العودة إلى التربية القرآنية
ديسمبر 28, 2015
حول إمارة جبهة النصرة "خطة إعلان الإمارة" (2)
فبراير 15, 2016

قطف الثمرة

الكاتب: د.عماد الدين خيتي – عضو أمناء المجلس الإسلامي السوري 
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن من أهم القضايا المؤثرة في فكر وعقيدة الجماعات (الجهادية) وتصرفاتها هي فكرة (قطف الثمرة)،، فما هي؟ وكيف يكون تأثيرها؟
المقصود بها: الوصول إلى الغاية من (الجهاد)، ألا وهو الحكم؛ لتطبيق الشريعة وإقامة الدين، حسب كل جماعة وأفكارها.
المنشأ التاريخي لهذه الفكرة: 
عانت الدول الإسلامية في العصر الحالي من احتلال غربي أسقط الدولة العثمانية، وقسَّم تركتها بين دول حلفه، التي مارست جميع أنواع الفساد والظلم والاضطهاد والتجهيل على الشعوب الإسلامية، وعملت على سلخ البلاد المحتلة عن دينها وهويتها، فقامت حركات جهادية تحريرية مباركة لطردها، قادها المخلصون من أهل البلاد، وما إن شعر المحتل بقرب زواله عن البلاد حتى اصطنع عملاء له في صفوف المقاومة بخطةٍ ماكرةٍ خبيثة صدَّرتهم وسلطت الضوء عليهم حتى صاروا رموزًا يشار لها بالبنان.  وما إن خرج المحتل حتى حكم هؤلاء الأذناب البلاد نيابة عن المحتل، ومارسوا على الشعوب ألوان العذاب والبطش، وقد تكرر هذا الأمر عشرات المرات مع كل حركة انتفاضة أو احتجاج على هذه الأنظمة، فكان أهل العلم والدعاة والمجاهدون محل بطش هذه الأنظمة، وذاقت المشانق والسجون من لحومهم وأعراضهم حتى التخمة.
مكانة فكرة (قطف الثمرة) بين أفكار الجماعات (الجهادية): 
من رحم الطغيان والاستبداد وإجرام السجون والمعتقلات والشعور بمرارة ضياع ثمرة الجهاد وسقوط آخر دولة إسلامية نشأ الغلو المعاصر ردةَ فعلٍ غير منضبطة، فظهر تكفير الحكومات ردًا على هذه الجرائم، ثم انسحب الأمر على كبار موظفيها وعساكرها الذين يحمون أمنها، حتى بلغت النقمة إلى المشايخ العاملين في هذه الحكومات أو الذين لم يوافقوا هؤلاء في تكفيرها، فأسقطهم الغلاة بالتكفير تارة، والتخوين تارة أخرى. ثم اعتنقوا القتال طريقًا وحيدًا للتغيير في المجتمع والتعامل مع الحكومات، وأسقطوا كل ما عداه من أبواب الدعوة والجهاد، وأطلقوا عليه أسماء كبيرة جاذبة مثل (الفريضة الغائبة)، وعدّوا من لم يحمل السلاح ولم يقاتل منحرفًا عن الحق، راضيًا بحكم الطواغيت، مواليًا لهم، واعتقدوا أن الطائفة المنصورة لا تكون إلا مقاتلة حاملةً للسلاح. ومع ازدياد غلو هؤلاء في الآراء والمعتقدات وتوسعهم في التكفير شعروا بالغربة عن مجتمعاتهم، ففاصلوها وقاطعوها، وواسَوا أنفسهم بنصوص غربة في آخر الزمان، وبرروا بها قلة سالكي طريقهم، والذي تطور معهم إلى أن أصبح الانفراد عن المسلمين وجماعتهم هدفًا في حد ذاته، ودليلاً على صحة منهجهم يسعون إليه.
ثم أنزلوا بقية نصوص آخر الزمان على أنفسهم، وظهر بينهم التبشير بقرب ظهور المهدي، ونزول المسيح، بل صار هدفًا يُسعى إليه في الكثير من الأحيان. ولحماية هذه الأفكار والمعتقدات والأعمال من الانكشاف اتخذت هذه الجماعات السرية منهجًا ومسلكًا لحماية تنظيماتهم ودعوتهم، حتى صار إخفاء الاسم والشخصية سمة عامة لها، سواء تطب الأمر ذلك أم لا، كما ظهر عندهم الكذب الصريح والغدر ونقض العهود تحت عناوين (الحرب خدعة، والكذب للمصلحة) ونحو ذلك.
لمحة عن عمل هذه الجماعات في المجتمعات الإسلامية:
بالنظر لتجارب هذه الجماعة خلال السنوات السابقة تتضح الملامح العامة لخطة عملها كالتالي:
1- تضع هذه الجماعات أهدافًا لها لا يمكن تحقيقها واقعًا، وغير صحيحة شرعًا، وتجعل هذه الأهداف هي (ثمرة الجهاد) التي تعمل على تجنيد الناس والمجتمعات نحوها؛ لأنها الحق والشرع الذي لا يجوز المحيد أو التنازل عنه.
