الكاتب : الدكتور عبد المنعم زين الدين – عضو المجلس الإسلامي السوري
لا يوجد مسلم حقيقي، وثائر شريف يفرح بالاقتتال بين الفصائل الثورية، بل إن الحِرص على الثورة ودماء المجاهدين يدفع كل شريف مخلص لبذل كل ما في وسعه لحلّ تلك الخلافات، والكلُّ معنيون بذلك، من مثقفين وعلماء وقادة فصائل ونُخب ثورية وعامة الناس، كلٌ وفق إمكاناته وقدراته.
ومن يعمل في هذا المجال : كلٌ له اجتهاده في طريقة العلاج، ما بين من يوصّف الأخطاء عن بُعد، ومن يتدخل عن قُرب، ومن يَسرد الأدلة والوقائع، ومن يطرح مبادرة ويشجع عليها، وما بين محايد ومتحيّز إلى أحد الأطراف، وما بين من ينادي بالصلح بشكل عام ومن يشترط ردّ الحقوق أولاً، وما بين مشجع على المفاصلة ومحذر من التسرع، وقد يعيب البعض على أسلوبٍ دون آخر، ويمتدحون أسلوباً دون آخر.
غير أنه وفي كل الأحوال يتفق الجميع على أن السبيل الأمثل في حلّ الخلافات بين الفصائل هو أن تحتكم الأطراف المتنازعة للجنة حيادية تحكم بينها، وأن لا تحتكم لقوة السلاح.
فإذا رضخت الأطراف سرعان ما ترى الهدوء يعمّ والأمور تسير في طريق الحل مهما كان حجم الخلاف كبيراً، وأما إذا رفضت الأطراف أو أحدها الإذعان والخضوع فإن الخلاف يتفاقم وتخرج الأمور عن السيطرة ويصير الفصل للسلاح.
والحقيقة المرّة التي لا بد من الاعتراف بها : أننا نجني ثمرة تفرّقنا وعدم توحّدنا في جسم واحد، تحت قيادة واحدة، ينتج عنها قضاء قويّ ملزم للجميع، وما كان من مشاريع توحيدية تجميعية لم نصدُق فيها تماماً ولم نفعّلها كما ينبغي، بل ظلت الفصائلية عالقة في الأذهان والسلوك، وهذا التفرق شكل ميداناً رحباً لكل من يريد زرع الفتن وإيقاد الأحقاد مستغلاً حرص القادة على الحفاظ على المصالح الشخصية و الفصائلية، بعد تغليفها بشعارات برّاقة من الحفاظ على الثورة أو الجهاد أو الدّين والأمة والإسلام، من أجل كسب الأتباع و إضفاء الشرعية على موقف كل فصيل أمام عناصره، فترى المسارعة في التخوين والتكفير والتفسيق والتبديع من كل فصيل متنازع تجاه الآخر.
فنصيحتي للعناصر أن لا يتّبعوا قادتهم دون تعقل، بل أن يتأملوا في تصرفات قادتهم وأفعالهم، فإن وجدوهم حريصين على دماء إخوانهم، ولا يختلقون الأعذار لقتالهم، ولا يستبيحون دماءهم، وإذا حصل خلافٌ بينهم وبين إخوانهم سارعوا لحلّه، وأعلنوا قبولهم للنزول على حكم الله، وتحكيم لجنة مستقلة لفض النزاع ورد الحقوق، قولاً وفعلاً، فلهم البقاء معهم، وإعانتهم على الخير، مالم يتجاوزوا الحدّ ويخرجوا عن الشرع، وإلا فلا يصح البقاء معهم ولا طاعة أوامرهم.
وأما القادة فلا أرى لهم من مَخرج أمام الله والناس والثورة إلا بالتخلي عن حظ النفس والهوى المغلف بالشعارات التي تحاول تبرير الفرقة والتمسك بالفصائلية، وأن يصدُقوا سريعاً في وحدة حقيقية شاملة، وإنشاء قضاء مستقل قوي مدعوم بالقوة التنفيذية الرادعة للأفراد والفصائل التي تبقى خارجاً، ولا عذر لهم بالتأخر عن ذلك بعد اليوم، فما حصل من خلافات سابقة ويحصل اليوم لن يكون الخلاف الأخير، وسينهي أكبر ثورةٍ لو استمرّ الحال على هذا النحو.