الدكتور معاذ الخن. – رئيس مجلس الإفتاء السوري
بين يدي البحث
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد إمام الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين، يقول الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة الأنعام: آية 153] أما بعد:
فلكل دين حدوده من تجاوزها عدّ خارجًا عن الدين معرضًا عن شرائعه مستوجبًا للعقوبة، والقرآن الكريم عبر عن أحكامه بالحدود فقال: {تلك حدود الله فلا تقربوها} [سورة البقرة: آية 187] وقال: {تلك حدود الله فلا تعتدوها} [سورة البقرة: آية 229] وأهل السنة والجماعة بمنهجهم الذي يقوم على الحق والعدل وإنصاف المخالف يقفون موقف الوسط بين منهجي الإفراط والتفريط، فهناك من يغالي في التكفير ويحكم به على من لا يستحقه شرعًا، وهناك من يريد أن يجعل من الإسلام مائعًا ليس له حدود ولا ضوابط بدعوى سماحته ويسره، فكان لا بدّ من منهج ضابط لهذه المسألة يكون متوافقًا مع نصوص الكتاب والسنة وفهم السلف وعلماء الأمة المشهود لهم بالصدق والإمامة والفقه في الدين؛ لأن هذه المسألة من الخطورة بمكان إذ تستباح فيها الدماء وتنزع فيها الحقوق؛ لذا كتب كثير من العلماء في القديم والحديث حول هذا الموضوع تأصيلًا وضبطًا، وجاءت بعض هذه البحوث ما بين طويل مملٍّ أو قصير مخلّ، وقد زادت الحاجة في زماننا لهذا الموضوع بسبب بروز تيارات غالية في الأمة تسلك مسلك التكفير بغير علم ولا ضبط، فكثر المظلومون وشُوهت صورةُ الإسلام الصّافية النّقية، وصار يفتي في هذه المسألة حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام جهلاء المعرفة، فكان لابدّ من تأصيل شرعي لهذه المسألة يبين خطورتها وأحكامها وضوابطها….
وقد تكلمت عن هذه المسألة في مبحثين.
الأول: مقدمة في التعريف بالمسألة ومكانها من أحكام الشرع وخطورة التعامل معها، وبيان معنى الإيمان وما يتعلق به من مسائل.
والثاني: تكلمت فيه عن أهم القواعد والضوابط المعتبرة في مسألة التكفير، وذلك من خلال مجموعة قواعد نص عليها علماء السنة في مواضع مختلفة من مباحث العقائد أو الأحكام.
المبحث الأول
تعريف عام بمسألة التكفير ومعنى الإيمان
هو: الحكم بالكفر، قال الغزالي: التكفير حكم شرعي كالرق والحرية([1]).
إن التساهل في الحكم بالتكفير خروج عن منهج الله ولا نتيجة لهذا الخروج إلا الفرقة والشقاء واقتتال الإخوة وضعفهم وتسلط عدوهم عليهم، فالحكم على مسلم بالكفر بمثابة قتله، كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((ومن رمى مؤمنًا بكفر فهو كقتله))([2]) لذا لا يصار إليه بالتشهي والهوى والظن، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الوقوع فيه حتى قال: ((إذا قال الرجل لأخيه المؤمن يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال أو رجعت عليه))([3]) أي: رجعت عليه معصية تكفيره، فالراجع التكفير لا الكفر كما ذكر أكثر المحققين كالنووي والقرطبي وابن حجر ([4]).
وإدراكًا من العلماء لخطورة التكفير فقد أعملوا فيه قاعدة (الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة) يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: (وينبغي الاحتراز من التكفير ما وجد الإنسان إلى ذلك سبيلا، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله) خطأٌ ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من سفك محجمة من دم مسلم)([5]).
كما أن الحكم به تترتب عليه الكثير من الأحكام الشرعية، كقطع الموالاة والتفريق بين الزوجين ومنع التوارث وإباحة الدم وغير ذلك، لهذا تورع علماء السنة في كل العصور عن الحكم بكفر مسلم إلا في حالات قليلة ممن تطاولت أعناقهم على الدين ولم يتركوا للإيمان في أعناقهم شيئا.
ولعل التكفير بلا دليل معتبر هو إحدى ملامح الخوارج البارزة والتي نتجت عن الجهل بأحكام الدين وقواعده ومقاصده وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الخارجين عن الجادة بقوله ((يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم))([6]) وفي رواية ((يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ))([7]).
قد ترى بعض المتأثرين بالفكر الحداثي ينكر أن يكون هناك حكم اسمه (التكفير) ويعتبر ذلك من الاعتداء على حرية الآخر… والحقيقة أن قضية التكفير مسألة تكاد تكون مطَّردة الوجود لدى كل أتباع الديانات؛ إذ الناس في نظرهم مؤمن وغير مؤمن وليس هذا حكرًا على الإسلام… والدين الذي لا ضوابط فيه للإيمان أو الكفر دين هلامي ليس له حدود… وكما أن تمييع الدين انحراف خطير فإن تجاوز الحد في التكفير والغلو فيه انحراف أيضًا عن المنهج الصحيح… فالمذهب العدل الوسط هو تكفير من يستحق التكفير بالأدلة المعتبرة مع الاحتياط وعدم تكفير من لا يستحقه، ويمثل الخوارج والمرجئة في هذه المسألة نموذجي الإفراط والتفريط في التاريخ الإسلاميّ.
في محاولة من الملحدين في الدين لطمس معالم الشريعة يحاول بعضهم تفسير ما ورد من مصطلحات دينية كالكفر والإيمان والفسق وغيرها في القرآن الكريم تفسيرًا لغويًّا بعيدًا عن المعنى الاصطلاحيِّ الذي بيّنته نصوص الكتاب والسنة، والحقيقة أن كلامهم مردود عليهم لأن الضابط في تحديد معاني هذه المصطلحات هو النصوص الشرعيَّة ولا يصار إلى المعنى اللغويِّ واشتقاقاته وشواهده إلا في حال عدم وجود النص المفسر لها… يقول ابن تيمية رحمه الله: (وما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم)([8]).
