رقم الفتوى: 05
تاريخ الفتوى: الثلاثاء 7 ذو الحجة 1438 هـ الموافق 29 آب 2017م
السؤال: يتساءل كثير من الناس عن كيفية التعامل مع مسألة تغير سعر العملة بسبب الأحداث الجارية في سورية في رد الحقوق المالية من الديون، أو المهر المؤخر، أو المال المسروق والمغصوب إذا تاب صاحبه؟
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإذا كانت الحقوق الثابتة في الذمّة ذهبًا أو فضة أو سلعة مكيلةً أو موزونة: فالواجب ردُّ مثلها مهما تغيرت قيمة العملة، وإن كانت من الأوراق المالية وكان التغير أقل مِن ثلث قيمتها فيجب ردُّ المثل أيضاً، وأمّا إذا كان التغير بمقدار الثلث فأكثر فيُصار إلى الصلح الواجب، وتفصيل ذلك كما يلي:
أولاً: إذا كان الدَّين الثابت في الذمَّة مِن الذهب أو الفضة، أو كان مِن الأشياء العينية التي لها ما يماثلها كالتي تقدرّ بالكيل (الحجم) كالزيت والحبوب، أو الوزن كالمعادن: فالذي عليه عامة العلماء وجوب أداء القدر المتّفق عليه (المثل) دون نظرٍ لتغير القيمة والسعر بين يوم الدين ويوم السداد؛ لأنّ هذه الأشياء لها قيمة ذاتية لا تزول مهما تغير السعر والقيمة.
قال ابن عابدين في رسالته «تنبيه الرقود على مسائل النقود» : (فإنه لا يلزم لمن وجب له نوعٌ منها سواه بالإجماع).
ثانياً: إذا كان الدين الثابت في الذمة من الأوراق النقدية، وحصل فيه تغير رخصاً أو غلاء، وكان أقل من الثلث: فالواجب فيه ردّ المثل؛ لأنّ ما دون الثلث يغتفر شرعاً كالغبن اليسير، ولا تخلو منه العملات عادة، وهو داخل في عموم كلام أهل العلم في رد الدين بالمثل.
ثالثاً: أما إن بلغ التغير في العملة الثلث أو زاد عنها، فلأهل العلم فيها اتجاهات:
1- ردّ المثل سواء غلت العملة أو رخصت.
2- رد القيمة بالذهب أو الفضة أو بالنقد الرائج والعملة الثابتة.
3- اللجوء للصلح الواجب، بتراضي الطرفين فيما بينهما في تحمُّل الخسارة، أو يُرفع الأمر للقاضي الذي يفصل بينهما بتقدير ما يتحمّله كلُّ طرف مِن الخسارة.
ولكلّ اتجاهٍ أدلته، والذي يميل إليه المجلس، وترتاح له القلوب، وتهدأ به النفوس، ويؤدي مقصد البنيان المرصوص والجسد الواحد، والتراحم والتعاون على البر والتقوى، هو القول الثالث القاضي باللجوء للصلح، أو رفع الأمر للقضاء؛ لما فيه مِن اعتبار الظروف الطارئة وما توجبه مِن التخفيف عن المتضرّر بسببها؛ إعمالاً للقاعدة الفقهية الكبرى (الضرر يزال).
وهو ما جاء في توصيات «الندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة قضايا التضخم» التي عقدها مجمع الفقه الإسلامي بجدة بالتعاون مع مصرف فيصل الإسلامي بالبحرين في عام (1420 هـ، 1999م).
وجُعل الثلث فاصلاً بين اليسير والكثير؛ لأن الشرع اعتبره في كثير من المسائل حداً فارقاً بين القلَّة والكثرة، قال ابن قدامة: (والثلث قد رأينا الشرع اعتبره في مواضع، منها الوصية، وعطايا المريض. قال الأثرم: قال أحمد: إنهم يستعملون الثلث في سبع عشرة مسألة، ولأنّ الثلث في حدّ الكثرة، وما دونه في حدّ القلة، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الوصية: «الثلث والثلث كثير» ).
رابعاً: إذا كان المال الثابت في الذمة بسبب الغصب أو السرقة، أو المماطلة في إرجاع الدين: فإنَّ المعتدي يتحمّل كامل الضرر الناتج عن اعتدائه بما في ذلك خسارة العملة لقيمتها.
قال الدسوقي في حاشيته على «الشرح الكبير»: (ولو حصلت مماطلةٌ مِن المدين حتى عدمت تلك الفلوس؛ كان لربها الأحظُّ مِن أخذ القيمة أو مما آل إليه الأمر مِن السِّكّة الجديدة ـــ أي: العملة الجديدة ـــ الزائدة على القديمة، وهذا هو الأظهر لظلم المدين بمطله).
ونرى المصير إلى الصلح في تقدير الخسارة والضرر قدر المستطاع، فإن لم يمكن فالقضاء يفصل بينهم.
خامساً: إذا حصل تغيرٌ في قيمة العملة في العقود الطويلة الأجل المتراخية التنفيذ كعقود التوريد والتعهدات والمقاولات: فيحقّ للقاضي النظر في تعديل الحقوق والالتزامات العقدية، وتوزيع الخسارة على الطرفين المتعاقدين أو فسخ العقد إن كان ذلك أسهل وأصلح، كما جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة سنة 1402هـ، والله أعلم.
وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء: | ||
1ــ الشيخ أحمد حمادين الأحمد 2ــ الشيخ الدكتور أحمد حوى 3ــ الشيخ أسامة الرفاعي 4ــ الشيخ تاج الدين تاجي 5ــ الشيخ زكريا مسعود 6ــ الشيخ عبد الرحمن بكور 7ــ الشيخ الدكتور عبد العزيز الخطيب |
8ــ الشيخ عبد العليم عبد الله 9ــ الشيخ الدكتور عبد المجيد البيانوني 10ــ الشيخ علي شحود 11ــ الشيخ الدكتور عماد الدين خيتي 12ــ الشيخ عمار العيسى 13ــ الشيخ فايز الصلاح 14ــ الشيخ الدكتور مجد مكي |
15ــ الشيخ الدكتور محمد جميل مصطفى 16ــ الشيخ الدكتور محمد الزحيلي 17ــ الشيخ الدكتور محمد معاذ الخن 18ــ الشيخ ممدوح جنيد 19ــ الشيخ موفق العمر |