الأستاذ أحمد الصالح، باحث ماجستير
قال الله تعالى : ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ التوبة (40).
الهجرة بالنسبة للأنبياء والمسلين وأتباعهم ليست طريقا للدعة أو الراحة، وإنما هي أسلوب من أساليب نشر الدعوة، وطريقة للمحافظة عليها من بغي الباغين وعدوان الطغاة الظالمين، ولهذا كانت الهجرة سبيل الأنبياء من قبل نبينا محمد ﷺ يرتادون فيها الأرض الخصبة التي تحتضن الدعوة، ويبحثون فيها عن البذور الطيبة الصالحة التي تنبت في دوحة الإيمان بالله.
فإبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء يدعو قومه إلى التوحيد الخالص فيتآمرون عليه، ويكيدون له، ويتعصبون ضد دعوته، فيترك بلده الذي ضاق به، وموسى يتآمر عليه فرعون، ويضايقه في دينه، فيأمره الله أن يترك هذا البلد الذي لم يستطع فيه تبليغ دعوته، وأن يهاجر بقومه إلى حيث يمكنه عبادة ربه وأداء رسالته، وقد مضت سنة الله في عباده المؤمنين الصادقين أن يبتلوا حتى يتركوا أهليهم وأرزاقهم ومكانتهم ووظائفهم ويهاجرون في سبيل الله اتباعاً لنبيهم صلى الله عليه وسلم.
إن ذكرى الهجرة حدث يعود علينا في كل عام مرة وإن فيه من الدروس والعبر ما لو فهمناه وعملنا به لتغير مسار حياتنا ولخرجنا من العشوائية والضياع واليأس الذي يضرب مجتمعاتنا إلى الرتابة والعمل والأمل…
ولهذا سنرافق النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرته المباركة ونقف معها وقفات عديدة؛ علنا نستخلص منها الدروس والعبر فتكون ترياقا لآلامنا وشفاء لأمراضنا…
الوقفة الأولى:
عندما أحس النبي صلى الله عليه وسلم بالخذلان والصدود من أهل مكة بدأ بالبحث عن أرض جديدة لدعوته، وقد وجدها في الأوس والخزرج من أهل المدينة المنورة فاجتمعوا سرا بمكة وتكلم كل من النبي صلى الله عليه وسلم والأنصار بما في نفوسهم ليكون كل طرف منهم على بصيرة مما هو مقبل عليه… وكذلك البيان قبل البدء في أي أمر من أمورنا الشخصية، أو أمور الأمة العامة؛ أدعى للاتفاق وأبعد عن الاختلاف، فلا تكفي العواطف ولا اتحاد الهدف لنتحد، بل إن التخطيط والبيان وتقسيم المهام إضافة إلى ما سبق من الإخلاص واتحاد الهدف هو الكفيل بنجاح مشاريعنا الخاصة والعامة.
عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا جَاءَتِ الْأَنْصَارُ وَعَدَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَقَبَةَ , فَأَتَاهُمْ وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ تَكَلَّمُوا وَأَوْجِزُوا فَإِنَّ عَلَيْنَا عُيُونًا ” فَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اشْتَرِطْ لِرَبِّكَ وَاشْتَرِطْ لِنَفْسِكَ وَاشْتَرِطْ لِأَصْحَابِكَ , فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَلِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ , وَلِأَصْحَابِي الْمُسَاوَاةَ فِي ذَاتِ أَيْدِيكُمْ ” ثُمَّ خَطَبَ خُطْبَةً لَمْ يَخْطُبِ الْمُرْدُ وَلَا الشِّيبُ خُطْبَةً مِثْلَهَا قَالَ: فَمَا لَنَا قَالَ: ” الْجَنَّةُ ” قَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ بَايِعُكَ[1].
وهنا وقفة أخرى مع موعود النبي صلى الله عليه وسلم لأنصاره، إنه لم يعدهم بشيء من متاع الدنيا وعزتها وإنما وعدهم دار رضى الله “الجنة” وهذا ما على المؤمن أن يوطن نفسه لأجله… نعم؛ لم يُمَنِّهمْ النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من فانيات الحياة حتى لا يكون في نيتهم شيء من مُتع الدنيا وملذاتها، إنها الرسالة السماوية الربانية تربي أتباعها على أن الإيمان بالله وبرسوله لا يمنيك بانتصار أو بمال أو بجاه، فإنما هي أمور ثانوية قد تأتي أو لا تأتي، ومن يتفكر في قصص أنبياء الله ومرسليه يدرك هذه السنة الإلهية، فقليل من الرسل عليهم السلام من مُكِّن له، وكثير منهم قضى قبل أن يُمَكَّن له ولقومه المؤمنين، بل إن منهم من عذب وقتل، ويكفيهم فيما كانوا فيه أنهم بلغوا أمانة ربهم، وعاشوا وماتوا لم تحرفهم ابتلاءات الدنيا وفتنها عن المهمة التي خلقهم الله لها… وكذلك كل مؤمن صادق فإنه يوطن نفسه على أنه سيضحي ولا ثمن إلا الجنة.
