الكاتب : الدكتور محمد العبدة -عضو أمناء المجلس الإسلامي السوري
لا نبالغ إذا قلنا أن أحد أسباب ضعف الأمة الإسلامية في العصور الأخيرة هو هذا الصراع الخفي والمعلن، والدائب الذي لم ينقطع، بل اشتد أواره في هذه الأيام، هذا الصراع بين تيارين رئيسيين تيار التغريب والليبرالية العلمانية، وتيار التشبث بالهوية الحضارية الإسلامية . ليكون للأمة وجهة توليها وبوصلة ترشدها وأهداف تسعى إليها وتعمل لها ،الواقع الان هو أن القيم متضاربة والمرجعيات مختلفة والثقافة غير متجانسة، وهذا الذي أوجد هذه العزلة وهذه الهوة بين من رفع شعارات الوطنية والليبرالية العلمانية وبين جمهور الأمة التي تحتفظ بعقيدتها وثقافتها مما أدى إلى إعاقة كل مقترح للنهضة، ولم تحصد الشعوب إلا التخلف والضعف، بل أصبح الرأي العام مشوشاً نتيجة هذا الانقسام في حياتنا .إن أي إقلاع حضاري لا يتم إلا إذا اجتمعت القلوب على شيء كبير، شيء سام فوق العصبيات والعرقيات، الدين هو الذي يجمع الشتات بأقوى الروابط، وهو المؤسس الذي يرضى به الجميع أو ترضى به الأكثرية، لأنه تجمع على الجانب الذي به كان الإنسان إنساناً، ولا مجال لتصور الإنسان دون إيمان، فماذا تكون هوية الإنسان في البلاد التي غالبية سكانها مسلمون؟ وعندما نتحدث عن الهوية فإنما نعني شيئا ثابتا دائما مهما تغيرت الظروف أو تقدمت العلوم.
الدين شيء أساسي في حياة البشر، هو الذي يكون شخصية الإنسان فيصبح له رؤية واضحة في القضايا المطروحة،وله رأيه في النظام الدولي وما يسمى ( العدالة الدولية ) وله رسالة يحملها وبالتالي له دور ايجابي في تقدم البشرية نحو الأفضل ،لا يمكن للإنسان أن ينظر للآخرين نظرة قيمية إلا إذا كان صاحب رؤية وهوية ، الإنسانية اليوم معطوبة من طول الاغتراب وعدم الاكتراث بالخير والعدل، وعندما يتحصن المسلم بهويته يتكون عنده القدرة على الاختيار المناسب، فهو لا يرفض كل ما عند الآخر إذا كان صحيحا ومفيدا ولكنه يختار. والمسلم يعلم أن هذا الدين ليس منحصرا في المسجد أو في قانون الأحوال الشخصية، لأنه يقرأ القرآن كل يوم وهو يرى توجيهات القرآن التي تغطي مناحي الحياة السياسية والاقتصادية الاجتماعية.
هل يمكن تجاهل قضايا مثل المنشأ والمصير والغايات، إن تجاهل مثل هذه الأمور لا يفرز إلا رؤوسا فارغة ليس لها هم إلا الاستهلاك والحرص على الحياة أي حياة ولو كانت تافهة.
في الغرب يعلمون أثر الدين في حياة الانسان وأنهم بحاجة إليه كما يذكر المؤرخ الأمريكي ( ول ديورانت ) 1ولكن الليبراليين عندنا والعلمانيين يريدون إزاحة الدين بالكلية من حياة الإنسان ، تقول وزيرة الخارجية الأمريكية سابقاً ( اولبرايت ) في كتابها الجبروت والجبار : ” فالدين جزء كبير مما يحفز الناس ويشكل آراءهم في السلوك العادل والصحيح ” ( 2 ) وفي بريطانيا الملكة هي رئيسة الكنيسة وفي هولندا أن يكون الملك بروتستنتيا شرط رسمي (3)، وفي البرتغال ينص الدستور على أن الكاثولكية هي دين الأمة وأسبانيا تسمح بوجود مرشدين روحيين في الثكنات العسكرية والمستشفيات والسجون . يقول وولتر رسل ميد في مجلة الشؤون الخارجية : ” إن الدين يلعب عادة دورا رئيسياً في السياسة والهوية والثقافة الأمريكية ، فالدين يشكل شخصية الأمة ويساعدها في تشكيل أفكار الأمريكيين عن العالم ” ( 4) وتضم المؤسسة العسكرية الأمريكية 3000 من المرشدين الروحيين حسب تعبيرهم ،والمحافظون الجدد في الحزب الجمهوري لهم وجهة دينية وفي الكيان الصهيوني يوجد ما يعرف بمعاهد تكريس الهوية اليهودية وهي معاهد تابعة لوزارة التعليم الرسمية (5 ) فالغرب لم يتخل عن الدين بالكلية كما يدعي الليبراليون أو كما يتوهمون أو يتجاهلون ، ولكن الغرب غلب مصالحه الدنيوية إذا تعارضت مع أسس الدين أو الأخلاق .
جاء في صحيح البخاري أن اليهود قالت لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ” إنكم تقرأون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيداً ” يعنون قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) فإذا كانت أمة من المناوئين للإسلام حاسدين لأهله قد قالوا في آية واحدة لاتخذناها عيداً فكيف يكون الأمر إذا نظرنا إلى القرآن العظيم كله…….. يـتـبــع