منهجُ صناعةِ القدوةِ الحسنةِ في الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ
ديسمبر 2, 2019
نقض منهجيّة القراءة المعاصرة للنّصّ القرآنيّ عند المهندس محمد شحرور
ديسمبر 2, 2019

الخروجُ من التِّيه

 

د. عبد الجواد حردان – مدرس أصول الفقه في جامعة صوتجو إمام كهرمان مرعش

أَشْهرُ متلازمةٍ ثلاثيةٍ في جدليَّة القادةِ والقاعدةِ يومَ الفزع: تلاومٌ وتقاذفٌ للمسؤولية وتنصل من تحمل التكليف الناجم عن ذلك اليوم وأعبائه وتبعاته، وأمَّا يومَ الطمع فالمغانمُ فرصةٌ ينتهزها أقوى الطرفين ليستبدَّ بها وينسبها إلى نفسه، وقلَّ أن تجدَ قويًّا يومئذٍ يعدل أو ينصف أو يكف عن الإجحاف، أمَّا العدل المطلق {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] فكِفَّتاه توازن الحقوق والواجبات، أو المسؤوليات والمكاسب، أو التكلفة والعائد، وقلَّما تقعُ عينك يومَي الفزع والطمع على قادةٍ أو قاعدةٍ لهذا العدلِ مُذْعِنة، ولا على آذانٍ له صاغية، ولا على قلوبٍ لأحكامه وحِكَمه واعية؛ ذلكم أنَّ ثلاثية الغنم بالغرم، والخراج بالضمان، والرِّبح بالخسران، ليست بالحكَم الذي تُرضَى حكومته لدى جيلٍ دأبَ على الفرار من التبعات ورمي المسؤولية على طرف ضعيف أو مجهول، وهو جيلٌ ضيَّعَ حقوقه يوم أن أنكر أو تنكر لواجباته لا سيما الكفائيّة منها، والأدَهى الأمرُّ أن يعقبَ ذلك الجيلَ آخَرُ على شاكلته يدخل في أربعينات من التِّيهِ والعَماء التكليفي، هذا ما لم يكن فيهم أهل بصر وبصيرةٍ يدركون أهمية فروض الكفاية وعلوَّ رتبتها على فروض العين من وجهٍ، فيعملون على نشرها في كل ساح بكل سلاح؛ لينهض بها من لهم بها قوَّة بغيةَ الخروج من غياهب ذلك التِّيهِ، وشرطُ الخروج أن لا يتجاهل أحد من المستطيعين مسؤولياتِه براءةً أو إبراءً أو تبرُّؤًا، فِعْلَ النّعامةِ تغوص في بحر الرمال برأسها تتقي صيَّادها.

أمَّا بوَّابة الخروج من دُوَّامة التِّيه هذه ومن نفقِ تلك المتلازمة، فمفتاحُها كلياتٌ مستلهمة من هدي الأنبياء وفقه سيرهم وتاريخ أممهم؛ فمن وعاها ورعاها حقَّ رعايتِها غدتْ له بصرًا وبصيرةً تنبثق عنهما رؤيتان:

_ الأولى: مستقبليةٌ ثاقبةٌ تُبقِي على هذا الراعي الواعي وإن كان في آخِر رمقٍ حتى يخرج من التيه سالمًا، هذا إن لم يغدُ فاتحًا غانِمًا وإن كان فردًا برأسِه قائمًا.

_ والأخرى: آنِيّةٌ تقوم على إجراءين:

الأوَّل: فقه الواقع وقراءة أحداثه؛ ليستلهم منها القائدُ الدروس والعبر قبل أن يسدِّد ويرمي آخر سهم في جعبة آخرِ مقاتليه.

