الخطاب الديني للناشئة
ديسمبر 2, 2019
ضوابط المصلحة الدعوية
ديسمبر 2, 2019

قراءة في أهم أسباب ظهور الخطاب الديني المتطرف

الباحث الإسلامي: حسن الدغيم

مقدمة

تندفع للسطح تساؤلات عميقة حول الأسباب التي دعت أو أسهمت في ظهور الخطاب الديني المتطرف، ونقصد به هنا الخطاب الذي يطلق عليه إعلاميًّا “السلفي الجهادي” على الرغم من أن كثيرًا من الباحثين لا يوافقون على هذه التسمية لأن المدرسة السلفية العلمية هي متضرر رئيس من هذا الفكر المنحرف.

في النصف الثاني من القرن الماضي ظهر في البلدان الإسلامية تياران متطرفان، الأول في بعض الدول والمجتمعات ذات الغالبية السنية، والثاني في صفوف الشيعة.

التطرف في المجتمعات السنية:

على العموم لم يعهد في تاريخ أهل السنة الميل أو النزوع للتطرف أو التكفير، وإن كانت قد ظهرت هذه النزعة عند أفراد قلة من العلماء السنة في العصور القديمة فإن ردود العلماء الراسخين عليهم بالإضافة إلى قواعد أهل السنة ومفهوم العدالة والإحسان السائدين في المجتمع المسلم السني كانا كفيلين بمحاصرة هذه النزعة وإماتتها حيث خرجت.. وأما في العصر الحديث فقد ظهرت في المجتمعات المسلمة السنية بعض الحالات الغربية المتمثلة بخروج عدة جماعات منحرفة تنسب نفسها إليهم وتحاول جر شبابهم إلى فكرها المنحرف، وكانت بداية ظهور بذرة التطرف لدى هذه الجماعات المنتسبة زورا وبهتانا إلى أهل السنة في منتصف القرن الماضي نتيجة لتطرف الأنظمة العلمانية التي حاربت الدين بكل قوتها وزجت رجال الفكر والدعوة في السجون ونكَّلت بهم، مما دفع بعضهم لحمل أفكار متطرفة تبلورت فيما بعد لتكون جماعات منظمة، وكان من أوائل هذه التنظيمات التكفيرية التي حاولت تحريف منهج أهل السنة ولصق بدعة التطرف والتكفير فيه جماعة التكفير والهجرة في مصر، وجماعة تنظيم الجهاد في مصر أيضا ومن أبرز من ظهر فيها أيمن الظواهري، ومن خلال اختلاط عناصر الجماعة الإسلامية المصرية بدعاة الجهاد القادمين من السعودية في أفغانستان تكوَّن ما يسمى اليوم بجماعات “السلفية الجهادية” والتي انتقل عناصرها بعد ذلك لإنشاب حروب في كل من الجزائر وتونس وليبيا ومصر([1])، ثم الانتشار في باقي دول العالم وفق تنظيمات سرية خاصة بهم، وقد تمثلت هذه الحركة منذ ثلاثة عقود وحتى الآن بالقاعدة وبناتها، وكان آخرها وأكثرها تشوهًا وقبحًا التنظيم الإجرامي المسمى بداعش.

المتطرفون عند الشيعة:

هناك تكفير وكره وحقد في أصل عقيدة الشيعة المبنية على شتم الصحابة الكرام وتكفيرهم من جهة، وثارات الإمام الحسين رضي الله عنه من جهة أخرى، من خلال تحميل دمه لأهل السنة بعد أن غدروا هم به وكانوا سببًا فيما حدث له رضي الله عنه، ولكن في العصور الحديثة خفَّت هذه النزعة إلى أن قدم الخميني وجماعته إلى هرم السلطة في إيران، حيث أعادوا فكرة التكفير والتطرف إلى واجهة الحياة الشيعية مرة أخرى بعد أن بدأت بالأفول، وتحول التكفير على يدهم من حالات تنظيرية في الكتب إلى تنظيم يسيطر على دولة كبرى مثل إيران، ويسعى جاهدًا لبث روح التطرف في كل التجمعات الشيعية في العالم المعتدل والمنحرف منها على السواء.