لا تدرك حقيقة الكفر إلا بمعرفة حقيقة الإيمان، ولهذا لا بد لنا من التعريف به، فهو في اللغة: مطلق التصديق، وفي الاصطلاح: تصديق القلب وقول اللسان وعمل القلب والجوارح.
فتصديق القلب إقراره وقول اللسان النطق بالشهادتين وعمل القلب الإذعان والقبول والانقياد وعمل الجوارح إتيانها بالمأمورات وترك المنهيات، قال الإمام البخاري: (لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أن أحدًا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص)([9]) وهذا نقله اللالكائي عن الشافعيِّ وأحمد وإسحق وأبي عبيد وأبي زرعة وغيرهم([10]).
إن التصديق بوحدانية الله ونبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدهما لا يكفي ليدخل الإنسان تحت اسم الإسلام، حتى يؤديه هذا التصديق إلى التسليم لله وانعقاد القلب على التصديق بمقتضى الشهادة من الإيمان بكل ما جاء عن الله ورسوله، قال الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليما} [سورة النساء: آية 65] يقول التفتازاني: (الإيمان لغة التصديق وهو إذعان لحكم المخبر وقبوله، فليس حقيقة التصديق أن يقع في القلب نسبة التصديق إلى الخبر أو المخبر من غير إذعان وقبول، بل هو إذعان وقبول لذلك بحيث يقع عليه اسم التسليم)([11]).
إن من اقتصر في تعريف الإيمان على التصديق – من أهل السنة والجماعة – كان مقصوده التصديق الانقيادي المستلزم لقبول الأحكام فيكون الخلاف لفظيًّا، فلم يؤثر عن أحدهم إخراج عمل القلب من حقيقة الإيمان ولم يقصره أحد على التصديق الخبري سوى الجهمية، وهذا ما نقله ابن الهمام الحنفي وابن عابدين في حاشيته حيث قال: (معنى التصديق قبول القلب وإذعانه لما علم بالضرورة أنه من دين محمد صلى الله عليه وسلم بحيث تعلمه العامة من غير نظر واستدلال كالوحدانية والنبوة والبعث والجزاء ووجوب الصلاة والزكاة وحرمة الخمر ونحوها)([12]).
إن الإيمان في قلب المسلم يزيد وينقص وقد جاء ذلك بنص القرآن الكريم كما في قوله تعالى {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً} [سورة الأنفال: الآية2] وقوله تعالى {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانًا} [سورة الفتح: آية 4] فإذا كان يزيد فهو ينقص.
وينتج عن قضية زيادة الإيمان ونقصه تقسيم الإيمان إلى مراتب مثل أضعف الإيمان، فقد جاء في الحديث الصحيح ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان))([13])، وأدنى الإيمان كما جاء في أحاديث الشفاعة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي! فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ)) ([14]).
فالإيمان يزيد وينقص، وكان ضلال فرق الخوارج اعتقادهم أن الإيمان منزلة واحدة وأن أعمال الجوارح جزء من أصله، فمن ارتكب معصية كبيرة خرج من الإيمان وكفر… ولم يكن ذلك منهم إلا تعلَّقا بظواهر نصوص الوعيد.
وكان ضلال المرجئة في إخراجهم كل الأعمال من معنى الإيمان تعلّقًا بظاهر نصوص الوعد فقالوا بصحة الإيمان إطلاقًا بمجرد التصديق بلا انقياد ولا عمل، قال ابن تيمية : (وهذا هو الأصل الذي تفرع عنه البدع في الإيمان)([15]).
المبحث الثاني
قواعد وضوابط في التكفير
فمن جاءت النصوص بكفره فهو كافر، ومن لم يكفره الله ورسوله فلا يكفَّر… وعلى هذا فأهل السنة لا يكفّرون من يكفرهم من غيرهم لمجرد أنّ الآخر قد كفرهم، لأن التكفير حكم شرعي ليس داخلًا في باب العقوبة بالمثل، فالتكفير حق الله، لذا لم يكفِّر الصحابة الخوارج مع أن الخوارج كفروا عليًّا رضي الله عنه ومن معه من الصحابة، فالمعوّل عليه في مسألة التكفير النص الصريح أو الإجماع أو القياس الجلي الصحيح على منصوص عليه([16]).
لا تلازم بين التكفير المطلق وتكفير المعين : ومثاله قول الإمام أحمد بكفر من قال بخلق القرآن، لكنه لم يكفّر أعيانهم مع أنه ناظر بعضهم، وذلك لعدم اجتماع الشروط وانتفاء الموانع، وهؤلاء لم يكذبوا النصوص وإنما أخطؤوا في فهمها وتأويلها، فقد كان الإمام أحمد يصلي خلف الخليفة الذي كان يمتحن الناس بهذه المسألة وكان يدعو الله له بالمغفرة.
ليس كل ما وردت النصوص بتسميته كفرًا أو شركًا فهو عمل مُكَفِّرٌ مخرج من الملة… إذ إن بعض الأعمال ورد وصفها بذلك لمشابهتها أفعال الكفار أو باعتبار ما تؤدي إليه أو لأسباب أخرى… ومن هنا قسم بعض العلماء الكفر إلى قسمين: كفر أكبر وهو المخرج من الملة، وكفر أصغر وضابطه: ما وردت النصوص بتسميته كفرًا أو شركًا، واتفق العلماء على أنه لا يخرج مرتكبه من الملة إلا بالاستحلال، ولبيان هذه القاعدة لا بد من الحديث عن عدة مسائل.
الأول: المراد أنها من أعمال أهل الكفر كما في الحديث: ((لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض))([22])، وحديث: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر))([23]) وقد قال الله تعالى في حق المسلمين المتقاتلين: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} [سورة الحجرات: آية 9] فلم ينف عنهم وصف الإيمان مع اقتتالهم.
الثاني: الكفر أو الشرك المذكور في الحديث هو في حق المستحل.
الثالث: هذا الفعل يؤدي إلى الكفر أو الشرك: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))([24]).
الرابع: هو بمعنى كفر الإحسان والنعمة، وهو ما يعبر عنه بعبارة: (كفر دون كفر) كقوله تعالى: {ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله} [سورة النحل: آية 112].