2- تبتدئ هذه الجماعات بالعمل في المجتمعات التي تظهر فيها بالتعرف على أفراد من المجتمع من خلال الدعوة والعلاقات الخاصة، وتعمد إلى إخفاء غالب أفكارها ومعتقداتها عن عامة الناس، وتعمل على تجنيد الأتباع شيئًا فشيئًا مستخدمة في ذلك جميع أساليب الإغراء والخداع الممكنة، ومنها تقديم الخدمات العامة للمجتمعات.
3- ما إن تجد هذه الجماعات لها موطئ قدم حتى تبدأ تعلن عن أفكارها الحقيقية شيئًا فشيئًا، ولاعتقادها أنها هي صاحبة المنهج الصحيح والسليم، وأنها الأحق بقيادة المجتمع فإنها تجتهد في حث مكونات المجتمع على اللحاق بها، وتبذل فيه حقيقة جهدها، وتتخذ المكونات المختلفة والتجمعات وسيلة للوصول لكافة أفراد الجماعات الأخرى، دون الحرص على وحدة الصف أو اندماج حقيقي مع الآخرين، وتستخدم ما تستطيع من أساليب الخداع والكذب في سبيل ذلك.
4- يبدأ نشاط هذه الجماعات أكثر تسارعًا، وتتخذ خطواتها منحىً غير منطقي فيما يظهر لغالبية الناس نظرًا لإسفارها عن حقيقة معتقداتها وأفكارها، ويحصل هذا في إحدى حالتين:
الأولى: عندما تظن هذه الجماعات أنها وصلت إلى مرحلة التمكين الذي تستطيع فيه أن (تقطف الثمرة)، فتعلن عن نفسها ظانة أنها قاب قوسين أن تحقق وعد الله في الأرض، وأن الناس سيلتحقون بها زرافاتٍ ووحدانًا!
الثانية: عندما تظن أن مؤامرة (خطف الثمرة) قد نضجت، وأنه لا مناص من الاصطدام بها وقتالها لمنعها من هذا الاختطاف، مع اليقين بالنصر عليها ثم التمكين!
وفي كلا الحالتين تختلف نبرة تصرفات وخطابات هذه الجماعات، وتظهر فيها الشدة والقسوة والتصرفات الرعناء، مما يدفع الجماعات الأخرى وكافة أفراد المجتمع إلى رفض مشروعها، وهنا يبدأ التخوين والوصف بالعمالة بسبب طبيعة نظرة هذه الجماعات لأي مشروع غير مشروعها، وتبدأ بالتهديد وتتدرج فيه إلى أن تعلن التكفير لكل من يخالفها. (ثم أصبح مجرد التكفير لا يكفي، فأضيف له التشفي بأنواع القتل والتعذيب)، والتلفظ بأنواع السباب والشتائم.
5- بعد تكرر الهزائم التي منيت بها هذه الجماعات خلال عشرات السنين والتجارب المختلفة اضطرت لمواجهة أنصارها بخطاب آخر تبرر فيه ذلك بالتأكيد على أن الخسائر والتضحيات ضرورة ما قبل التمكين، وتتكرر المحاولات والتجارب!
مثال تطبيقي على هذا الأمر: تشترك الجماعات (الجهادية) بما سبق من عوامل ظهور وخطوات عمل مع فروق يسيرة بينها، وسأكتفي في هذا المقال بتقديم مثال تطبيقي على ذلك من خلال بعض أفكار تنظيم (الدولة الإسلامية) “داعش” بمحطات سريعة مختصرة؛ وذلك لأنها حاضرة ماثلة أمام القراء، وكونها من أكثر الجماعات إنتاجًا فكريًا وإصدارات:
أولاً: مكانة فكرة (قطف الثمرة) في أفكار التنظيم: 
قال أبو عمر البغدادي في كلمة (حصاد السنين بدولة الموحدين) بتاريخ 17-4-2007م: “إنا حينما أعلنا دولة الإسلام لم نكن فحسب نحاول قطف الثمرة بعد نضوجها بل إن الثمرة سقطت سقوطاً حراً فالتقطناها قبل وقوعها في الوحل وصارت في أيدينا أمينة نظيفة… فما الذي حدث بعد سقوط الاتحاد السوفييتي؟ وتناثر الشعوب الإسلامية بعيدة عن المركز الشيوعي؟ لقد وقعت فريسة للشيوعية والعلمانية. وما الذي حدث بعدما وقف المجاهدون من المهاجرين والأنصار على أبواب عاصمة الصرب في حرب البوسنة؟ ببساطة إنها اتفاقية دايتون للسلام المزعوم. وماذا بعد سقوط الثمرة في أفغانستان واندحار العدو أيام الأحزاب؟ قتل وخراب ودمار ما زال وصمة عار في جبين كل من شارك فيه.  أمة الإسـلام لقد عزمنا أن لا نكرر المأساة وأن لا تضيع الثمرة فـ “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين” انتهى.
وقال في كلمة (وقاتلوا المشركين كافة) بتاريخ 9-9-2008: “فإننا لم نقدم آلاف الشهداء وعشرات الآف من الأسرى لكي تضيع ثمرة الجهاد وتتحول بلاد الرافدين من علمانية بعثية إلى علمانية أمريكية تحت دعوى الوحدة الوطنية” انتهى.
