الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:
فإنّ الله تعالى قد وثّق العلاقة بين المؤمنين فجعلها أخوّة حين قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وجعل لهذه الأخوّة حقوقًا وواجبات، وألّف بين قلوب المؤمنين.
وقد هاجر السوريّون من بلادهم إلى أرض الله الواسعة، فكان مِن خير مَن آواهم ونصرَهم إخوتهم في تركيا حكومةً وشعبًا، ولا ينكر فضلهم على سورية وشعبِها وثورتِها إلا جاحد، كما كان السوريّون لهذا البلد المعطاء وأهلِه أوفياء، لكنّ بعضَ الناس ممّن لم تكمُل فيه أخلاقُ الأخوّة ما يزال يقوم بين الفينة والأخرى بما يشوّش هذه العلاقة الصافية.
ولمّا كان واجب العلماء النصح؛ وجب علينا أن نقول:
أولاً: إنّ أخوّتنا فوق الحوادث العارضة الطارئة، وما يجري أحيانا من مواقف فرديّة من أحد الطرفين أقلّ من أن يؤثّر في متانة هذه العلاقة وقوّتها، وأقلّ من أن يحلّ ما وثّقه الله تعالى منها، والواجب علينا جميعا أن نقطع الطريق على المتربّصين الذين يريدون زرع الفتن بين الإخوة.
ثانيًا: المخطئ مؤاخذ بجريرته، لا يحملُ خطأه غيرُه أيًّا كان المخطئ، قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}، ولا ينبغي تحميل فئةٍ من الناس خطأ واحدٍ وإن كان منهم، ولا أن تعمّ الجناية غير من ارتكبها، وندعو إلى الأخذ على يد الجاني، وإنزال العقوبة الرادعة له ولغيره، فإنّ من أمن العقوبة أساء الأدب.
ثالثًا: السوريّون المهاجرون إلى هذه البلاد ضيوفٌ عند أهلها، هاجروا فرارا بدينهم وأنفسهم من الظلم، وهم أصحابُ قضيّةٍ وثورةٍ هدفُها رفعُ الظلم وإحقاقُ الحقّ، ولا يليقُ بصاحب القضيّة أن يُناقِضَها فيظلِمَ غيرَه أو يفعلَ باطلاً، ولا ينبغي له إلاّ تمامَ الأدب، وحسنَ الخلق، والسعيَ فيما يحقّق هدفَه في إزاحة الظلم عن نفسه وغيره.
رابعًا: ندعو إخواننا من الدعاة والوعّاظ السوريين والأتراك إلى إرشاد الناس إلى آداب التعامل فيما بيننا، والأخذ على يد المسيء دون غيرِه، وتذكيرِ الجمهور بوجوبِ مراعاة أعراف الناس وعاداتهم، والتزام الضيوف بآداب الضيافة، والتزام صاحب الدار بإكرام ضيوفه، ومعاني الإسلام السامية في المحبّة والإيثار والعطاء.
خامسًا: ندعو السوريين والأتراك إلى الابتعاد عمّا يؤثّر في صفاء العلاقة فيما بيننا، وترك المظاهر التي لا تمتّ إلى عاداتنا الأصيلة المشتركة أو تراثنا الملتزم بصلةٍ، كالتجمّع ليلاً أمام البيوت، والصخب في الطرقات، وندعوهم جميعًا إلى مراعاة حقّ الجوار، وندعو العقلاء من الطرفين إلى التدخّل عند وجود إشكال، والمسارعة إلى إنصافِ المظلومِ الضعيفِ؛ خاصّة إن كان مهاجرًا ملتجئًا، فهذا واجب على أهل الدار. كما نرجو أن لا يكون وضع السورييّن ورقةً للتنافس الانتخابيّ بين الأحزاب التركيّة.
نسأل الله أن يصلح الأحوال، ويهدّئ النفوس، ويتقبّل الهجرة، ويرزقنا التحرير الشامل لبلدنا من المحتلين الروس والإيرانيين، وأن يعجّل بالفرج على أهلنا في درعا وغيرها من المناطق السورية، وأن يحفظ أسرنا وشبابنا ونساءنا، وأن يحفظ على تركيا نعمة الأمن والأمان والاستقرار والرخاء، ونتقدم بالعزاء والمواساة لأسر الذين قضوا في الحرائق والسيول التي اجتاحت بعض المناطق في تركيا.
المجلس الإسلامي السوري
9 محرم 1443 هـ الموافق 17 آب/أغسطس 2021م