وهنا لا بد أن نقرر أن الجماعات التكفيرية التي ظهرت في صفوف أهل السنة لم تستطع أن تتحول إلى حالة عامة نظرا للجهود التي بذلها علماء السنة في الدفاع عن الدين القويم الذي أنزله الله على نبيه، بينما تحول التطرف عند الشيعة إلى حالة عامة، وأصبح من النادر أن تجد فيهم صوتًا معتدلًا يستطيع الكلام بله التأثير في الواقع الشيعي المتأزم اليوم.

وإذ كان مردُّ التطرف عند الشيعة راجعًا إلى أصل العقيدة بفعل التحريف الذي دخلها عبر العصور – وقد كان للخميني دوره في إعادة ظهورها إلى السطح – فإن الأسباب التي أدت إلى ظهور الخطاب المتطرف لدى بعض تيارات السلفية الجهادية تختلف تمامًا عن الواقع الشيعي. وهذا المقال خاص في تسليط الضوء على الأسباب التي أدت إلى ظهور بعض العناصر المتطرفة في صفوف أهل السنة بغية الوعي بها وإيجاد الحلول المناسبة لها.

إن تنظيمات السلفية الجهادية وإن كانت تعود لعقود سالفة فيمكن القول إنها بدأت بالانتشار المروِّع بعد غزو العراق حيث قامت بالقضاء على الجهاد السني في بلاد الرافدين وأنقذت أمريكا من ورطتها ومكنت إيران من رقاب المسلمين فيها، ثم تجدد ظهورها في ثورات الربيع العربيّ، صابغة إِيّاهُ بلونها الإيديولوجي الحادّ، وطارحة كمًّا كبيرًا من الجدل حول أصولها الفكريّة، ومواردها الاعتقاديّة، وبخاصّة أنّها اختلفت مع مكوّنات إسلاميّة سنية عريضة، وواجهتها بالتكفير والاتّهام، حتّى صار هذا الجدل ممتدًّا إلى عامّة المسلمين حول الخوارج والبغاة والخلافة والإمامة والسُّنَّة والشيعة والولاء والبراء، وتحولت هذه التنظيمات الشاذة لقوى عسكريّة وأمنيّة، تفرض وجودها على الأرض، محاولة إلزام الآخرين بنظرتها الدينيّة الضيّقة، حتى تشخصت في إمارات وبيعات كان من أشهرها إعلان الخلافة على يد (إبراهيم بن عواد السامرائيّ) وما بات يعرف بداعش.

وأسهمت هذه التنظيمات المغالية بتحطيم المحطّم، وتقسيم المقسّم، وتسليم هذا الشرق الجريح، لحكوماتٍ استبداديّة عميلة للمخابرات العالميّة.

أسباب ظهور الخطاب المتطرف

ولعلنا نلخص هنا أهم الأسباب التي أدت لظهور الخطاب الديني المتطرف في بعض المجتمعات السنية، مما مكن داعش من التغرير بشبابها واستخدامهم في مشروعها لتدمير أهل السنة في كلٍّ من الشام والعراق.

إن الأسباب المؤدية إلى التطرف تنقسم إلى قسمين:

أولا: أسباب موضوعية (سياسية)

ثانيا: أسباب ذاتية (منهجية)

أولًا: الأسباب الموضوعية

1- الاستبداد السياسيّ السلطويّ:

من أهم أسباب ظهور النزعة إلى التطرف لدى بعض الشباب الاستبداد السياسي السلطوي وقمع حركات التحرّر وبخاصّة الإسلاميّة، وسحقها بلا شفقة ولا رحمة، وانسداد أفق التغيير السلميّ، كما حدث في العراق وسوريا ومصر وكثير من بلدان الربيع العربي قبل الثورات وأثناءها، فهذا الواقع الاستبدادي يعتبر المغذي الرئيس لخطاب التطرف، وخاصة أن الحكومات المستبدة بالغالب تحسب على القوى العلمانية والحداثية، وكانت تمارس الانتهاكات بحق المتدينين والإسلاميين على وجه الخصوص، مما أشعر الكثير من الشباب المقموع والمضيق عليه بأنه مستهدف بدينه وعقيدته بل ومعاشه؛ إذ حرم من التوظيف الذي يحظى به العلمانيون في كثير من الأحيان، فكان ذلك يدفعه إلى الحقد والتطرف كردة فعل على الظلم المفروض عليه. إن التطرف العلماني السياسي سبب مهم في تغذية التطرف الديني، ولا نُبعد إن قلنا إن كلا من التنظيمات المتطرفة العلمانية والدينة يعتمد وجود أحدهما واستمراره على وجود الآخر.