وقال أبو حمزة المهاجر في (اللقاء الصوتي الأول) بتاريخ 24-10-2008م:
“فبعد خروج المحتل إذاً تكون المعادلة هي: مجموعة من العلمانيين والوطنيين والبعثيين لم تُجهد نفسها في قتال حقيقي تمتلك المال والسلاح والرجال، ومجاهدون في سبيل الله خرجوا منهكين بالجراح أنفقوا ما في جعبتهم من مال وسلاح، ونتيجة المعادلة في هذه الحالة: حكم وطني علماني وإبعاد للدين وأهله، وهو ما كان في كل الصراعات التي حدثت في العصر الحديث وسقطت ثمرته -أي ثمرة الجهاد- في أيادٍ خبيثة كما في الجزائر ومصر والمغرب وباكستان، فأفسد مشروع الدولة الإسلامية بحمد الله جميع مخططاتهم ورد الله مكرهم وكيدهم في نحورهم” انتهى.
ثانيًا: إخفاء الهدف النهائي والكذب بمشاريع مرحلية: 
تطور تنظيم (الدولة) منذ دخوله إلى العراق عبر جماعات متعددة تعلن أهدافًا محددة في محاربة الأعداء وطرد المحتلين كجماعة (التوحيد والجهاد)، ثم (القاعدة في بلاد الرافدين) دون أن تعلن عن هدفها النهائي، كما دخلت بشراكات واتفاقيات متعددة ببنود وأهداف محددة متفق عليها كـ (حلف المطيبين) و(مجلس شورى المجاهدين)، واستغلوا هذه التنظيمات والشراكات في إثبات وجودهم، وتقوية حاضنتهم، لكنهم كانوا يبيتون نقضها والغدر بشركائهم حين تمكنهم، ويعملون لذلك بالنخر في الجماعات الأخرى كما سيأتي بيانه، فلما حصل لهم ما أرادوا أعلنوا الدولة منفردين، وذلك كما يلي:
1- إخفاء الهدف الحقيقي من المشروع: 
قال أبو حمزة المهاجر في (اللقاء الصوتي الأول) بعد إعلان الدولة:”ينبغي أن يدرك الجميع كما قررنا ذلك مراراً أننا نقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ولا يكون ذلك إلا بحكم و إمارة، فإنشاء دولة إسلامية في العراق هدفٌ لنا جميعاً منذ أول طلقة أطلقناها على المحتل وأعوانه، وحلمٌ ظل يراود نفوسنا وكنا نعمل له بكل جد واجتهاد، فأنفقنا له الأموال وسكبنا الدماء الغزيرة.
ومن الناحية العسكرية: فقد كثفنا عملنا في كل مناطق أهل السنة، ورمينا بكل ما في جعبتنا عسكرياً لهذا الهدف” انتهى.
ومثل هذا حدث تمامًا في سوريا حيث أعلن التنظيم عن تمدده إلى الشام وسمى نفسه (الدولة الإسلامية في العراق والشام)  بعد أن بقي شهورًا طويلةً يعمل تحت اسم (جبهة النصرة)، قال أبو بكر البغدادي في كلمة (وبشر المؤمنين) بتاريخ 9-5-2013م:
“انتدبنا الجولاني –وهو أحد جنودنا– ومعه مجموعة من أبنائنا، ودفعنا بهم من العراق إلى الشام، على أن يلتقوا بخلايانا في الشام، ووضعنا لهم الخطط، ورسمنا لهم سياسة العمل، ورفدناهم بما في بيت المال مناصفة في كل شهر … إن جبهة النصرة ما هي إلا امتداد لدولة العراق الإسلامية وجزء منها، وقد عقدنا العزم بعد استخارة الله تعالى، واستشارة من نثق بدينهم وحكمتهم: على المضي بمسيرة الرقي بالجماعة … فنعلن متوكلين على الله: إلغاء اسم دولة العراق الإسلامية، وإلغاء اسم جبهة النصرة، وجمعهم تحت اسم واحد: (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وكذلك توحيد الراية راية الدولة الإسلامية راية الخلافة إن شاء الله” انتهى.
“وجميع ذلك دون إعلامٍ أو استئذان لأهل الجهاد والعلم ولمن معهم في الصف نفسه من الجماعات”.
سبب هذه الإخفاء والكذب:
تعتقد هذه الجماعات أنَّها الأصح عقيدة والأكثر فهمًا للدين؛ لذا فإنها الأحق بإقامة المشروع وقيادة الأمة، بينما بقية الناس جهلة لا أهلية لهم للاستشارة أو الرأي، وإنما يقع عليهم جانب السمع والطاعة وتنفيذ المشروع! قال أبو عمر البغدادي في كلمة (حصاد السنين بدولة الموحدين): “إننا حين أعلنا دولة الإسلام وأنها دولة هجرة وجهاد لم نكن نكذب على الله ولا على الناس، ولم نكن نتكلم عن أضغاث أحلام، لكنا بفضل الله تعالى الأقدر على فهم سنة الله في هذا الجهاد، هذا الفهم منشؤه دماء المجاهدين من مهاجرين وأنصار بعد معايرة أخلاقهم ومنهجهم” انتهى.
وقال أبو بكر البغدادي في كلمة (وبشر المؤمنين) عن إعلان الخلافة:
“إن الارتقاء من مرتبة أدنى إلى مرتبة أعلى من مكارم الله تعالى للجماعات الجهاديّة، وهو دليل على بركة عملهم…وهذا الارتقاء لا يفكّر به إلا من أوتي حظًا وافرًا في البحث عن المواطن التي تُرضي الله تعالى، فيحثّ الخطا إليها، لا يفكر بهذا الارتقاء والتسامي إلا من آتاه الله تعالى بُعدًا في النظر وإحاطة بالمصالح العامة، وبما تنتظره الأمة من المجاهدين في سبيل الله تعالى.