والآخَر: العملُ بانتظامٍ وَفْقَ آلية حكيمة محكمة مرنة متجددة؛ ليقوم القادةُ بتقييم مرحلي وتقويم مستمر بغيةَ جبر خلل التخطيط والأداء، ولِسَدِّ الثغرات وتعزيز الإيجابيات في ضوءِ جملةِ بيِّناتٍ، كلُّها مستلهمةٌ مما يأتي في هدي الرسل عليهم أتم الصلوات والتسليمات.

وأما أصل الداء الذي جعل تلك المتلازمة ضربةَ لازبٍ لفريق منا اليوم، فهو تغييب المسؤوليات في الأداء والممارسةِ القائمةِ على التخطيط، ناهيك عن غياب رجالها؛ فلا أحد يجهل أن المسؤولياتِ التي يعود نفعها على الأمة كلها فروضُ كفاية إن كان تركها مفسدة، وإلا فسُنن كفاية، أما المكلَّف بها فهم جميع من كانت لهم بها قوةٌ وأهليةٌ للقيام بذلك الفعل المطلوب ابتداءً، وإن سقط الطلب وارتفع الإثم انتهاء بفعل من تحصل به الكفاية في تحقيق المصلحة؛ وعليه؛ فإنَّ تكليف القاعدة بأعمال القادةِ هدرٌ للطاقات، وتضييع للتكليف وضياع للجيل والأمَّة، وتكليفٌ بالمحالِ أداؤُه على الوجه المطلوب، ولا أدلَّ على هذا وأبينَ من الحجرِ على طبيبٍ جرَّاح وتكليفِ الجاهل بإجراء عملية جراحية دقيقة لمريضٍ مشرف على الهلاك، ومنه تكليف المرأة بما لا يقوم به إلا الرجل، والعكس صحيح، ومنه أيضًا إيهام العامَّة أو توهمهم أنهم مكلَّفون بتنفيذِ مهامِّ السلطات الثلاث التنفيذية أو القضائية أو التشريعية؛ (إذ لا يَصح أن يُطلب بها من لا يبدئ فيها ولا يعيد؛ فإنه من باب تكليف ما لا يطاق بالنسبة إلى المكلف، ومن باب العبث بالنسبة إلى المصلحة المجتلبة أو المفسدة المستدفعة، وكلاهما باطل شرعًا)([1]).

وليكن على ذُكرٍ منك أنَّ من ليست له بفروضِ الكفايةِ قوةٌ وقدرةٌ على أدائها لا يصحُّ القول بأنه غير مكلَّف بها مطلقًا من كل وجه، بل يقع على عاتقه منها حِمْلُ الوزير، فهذا الفرض (واجب على الجميع على وجهٍ من التجوُّز؛ لأن القيام بذلك الفرض قيام بمصلحة عامة، فهم مطلوبون بسدها على الجملة، فبعضهم هو قادر عليها مباشرةً، وذلك من كان أهلا لها، والباقون -وإن لم يقدروا عليها- قادرون على إقامة القادرين)([2])، وهذا يسري على المسؤوليات الكفائية كلِّها، فالإعدادُ العلمي والصناعي والتقني لحماية الأرض والعرض والدين أو التهيُّؤُ لذلكَ فرضُ كفاية على الطلاب، وكفايتُهم من كلِّ وجه والإنفاق على مشروعاتهم فرض كفاية على التجار، زيادةً على ما وجب عليهم من زكاة؛ فإنَّ في المال حقًّا سوى الزكاة.

أسئلة البحث:

يُجمِعُ الناسُ أنَّ للنصرِ في كلِّ ساحٍ وكِفَاحٍ ركنًا ركينًا هو القوة، وأنَّ لهذا الركن جناحين: أحدهما مادي والآخر معنوي، وقوامُ الماديِّ تلاحم القادة والقاعدة، ناهيك عن أنَّ لكلٍّ منهما مسؤولياتٍ ينجم عن الوفاء بها أو التقصير آثار تنعكس على الفريقين.