الخامس: المقصود نفي كمال الإيمان مع بقاء أصله فلا يكون بذلك العاصي خارجًا من الملة، كقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن))([25]) قال ابن حجر في تعليقه على هذا الحديث: (وهذا يوافق قول الجمهور إن المراد بالإيمان هنا كماله لا أصله)([26]).
السادس: إن المقصود به هو التغليظ والزجر ففي مقام الوعظ تذكر هذه النصوص كما هي دون تفصيل فيها لتحقق الغاية منها كما نقل ذلك عن الإمام أحمد وسفيان: (يقرونها ويمرونها كما جاءت ويكرهون تأويلها بما يخرجها عن مقصودها في التغليظ والزجر)([27])، وأما في مقام بيان الحكم فتجمع النصوص الواردة في كل مسألة منها ثم تفسر بحسب قواعد تفسير نصوص الوعد والوعيد… ولجهل كثير من المتصدرين للوعظ بهذه الضوابط فقد أدى بهم ذلك إلى التكفير بما لا يجوز التكفير به… ومثال هذا الخلط المتسبب عن الجهل بأساليب العرب أن يخرج من هؤلاء من يظن أن قول علي لأهل الكوفة (يا أشباه الرجال ولا رجال …. ) يدعو إلى تنزيل أحكام الخنثى عليهم في المواريث!
مسألة موالاة الكفار: يتفرع على القاعدة السابقة الحديث عن (الكفر الاعتقادي) وهو الكفر الأكبر، (والكفر العملي) وهو الكفر الأصغر… ولعل من أشهر المسائل التي حصل الخلط فيها بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي مسألة نقض الإيمان بموالاة الكفار! فهل مطلق موالاة المسلم للكفار يخرجه من الملة باعتباره كفرًا أكبر؟ أم أن فيه تفصيلا؟
لقد نهى الله سبحانه عن موالاة الكفار فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} [سورة الممتحنة: آية 1] وقال: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [سورة المائدة: آية 51]، وقد فهم البعض من ظاهر هذه النصوص تكفير كل من عمل عملا يفسر على أنه موالاة للكفار، وليس الأمر كذلك إذ جاء في السنة تفصيل هذه المسألة بما لا يدع للشبهة مجالا!
جاء في قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه يوم الفتح أنه أرسل كتابًا يخبر أهل مكة بمسير الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين إليهم، وهذا من الموالاة الظاهرة، لكن الموالاة منه لهم لم تكن بسبب اعتقاده ما هم عليه من الكفر، إنما حماية لأهله كما جاء في الحديث الصحيح فقد قال حاطب: (والله ما فعلته شكًّا في ديني ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام) فقال عليه الصلاة والسلام : ((إنه قد صدق))([28])، وأما منع قتله فكان بسبب شهوده بدرًا فلو حكم بكفره فشهوده بدرًا لا يمنع من إطلاق الكفر عليه وكذلك لو حكم بكفره لحبط عمله ومن جملة ذلك جهاده وشهوده بدرًا قال تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} [سورة المائدة: آية 5] فلم يعد ينفعه عمله شيئًا، فلما لم يكن ما فعله كفرًا كانت حسنة شهوده بدرا ماحية لهذه السيئة،
قال الإمام الشافعي رحمه الله: (وليس الدِّلالةُ على عورةِ مُسلمٍ ولا تأييدُ كافرٍ بِأَن يُحَذّرَ أَنَّ الْمُسلمينَ يُريدونَ مِنهُ غِرَّةً لِيحذرَها أو يتقدَّمَ فِي نِكايةِ المسلمينَ بِكُفْرٍ بَيِّنٍ(، وقال ابنُ العربي: (مَنْ كَثُرَ تَطَلُّعُهُ على عَوراتِ المسلمينَ ويُنَبِّهُ عليهِم ويُعَرِّفُ عَدُوَّهُم بِأَخْبارِهِمْ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ كافِرًا إِذَا كَانَ فَعَلَهُ لِغَرَضٍ دُنيويّ، واعتقادُهُ على ذلكَ سَليمٌ، كَما فَعَلَ حاطِبٌ حِينَ قَصَدَ بِذلكَ اتِّخاذَ اليدِ ولم ينو الرّدة عن الدّين(([29])، وقال ابن تيمية في الفتاوى: (وقد تحصلُ للرّجل موادَّتهم لرحمٍ أو حاجةٍ فتكون ذنبًا ينقص به إيمانُه، ولا يكون به كافرًا كما حصل مِن حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [سورة الممتحنة: آية 1]) وقد ناقش الإمام ابن القيم هذه المسألة في زاد المعاد([30]) ثم بيّن حكم الجاسوس ورجح أنه من أحكام الإمامة فالإمام يمكن أن يقتله أو يستبقيه بحسب المصلحة، ولو حكم بكفره لما جاز الاستبقاء.
ومثل قصة حاطب ما حصل من سعد بن عبادة في (حديث الإفك) فقد جاء فيه: قال سعد بن معاذ: (دعني أقتل هذا المنافق) يقصد عبدالله بن أبيّ! فقال له سعد بن عبادة: (كذبت والله لا تقتله ولا تقدر على قتله) قالت عائشة: ((وكان رجلاً صالحًا ولكن احتملته الحمية))([31])، يفهم من ذلك أنه لم يكن دفاع سعد عن المنافق موالاة له في نفاقه، ولكن لسبب خارج عنه.