لا يفكر بهذا الارتقاء: إلا من رزقه الله تعالى العلم بالمواطن التي تغيظ الكفار والمرتدين” انتهى.
وفي نظرتهم لبقية الناس: قال أبو حمزة المهاجر في كلمة (إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ) بتاريخ 10-11-2006م:
“إن أكثر الناس كالأنعام السائبة لا يعرفون لماذا وجِدوا وإلامَ يصبون… فالله الله في أهلنا أهل السنة … فإن للفلاح في مزرعته والعامل في مصنعه والمدرس في مدرسته حق النصرة علينا، نحمي أعراضهم ونحفظ أموالهم ونمسك ألسنتنا عنهم” انتهى.
وقال أبو عمر البغدادي (فتح من الله ونصر قريب) 3-2-2007م:
“فلا زلنا في طور البناء وأحكام الدولة يجهلها الكثير وإني على يقين أن المخلصين الموحدين قادمون لا محال فالرفق الرفق يا عباد الله” انتهى.
وقال أبو حمزة المهاجر في (اللقَاءُ الصَّوْتِيُّ الأَوَّلُ) بتاريخ 24-10-2008م:
“مشروع الدولة الإسلامية جديد على الأمة، وأحكامه تغيب على كثير من طلبة العلم فكيف بعوام الناس؟ فلا نلزم الناس ونجبرهم على أمور لا يفقهونها” انتهى.
ثالثًا: إعلان المشروع بمعزلٍ عن موافقةِ الجماعات الأخرى واستشارتها، وبعد النخر فيها وكسب أتباعها دون علمها: 
1- ففي الغدر بالجماعات الأخرى وإعلان المشروع دون إعلامهم مع أنهم شركاء في مشاريع أخرى:
قال أبو حمزة المهاجر في كلمة: (إن الحكم إلا لله) بتاريخ 10-11-2006م: “أقول للشيخ المفضال والبطل المغوار الهاشمي القرشي الحسيني النسب أمير المؤمنين أبي عمر البغدادي: بايعتك على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله وأن نقول الحق حيثما كنّا لا نخاف في الله لومة لائم، معلناً ذوبان كل التشكيلات التي أسسناها بما فيها مجلس شورى المجاهدين، وبالنيابة عن إخواني في المجلس تحت سلطة دولة العراق الإسلامية!” انتهى.
مع ما جاء في شهادة أبي سليمان العتيبي القاضي الأول في (دولة العراق الإسلامية):
“… وفي حقيقة الأمر يظنّ النّاسُ أنّ قيامَ (الدّولة) كان بعد مبايعة جماعات مجلس شورى المجاهدين لتنظيم القاعدة، ثم مبايعة شيوخ العشائر بحلف المطيّبين، وليس الأمر كذلك ألبتة، وإنّما بايع رؤوس هذه الجماعات كسرايا الجهاد، وسرايا الغرباء، وجيش أهل السنة، وكتائب الأهوال، وجيش الطائفة المنصورة… وهم أناسٌ لا علاقة لهم بالجهاد الحقيقي في السّاحة، بل منهم مَن لم يحمل السّلاح في حياته كلّها، ومنهم مَن ليس له أتباعٌ أصلًا، وإنّما هي أسماءٌ مجرّدة، فبايعوا واشترطوا إمّا بلسان الحال أو المقال أن يتولّوا مناصب في هذه الدّولة التي ستُعلن، ووقع الأمرُ كما أرادوا.
وأنا أشهد بالله العظيم على ذلك بحكم قربي مِن أبي حمزة المهاجر، ولم يتدخل شيوخُ العشائر المعروفون كما يصرحّ كثيرًا أبوحمزة” انتهى.
2- وفي العمل عل النخر في الجماعات الأخرى وأخذ بيعة أفرادها دون إذنها:
قال أبو عمر البغدادي في كلمة (وقل جاء الحق وزهق الباطل) بتاريخ 22-12-206م: “وإني أحمد الله و أشكره أن وفق جنده لهذه الخطوة المباركة والتي كانت باكورة ثمنها اجتماع أكثر من ثلاثة عشر فصيل وجماعة جهادية تحت راية واحدة, وذلك بعد إعلانهم الطيب في حلف المطيبين. ثم جاءت الثمرة الطيبة سريعة ببيعة عشرات الكتائب وآلاف المقاتلين من إخواننا في جيش المجاهدين والجيش الإسلامي وثورة العشرين وأنصار السنة وغيرهم, وذلك في الفلوجة والقرمة والعامرية والرمادي والغربية والطارمية والصينية وتكريت وسامراء وبعقوبة والعظيم ثم في الموصل وكركوك وتلعفر وببغداد الحبيبة.
وكانت الثمرة الأكيدة والحصاد الأعظم أن يسارع نحو سبعين في المائة من شيوخ عشائر أهل السنة في بلاد الرافدين إلى الدخول في حلف المطيبين ومباركة بيعة دولة الإسلام والمسلمين” انتهى.
