توصية هيئة الفتوى في المجلس بخصوص الأضاحي
أكتوبر 1, 2014
فتوى حول عصمة أموال وأنفس أهالي مقاتلي تنظيم الدولة
مارس 8, 2015

فتاوى فيما يتعلق بالقبور

بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
السؤال : كثرت في الآونة الآخيرة في سوريا هدم الأبنية على القبور حتى وصل الأمر إلى نبش القبور فهل لكم أن تبينوا لنا الحكم الشرعي في ذلك؟


الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن سار على هديه إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد جاءت شريعة الإسلام في مسألة القبور وما يتعلق بها جامعة بين حق الله وحق الميت، فكرَّم الله المسلم ميتاً كما كرَّمه حياً، فأمر بتغسيله وتطييبه وتكفينه، ثم الصلاة عليه ومواراته في القبر،كما نهى عن امتهان القبور، فحرَّم المشي أو القعود عليها، ودعا إلى زيارتها، والسلام على أهلها، والدعاء لهم.
وفي الوقت نفسه نهى الإسلام عن الغلو في القبور فسدَّ كلَّ سبيل لذلك ،فنهى عن رفع القبور والبناء عليها واتخاذها مساجد وأمر بتسوية القبور المشرفة،وقد تواترت النصوص النبوية والآثار العلمية في التحذير من ذلك ، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن:
1- رفع القبر والبناء عليه والكتابة عليه وتجصيصه وقد ثبت ذلك في صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: “نهى رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أن يُجصّص القبر، وأنْ يُقْعَدَ عليه، وأن يُبْنَى عليه،أو يُزَاد عليه، أو يُكْتَبَ عليه” وتجصيص القبور: تبييضها بالجصّ، وهو الجير.
قال النووي في “المجموع” 5/ 298: قال الشافعي والأصحاب: يكره أن يُجصّص القبر وأن يكتب عليه اسم صاحبه أو غير ذلك، وأن يبنى عليه، وهذا لا خلاف فيه عندنا، وبه قال مالك وأحمد وداود وجماهير العلماء”.
وقال الإِمام محمد بن الحسن في “الآثار” (ص 45): “أخبرنا أبو حنيفة عن حمّاد عن إِبراهيم قال: كان يُقال: ارفعوا القبر حتى يُعرف أنه قبر فلا يُوطأ.

قال محمد: وبه نأخذ، ولا نرى أن يزاد على ما خرج منه، ونكره أن يُجصّص، أو يُطيّن، أو يجعل عنده مسجد و علَم، أو يكتب عليه، ويكره الآجُرُّ أن يبنى به، أو يدخله القبر، ولا نرى برش الماء عليه بأساً، وهو قول أبي حنيفة”.
وقال الكاساني _رحمه الله_ في”بدائع الصنائع”:”وكره أبو حنيفة البناء على القبر وأن يُعلَّم بعلامة”.

2 – الصلاة إِلى القبور وعندها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تجلسوا على القبور، ولا تُصلّوا إِليها”.رواه مسلم وغيره، وقال أيضا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “الأرض كلها مسجد؛ إِلا المقبرة والحمام” رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
3-بناء المساجد عليها؛ وفيه أحاديث كثيرة منها حديث عائشة وابن عباس -رضي الله عنهم- قالا: “لما نُزِل برسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ طفِق يَطرَحُ خَمِيصةً على وجهه، فإِذا اغتمّ كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ يحذّرُ ما صنعوا” أخرجه البخاري ومسلم.
قال ابن رجب _رحمه الله_ في “فتح الباري”:”هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين”.
ودل هذا اللعن على أنّ اتّخاذ القبور مساجد أقل ما يكون من الكبائر ، ولذلك قال الفقيه الهيتمي الشافعي -رحمه الله – في “الزواجر” (1/ 384): ( الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون : اتخاذ القبور مساجد ، وإيقاد السرج عليها ، واتخاذها أوثانا ، والطواف بها ، واستلامها ، والصلاة إليها ).
وقال العيني الحنفي _رحمه الله_ في” شرح سنن أبي داود”:” إنما لعنهم لكونهم بنوا مساجد على القبور”.
وقال القرطبي _رحمه الله_ في “تفسيره”:” فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها، إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز”.
وَقَالَ الجَصَّاصُ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (مُخْتَصَرُ اخْتِلَافِ الفُقَهَاءِ) (407/ 1): (قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رَحِمَهُ اللهُ: بُنْيَانُ القُبُوْرِ لَيْسَ مِنْ حَالِ المُسْلِمِيْنَ، وَإنَّمَا هُوَ مِنْ حَالِ النَّصَارَى).
وبناء على ما تقدم فقد تبين أن البناء على القبور من المنكرات العظيمة، فالواجب إزالتها متى وجدت، وقد جاء ذلك جلياً في أمر النبي- صلى الله عليه وسلم-، ووردت بمثله الآثار عن الصحابة -رضوان الله عليهم-، وعليه كان العمل عند أهل العلم وحكام المسلمين:
فعن أَبِى الْهَيَّاجِ الأَسَدِيّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلاَّ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَني عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم_ أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ، وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا [أي مرتفعًا عن الأرض] إِلاَّ سَوَّيْتَهُ) رواه مسلم.
قال ابن كثير _رحمه الله_ في “تفسيره”: “وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب_رضي الله عنه_ أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق، أمر أن يُخفى عن الناس، وأن تُدفن تلك الرقعة التي وجدوها عنده”؛ وذلك حفاظاً على عقائد الناس وتوحيدهم، حيث أن أهل فارس كانوا يغلون فيه، فأمر- رضي الله عنه- بإخفائه خشية الغلو فيه مرة ثانية.
وقال الإمام الشافعي- رحمه الله- في كتاب” الأم”:”وقد رأيت من الوُلاة مَن يَهدم بمكَّة ما يُبنى فيها، فلم أَرَ الفقهاءَ يَعيبونَ ذلك”.
وقال ابن حجر الهيتمي- رحمه الله- في “الزواجر عن اقتراف الكبائر”:” تجبُ المبادرة لهدم المساجد والقباب التي على القبور؛ إذ هي أضر من مسجد الضرار؛ لأنها أُسست على معصية رسول الله، وكانت هذه الفتوى في عهد الملك الظاهر, إذ عزم على هدم كل ما في القرافة من البناء كيف كان، فاتفق علماء عصره أنه يجب على ولي الأمر أن يهدم ذلك كله”.