مسألة الحكم بغير ما أنزل الله: ومن المسائل المهمة المتفرعة عن قاعدة الكفر الاعتقادي والكفر العملي مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، فهل كل من ترك حكم الله هو كافر أم أن في ذلك تفصيلا؟
إنّ الحاكم الذي يوصف بأنه مسلم ثم يرفض شريعة الله ويعتقد بأن غيرها أفضل منها وأجدر بالتطبيق وأنها غير صالحة للعمل بها ولا شبهة له في ذلك فهذا كافر وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليما} [سورة النساء: آية 65]… ولكنه إن كان يعتقد أحقيتها ويؤمن بها ولكنه لا يعمل بمقتضاها تقصيرًا أو لوضع ما يمنعه من ذلك؛ فهذا يكون عاصيًا أو ظالـمًا مرتكبًا للكبيرة أو فاسقًا ولا يدخل تحت مسمى الكفر الاعتقادي الأكبر، قال شارح الطحاوية : (وهنا أمر يجب أن يتفطن له وهو أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفرًا ينقل عن الملة، وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة، ويكون كفرًا إما مجازيًّـا وإما كفرًا أصغر على القولين المذكورين، وذلك بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب وأنه مخير فيه أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر، وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله وعلمه في هذه الواقعة وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا عاص ويسمى كافرًا كفرًا مجازيًّا أو كفرًا أصغر، وإن جهل حكم الله فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأ فهذا مخطئ له أجر على اجتهاده وخطؤه مغفور)([32]).
1- ثبوت عقد الإيمان لكل من أقر بالشهادتين حتى يتلبس بناقض جلي من نواقض الإيمان، إذ يكفي من لم يكن مؤمنًا الإقرار المجمل بالشهادتين ليعصم دمه وماله، وأدلة ذلك كثيرة منها حديث أسامة بن زيد (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرَقة من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجلٌ من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : ((يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟)) قال: قلت يا رسول الله إنما كان متعوذًا! قال: ((أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟)) قال: قلت يا رسول الله إنما كان متعوذًا، قال: ((أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟)) فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)([33])، ومثله حديث معاوية بن الحكم السلمي والذي جاء فيه أنه لطم جاريته ثم ندم وأراد أن يعتقها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ثم جاء في الحديث: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سألها: أين الله؟ قالت: في السماء ثم قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة))([34]) فقد اكتفى من الجارية إقرارها ومن الرجل في حديث أسامة إقراره، يقول ابن رجب: (من المعلوم بالضرورة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام بالشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك ويجعله مسلمًا، فقد أنكر على أسامة بن زيد قتله لمن قال لا إله إلا الله لمّا رفع عليه السيف واشتد نكيره عليه، ولم يكن صلى الله عليه وسلم ليشترط على من جاءه يريد الإسلام)([35])، وهذا قصد كل من قال من السلف أن الإقرار بالإسلام يكفيه لثبوت وصف الإسلام له.
2- لو حدثت لوثة في الإقرار المجمل لمن أراد الدخول في الدين فلا بد من التحقيق المفصل، فالوثني تقبل منه الشهادتان والإقرار المجمل بهما، وأما الكتابي فلا يكتفى منه بذلك لوجود شبهة إقرارهم بنبوته عليه الصلاة والسلام وإنكارهم بعثته إليهم وأنه بعث للعرب خاصة، وهكذا كل من له لوثة أو شبهة على الإقرار المجمل فلا بد أن يقر بالحق ويتبرأ من كل ما خالفه كالباطنية بطوائفها والقاديانية، يقول النووي: (أما إذا أتى بالشهادتين فلا يشترط معهما أن يقول وأنا بريء من كل ما خالف دين الإسلام إلا إذا كان من الكفار الذين يعتقدون اختصاص رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم بالعرب فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يتبرأ)([36]).
3– الاحتياط بالتكفير: قال ابن عبد البر : (ومن وجهة النظر الصحيح الذي لا مدفع له أن كل من ثبت له عقد الإسلام في وقت بإجماع من المسلمين ثم أذنب ذنبًا أو تأوّل تأويلاً فاختلفوا بعدُ في خروجه من الإسلام لم يكن لاختلافهم بعد إجماعهم معنى، ولا يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق آخر أو سنة ثابتة لا معارض لها، وقد اتفق أهل السنة والجماعة وهم أهل الفقه والأثر على أن أحدا لا يخرجه ذنبه وإن عظم من الإسلام، فالواجب في النظر ألا يُكفَّر إلا من اتفق على تكفيره أو قام على تكفيره دليل لا مدفع له من كتاب أو سنة)([37]).
4- وعلى هذا فالمسلم الذي نجهل حاله يكفي في معرفتنا إسلامه أي دلالة على ذلك كمن يصلي أو يصوم، وعليه يحمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله))([38]) يقول ابن حجر في تعليقه على هذا الحديث: (وفيه أن أمور الناس محمولة على الظاهر، فمن أظهر شعائر الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك)([39])، ولقد نهى القرآن الكريم عن نفي الإيمان عمن ابتدأنا بالسلام لأن السلام من علامات الإيمان، قال الله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا} [سورة النساء: آية 94] وهذا في حق كافر ألقى السلام كما يدل عليه سبب النزول فكيف بمسلم يعيش في بلاد الإسلام، وعلى هذا فليس من الهدي النبوي امتحان الناس لمعرفة إيمانهم طالما أنهم يعيشون بين المسلمين ويظهرون لنا ما يدل على إسلامهم، وامتحان الإيمان كان في حالات خاصة أمر الله تعالى بها كامتحان المرأة المهاجرة وذلك لمصلحة الوفاء بالعهد الذي أبرم في صلح الحديبية، وكذلك عند الريبة لتنزيل حكم شرعي كما في قصة عتق الجارية.
5- التفريق في الحكم بين من أراد الدخول في الإسلام من غير أهله؛ وبين الحكم بكفر من هو من أهل الإيمان، وتنزيل قاعدة: (من لم يكفِّر الكافر أو شك في تكفيره فهو كافر ) فإن هذه القاعدة إنما تصدق على من شك في كفر الكافر الأصلي المجمع على كفره كاليهود والنصارى… (وهذه القاعدة لما توسع بها الخوارج كفّر بعضهم بعضًا واستباحوا دماء بعضهم بعضًا وصاروا ما يزيد على عشرين فرقة، وقد فطن بعض الدهاة كالمهلب بن أبي صفرة لهذا النهم الشديد وهذه السلسة التكفيرية، فصار يدسُّ لهم من يسألهم عن المعضلات فيختلفون في الإجابة فيكفر بعضهم بعضًا ومن ثَمّ يفترقون)([40]).