وقال في كلمة (قل إني على بينة من ربي) بتاريخ 13-3-2007م مبينًا أطراف المؤامرة على (دولته الإسلامية):
“ج- طائفة من الحسّاد، دفعهم مسارعة كثير من عناصرهم وكتائبهم إلى التعاضد والتناصر وبيعة دولة الإسلام، فإن النفس جبلت على حب الرفعة، فهي لا تحب أن يعلوها” انتهى.
رابعًا: التدرج في خطاب الجماعات الأخرى من الدعوة للدخول في المشروع، ثم التكفير وإعلان القتال عند الرفض:  
1- ففي الاعتراف بفضل هذه الفصائل وجهادها والثناء عليها لمحاولة كسبها قال أبو حمزة المهاجر (إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ) 1010-11-2006م:
“إخواننا المجاهدين الأكارم أصحاب المنهج والخلق والعمل: لقد أذقتم الكافر الأهوال ومرّغتم أنفه بالأوحال فداكم والله نفسي، لقد كنتم نعم الظهر والسند، ونعم الساعد والمدد، ولقد أفرحتم قلوبنا بجهادكم ونكايتكم بعدوكم فبارك الله فيكم… فلئن كان ديننا وهدفنا واحداً وعدونا واحداً فما الذي يمنع أن نكون صفًا واحدًا؟ … فيا أبطال جيش أنصار السنة، ويا أسود الجيش الإسلامي، ويا فلذات أكبادنا في جيش المجاهدين… فقد اشتاقت أنفسنا إليكم وحنت أحضاننا لودكم فإن إخوانكم يدعون الله أن يحفظكم وأن تبشروهم باليوم الذي تعلنون فيه ما عودتموهم عليه من صفاء المنهج ووضوح الهدف فتباركون دولة العراق الإسلامية وتبايعون الشريف أميراً، فلسنا بخير منكم حتى نقدم وتبطئون فأنتم أسبق منا جهاداً وأزهد إمارة وأطوع جنوداً ونحسبكم أخلص لله دينًا …” انتهى.
2- ثم لما كان هناك رفض لمشروع الدولة انتقل الخطاب للتأثيم والوصف بالمعصية:
قال أبو عمر البغدادي (فتح من الله ونصر قريب) 3-2-2007م:
“كما إنني أحب أن أؤكد لإخواني المجاهدين الذين لم يبايعوا بعد دولة الإسلام الحقائق الآتية:
أولاً: إنهم إخوة لنا نحميهم بأنفسنا ونذب عنهم بألسنتنا ولا نتهمهم بكفر أو فجور غير أننا نرى المعصية في تخلفهم عن واجب الوقت وهو الجماعة والاعتصام بحبل الله.
ثانيًا: أقول لإخواني جنود دولة الإسلام اتّقوا الله في إخوانكم المجاهدين فلا يسمعوا منكم إلا طيباً ولا يروا منكم إلا خيراً” انتهى.
وقال في كلمة) (قل إني على بينة من ربي) بتاريخ 13-3-2007م:
“نرى أن أبناء الجماعات الجهادية العاملين في الساحة إخوة لنا في الدين ، ولا نرميهم بكفر ولا فجور ، إلا أنهم عصاة لتخلفهم عن واجب العصر وهو الاجتماع تحت راية واحدة”انتهى.
ثم لما أكثروا من قتل من اتهموه بالعمالة للمحتل وضجت الفصائل بالاعتراض:
قال أبو عمر البغدادي في كلمة (حصاد السنين بدولة الموحدين) بتاريخ 17-4-2007م: “النداء الثالث: لشيوخ العشائر خاصة: اعلموا -أصلحني الله وإياكم- أن كل واحد منكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فلينظر كل واحد منكم من أي المفاتيح هو … واعلموا إخواني أن نكث العهد الذي بيننا كبيرة من كبائر الذنوب …
النداء الرابع: إلى من وقف مع المحتل وأعوانه من أبنائنا وعشائرنا … إن من أسوأ الناس منزلة من أذهب آخرته بدنيا غيره … والفرصة لا تزال أمامكم يا من تثورون على شرع الله وعلى عباده وأوليائه المجاهدين الدافعين عن أعراضكم وأموالكم وبلادكم ومن قبلها دينكم…
فيا إخواننا في جيش أنصار السنة وجيش المجاهدين إن الود بيننا عميق وأواصر العقيدة والمحبة هي أكبر وأقوى وأمتن من أن تنال بمكروه. ويا أبنائي في الجيش الإسلامي اعلموا أن دمي دون دمائكم وعرضي دون عرضكم ووالله لن تسمعوا منا إلا طيبا ولن تروا منا إلا خيراً فطيبوا نفساً وقروا عينا فما بيننا أقوى مما يظنه بعضهم غفر الله لهم.
ويا جنود ثورة العشرين … فوالله إنا لندين الله بحرمة دمائكم وكل مسلم ما لم يرتكب كفراً بواحاً أو دماً حراماً… فإنا نبرأ إلى الله ونشهدكم أنا لا نسفك دماً لمسلم معصوم قصداً ما دام صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا” انتهى.