2- مصادرة الإرادة الشعبيّة:

إن مصادرة الإرادة الشعبية والوقوف بوجه تطلّعات المجتمعات نحو الحريّة والكرامة وغياب الأمل بحلول سياسية أو سلمية؛ يدفع الناس إلى البحث عن حقوقها بالسلاح، وقد كان في الجزائر في نهايات القرن الماضي أوضح مثال على ذلك، وقد حدث قريبًا من ذلك في مصر بعد الربيع العربي وانقلاب عبد الفتاح السيسي والجيش المصري على الحكومة الشرعية المنتخبة في مصر بزعامة الرئيس محمد مرسي.

3- رمي المتدينين في غياهب السجون وتعذيبهم:

إن تطرف الأنظمة الحاكمة في طريقة تعاملها مع المتدينين ورميهم في السجون لمجرد كلمة أو فعل بسيط، أو التجني عليهم من غير سبب إلا انتقادهم لأخطاء الأنظمة يؤدي إلى حدوث شرخ في المجتمعات الإسلامية، ويزيد هذا الشرخ بزيادة أنواع الأذى التي يلقاها هؤلاء المظلومون في السجون، إذ لا تكتفي هذه الأنظمة بحبسهم، بل تتفنن في تعذيبهم وتعريضهم للإذلال والامتهان النفسي والأخلاقي والضغط الجسديّ والمعنويّ، مما يقتل الإنسانية في نفوس المعتقلين ويحول البعض منهم إلى آلة انتقام تمارس في حق مخالفيها مثل ما مورس عليها في السجون، وقد كان لسجون الطغاة دور كبير في تغذية التطرف الديني لدى كثيرين.

4 – سيطرة الأنظمة الطائفيّة:

لقد سيطرت حكومات وتنظيمات طائفية على عدّة بلدان إسلاميّة، إذ مارست أنواعًا من السياسات العنصريّة والاقصائيّة، كما في إيران والعراق وسوريا وحتى لبنان.

فبعد سقوط الحكومة العراقية بقيادة الرئيس صدّام حسين عام 2003م؛ بدأت موجة جديدة من التطرّف الطائفيّ والعرقيّ تنتشر برعاية الأحزاب الشيعية الموالية لإيران كحزب (الدعوة) بقيادة (نوري المالكي)، و(فيلق بدر) بقيادة (عبد العزيز الحكيم)، و(جيش المهدي) بقيادة مقتدى الصدر، الذين ارتكبوا من الجرائم الطائفيّة ما لا يختلف كثيرا عما فعله جيش هولاكو ببغداد من تدمير لها وقتل وتشريد لأهلها، بل زادوا عمّا فعل هولاكو مرّات ومرّات من حرق الأطفال أحياء وتمزيق الأجساد وبقر البطون واستخدام المثاقب الكهربائيّة في تعذيب المواطنين، بلا ذنب ولا جريرة، مستدعين الذاكرة الكربلائيّة الشيعيّة، ودعوات الأخذ بالثأر من أهل السنّة، كأنّهم هم من قتل أهل البيت قبل مئات السنين.. وترافق ذلك مع إقصاء أهل السنّة، بحجّة اجتثاث البعث، ممّا ولّد نقمة اجتماعيّة كبيرة عند أهل السنّة على الشيعة، ومن الطبيعي أن يشكّل هذا ردّة فعل عنيفة عند الطرف الآخر، مع دخول أجهزة الاستخبارات العالميّة بكل ثقلها، لدفع الشعب العراقي للانقسام والاقتتال، ولاسيّما المخابرات الإيرانيّة، وجيش الاحتلال الأمريكيّ، وأدى كل ذلك لظهور جماعات سلفية جهادية متشدّدة مثل تنظيم الدولة (داعش)، كنسخة متطورة عن تنظيم القاعدة في أفغانستان.

5- ارتهان الحكومات للقوى الغربية المستعمرة:

مما أسهم بشكل كبير في ظهور التطرف؛ ما يراه المجتمع المسلم من ارتهان حكوماته للغرب والعمل في خدمتهم، فقد أسهم ذلك في ظهور عدة شخصيات وتنظيمات جهادية شهيرة.