6- مسألة: شاع عن البعض القول بجاهلية المجتمعات الإسلامية والتي يجعلون من لوازمها تكفير المسلمين، بل واعتبارهم كفارًا حتى يثبت العكس، وهذه المسألة منقوضة بأمور كثيرة منها أن الحكم على عمل فرد أو جماعة بأنه من عمل الجاهليَّة لا يلزم منه تكفير المعين ما لم يكن الأمر مكفِّرًا بذاته بعد اجتماع شروطه وانتفاء موانعه، وعليه يحمل قوله عليه الصلاة والسلام لأبي ذر: ((إنك امرؤ فيك جاهلية)) ولم يقل أحد بكفر أبي ذر، وكذلك لا يلزم من القول بجاهليةِ المجتمعات جاهليَّةُ كل الأفراد، فالمجتمعات مركبة من أفراد وجماعات ومناط الحكم على المجتمعات غير مناطه على الأفراد، وكذلك لم يقل أحد من أهل العلم أن الحكم على دار بأنها دار كفر يلزم منه كفر كل ساكنيها، وعلى هذا فالأصل في الناس في بلاد المسلمين الإسلام، والحكم بالكفر هو خلاف الأصل فيحتاج إلى دليل واجتماع شروط وانتفاء موانع في حق المعيّن.
وعلى هذا لو صدر قول أو فعل محتملٌ للكفر وعدمه، فلا بدّ من الاستفصال في الحامل على ذلك لأن وجود الاحتمال يمنع من القطع كما في حديث سجود معاذ رضي الله عنه للنبي عليه الصلاة والسلام بعد مقدم معاذ من الشام، فلما سأله النبي عليه الصلاة والسلام عن سبب ذلك؛ ذكر له رؤيته الناس في الشام يسجدون لأساقفتهم ورأى أنه عليه الصلاة والسلام أولى بالسجود منهم، فقال له عليه الصلاة والسلام : ((لا تفعل)) فمن الواضح أن سجود معاذ كان من باب التعظيم والاحترام وليس من قبيل العبادة يقينًا، فقد كان سجود الاحترام والتعظيم جائزًا في الأمم السابقة كما في سجود أبوَي يوسف وإخوته له، قال تعالى: { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [سورة يوسف: الآية 100] وعلى هذا فسجود التعظيم يحكم على فاعله بأنه ارتكب حرامًا للنهي عنه ولا يحكم عليه بالكفر خلافًا لسجود العبادة، فالأمر من حيث الظاهر يحتمل الأمرين، وعلى هذا فمجرد السجود لا يستلزم الحكم على فاعله بأنه قصد العبادة فلا بدّ من الاستفصال، يقول ابن تيمية: (فكيف يقال يلزم من السجود لشيء عبادته !! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو كنت آمراً أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها))([41]) ومعلوم أنه لم يقل: لو كنت آمرًا أحدًا أن يعبد…)([42]).
يقول ابن تيمية بعد عرضه الخلاف في بعض مسائل التوسل (فالمكفر في مثل هذه الأمور يستحق من غليظ العقوبة والتعزير ما يستحقه أمثاله من المفترين على الدين)([43]).
ولعل من أشهر المسائل التي تندرج تحت هذه القاعدة مسألة تارك الصلاة هل هو كافر أم لا؟ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)([44])، وقوله عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)([45])، حيث ذهب الجمهور إلى عدم كفره ما لم يجحد وجوب الصلاة وخالفهم الحنابلة فحكموا على تارك الصلاة بظاهر الحديث… فإن هذه المسألة من القضايا الخلافية ومهما قيل في أدلة هذه الأقوال فسوف يبقى الخلاف فيها معتبرًا، فهل يجري التكفير فيها؟ الذي أراه أن الحكم بالتكفير فيها وما يلزم عنه من أحكام لا يقع؛ لأنه لا يكفر بمسائل الخلاف بناء على أصل القاعدة، وعملاً بقاعدة من ثبت إيمانه بيقين لا يخرج عنه إلا بيقين، ومسائل الخلاف لا يقين فيها.
إن أحكام الشريعة تجري على حسب الأعمال الظاهرة للناس وليس على ما يبطنونه، وهذا ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته من خلال طريقة تعامله مع المنافقين مع علمه اليقيني بنفاقهم الكفري، قال الله تعالى عنهم: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ} [سورة التوبة: آية 74]… ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام يجري عليهم أحكام المسلمين من حيث الأنكحة والميراث والجنائز ولولا النهي لبقي يستغفر لهم، وهذا ما نص عليه الإمام الشافعي رحمه الله([46])، يقول الشاطبي: (ومن هنا جعلت الأعمال الظاهرة في الشرع دليلاً على ما في الباطن، فإن كان الظاهر منحرفًا حكم على الباطن بذلك، أو مستقيمًا حكم على الباطن بذلك أيضًا، وهو أصل عام في الفقه وسائر الأحكام العاديّات والتجريبيات، بل هو كلية التشريع وعمدة التكليف بالنسبة إلى إقامة حدود الشعائر الإسلامية الخاصة والعامة)([47]).
ويدخل تحت هذه القاعدة مجموعة من المسائل المشهورة منها قتال أهل البغي وقتل الزنادقة وقتال مانعي الزكاة.
قتال مانعي الزكاة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه لا يستدل به على كفر تارك الواجب، إذ أن تركها لم يكن عن جحود لها ولكن لأنهم تأولوها بأنها كانت خاصة بزمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء هم الذين اختلف الصحابة في قتالهم ابتداءً… وجمهور العلماء لم يحكموا بكفرهم كالنووي والخطابي وابن حجر وابن قدامة والشوكاني([48]) ولم يجعلوا تلازمًا بين التكفير والمقاتلة، وأطلق عليهم لقب مرتدين من قبيل التغليب والمجاز كما جزم بذلك ابن حجر في فتح الباري، ويقول الخطابي: (هم أهل بغي وإن لم يدعوا بهذا الاسم ذلك الزمان لدخولهم في غمرة المرتدين، وأول ما أُرّخ لقتال البغاة زمن علي).