ثم تدرج خطوة أخرى باتهام بعض الفصائل بالعمالة فقال في كلمة (ويمكرون ويمكر الله) 15-9-2007م معددًا خطة المحتل في ضرب الجهاد:
“ثانياً: تحريضُ وتأليبُ ضعافِ النفوسِ من شُيوخِ العشائرِ ضِدَّ أبنائِهمُ المجاهدينَ ‏مُتَزَلِّفينَ بالدَّعاوى الكاذبةِ وبعضِ الأخطاءِ التي تَظْهَرُ من بعضِ المجاهدينَ، والتي ‏لا تَخلو منها ساحةٌ، حتى زمنُ خيرِ الأنبياءِ عليه الصلاةُ والسلام.‏
ثالثاً: تأسيسُ مجالسِ الخيانةِ والعَمالةِ، في مدنِ العراقِ المختلفةِ وإيجادُ الشرعيةِ ‏السياسيةِ والعَقَدِيّةِ لها، ودعوةُ الناسِ للانخراطِ فيها من جهةٍ، والانسلاخِ من دينِهم ‏منْ جهةٍ أخرى…‏
هذا وقد دخلَ في هذا المشروعِ الخبيثِ بعضُ الفصائلِ المقاوِمةِ والتي تَلْبَسُ زوراً ‏ثوبَ السلفيةِ … فشاركوا في اجتماعٍ خطيرِ ضَمَّ ‏فصائلَ المقاوَمةِ الشريفةِ على حدِّ زعمِهم في إحدى الدولِ العربيةِ، والتي لها عَلاقةٌ ‏وطيدةٌ مع دولةِ اليهودِ “إسرائيلَ”، وبإشرافٍ أمريكيٍّ …
فيا أيها المنخدعون: إن بابَ التوبةِ مفتوحٌ، وخاصةً قبلَ القدرةِ عليكم” انتهى.
وقال في كلمة (فأما الزبد فيذهب جفاء) بتاريخ 4-12-2007م:
“بينما وقفت معظم الفصائل السلفية منها والوطنية وقفة المتفرج بل والطاعن فينا وبكل وسيلة” انتهى.
وقال في كلمة (البنيان المرصوص) بتاريخ 15-4-2008م: “ففضح رايات كانت تدعي السلفية فإذا هي اليوم عميّة جاهلية، من قتل تحتها فقتلة جاهلية” انتهى.
ثم كان التكفير العلني بالعموم في كلمة (وعد الله) بتاريخ 22-9-2008م:
وكلمتي الثانية إلى الذين كنا نحسبهم ظاهرياً معنا في الميدان يقاتلون المحتل الكافر فإذا بهم وبعد إعلان دولة الإسلام يتحالفون مع الصليبي والرافضي …
إنكم يوم أن كنا نظنكم على الحق كنا نفديكم بأرواحنا ونستركم بأجفاننا، ولما رأينا الردة والخذلان منكم، انكسر القلب ألماً وحزناً، فلو فقدتُ والدي وولدي وأهلي أجمعين كان أهون عليّ من ردة أحد منكم، فكيف بهذا الجمع الغفير! فاتقوا الله يا من أهلكتم أئمة السوء وأمراء الضلال، اتقوا الله يا جنود المجلس السياسي السابقين واللاحقين, وأخص منهم الكاذبين بانتمائهم لمنهج السلف… فإن أبيتم التوبة قبل القدرة عليكم فوالله لقتل المرتد أحبُّ إليّ من مئة رأس صليبية” انتهى.
– أما الوضع في سورية فهو معروف ومشهور، ويكفي فيه الإشارة إلى أنه وبعد إعلان تنظيم (الدولة) لخلافته حاول حث الجماعات المختلفة على الانضمام لها، ومن ذلك قول العدناني في كلمته (هذا وعد الله) بتاريخ 29-6- 2014م:
“بإعلان الخلافة صار واجبًا على جميع المسلمين مبايعة ونصرة الخليفة إبراهيم حفظه الله، وتبطل شرعيّة جميع الإمارات والجماعات والولايات والتنظيمات، التي يتمدّد إليها سلطانه، ويصلها جنده” انتهى.
ولما ظهر الرفض العام من سائر علماء المسلمين والجماعات الجهادية والدعوية وفشلوا في ذلك رغم بذل الكثير من الجهود والأموال، أعلن عليها الحرب والقتال، فقال العدناني في كلمة (قل للذين كفروا ستغلبون) بتاريخ 14-10-2015م، والتي ملأها تهديدًا ووعيدًا للمجاهدين: “سنفرّق الجماعات، ونشق صفوف التنظيمات، نعم لأنَّه مع الجماعة لا جماعات، وسحقًا للتنظيمات، سنقاتل الحركات والتجمعات والجبهات، سنمزق الكتائب والألوية والجيوش حتى نقضي بإذن الله على الفصائل؛ فما يضعف المسلمين ويؤخر النصر إلا الفصائل” انتهى.
خامسًا: التكفير والقتل لا يكفي!
 ما إن تفقد هذه الجماعات ما كانت تصبو إليه، وعدم كفاية التكفير والقتل لردع ما تظنه خيانة وعمالة ضدها، حتى تبدأ في المزيد من الانتقام والتشفي عن طريق اتخاذ وسائل وحشية في القتل، كما ظهر في تصرفات تنظيم (الدولة) في التحريق والتغريق والتفجير وغيرها، أو حتى في استخدام ألفاظ التشفي والسباب والشتائم المقذعة.