وأمَّا الفصل والوصل بين مسؤوليات القادة والقاعدة، ثم القول الفصل في أحوال التأثر والتأثير بينهما، وكذا مراتبه وصوره ودرجاته، فتتبين خيوطه في الإجابة عن الأسئلة الآتية:

1- ما أثر امتثال القادة وقيامهم بمسؤولياتهم على أداء القاعدة لِما وجب عليها من مسؤولياتٍ كفائية أو عينية؟ ولك أن تعكس السؤال، فالعكس وجِيهٌ أيضًا.

2- ما علاقة النجاح أو الإخفاق، والتوفيق أو الخذلان، والربح أو الخسران، والنصر أو الهزيمة، بتكامل الأداء أو قصوره من أحد الطرفين أو من كليهما؟

3- ما الميزان العادل في قسمة الغُنم وتحمل الغُرم بين كلٍ من القادة والقاعدة؟

4- ما الطرق القويمة لتعزيز المصالح والمكاسب والإيجابيات في حالة المغنم، ودرء المفاسد والتبعات والسلبيات في حالة المغرم؟

إنَّ في هَدْيِ القرآن وحديثه عن وقائع في أُمم خالية ومواقع لأقوام بائدة لَعِبَرًا وعِظاتٍ، في خباياها إشاراتٌ هادية إلى إجابة كافية شافية عن هذه الأسئلة، وإليك هذه الأجوبة في مبحثين:

المبحث الأول: أثرُ المسؤوليات على القادة والقاعدة، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: مسؤوليات القاعدة وأثرها على القادة.

المطلب الثاني: مسؤوليات القادة وأثرها على القاعدة.

المطلب الثالث: التأثر والتأثير في مسؤوليات القادة والقاعدة.

         المبحث الثاني: التقييم والتقويم.

وأكثر المصادر غِنًى بالدروس والعبر في هذا السياق كتبُ التاريخ وأخبار الأمم والملوك والسير والتراجم، ففي طياتها عظاتٌ وبراهين على مضامين ما طرح من قضايا في هذا البحث، وأما الدراسات السابقة فلم أقف على دراسةٍ قرآنيةٍ تُعنَى بموضوع البحث رغم كثرة مَنْ طرَق قضية المسؤولية فكريًّا وفقهيا وقانونيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا([3]).

 

 

المبحث الأول: أثرُ المسؤوليات على القادة والقاعدة

من أصول الآخرة شخصنةُ الثواب والعقاب، أو الجزاءِ والعطاء، المترتبَيْنِ على أداء الفرد لمسؤوليات عينية لا يحملها أحد عن أحد، ولا تأتَّى فيها الشفاعة ولا الكفَّارة، وعدالة هذا الأصل الأخرويّ توحِي بأنَّه أصل شرعيٌّ دنيوي أيضًا، وهو كذلك فيما هو من فروض العين ابتداءً {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [سورة البقرة: آية 48]، وأمَّا ما هو من باب الفرض الكفائيّ فآثاره الدنيوية لا تقتصر على فرد بعينه؛ لأنَّ منافعَ أدائه قرينةُ مفاسد تركِه، وكلاهما عامٌّ، وكذلك ما يترتب على هذا الضرب من المسؤوليات من جزاء أو عطاء لا تقتصر آثاره على فاعله، وهذا هو الوجه الذي به ترجح كِفَّة مسؤوليات فروض الكفاية على فروض العين {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [آل عمران: 104].

