الكاتب: د.محمد العبدة- عضو أمناء المجلس الإسلامي السوري
بعد أربع سنوات من الجهاد والقتال والدفاع عن حقوق الشعب السوري المظلوم ضد نظامٍ باغٍ مجرم ، وبعد أربع سنوات من التضحيات والآلام والتشريد والجوع ، أيحق لأحد أن يقول : لقد أخطأ السوريون حين قرروا مقاومة هذا الطغيان ، وكأنهم لم يعلموا عن مدى اجرامه في حماة عام 1982 ولا مبلغ حقده وطائفيته واحتمائه بإيران الصفوية وتذلله لليهود والغرب لبقائه في الحكم . ونقول لهؤلاء : رغم كل هذا لم يخطئ السوريون لان ليل الظلم قد طال ، وليل احتقار الانسان وإهانته ومحاربة الدين والأخلاق قد طال أيضاً ، بل من واجب الإنسان أن لا يقر بهذا العيش ، هذا الإنسان الذي كرمه الله ورضي بحمل الأمانة ، كيف يرضى أن تنتهك آدميته وكرامته ؟
لم يخطئوا رغم الانتكاسات الداخلية والخارجية، فهذا قدر هذه المنطقة من العالم، هذه المنطقة كانت أبداً ساحة معركة عسكرية وفكرية، وقد جاء في الحديث: (لايزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لايضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك)، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه وهم بالشام .” ويكتب السير هنري بولور سفير بريطانيا في اسطنبول أيام الدولة العثمانية ، يكتب لوزير خارجيته إنّ سوريا كانت دائماً تعتبر لدى اولئك الذين أنشأوا
امبراطورياتهم في الشرق المرتكز الخاص الذي يبنون عليه أي تخطيط” (1)
قدر هذه البلاد أن تصارع الباطل ، وقد صارعت الصليبيين والتتار ، وفي العصر الحديث الصهيونية والباطنية ، وسينظر التاريخ لهذا الصراع على أنه من المعارك الكبرى التي حدثت في القرن الحادي والعشرين .
ماذا سيكون مصير الشعب السوري لو بقي هذا النظام ، وماذا لو توقفت الثورة ـ لا سمح الله ـ كيف ستكون النتيجة ، سيقوم الشعب السوري بثورة ثانية ، لأنه نظام غير انساني وغير اخلاقي ، نظام حاقد على الشعب وعقيدة هذا الشعب وحضارته .
ان المجتمع السوري ذو اكثرية سنية وفيه ايضاً أقليات من طوائف دينية ، وبعض هذه الأقليات لها مصالح مع النظام ولاتتصور العيش خارج هذا النظام ولذلك وقفوا معه وقاتلوا معه ، وبعضهم دعمه معنوياً أو وقف على الحياد ، وهو حياد غير ايجابي لأن الثورة هي ثورة ضد الظلم والتسلط الفئوي . ان بعض هذه الأقليات يجهلون حقيقة هذا الدين ولا يملكون الصورة الصحيحة عن الإسلام ، وهم واقعون تحت سيطرة الاعلام والدعاية المضادة حيث يُصوّر الإسلام وكأنه لا يتعايش مع الآخر ، بل هو نافٍ له ومبعده عن الساحة تماما ، ولذلك سيقف هؤلاء مع النظام أيضاً ، وهناك طبقة من غير الأقليات هي طبقة طفيلية استغلالية تستفيد من النظام في النواحي المادية ولا يهمها الا مصالحها الخاصة ولو على حساب خراب البلد .
جاء التطرف أخيراً ليشغل الثورة عن أهدافها الحقيقية ، وتستغل بعض الدول هذا الظهور للتطرف لمصلحتها الخاصة وحسب رؤيتها للصراع في سوريا .
بعض الدول العربية أصابها الهلع من مسلسل الثورات العربية الذي بدأ بتونس ، وتصرفت هذه الدول على أساس الوقوف في وجه هذه الثورات مع أنه كان بإمكانها التفاهم مع هذا الجديد والتعاون على الاستقرار المشفوع بإنهاء الاستبداد ، وإن تردد هذه الدول وتأخرها في مساعدة الشعب السوري هو الذي أعطى ايران الفرصة لأن تتدخل بشكل كبير ويكون لها الدور المهم في دعم النظام السوري ثم التمدد في بلاد عربية اخرى .
إن موقف الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية هو موقف مدان إنسانياً وأخلاقياً ، إنه تغليب لنظرات آنية صغيرة وهواجس مضخمة ،ووقوف الغرب وأمريكا بالذات مع الأقلية في العالم الإسلامي هو قرار خاطئ سياسياً ، وإن تهالكها على اتفاق مع ايران حول المشروع النووي أدى بها أن تسكت عن جرائم النظام الايراني في العراق وسورية ،ولامانع أن يكون ذلك على حساب الشعب السوري .
استمرت الثورة والحمد لله رغم كل هذه الصعاب ورغم بعض السلبيات التي تظهر هنا وهناك ورغم هذا الإهمال المتعمد من المجتمع الدولي ، ولن يتر الله سبحانه أعمال المجاهدين الصادقين المدافعين عن حقوق الشعب السوري في حياة حرة كريمة ، وقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم بالصبر لحكم الله والمضي في إنذاره للناس ووعده بقوله ( فإنك بأعيننا ) قال المفسر ابن عطية ” وهذه الآية ينبغي أن يقدرها كل مؤمن في نفسه فإنها تفسح مضايق الدنيا “.
1- زين نور الدين زين : الصراع الدولي في الشرق الأوسط / 14