فقد ظهر في كلام العدناني الكثير أمثال قوله:
في كلمة (الرائد لا يكذب أهله) بتاريخ 1-2014م في تهديد مجاهدي سوريا: “فاعلموا أن لنا جيوشًا في العراق وجيشًا في الشام مِن الأسود الجياع، شرابهم الدماء، وأنيسهم الأشلاء، ولم يجدوا فيما شربوا أشهى من دماء الصحوات” انتهى.
– وقال “وأما مَن يصرّ على البقاء في صفوف صحوات الخيانة والدياثة والعمالة” انتهى.
– وقال في كلمة (الاقتحامات أفجع) بتاريخ 11-2012م: “ولتعلم صحوات الخيانة والدياثة ..” انتهى.
وخير من يمثل هذه النقطة من البيانات الرسمية الأخيرة: كلمة (ومن ينقلب على عقيبه) لعبد الله الحسيني أمير (جند الأقصى) التي يندر أن يوجد لها إصدار، وتتخذ التقيّة وسيلةً لإخفاء معتقداتها الغالية، لكنه لم يتمالك نفسه أمام الأحداث الأخيرة المتسارعة فيما رآه ضياعًا للثمرة، فجاءة كلمته سبابًا وشتائم وتكفيرًا وتخوينًا عامًا للجميع، وهذه نبذ سريعة منها:
“ثم جاء “مؤتمر الرياض” ليسلب ما تبقى عندهم من الدين والرجولة والشرف… وقد لبّاهم جمع ممن نجحوا في استعباده بثمن بخس! وبعض من تعب من طول الطريق وبعدت عليهم الشّقة…وها نحن نرى ازدحامًا ذليلًا على أبواب عواصم أنظمة شاخت في عداوة الإسلام وأهله… وأيم الله ليس في ذلك الجمع من طاهر!.
إننا نرى وسط هذا الزحام من لا يرجون لله وقارًا، ولا يقيمون لشريعته وزنًا، وآخرون شاكّون في موعوده وأمره، ما حملوا السلاح عبادة ولا قربة ولا رجاء الآخرة، إنما وصولية ومكرًا وثعلبة…لقد تناسى أولئك الخونة مئات آلاف القتلى والجرحى…ولا يخفى أن هؤلاء ليسوا مجرد خونة منقلبين على أعقابهم فحسب! بل جملة من الحمقى والبلهاء… إن الخيانة أقلُّ ما يمكن أن يُوصف به الغادرون الموقّعون. وها هي قبورهم
[أي المهاجرين] تشهد على المؤتمر ومن وقّع عليه بخسّة الطبع ودناءة الطوية ونفوس جُبلت على الوضاعة والعقوق، ولا عجب فهم اليوم مجرّد عبيد مسلوبي الإرادة والرجولة والدين. أما الصادقون ممن انتسب لتلك الفصائل الموقعة، إن قيادتكم في الخارج قد زهدت بالجهاد وباعته بثمن بخس … وهم اليوم يقامرون بجهودكم ويبيعون دمائكم” انتهى.
سادسًا: نماذج من التصرفات الرعناء لهذه الجماعات: 
تتنوع رعونة هذه الجماعات في تصرفاتها من انشغال بالأمور اليسيرة عن الأمور الهامة، أو التعامل مع مختلف الفصائل والناس تعامل الحاكم المتغلّب، وأشدّها انحرافًا فكريًا وضررًا واقعيًا التصرف بناء حتمية تحقق النصر ونزول الوعد الإلهي، فتنقلب موازين التصرفات، وتختلف الأهداف، وتخلو الأعمال من أسبابها ومرحليتها.
قال أبو سليمان العتيبي في (رسالته إلى القيادة في خراسان) متحدثًا عن تصرفات أبو حمزة المهاجر: “ومن الأخطاء التي تمس العقيدة: الفهم الخاطئ عندهم لبعض أشراط الساعة، ولو كان الأمر مقتصراً على هذا لسهل حلّه، ولكن المشكلة أنه عداه إلى العمل الجهادي في الساحة، مثل ما جزم بأن المهدي سيظهر في أقل من عام وكان هذا في رمضان 1427هـ ، مما دعاه إلى القول بأننا سنملك الأرض كاملة في أرض الرافدين في غضون ثلاثة أشهر، فأصدر أمراً بالنزول في الساحات وعدم الانسحاب لمدة أسبوع حتى يأتي الأمر بالانسحاب وهذا خطير على الإخوة، وإلى كتابة هذه السطور مر عام ولم نملك الأرض فضلاً
عن ظهور المهدي، وكذلك نتج عن هذا الفهم الخاطئ، التسرع في اتخاذ القرارات وكأن الساعة ستقوم غداً، ومن ذلك إعلان الدولة بهذه الصورة المستعجلة الضعيفة مع ما فيها من أخطاء سأبينها في موضعها، ولقد صرّح لي أكثر من مرة بعد مناقشته في مثل هذه الأمور بقوله: مابقي شيء على ظهور المهدي حتى إنه أمر بعض الأخوة بأن يصنعوا له منبراً ليرتقيه المهدي في المسجد الأقصى!!!! وآخر لمسجد رسول الله والثالث للمسجد الأموي بدمشق” انتهى.
وهو ما يوافق ما كرره زعماء التنظيم في مناسبات كثيرة عن اقتراب النصر أيام (دولة العراق) ويكررونه هذه الأيام.