وأول عقوبات التخلي عن هذه المسؤوليات الكفائيّة الاستبدالُ بينما القوم يطمحون للتمكين والاستخلاف، ورفعُ فاعلية الأسباب عن قاعدة الوهْنِ والخذلان بتجلي الله الجليل بعزَّته وجبروته وعدله، فإذا بالكثرة قلة كما في يوم حنين؛ هذا مع مضاعفة فاعلية هذه الأسباب لقادتهم بالثبات والإقدام، فإذا بالقلة كثرة، وإذا بعبد الله القائد المنكسر ينتصر، ويغدو جنده المخذولون أعزَّةً مؤيَّدِين بألوفٍ من الملائكة مرُدِفين كما وقع يوم بدرٍ وفي الهجرة وتبوك وحنين؛ إيذانًا بأنَّ تخاذل القاعدة حجبَ عنها شرف التكليف الذي نيط بالقوم وقد أعجبتهم كثرتهم، وإعلامًا بأنَّ بذل الصاحبَينِ لأرواحهما في سبيل الله خرَقَ الحُجُب والعوائد ولا ثالث لهما يوم حنين، ولا يومَ الغار وقد كانا فردَين أعزلين، فذكَّر الله المنهزمين يوم تبوك وحنين بنصره لرسوله وصاحبه يومَي الهجرة وحُنينٍ وهما وحدَهما في أشد حال عند لقاء العدوّ {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ…} [التوبة: 39، 40] ويومَ حُنَينٍ {أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا…} [التوبة: 25، 26].

المطلب الأول: مسؤوليات القاعدة وأثرها على القادة

لكل من التثاقل أو الامتثال والتكامل في باب المسؤولياتِ آثارٌ تنعكس على القادة والقاعدة أيًّا كان ذاك الذي نيطت به تلك التكاليف، فالفصل بينهما في باب التأثر والتأثير متعذِّر في الفروض الكفائية، ولهذه الدعوى شواهدها، ولا أجدى وأصدق من شاهدٍ في مشهدٍ القائدُ فيه أحدُ أولي العزم من الرسل، ورِدؤه أو نائبه من رسل الله أيضًا، والقاعدةُ أتباعٌ له وأصحابٌ، كانوا عبيدًا للاستبداد الفرعوني، فجعلتهم الحريَّةُ ملوكًا([4])، وبالمُلك والنبوة فُضِّلوا على العالمين يومئذٍ([5]):

كانت أحداث ذاك المشهد مأساةً، لا تحيط بها وصفًا حبكةُ التراجيديا العصريَّة وسيلُ مآقيها المتدفق بدموع بواكيها؛ فمِن رحيل وتَرْحال إلى هجرةٍ دامت خمسة قرون ما بين فلسطين ومصر، لحِقَ فيها بنو إسرائيل عليه الصلاة والسلام أخاهم يوسف وزير تموين مصر يومئذ، وما زال فرعون وجنوده من القِبط يسومون بني إسرائيل سوء العذاب، يُقَتِّلون أبناءهم، ويستخدمون نساءهم في المهن الشاقة، حتى منَّ الله عليهم ببَعثة موسى عليه السلام، وبعد حينٍ وأمدٍ مكر بنو إسرائيل بفرعون، استأذنوه للخروج إلى عيدٍ لهم لينجُوا منه، ولما وصلوا البحر بلغ فرعونَ الأمرُ فكاد يُدركهم، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء: 63] فكان ما كان يوم عاشوراء، وبنو إسرائيل ينظرون إلى عاقبة فرعون وجنوده، لقد رأَوا من آيات ربهم ما رأوا، وها هم يرون ماذا أحل الله بأولئك بينما هم ينعمون ويرفلون بما منَّ عليهم به مكافأةً على صبرهم وثباتهم مع قائدهم {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا…} [الأعراف: 137]، لكنهم ما إن جاوزوا البحر حتى هموا بعبادة الأصنام وكأنْ لم يمر بهم حدثٌ واعظ، لهم فيه غنى عن كل المواعظ، ثم توجَّهوا تلقاء بيت المقدس فإذا فيه قوم من الجبارين الحيثانيين والفزاريين والكنعانيين وغيرهم، فأمرهم موسى عليه السلام بالدخول عليهم لمقاتلتهم وإجلائهم عن بيت المقدس، لا سيما أنَّ لديهم مِنَ المقوِّمات والدلائلِ: النبوةَ، والملكَ أي الحريَّةَ من استعباد الفراعنة، والمِنَنَ الإلهية مِنْ مَنٍّ وسلوى وظلال، وأفضليةً على أهل ذاك الزمان، فأبوا ونكلوا عن الجهاد؛ فألقاهم الله في تيهِ الأربعين، يسيرون ويحلون ويرتحلون ويذهبون ويجيئون([6]): {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ… } {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا…} [المائدة: 20 – 22].