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما))([49]) فإن هذا لا يلزم منه الحكم بكفر الثاني.
وقد قاتل علي رضي الله عنه الخوارج وقاتلوه ومع هذا فإنه لم يحكم عليهم بالكفر، (ولما سئل عنهم أكفارٌ هم؟ قال: ((من الكفر فرُّوا)) وقال عنهم: ((إخواننا بغَوا علينا))([50]).
ومثل ذلك في الحكم ما وقع من قتال بين الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كانوا متأوِّلين فيه ولم يكفّر بعضهم بعضًا، بل قال القرآن الكريم: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} [سورة الحجرات: آية 9] فلم يسلب عنهم وصف الإيمان مع وقوع الاقتتال بينهم، وعلى هذا يحمل كلام الشافعي كما نقله ابن حجر: (ليس القتال من القتل بسبيل، قد يحل قتال الرجل ولا يحل قتله)([51]).
فقد يقول القائل القول فيلزم منه لازم مكفر فلا يحكم بكفره إلا إن أقره، فاللازم يستعمل في الاحتجاج وإبطال دعوى الخصم لا في الحكم عليه، ولأن اللوازم قد يغفل عنها صاحب المقالة ولم يكن يقصدها في كلامه وتقريره، وهذا ينسجم مع قاعدة: (لا ينسب لساكت قول).
ومثاله: لو ابتدع إنسان بدعة وزعم أن فيها خيرًا، فإنه يلزم من قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم خان الأمانة لعدم تبليغه بهذا الخير الذي ابتدعه المبتدع، وهذا القول لا ريب من الكفر، لكن هذه اللوازم منها ما يلتزمه صاحب القول فهو له مذهب، ومنها ما ينكره أو يجهله أو يرده فهو ليس بقول له ولو كان مذهبه مستلزمًا له حقيقة، وإضافة اللازم إليه في هذه الحال كذب عليه، وغاية ما يمكننا القول أنه تناقض في قوله ولا سبيل للقول بتكفيره في هذه الحال ذكر هذا المثال الشاطبي([52]).
وقد نقل عن الشافعي – وبعضهم نسبه إلى الإمام أحمد – أنه قال: (ناظروا القدرية بالعلم، فإن أقروا به خُصموا وإن أنكروا كفروا)([53]) فالحكم مترتب على إنكارهم لا على لازم قولهم فحسب،
وقال ابن حزم: (وأما من كفّر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطأ، لأنه كَذِب على الخصم وتقويلٌ له ما لم يقل به وإن لزمه، فلم يحصل على غير التناقض فقط والتناقض ليس كفرًا، بل قد أحسن إذ فر من الكفر)([54]).
فإنه عارض معتبر عند إجراء الأحكام، فلا يحكم على جاهل بالكفر ولا غيره فيما جهله، وله أشكال عدة:
كسجود معاذ للنبي عليه الصلاة والسلام بعد مجيئه من الشام ولم يكن يعلم الحكم كما سبق بيانه، وجهل بعض الصحابة برؤية الله يوم القيامة، وجهل عائشة أن الله قد أحاط بكل شيء علمًا حتى ما يكتمه الناس فقد سألَت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ فبين لها وكان مما قال: ((أتخافين أن يحيف الله عليك ورسوله))([55])، وكجهل مُسلمةِ الفتح عند مرورهم في غزوة حنين على ذات أنواط فقالوا: (اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال لهم: ((لقد قلتم كما قال بنو إسرائيل لموسى…) ([56]).
وذلك كجهل بعض الحواريين بقدرة الله تعالى عندما قالوا لعيسى بن مريم: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة المائدة: الآية 112] فلم يكفرهم لجهلهم بكمال قدرته سبحانه وتعالى… قال الإمام الشافعي رحمه الله: (لله أسماء وصفات لا يسع أحدًا ردُّها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل، لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا الرؤية والفكر)([57]).
ومن الجهل بصفات الله قصة الرجل الذي أوصى أبناءه إذا مات أن يحرقوه ويذروه كما جاء في الحديث: ((أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي الْبَحْرِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَد، قَالَ: فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ، فَقَالَ لِلْأَرْضِ: أَدِّي مَا أَخَذْتِ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ! فَقَالَ لَهُ: (مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟) فَقَالَ: خَشْيَتُكَ، يَا رَبِّ – أَوْ قَالَ مَخَافَتُكَ – فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ))([58]) فهذا الرجل كان جاهلاً بعموم قدرة الله تعالى فظن أن الله لا يقدر على أن يجمعه إذا صار رمادًا مذريًّا في البحر مع أنه كان مؤمنًا بالمعاد، فعذره الله بجهله في المسألة الأولى، وأثابه على خشيته في الثانية فغفر له.
ومن أمثلته تلك المرأة النوبية التي أقرت بالزنا على نفسها وبمن زنا بها كما جاء في الأثر: ((زَنَتْ مَوْلَاةٌ يُقَالُ لَهَا مَرْكُوشٌ، فَجَاءَتْ تَسْتَهِلُّ بِالزِّنَا، فَسَأَلَ عَنْهَا عُمَرُ عَلِيًّا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ! فَقَالَا: «تُحَدُّ» فَسَأَلَ عَنْهَا عُثْمَانَ فَقَالَ: «أُرَاهَا تَسْتَهِلُّ بِهِ كَأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ وَإِنَّمَا الْحَدُّ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ» فَوَافَقَ عُمَرُ فَضَرَبَهَا وَلَمْ يَرْجُمْهَا))([59]).
وتحقيق الأمر أن هذه المسألة مما تتغير به الفتوى زمانًا ومكانًا وحالًا، فما علم من الدين بالضرورة لا عذر بجهله…. ويتفرع على ما سبق من اعتبار الجهل مانعًا التفريق بين دعاة البدع وعامة أتباعها، ولهذا تباين الحكم عند كثير من العلماء في حكمهم على الشيعة الرافضة وفرّقوا بين عامتهم وخاصتهم ودعاتهم لاعتبار مانع الجهل.
