بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) ويقول سبحانه (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد الصالحين والمصلحين، فقد ثبت في صحيح البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأُخبر عليه الصلاة والسلام فقال: (اذهبوا بنا نصلح بينهم) وعلى آله الأطهار ومنهم أمير المؤمنين الحسن بن علي رضي الله عنه الذي شهد له عليه الصلاة والسلام بالسيادة كما في صحيح البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه حيث قال: (ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) وصحبه الأخيار رضي الله عنهم أجمعين وبعد:
فقد رعى المجلس الإسلامي السوري في الآونة الأخيرة عدة مبادرات بين الفصائل المتنازعة ويرى المجلس من موقع مرجعيته الشرعية وضلوعه بالفتاوى العامة أن يصدر الفتاوى والتوصيات التالية:
أولاً: حرمة الاقتتال بين الفصائل المجاهدة عملاً بالتوجيه القرآني (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً) والذي شدد في النكير والوعيد لمن اقترف هذه الجريمة فقال (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) ومراعاةً لحرمة المسلم كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام (كل المسلم على المسلم حرام، ماله ودمه وعرضه) وقد غلظت هذه الحرمة كما جاء في السنن عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما بسند صحيح قوله صلى الله عليه وسلم (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق) وقد ثبت في سنن أبي داود وغيرها عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) ولعظم الدماء وحرمتها كان القضاء فيها أولاً يوم الحساب، ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام (أول ما يقضى بين الناس في الدماء) وفي الصحيحين عن أبي بكرة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول، قال: كان حريصاً على قتل صاحبه) وكل ما صدر من فتاوى سابقة من بعض شرعيي الفصائل مما يشرع القتال بينها يعد لاغيا ولا عبرة به.
ثانياً: حرمة الرباط في مواجهة بعضها، لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن أن يشير المسلم على أخيه بسلاحه، فقد ثبت بالصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار) وفي رواية عند مسلم (فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع) ولهذا أفتى فقهاء الأمة بحرمة ذلك ولو مزاحاً، فكيف بمن يرصد المدافع والقذائف والبنادق باتجاه إخوانه وهم في خندق واحد يقاتلون عدواً واحداً استباح منهم كل حرماتهم، وإنما يكون الرباط في مواجهة هذا العدو عملاً بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ).
ثالثاً: من الواجب عند استنصار الفصائل ببعضها لصد قوات النظام الصائل المجرم النصرة والعون عملاً بقوله تعالى (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) ولتسع الهيئات الشرعية إلى التقريب بين الفصائل والوصول إلى حدود التنسيق ومن ثم الغرف المشتركة للعمليات وانتهاء باندماجها إن شاء الله.
رابعاً: ولو وقعت فتنة لأمر ما لدسيسة أو نزغة شيطان فالواجب الاحتكام إلى الشرع بمحكمة موحدة تحكم بشرع الله يتوافق عليها الأطراف ابتداءاً أو تشكل بصورة دائمة، ولا يجوز القتال حمية ولا عصبية بل المطلوب شرعاً كف اليد واللسان فقد جاء في وصيته عليه الصلاة والسلام لأهبان بن صيفي رضي الله عنه كما في سنن أبي داود والترمذي ومسند أحمد وصححه الحاكم في مستدركه (إذا كانت الفتنة بين المسلمين فاتخذ سيفاً من خشب) وهذا دأب أكابر الصحابة كابن عمر رضي الله عنه فقد ثبت عنه في فتنة ابن الزبير أنه كان يصلي خلف هؤلاء وخلف هؤلاء فقيل له أتصلي مع هؤلاء وهؤلاء وبعضهم يقتل بعضاً !! فقال: من قال حي على الصلاة أجبته، ومن قال حي على الفلاح أجبته، ومن قال حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت: لا، وعلى هذا يجب على العلماء والدعاة في كل المناطق أن يقفوا ضد أي فتنة ويكون دورهم وأدها والحفاظ على الحرمات وبذل الجهد في جمع الكلمة ووحدة الصف.
خامساً: على الهيئات الشرعية أن تسعى لتنسيق الجهود الدعوية في كل المناطق المحررة وتحفيز الناس على المصابرة وحث الشباب على الجهاد والمرابطة، ونشر أدبيات جمع الكلمة والتسامح والتغافر ودرء المفسدة الكبرى وهي تمكن النظام من مناطقهم لا سمح الله.
وفي الختام نسأل الله أن يكلل الجهود وينجح المساعي وأن يكون اجتماع كلمتنا إيذاناً بنصر الله وسبباً في حصول محبته التي وعد فيها بقوله (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المجلس الإسلامي السوري
3 ربيع الأول 1438 هجري، الموافق 2 كانون الأول 2016م