إن ارتهان الحاكم المسلم لأعداء الأمة يدخله في شبهة الكفر وخاصة إذا انضم إلى ذلك عمل هذا الحاكم على تعطيل شرع الله، بل ومحاربة المظاهر الإسلامية بعمومها. إن هذا الأمر سيدفع نسبة ليست قليلة من الشباب المسلم إلى إعلان كفر المجتمعات الساكتة عنهم ثم الانحدار نحو هوة التطرف والإرهاب تحت مسمى الجهاد، وإننا إذ نخطئ هذا التطرف ونواجهه نذكر دائما بأن هذه الأنظمة هي المسببة لذلك.

6- ظروف القهر الاجتماعي والحرمان الاقتصادي:

من الأسباب اللاحقة للأسباب السياسية الأوضاع الاقتصادية المزرية لشعوبنا المتمثلة بحالة الفقر والحرمان التي تعيشها المجتمعات السنية في ظل الأنظمة الحاكمة، والدول العربية على العموم فيها أمثلة واضحة على ذلك، وهذا الفقر والانحطاط الاقتصادي إما أن يكون نتيجة لإطلاق أيادي كبار موظفي الحكومات لتعيث فسادًا في أرزاق الناس ومقدراتهم؛ بغية تجميع الدكتاتور الحاكم شلة من المنتفعين حوله من رجال السياسة والإعلام والمال، أو يكون خطة مدروسة هدفها إشغال الشعب بلقمة الخبز عسى ذلك يشغله عن الشعور بحقوقه المسلوبة في العيش الحر والكريم، وهذا ما يفسر تصرفات بعض الأنظمة الغنية التي تنفق المليارات على مشاريع فاشلة وتضيق على شعوبها في لقمة عيشه.

ثانيًا: الأسباب الذاتية المنهجية

إن الأسباب الذاتية للتطرف تختلف من زمان إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى، وبما أننا نتكلم عن واقع التطرف المعاصر فإن أهم أسبابه الذاتية تتلخص في الآتي:

1- السيلان المعرفي:

إن السيلان المعرفي غير المنضبط له أثر كبير في سرعة انتشار الأفكار الخاطئة عن الدين والإنسان والحياة. ولهذا السيلان أوجه عدة تتنقل ما بين تطوّر الطباعة وسهولة النشر إلى الأنظمة المعلوماتيّة، وسهولة التداول المعرفيّ وخاصّة عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ ودورها في تسهيل وصول الأفكار المتطرّفة إلى كلّ فرد على وجه الأرض، وهذا بدوره أدّى إلى انفلات التعليم الشرعيّ والتأثير الدينيّ الصادر عن المرجعيّات الشرعيّة المحافظة، حيث حجَّم الواقع الإعلامي والمعلوماتي دورهم؛ في مقابل فتح ساحة الدعوة لكلّ من هبّ ودبّ بدون أيّ موانع أو رقابة.

2- التشويش على المشروع الإسلامي السياسي المعتدل:

من الأسباب الرئيسة في سرعة انجذاب الشباب المسلم نحو الخطاب المتطرف، فقدان الأمل في خلاص قريب نظرًا لغياب المشروع السياسي الإسلامي المعتدل بحسب هؤلاء الشباب. والواقع أن المشروع الإسلامي السياسي المعتدل حكم الأمة قرونا طويلة ولم يغب في يوم من الأيام في عصرنا الراهن ولكن التخادم الحاصل بين القوى العلمانية والمتطرفة في التشويش على المشروع الإسلامي يفقد بعض الشباب القدرة على رؤيته أو التفاهم معه أو فهمه، وقد استخدم المتطرفون والعلمانيون الإعلام والأنظمة السياسية كوسيلة ناجحة للتشويش على المشروع الإسلامي ومنع الناس من فهمه والتواصل الطبيعي معه.

3- عدم ترشيد الخطاب الديني:

لقد غدت الوعود والمغريات دنيوية أو أخروية ركنًا أساسًا في الخطاب الديني اليوم لدى البعض، كالوعود السخية بإمكانية عودة الخلافة الإسلامية وفتح البلاد الغربية والتمكين لأمر الإسلام بمجرد مبايعة جماعة إسلامية أو بمجرد تحرير قطعة من الأرض وحيازة بعض السلاح، وصولًا إلى الوعد بدخول الجنة والحصول على الحريات بمجرد تفجير الإنسان نفسه في سبيل قتل فلان أو الانتقام من علان.

