يستغرب هذا غاية الاستغراب ممن يصفون أنفسهم بالاعتدال والوسطية وينأون بأنفسهم عن الغلو والإفراط، فبأي دين تستباح هذه الدماء، وتحت أي ذريعة تتم هذه الصيالة مع ما يرافقها من غدر لمن يتوقع الأمان من طرفه، فلبئس اجتماع الصيالة مع الغدر، يقول عليه الصلاة والسلام (ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته) وفي رواية صحيحة (ولا غدرة أعظم من غدرة إمام عامة يركز لواؤه عند استه) .
والمجلس الإسلامي السوري بعد متابعته لهذه الحوادث المتكررة التي هي نذير شؤم وعلامة خذلان وسبب حقيقي لتأخر النصر أو حرمانه يرى ما يلي:
أولاً: لا يستبعد حصول احتكاكات بين فصيل وآخر بسبب عدم وحدة القيادة أو سوء تفاهم أو بسبب أيد خبيثة في الداخل والخارج تعمل على إذكاء نار الفتنة بين الفصائل، لكن الهدي القرآني يعلمنا في مثل هذه الأحوال الرد إلى أولي الأمر وأصحاب الشأن وعدم الإصغاء لإرجاف المرجفين، وعند حصول التنازع فلا بدّ في مثل هذه الأحوال من التحكيم بين الأطراف إلى شرع الله القويم، بتشكيل محكمة مؤتمنة على القيام بالحق أو الاحتكام إلى محكمة قائمة بالفعل، ومما يلاحظه المجلس على إخواننا الأحبة في الفصائل أنهم يعلنون رضاهم بالتحكيم بعد أن تقع الفأس بالرأس، ويكون طلبهم بعد ذلك إما لعجز عن أخذ حقهم بيدهم، أو لأنهم تمكنوا من خصومهم ويرون في طلب التحكيم غطاءاً لما اقترفت أيديهم، وأن الزمن الذي سيأخذه التحكيم كافياً لتثبيت الأوضاع الجديدة وتسهيل الابتلاع لما أكلوه سحتاً وعدوانا، وهذا ليس من شأن المؤمنين الذي قال الله فيهم (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) والمجاهد الذي يقدم نفسه وماله في سبيل الله يحبط جهاده بمثل هذه الأعمال، ففي الحديث الصحيح من قول عائشة لزيد بن أرقم بعد أن بلغها أنه باع رقيقاً ثم اشتراه عينة (إنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب) مع أن هذا البيع فيه خلاف منقول عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فكيف بمن يقتل مجاهدين معصومي الدماء عامداً متعمداً دون أي تأويل ولا حجة ولا برهان !!!
ثانياً: ومن الملاحظ أن بعض الفصائل بعد أن ينزل عليها البغي والعدوان تلتحق بغيرها وتنضم لتحمي نفسها، فهلاّ فعلت ذلك هي وغيرها قبل ذلك ووفروا على أنفسهم وعلى إخوانهم الدماء والحرمات، وقللوا فرص التنازع والخلاف.
ثالثاً: وأما ما وقع بين فصيلي الجبهة الشامية ونور الدين زنكي، فإنه لأمر مؤسف حقاً أن يقع مثل ذلك لا سيما في وقت اجتمع فيه على أهل حلب كل صنوف القتل ويأتيهم الموت من كل مكان، لكن أما إنه قد وقع الذي وقع، فإن المجلس يرى أن تشكل محكمة مكونة من خمسة أعضاء ينتدب كل من الطرفين عضواً منها، ويختار الثلاثة الآخرون من خارجهم ممن يرضونهم جميعاً، وتبت المحكمة في كل ما حصل وتبعاته وآثاره، ويلتزم الجميع بقبول هذا الحكم ومن يرفض بعد ذلك يعد ناكثاً ومعانداً، ونحن نهيب بإخواننا في هذه المحكمة أن يراقبوا الله في أحكامهم فلا يكون في حكمهم ميل ولا حيف، ونهيب بالجميع بعد ذلك إذا أمكنهم الحكم صلحاً فهو سيد الأحكام، وسيتولى بعض الإخوة ممن علمنا قربهم من الحدث ونزاهتهم وهم موضع قبول لدى الجميع متابعة هذا الأمر.
وفي الختام نذكر الجميع بقول الله تعالى في سورة نزلت تعقيباً على أعظم غزوة في تاريخ المسلمين وهي غزوة بدر الكبرى ألا وهي سورة الأنفال (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
نسأل الله أن يعصم أيدينا وألسنتنا عن إخواننا وأن يصلح بينهم وأن يلهمهم السداد وأن يجمع شملهم على كلمة سواء.
والحمد لله رب العالمين.
المجلس الإسلامي السوري
19 صفر 1438 هجري، الموافق 19 تشرين الثاني 2016م