تنبيه:
1- ولكن لجهل الناس وبعدهم عن العلم الشرعي
2- وعدم قيام الدولة التي يخضع لها الناس فإننا نرى التريث في ذلك والبدء بتعليم الناس التوحيد وشرائع الإسلام وخاصة ما يتعلق بالقبور ، وكذلك توجيههم بتعليق قلوبهم بالله بدلا من الأموات
3- وكذلك فإن الأمر إذا ترتب عليه مفسدة راجحة ينتظر حتى تزول فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك بعض الأمر خشية فتنة الناس فعن عائشة _رضي الله عنها_: أنَّ النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال لها: (يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ) متفق عليه.
قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في “فتح الباري”: “ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة”.
وقال الإمام النووي-رحمه الله- في “شرح صحيح مسلم”: “وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام، منها: إذا تعارضت المصالح، أو تعارضت مصلحة ومفسدة، وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة، بدئ بالأهم؛ لأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أخبر أنَّ ن
قض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم عليه السلام مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه، وهي خوف فتنة من أسلم قريبًا، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيمًا”.
4- والناظر لحال البلادِ التي تنتشرُ فيها تلك القباب والأضرحة يُدرك أن في الاستعجال بهدمها مفاسد عظيمة، فطوائف من الناس متعلقون بها أشدَّ التعلُّق، ويرون تعظيمها من الدين، فهدمها قبل تبيين أمرها سيزيد من التعلُّق بها والتعصب لها، وسيستعدي المجتمع على الدعاة المصلحين بما يؤدي إلى كُرههم والتنفير منهم، وفي هذا من الصد عن سبيل الله ما فيه. فلا بد أن يسبق ذلك النصحُ والبيانُ للناس حتى يتمكن الإيمان من القلوب.
وتحقيقُ هذا المقصود لا يكون إلا بأخذ الناس بالرفق والتدرُّج بعد عقودٍ طويلةٍ من التجهيل والبعد عن الدين، وهذا أمر معلوم من سيرة أهل العلم رحمهم الله تعالى.
5- وأما نبش القبور فإنه محرم ولا يجوز إلا لسبب شرعي.فإن حرمة الميت كحرمته حيا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -في مجموع الفتاوى 24: /303 :” لا ينبش الميت من قبره إلا لحاجة ؛ مثل أن يكون المدفن الأول فيه ما يؤذي الميت فينقل إلى غيره كما نقل بعض الصحابة في مثل ذلك”، وقال النووي في “المجموع” (5/ 303) ما مختصره: “ولا يجوز نبش القبر لغير سبب شرعي باتفاق الأصحاب، ويجوز بالأسباب الشرعية كنحو ما سبق ، ومختصره: “أنه يجوز نبش القبر إِذا بلي الميت وصار تُراباً، وحينئذ يجوز دفن غيره فيه، ويجوز زرع تلك الأرض وبناؤها، وسائر وجوه الانتفاع والتصرف فيها باتفاق الأصحاب، وهذا كلّه إِذا لم يَبْقَ للميت أثر من عظم وغيره، ويختلف ذلك باختلاف البلاد والأرض، ويعتمد فيه قول أهل الخبرة بها”.
نسأل الله أن يلهمنا الصواب ويجنبنا الزلل ويصلح لنا القول والعمل.
لجنة الإفتاء في المجلس الإسلامي السوري
4 ربيع الآخر 1436 الموافق
24/1/2015