ومن التصرفات الرعناء: عدم معرفة قدر المعركة واحتياجاتها، والاغترار بقليل السلاح. جاء في كلمة الحسني أمير (جند الأقصى) والتي أتت في هذه الأيام العصيبة على المجاهدين:
“فها هي الشام وكأنّ الله قد هيّأها وأزلفها لتكون منطلق البعث الإسلامي القادم العارم. وها هي ثورة أهلها قد ربت وأمرعت خلال سنين من بركات الجهاد المدرّج بالدم الطاهر. فإذا بها اليوم مزدانة بمقوّمات النهوض، مستجمعة لعوامل قيامة الأمة الكبرى؛ فمجاهدون قد خبروا أشد المعارك وأقصى أصنافها، وجماعات سنية لن تُغلب من ضعف ولا قلة، وعتاد يكاد أن يستوفي المماثلة مع كثير من جيوش الباطل المحيطة.. ” انتهى.
سابعًا: تغير الخطاب بين الوعد بالتمكين، وسنة الابتلاء! 
ومع أن الوعد بالتمكين حقيقة إلهية ثابتة، وكذلك سنة الابتلاء، إلا أنَّ الجزم بوقوع أحدهما لجماعة محددة، أو وقت معين، هو من ادعاء الغيب المحرم، أما الاقتصار على جانب من تلك النصوص حين ظن توقعها فهو من التلاعب! حيث تسعى هذه الجماعات لحشد الأتباع وقت نشأتها وصعودها بالحديث عن وعود التمكين، وقرب ملامسة النصر، وتحققه على أرض الواقع، وما إن تحل بها الخسارة وتلاشي الجماعة حتى تبدأ بالحديث عن الابتلاء، وتأخر النصر، وأنواع النصر، ونحو ذلك..
قال أبو بكر البغدادي في كلمة (والله يعلم وأنتم لا تعلامون): “فالتدافع والصراع مستمر، والفتنة والابتلاء والتمحيص دائم، إلا أن العاقبة للمتقين، والفوز والفلاح للمؤمنين الصادقين الصابرين، وإن المجاهد في سبيل الله لن تزيده المحن إلا نقاوة وصفاء، ولا الشدائد إلا عزيمة وثباتًا، فاصبروا يا أيها المجاهدون في الدولة الإسلامية في العراق والشام، وصابروا ورابطوا ولا تحزنوا من خذلان القريب وتواطؤ الأعداء، ولا تهولنّكم الحملة الشرسة ضد الدولة؛ فإن الله عز وجل ينصر جنده، ويدافع عن الذين آمنوا…” انتهى.
وقال العدناني في كلمة (فيقتلون ويقتلون): “أيها المجاهدون؛ لا يظننّ جاهل أن المجاهدين في سبيل الله؛ لا يخسرون معركة!
كلا؛ فإن الحرب سجال، والأيام دول. وإن المجاهدين في سبيل الله قد يخسرون معركة أو مدينة أو منطقة، ولكنهم لا يهزمون أبدًا. وتكون العاقبة والغلبة في النهاية لهم دائمًا” انتهى.
وبعد أن يكون الحديث دائرًا عن حتمية النصر وتحقّق الوعد، واستخدام تاريخ (إخفاق المنافسين) دليلاً على بطلان منهجهم، يصبح الحديث عن أهمية الحفاظ على القيم في وجوه المنبطحين وعديمي القيم، ولو أدّى إلى القتل أو الأسر أو العيش بين الجبال، وأنه من سنن الله في الكون! ولا يجدون غضاضة في اختلاف هذه المواقف وتناقضها، واستدلالهم بما كانوا يعيبون به على مخالفيهم؛ لأنَّهم هم أصحاب المنهج الحق، وهم الأعلم بالدليل الشرعي، ولهم حق تفسيره وتنزيله على أرض الواقع!
وفي الختام: يتَّضح من خلال التاريخ الطويل والتجارب العديدة التي مرّت بها هذه الحركات أنَّ (الغلو في التكفير) ليس هو الانحراف الأخطر في هذه الجماعات، بل كان (التكفير) دومًا وسيلةً وسلاحًا للوصول إلى أهداف أخرى، وأنه خلال التاريخ الطويل والأحداث الكثيرة من النشأة والتطور في المعتقدات والمواقف، وتعدّد التجارب تبلورت نفعية هذه الجماعات، وأصبحت تبحث عن مصلحتها المحضة، لا مصلحة الأمة ولا الشعب، ولا الجهاد، وتبذل كل الأسباب الشرعية والكونية، وتسخّر جميع الجهود والطاقات لمصلحتها فحسب، وإن كان جميع ذلك بغطاء ديني شرعي، ومبررات عديدة كما سبق.
وبهذا يزداد الانحراف شيئًا فشيئًا، وتتكرس الأخطاء وتتعمق، وتبتعد هذه الجماعات عن الدين الحق أكثر فأكثر، لحكمة يشاؤها الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين.
————————————————————————————————–
(*) غني عن القول إن مقالة مختصرة لا يمكن الإلمام بتفاصيل كامل الفكرة المطروحة والاستدلال عليها، وهي بحاجة لدراسات معمقة موثقة، وأن ذلك لا يكون بمعزل عن بقية المواد التي تتحدث عن غلو هذه الجماعات وانحرافاتها، وكذا الفروق بين هذه الجماعات في هذه المسالة.