كما نجد نوعين آخرين من الخطاب الديني لهما دور كبير في سوق الشباب إلى التطرف، وهما الخطاب الحماسي الذي يخاطب عاطفة الشباب ويثير كوامن الغضب في نفوسهم على الداخل والخارج دون وجود أي واقع ترشيدي لهذه الطاقات الغاضبة، وأما الخطاب الآخر فهو الذي يقوم به علماء السلطة حيث يستفزون الشباب المسلم من خلال تسخيرهم الدين لخدمة الطغاة بكل فجاجة أمام سمع الأمة وبصرها.

كل تلك الخطابات المستفزة والتصورات الخاطئة عن الحياة والدين، في ظل ضعف الخطاب الديني العاقل المبني على الإيمان والفضيلة في الوصول إلى الجيل والتواصل معه بوضع طبيعي؛ أدى لانحراف كثير من الشباب المسلم في العَقدين الأخيرين.

4- دعوات الجهاد العشوائية:

حيث تصدر هذه الدعوات العشوائية في الغالب عن دعاة متطرفين أو دعاة جهلة بالواقع الاجتماعي للأمة، وخطر هذه الدعوات في كونها تتم دون وجود إمكانيات تنظيمية وإدارية قادرة على استيعاب الشباب المجاهد في تشكيلات مأمونة من الانحراف والغلو، وهذا ما أدى لاندفاع عدد كبير من الشباب المسلم للقتال في سوريا فغُرر بهم وانخرطوا في مشاريع داعش والقاعدة وانقلبوا وبالًا على أهلهم.

لعل هذه الأسباب الأربعة التي ذكرتها تعتبر أهم المغذيات الذاتية لظهور الخطاب المتطرف وسرعة انتشاره بحسب الاستقراء ومراقبة الواقع، وإذا انضم إليها ما سبق ذكره من أشهر الأسباب الموضوعية نستطيع تكوين تصور شبه متكامل عن شرايين التطرف ومغذياته في مجتمعاتنا المسلمة.

الخاتمة:

كثيرةٌ هي أسباب ظهور الخطاب المتطرف، بعضها عميق، وبعضها مباشر، وبعضها ذاتي، وبعضها موضوعي، وقد اقتصرت هنا على تسليط الضوء على أقرب المؤثرات المحيطة بنا مما قد تمتد يدنا إلى تغييره يوما.. وهناك أسباب خارجة عن قدراتنا وتكمن في الأثر الدولي في هذا الباب، ولعل من أهمها التسلل الاستخباراتي الغربي والإسرائيلي والإيراني إلى داخل بعض التجمعات الإسلامية السنية وزراعة العملاء فيها – منذ سقوط الخلافة العثمانية – وتأمين الدعم الإعلامي اللازم لها لإشعال نيران التطرف في أماكن تواجدها، يضاف إلى ذلك عمل بعض أنظمة الحكم في الدول الإسلامية على نشر التطرف والتكفير لاستخدامه في مواجهة دول إسلامية أخرى منافسة أو معادية لها.

ونجد لهذه الحواضن البيئية للتطرف دعمًا ماليًا ولوجستيًا في معظم الدول الأوربية والأمريكية وكثير من دول آسيا وإفريقيا، حيث يسيطر حملة هذه الأفكار التكفيرية أو المتطرفة على مساجد ومراكز إسلامية كثيرة في هذا العالم، وتعمل معًا على نشر تصورات متشددة وخاطئة عن الدين والشريعة، تجعل المتدين عن جهل مستعدًا لتلبية أول نداء للقتال أو التطرف في أي بقعة من هذه الدنيا دون معرفة بالعدو أو الأرض والواقع الذي سيذهب إليه.

ونهاية؛ يمكننا القول: إن علاج قضية الخطاب الديني المتطرف تكمن في علاج الأسباب التي أدت إليه، أو على الأقل محاولة تطويق آثارها التي تصل إليها أيدينا وتطيقها قدراتنا المحدودة، وذلك من خلال ترشيد الخطاب الديني والأخذ على يد دعاة الغلو والجهل أو الانحلال، وتنظيم العمل الإسلامي وترشيد الطاقات.

كما أن فتح باب الاختيار السياسي، وإقامة القضاء النزيه وتحقيق العدالة السياسية والاجتماعية وتحسين الأوضاع الاقتصادية؛ كل هذا كفيل بكبح جماح التطرف المصنوع والمسيس، ليحل محله مشروع إسلامي ناضج تجتمع فيه إرادة المسلمين على كلمة حق ورشاد.. والحمد لله رب العالمين.