الوقفة الثانية:
أوحى الله إلى نبيه وأخبره بما بيت أهل مكة له من نيتهم قتله، وكان عليه ﷺ أن يأخذ بكافة الأسباب المادية والحسية إمعانا في تضليلهم وإخفاء أمره، حتى لا يفطنوا لخروجه فيتبعوه، ويفسدوا عليه خطته، عندئذ أمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينام في مكانه، وأن يتغطى ببرده الحضرمي الأخضر، فامتثل علي لأمره، ونام في مكانه مضحيا بنفسه يفدي بها رسول الله ﷺ وضرب علي بذلك أروع أمثلة التضحية والفداء.
وخرج رسول الله ﷺ على القوم وهو يعلم مكانهم وما جاؤوا من أجله، ولكنه خرج وكله ثقة بالله عز وجل، وفتح باب بيته ليجد فتيان قريش يغطون في نوم عميق.
نعم؛ إنها إحدى معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد أخذ الله أبصارهم، وضرب على قلوبهم حتى خرج عليهم رسول الله ﷺ فلم يروه.
وهنا وقفة لا بد منها إن نصر الله وتأييده لعباده المؤمنين عادة ما يأتي بعد الأخذ بالأسباب والاحتياط للأمور، ولا يأتي للمتواكلين الذين لا يحترمون قوانين الله في كونه والتي تقتضي الأخذ بكافة الأسباب الحسية والمعنوية للنصر مع التوكل الكامل على الله… ولا يكفي المؤمن الأخذ بأحدهما مع ترك الآخر.
الوقفة الثالثة:
تتغير أحداث القصة ويتكرر الدرس نفسه توكل على الله بصدق وخذ بالأسباب كاملة وعندها فقط سيجبر الله كسرك وينصرك على عدوك، ولكن مع درس جديد نتعلمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نرقب خطاه في طريق هجرته المباركة… خرج الرسول ﷺ من بيته فكان لابد من سلوك طريق غير مألوفة حتى لا يعترضه أحد من أعدائه، احتياطاً وأخذاً بأسباب الحذر والنجاة، فاستأجر لذلك الدليل عبد الله بن أُريقط وكان ماهراً يعرف الطريق معرفة جيدة، وكان عبد الله مشركاً، ومع ذلكَ ائتمنه على هذا السر الخطير، ووفى الرجل بعهده فلم يخن ولم يغدر.
وهنا نرى كيف استعان النبي ﷺ بمشرك ماهر في معرفة الطرق والدروب واتجاهاتها وهذا من الأخذ بالأسباب، إذ لا يكفي الإيمان لتعرف كيف تعيش حياتك وتبني دنياك، فإنه لا بد مع الإيمان من علم وإتقان لأمور الدنيا لنقوم بما كلفنا به من إعمار الحياة والقيام بأحكام الله.
قد ورصدت قريش مائة ناقة لمن يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم حياً أو ميتاً، وأبت نفس ابن أريقط أن يربح هذه الجائزة على حساب رجل ائتمنه ورضي بأجره المتفق عليه، وهذا مما تميز به العرب الجاهلية حيث كان الوفاء خلقا مقدسا عندهم وكان النكث بالعهود والغدر من أعظم ما يشان به الرجال.
ـالوقفة الرابعة:
وكان لابد أن يختفي رسول الله ﷺ فترةً عن أعين الناس حتى يهدأ الطلب وتفتر الهمم في اقتفاء أثره فيتمكن من السير وهو آمن، فذهب إلى غار ثور وهو في الجهة الجنوبية الشرقية – عكس اتجاه الهجرة إلى المدينة وهي في الجهة الشمالية الغربية – حتى أقام فيه ثلاثة أيام، ولم ينس رسول الله ﷺ أن يدبر أمر الطعام والشراب والأخبار في تلك الفترة التي سيقضيها في الغار، فوكل أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنها بإعداد الطعام والشراب فكانت تأتيهما به ليلا حتى لا يراها أحد.