يعتبر الإكراه من العوارض المانعة من التكفير وهذا محل اتفاق بين العلماء، لكن اختلفوا في تحديد معنى الإكراه ثم بحثوا في ضوابط الإكراه وفرقوا بين الإكراه الملجئ وغير الملجئ، وبحثوا فيما يعتبر فيه وما لا يعتبر… كما اختلفوا في مقدار ما يباح للمسلم حال الإكراه، ودليله في القرآن قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [سورة النحل: آية 106] وأهل التفسير متفقون على أنها نزلت في عمار بن ياسر لما أكره على مدح آلهة المشركين وسب النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت في حديث المستدرك وغيره.
إن التأويل من العوارض والموانع المعتبرة عند إجراء الأحكام، ولكن لا بد له من ضابط حتى لا يصير سلَّمًا للباطنية والزنادقة… وقد فرّق العلماء بين من كان تأويله من قبيل رد النصوص والتكذيب بها وبين من كان تأويله للنصوص من قبيل عدم تنزيلها وإجرائها إجراءً صحيحًا، فقد جعلوا لذلك ضوابط منها :
قال أبو حامد الغزالي: (ولم يثبت لنا أن الخطأ في التأويل موجب للتكفير، فلا بد من دليل عليه، وثبت أن العصمة مستفادة من قول: لا إله إلا الله قطعًا فلا يدفع ذلك إلا بقاطع، وهذا القدر كاف في التنبيه على أن إسراف من بالغ في التكفير ليس عن برهان)([60]).
واعتبارًا للخطأ في التأويل مع قصد الحق عذر المسلمون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين شاركوا في الفتنة وترضوا عن سائرهم، ولم يوقعوا فيهم النصوص التي ذمت قاتل النفس المؤمنة كقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا ترجعوا بعدي كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض)).
والضابط المعتبر في التفريق بين ما يعتبر من التأويلات فينفي عن أصحابه وصف الكفر وبين ما لا يعتبر الإجماع، فهناك فرق أجمع العلماء على كفر تأويلاتها كتأويل القاديانية آية ختم النبوة بمعنى خاتم الحلية والزينة فقالوا بنبوة دعيِّهم ميرزا غلام أحمد ومثلها تأويلات البهائية والقرامطة وطوائف الباطنية.
ومن المشهور في ذلك استحلال قدامة بن مظعون شرب الخمر تأويلًا لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [سورة المائدة: آية 93] كما ذكر في تفسير الآية، وجاء في الحديث أن عمر بن الخطاب قال له: ((أما إنك لو اتقيت الله لاجتنبت ما حرم الله عليك))، فأمر بجلده حدًّا ولم يحكم بكفره لكونه لم يكن مكذبًا وإنما شربها متأولا حلّها، فقد بيّن له فقهاء الصحابة أن الآية نزلت بعد تحريم الخمر فتحرج بعضهم لأنه كان يشربها قبل التحريم وبعضهم مات وهي في بطنه فأنزل الله الآية لإزالة هذا الحرج بسبب شربها قبل التحريم، فخيّره عمر بين قتله كفرًا بعد بيان الحكم إذا أصرّ أو حد الشرب إن اعترف بخطأ تصرفه.
وقد اعتبر علي رضي الله عنه عارض التأويل في قضية الخوارج، فإن الصحابة لم يحكموا عليهم بالكفر رغم تكفيرهم للأمة وقتالهم لها لأنهم خرجوا متأولين.
ولا يفهم من اعتبار التأويل عارضًا ترك مرتكبه طليقًا فيما يفعل إذ لا تعارض بين اعتبار عارض التأويل في إجراء الأحكام ووجوب منعه من نشر خطئه وتأويله الباطل.
بأن يكون الخطأُ قَصْدَ الفعلِ لا قَصْدَ الكفرِ، لأنه لا يقصد الكفر مؤمن عمومًا، وذلك كقول الرجل الذي فرح بعودة راحلته: ((اللهم أنت عبدي وأنا ربك)) في حديث التوبة: ((لله أفرح بتوبة عبده من رجل أضل راحلته …))([61]) – وإن كان للعلماء تفصيل في قاعدة (أخذ الأحكام من ضرب الأمثال) – قال ابن القيم: (ومن تدبر مصادر الشرع وموارده تبين له أن الشارع ألغى الألفاظ التي لم يقصد المتكلم بها معانيها، بل جرت على غير قصد منه كالنائم والناسي والسكران والجاهل والمكره والمخطئ من شدة الفرح أو الغضب أو المرض ونحوهم)([62]).
ومثل هذا السُّوءِ في القول ما يصدر يوم القيامة من آخر أهل الجنة دخولا إليها، فيقول مخاطبًا ربه جلّ وعلا: ((أتسخر بي أو أتضحك بي وأنت الملك؟ قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه))([63]) وهذا القول المستقبح لا يخاطَب به الله العظيم لكنه عفي عن قائله لفرط ذهوله، ونقل النووي عن القاضي عياض قوله في معنى الحديث: (هذا الكلام صدر من هذا الرّجل وهو غير ضابط لما قاله لما ناله من السّرور ببلوغ ما لم يخطر بباله, فلم يضبط لسانه دهشًا وفرحًا، فقاله وهو لا يعتقد حقيقة معناه وجرى على عادته في الدّنيا في مخاطبة المخلوق)([64]).
كما أنه لم يُكَفَّر الذين خاضوا بالإفك، وآذوا النبي صلى الله عليه وسلم كحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش لعدم قصدهم إيذاءه… ومثلهم حال أولئك الأصحاب رضوان الله عليهم الذين أطالوا الجلوس عنده صلى الله عليه وسلم في يوم زواجه، فآذَوه بذلك: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [سورة الأحزاب: آية 53]، يقول السبكي: (لكن الأذى على قسمين، أحدهما يكون فاعله قاصدًا لأذى النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولاشك أن هذا يقتضي القتل، وهذا كأذى عبد الله بن أُبيّ في قصة الإفك، والآخر أن لا يكون فاعله قاصدًا لأذى النبيّ صلى الله عليه وسلم مثل كلام مسطح وحمنة في الإفك ، فهذا لا يقتضي قتلا)([65])
(تم البحث والحمد لله رب العالمين)
([1]) فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة للغزالي (ص128).
