بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على نبينا محمد سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فقد قدر الله علينا جميعاً أن نقف في وجه الطغاة المستبدين، وأن نخرج في هذه الثورة المجيدة التي دفعت ولا تزال تدفع أثماناً باهظة وتضحيات جساماً، وشاء الله أن يُمكّن لبعض الفصائل في الأرض السورية التي تطهرت من رجس النظام وأعوانه من أعداء الإنسانية، وبدأت تلوح في الأفق فرصة الخلاص من النظام المجرم الذي لم يعرف له التاريخ المعاصر مثيلاً في بطشه وإجرامه ولؤمه وخبثه، وهذه الفصائل هي في حالة اختبار وابتلاء فإما أن يتم التمكين لها ويعم حتى يغطي أرض سوريا الجريحة كلها، أو يكون مؤقتاً سرعان ما ينتهي، لأن هؤلاء قد أخلوا بشروط التمكين التي ذكرها الله في كتابه الكريم، فلقد ذكر لنا كتابنا الكريم قصة بني إسرائيل مع كليم الله ونبيه موسى عليه الصلاة والسلام، فكثيراً ما شكا بنو إسرائيل إليه ظلم فرعون وملئه وعلى رأسهم هامان وقارون، وقد بلغ العدوان ذروته بتقتيل الأطفال واستحياء النساء للخدمة، وملاحقة وقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس، ولقد قالت بنو إسرائيل لموسى (قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا) فجاء الجواب (قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) ونحن نقول لكم من منطلق البيان القرآني إن الله ناظر ما تعملون، فإذا كانت النتيجة أن تتغير الوجوه وتتبدل الرايات والشعارات ويبقى الظلم ويتبادل الظالمون الأدوار، فهذا من علائم الخذلان وأمارات الفشل.
لقد ذكر القرآن الكريم سنن التمكين التي لا تجد تبديلاً ولا تجد تحويلاً كسائر سننه سبحانه وتعالى، فقال مخاطباً نبيه داود عليه السلام (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وقال (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ) فالقول بالحق والحكم بالعدل أساس التمكين.
ثم ذكر القرآن شرطاً آخر بقوله (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) فإقامة شعائر الدين وحراسة الفضيلة وتعليم الناس ودعوتهم إلى الله بالحسنى والحكمة والموعظة الحسنة كل ذلك من أسباب التمكين.
والله تعالى وعد بالتمكين المؤمنين الذين يعملون الصالحات فقال (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) فتوحيد الله والاستقامة على عبادته وطاعته كذلك من أسباب التمكين، وغيرها من الأسباب مما لا يخفى على كل من قرأ القرآن وتدبر آياته وتفكر في سنن الله التي بثها فيه.
وأعظم نعمتين ينعم الله بهما على قوم هي نعمة الأمن من الخوف والإطعام من الجوع، كما امتن الله على مكة وأهلها فقال (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) فلا بد أن يسعى إخواننا في الفصائل لتحقيق هذين المطلبين للناس بقدر استطاعتهم ولا يتم لهم ذلك إلا بالعدل في الحكم والرحمة في التعامل، فقد جاء في الحديث (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) وتحقيق العدالة بين الناس لا يتم إلا بتحقيق قول الرب جل وعلا (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) والتعامل بالرحمة يعني تعليم المسيء الجاهل والتجاوز والصفح عن الزلات مع الموعظة البليغة، ونحن نعلم جميعاً التخريب الممنهج الذي كان يمارسه النظام في تضليل عقائد الناس وتدمير أخلاقهم، وكثير من أبنائنا هم ضحايا التثقيف الفاجر والإعلام الكاذب والشُبه المضللة، وهذا يحتاج إلى مزيد من الدعوة والبيان والتربية الفاضلة والقدوة الصالحة.
فيا إخواننا في الفصائل ينبغي أن تتحد جهود العسكري بفصائله مع المدني بمؤسساته مع الشرعي بمرجعياته، وما لم يحدث ذلك فإن التفرق والتشرذم والتفكك الداخلي ومن ثمّ التحلل الذاتي سوف يكون مصير هذه المجتمعات التي تعصف بها الرياح من كل جانب وتضرب بها المعاول من كل طرف، إن الأدوار ينبغي أن تتكامل وألا تتعارض، فالمؤمن مع أخيه كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، ولا بد من ممارسة الشورى ليشعر الناس بكرامتهم وحريتهم التي خرجوا لأجلها، ويلقوا عن كواهلهم الآصار والأغلال التي كانت عليهم من ممارسات المستبدين الظالمين عبر عقود من الزمن.
وفي الختام نذكركم بسنة الله الماضية وهي أن الظلم من أكبر أسباب هلاك الأمم وزوالها، قال تعالى (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) وقال (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ) وقال (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) وهذه سنة مطردة يعامل الله بها جميع الأمم والأقوام، لكن قد يؤجل الهلاك أوقد يعجله (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) فلنتق الله جميعاً ولا نظلم أنفسنا فضلاً عن ظلم غيرنا (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) أسأل الله أن يأخذ بأيدينا جميعاً إلى مرضاته ويرزقنا الصدق في القول والاستقامة في العمل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المجلس الإسلامي السوري.
14جمادى الآخرة 1438 هجري، الموافق 13آذار 2017