وجعل على أخبار القوم عبد الله بن أبي بكر، كان يسمع ما يدور في مجالس القوم نهاراً ويعيه، فإذا جن الليل أتاهما بأخبار الناس وأعلمهما بما يتكلمون به وما يدبرون، وعلى أساس هذه الأخبار كان يخطط للبقاء في الغار أو لمغادرته، وكان ﷺ يخشى أن يرى أحد من المشركين آثار أقدام عبد الله بن أبي بكر وأخته أسماء فيستدل بها على مكانهما، فأمر عامر بن فهيرة مولى أبي بكر أن يسرح بالغنم مبكراً على آثارهما فيمحوها، ويزيل ما قد يكون سبباً في معرفة مكانهما، كما كان يريح الغنم عليهما ليلاً فيحلبان منه ويشربان.
وهنا يبرز بشكل واضح الفرق بين العمل الفردي والعمل الجماعي، عمل الفريق الواحد وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بالمجتمع أو بالأمة، فلا بد حينها للجماعة من تنظيم العمل وتحمل المسؤولية تجاه قضيتها حتى تنجح في مشروعها، فإن هي لم تعمل وتتحمل مسؤوليتها كان الفشل رديفها وعادت النتائج بالسوء على المجتمع المسلم كله، وهذا رأيناه واضحاً في عمل آل أبي بكر في هجرة النبي ﷺ وتحملهم للمسؤولية كاملة رجالاً ونساءً.
الوقفة الخامسة:
ومع كل هذه الاحتياطات، ورغم كل التدابير التي اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم فقد وصل القوم إلى الغار، ولكن هل على الرسول وصاحبه لوم إذا عرف القوم مكانهما بعد ذلك؟ كلا! فقد اتخذا كل الاحتياطات اللازمة وبذلا كل ما في وسعهما والله سبحانه بعد ذلك يتولى ما لم يقدرا عليه.
وصل المشركون إلى الغار، ورأى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أقدامهم، فقال: “يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه أبصرنا”، والرسول يهدئ من روع أبي بكر ويقول: “يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا”
نعم إنه الدرس الذي يتكرر مرارا في طريق الهجرة! إن الله لا يتخلى عن المؤمنين الصادقين إن هم أخذوا بالأسباب مهما كانت الأخطار من حولهم .
مضت على الرسول ﷺ الأيام الثلاثة وهو في الغار، وهدأ الطلب ويئس المشركون، واطمأن الدليل فوافاهما براحلتيهما، وغادر رسول الله ﷺ وصاحبه الغار قاصدَين يثرب الغراء تكلؤهما رعاية الله.
الوقفة السادسة:
وسلك الدليل بهما طريقا لا يعرفها كثير من أهل مكة إمعانا في تضليل المشركين، وضمانا لسلامة المهاجرين، أخذ الدليل بهما طريق الساحل، وسار أمامهما، وجَدَّ الناس في طلبهما رغبة في الحصول على الجائزة الثمينة التي رصدتها قريش لمن يأتي بهما أو بأحدهما حيا أو ميتا.
ورغم إمعان الدليل في التضليل، ورغم الجهد المبذول في التخفي إلا أن سراقة بن مالك أدرك المهاجرين،
وهناك كانت المعجزة التي ملأت قلب سراقة خوفا وهلعا وأخذت به إلى رحاب الإيمان، حيث غاصت قوائم فرسه في الرمال أكثر من مرة، فعلم أن الرسول ممنوع لا محالة فآمن به، وأمره رسول الله ﷺ أن يخفي أمره ولا يخبر أحداً به.
والتفت الرسول إلى سراقة وقال: ” كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ ” نعم هذه هي ثمرة المعرفة بالله سبحانه، ينسى المؤمن ما هو فيه من ضر وألم وهو ينظر موعود الله له قبالة عينيه، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن، يعمل في أحلك الظروف، ولكن قلبه متعلق ببشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته بالحفظ والنصر والتمكين في كل زمان ومكان إن هم أطاعوه وعملوا في كونه وفق قوانينه.
ويعود سراقة بهذه البشارة الطيبة وبكتاب أمان كتبه له أبو بكر بأمر الرسول، ويعود فوق ذلك بإيمان ملأ قلبه فكان ذلك عنده خيراً من ألف ناقة.