([2]) صحيح البخاري، باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، رقم (5754)، تحقيق البغا، طبعة دار ابن كثير 1987.
([3]) متفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنه، أخرجه البخاري في باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، رقم (5753).
([5]) الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي (ص135).
([6]) متفق عليه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أخرجه البخاري في باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم، رقم (6532).
([7]) متفق عليه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه كما سبق، وقوله (يقتلون أهل الإسلام…) رواها النسائي والحاكم وغيرهما.
([8]) الإيمان لابن تيمية (ص271).
([10]) كتاب السنة للالكائي (ص1/151).
([11]) إرشاد الساري للقسطلاني (ص1/82).
([12]) حاشية ابن عابدين (ص4/221)
([13]) صحيح مسلم، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان.. رقم (78-49)، ترقيم عبد الباقي طبعة دار إحياء التراث العربي.
([14]) أخرجه البخاري في باب كلام الرب عز و جل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، رقم (7072).
([15]) كتاب الإيمان لابن تيمية (ص209)
([16]) فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة للغزالي (ص 128).
([17]) رواه الإمام أحمد بسند صحيح عن محمود بن لبيد رقم (23630) طبعة دار الرسالة، ورواه الحاكم في المستدرك عن شداد بن أوس وقال صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، رقم (7937) تحقيق العطا طبعة دار الكتب العلمية.
([19]) أخرجه البخاري عن المعرور بن سويد رضي الله عنه، رقم (30).
([20]) رواه أبو داود باب في الشفاعة رقم (4739)، والترمذي باب شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي رقم (2623)، وابن ماجه في باب ذكر الشفاعة (4310).
([21]) مجموع الفتاوى لابن تيمية (ص20/90).
([22]) رواه البخاري في باب حجة الوداع، رقم (4143)، ومسلم في باب بيان معنى قول النبي صلى اله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض رقم (118- 65).
([23]) رواه البخاري في باب ما ينهى من السباب واللعن رقم (5697)، ورواه مسلم في باب بيان قول النبي صلى الله عليه و سلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر، رقم (116-64).
([24]) أخرجه ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنه، وفي مسند أحمد وسنن أبي داود والترمذي ، وصححه الحاكم في مستدركه على شرطهما.
([25]) متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه، رواه البخاري في باب النهبى بغير إذن صاحبه، رقم (2343)، ومسلم في باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي رقم (100-57).
([27]) مجموع الفتاوى (ص7/673).
([28]) القصة موجودة في صحيح البخاري وفي كل كتب السيرة وبهذا اللفظ في السنن الكبرى للبيهقي وفي شرح السنة للبغوي.
([29]) – أحكام القرآن لابن العربي تحقيق العطا، طبعة دار الكتب العلمية 2003، (ص 4/225).
([30]) زاد المعاد (ص3/114، 3/423).
([31]) متفق عليه عن عائشة رضي الله عنها، رواه البخاري في باب تعديل النساء بعضهن بعضا رقم (2518)، ومسلم في باب حديث الإفك… رقم (56-2770).
([32]) شرح العقيدة الطحاوية (ص2/446).
([33]) متفق عليه عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، رواه البخاري باب قول الله تعالى { ومن أحياها } رقم (6478)، ومسلم باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله، رقم (159-96).
([34]) أخرجه مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة، رقم (33-537).
([35]) جامع العلوم والحكم لابن رجب (ص228).
([36]) صحيح مسلم بشرح النووي (ص1/149).
([37]) التمهيد لابن عبد البر (ص 17/21).
([38]) أخرجه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، باب فضل استقبال القبلة رقم (384) ومسلم باب وقتها -أي الأضحية- رقم (6-1961).
([39]) فتح الباري لابن حجر (ص 1/496).
([40]) انظر تاريخ المذاهب الإسلامية لمحمد أبي زهرة (ص74).
([41]) تتمة حديث سجود معاذ للنبي عليه الصلاة والسلام وهو في مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجة والبيهقي وصحيح ابن حبان عن عبدالله بن أبي أوفي وهو صحيح
([42]) مجموع الفتاوى (ص4/360).
([43]) مجموع الفتاوى لابن تيمية (ص1/106).
([44]) أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، رقم (134 – 82).
([45]) أخرجه ابن ماجة وأحمد والترمذي وابن حبان وغيرهم عن بريدة رضي الله عنه وهو صحيح.
([47]) الموافقات للشاطبي (ص1/233).
([48]) شرح النووي لصحيح مسلم (ص1/203) وما بعدها، فتح الباري (ص12/277)، المغني لابن قدامة (ص2/434)، ونيل الأوطار (ص4/127).
([49]) أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، باب إذا بويع لخليفتين، رقم (61-1853).
([50]) مصنف ابن أبي شيبة باب مسير عائشة وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم رقم (38918)، وسنن البيهقي الكبرى عن أبي البختري، باب الدليل على أن الفئة الباغية منهما لا تخرج بالبغي عن تسمية الإسلام، رقم (16490).
([52]) الاعتصام للشاطبي (ص2/549).
([53]) شرح العقيدة الطحاوية (ص2/354).
([55]) صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنه، باب ما يقال عند دخول القبر… رقم (103- 974).
([56]) أخرجه أحمد رقم (21897) والترمذي وابن حبان عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه وهو صحيح.
([58]) متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه، رواه البخاري باب الخوف من الله رقم (6116)، ومسلم في باب سعة رحمة الله… رقم (25-2756).
([59]) مسند الشافعي (ص3/275) رقم (1552)، ومصنف عبدالرزاق (ص7/403) رقم (13644) عن يحيى بن حاطب عن أبيه.
([60]) الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي (ص223).
([61]) أخرجه مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، باب في الحض على التوبة والفرح بها، رقم ( 7-2747).
([62]) إعلام الموقعين (ص3/124).
([63]) متفق عليه عن ابن مسعود، رواه البخاري في باب صفة الجنة والنار رقم (6202) ومسلم باب آخر أهل النار خروجا رقم (308-186).