الوقفة السابعة:
ومر الرسول ﷺ وصاحبه بخيمتي أم معبد وهي امرأة من خزاعة كانت تجلس في خيمتها تطعم وتسقي من يمر بها فسألاها عن شيء يشترونه، فأجابت لو كان عندي ما أعوزكم القرى! – أي ما أحوجناكم بل كنا نضيفكم – ورأى رسول الله ﷺ في جانب الخيمة شاة فقال: “ما هذه الشاة يا أم معبد؟ ” فقالت: “هي شاة خلفها الجهد عن الغنم”. فاستأذن منها، وحلبها فتفاجت _ أي باعدت ما بين رجليها _ فدرَّت، وملأ الرسول ﷺ منها إناء يكفي الرهط فسقاها ثم سقى أصحابه ثم شرب أخرهم، ثم حلب في الإناء مرة أخرى حتى ملأه وتركه عندها وغادرها.
وهذه معجزة أخرى لرسول الله ﷺ في طريق هجرته المباركة وهذا هو حال الأنبياء أينما حلوا خرق الله لهم من قوانين كونه ما يستدل به الناس على نبوتهم.
الوقفة الثامنة:
وفي الطريق لقي الركب الزبير بن العوام رضي الله عنه قادماً من الشام في تجارة له، ومعه بعض المسلمين، فكسا الرسول ﷺ وأبا بكر ثياباً بيضاء مما جلبه من الشام. وسار الركب المبارك ميمماً شطر المدينة، وعلم الأنصار بمقدمه فخرجوا لاستقباله، وقد لبسوا سلاحهم وتلقوه بظهر الحرة المعروفة “بحرة الوبرة” الحرة الغربية، فمال بهم ﷺ ذات اليمين متجها إلى قباء حتى نزل في بني عمرو بن عوف وكان ذلك يوم الإثنين، الثاني عشر من شهر ربيع الأول.
لقد كان أهل المدينة المنورة في شوق للقاء رسول الله ﷺ ورؤيته، فخرجوا رجالا ونساء وأطفالا لاستقباله خارج المدينة وقلوبهم قد حرقها الشوق وكواها الحنين لرؤية الطلعة المحمدية، وكذلك ينبغي أن يكون الداعية المسلم مثلا بأخلاقه وأفعاله وأحواله، إن غاب افتقده الناس وإن حضر وجدوا فيه النور وبقربه السعادة، ولعل فقدان أو قلة هذا الصنف من الدعاة والمرشدين في الأمة هو السبب في بعد الكثير من الناس عن الدين.
لقد آثر رسول الله ﷺ الآخرة على الدنيا ومغرياتها، وبقي على دعوته وهاجر في سبيل الله تاركاً موطنه وأمواله وكذلك أصحابه رضي الله عنهم، وكذلك يفعل أتباعه الصادقون من بعده إلى قيام الساعة فالهجرة مفتوحة إلى قيام الساعة، وهي واجبة إن كانت فيها سلامة الدين… وهي ابتلاء من الله يميز به من أطاعه ممن عصاه، قال الله تعالى : ﴿ ما كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران، آية 179]. والهجرة إن لم تكن بترك الأوطان فقد تكون بهجرة المعاصي والآثام يقول النبي ﷺ : (والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه).
وختاما:
لم تكن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم تخليا عن وطنه وقومه، وإنما كانت مرحلة مهمة في حياته كرسها لبناء دولة الإسلام وتربية جنودها البواسل الذين قادهم إلى وطنه، ففتح الله بهم مكة وأدخل الإيمان في قلوب أهلها الذين كانوا يوما من الأيام من ألد أعدائه.
وكذلك حالنا اليوم كسوريين وفلسطينيين وعراقيين وصومال وأفغان وبورميين وغير ذلك، لقد كتبت علينا الهجرة مجبرين أو مختارين، وهذا لا يعني أبدا ضياع قضايانا الإسلامية والإنسانية التي نناضل من أجلها، بل هي مرحلة لإعادة التخطيط ورص الصفوف والتحضر لمرحلة العودة إلى الوطن لإسقاط الطغاة والمحتلين وأعوانهم وإقامة العدالة والمساواة في كافة ربوع الإسلام وأقاليمه المباركة.
فكما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجرنا وكما عاد فاتحا فسنعود منتصرين بإذن الله وما ذلك على الله بعزيز…
[1] – (4/150) أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه للفاكهي، المحقق: د. عبد الملك عبد الله دهيش، الناشر: دار خضر – بيروت، الطبعة: الثانية، 1414.