في هذه الموقعة كان القائدُ الآمرُ بالجهاد وقتال الجبابرة لتحرير بيت المقدس رسولًا من أولي العزم، وخليفته أخوه هارون رسول أيضًا، فلا شبهة ولا مظنة، أمَّا القاعدة فهم قوم رأوا من معجزات هذا الرسول وقوته ما ينتزع من قلوبهم الرهبةَ إلا من القويِّ المتين سبحانه، لا سيما أنَّ الله نجَّاهم من طاغية العصر، بل أغرقه وهم ينظرون، وقد كانَ أشدَّ بأسًا وأكثر جمعًا وأعظمَ جندًا من أولئك الجبابرة، ناهيك عن أنهم رأوا آيات موسى التسع بأمِّ أعينهم، ورأوا هناك من قدرة الله الذي لا يعجزه الجبابرة، وكان الغمام يظللهم، والمنُّ والسلوى طعام لذيذ لهم بلا كدٍّ ولا تعب، فماذا دهاهم ليجبنوا وموسى نبي الله قائدهم؟! وما زالوا ناكلين حتى وافت المنيةُ نبيَّ الله موسى في التيه، فسأل اللهَ أن يُدنيه من بيت المقدس رمية بحجر، وكأنَّه كان يأمل أن يخرجوا من التيه المعنويِّ بعد مضيِّ الأربعين، أو أنْ يهلكوا ويُخرج الله من أصلابهم جيلًا على هدي النبوة؛ لذا ردَّ ملَكَ الموت إذ جاءه قابضًا، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((أُرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام، فلما جاءه صكَّه، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت…))([7])، ولما رأى موسى عليه السلام أنَّ القيادة في أعلى رتبها وأكملها لم تكن لتنفعَ والقاعدةُ في الحضيض رغمَ كثرتِها، عندئذٍ أجابَ عليه السلام ربًّا دعاه، وفارق قاعدةً رضيت بالقعود، وكان من أسوأ أوصافها النكران والتنكُّر والجحود: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24].

وكان الملأ منهم من جملة الخوالف كما الرعاع، ولم يَرْفع نعتَ القواعد والخوالف عن هذه القاعدةِ أنْ كان فيها رجلان صالحان من النقباء الاثني عشر -يقال إنهما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا-، أرشداهم إلى بابٍ ينهزم منه الجبابرة، وأشارا عليهم بالإقدامِ وتوكُّلِ المؤمنين، ونهياهم عن الإحجام وهلَع الكافرين: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] أي إذا لجأتم إليه أيَّدكم عليهم وأظفركم بهم، لكنهم نكلوا وأعرضوا عن نصحهما، وخذلوا نبيهم، وقد قصَّ الطبريّ من أخبار خذلانهم قَصصًا عُجابًا([8])، وما أغنى النَّقيبانِ عنهم من الله شيئًا؛ فوقع أمر عظيم ووهنٌ كبير في القاعدة، وما كان أمام القائد إلا أن يُعلِنَ إقدامه وإن خذلَتْه القاعدة؛ وفاءً منه لمقتضَى مسؤوليته، وبراءةً مما لا طاقة له به من أمر القوم: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:25].

وما قيل من أنه لم يخرج أحد من التيه ممن دخله، وأنهم ماتوا كلهم في مدة أربعين سنة، ولم يبق إلا ذراريهم ويوشع وكالب: يعضدُ القول بأنَّ القاعدة إنْ لم تتغير سِماتها تُغيَّرْ هي ذاتها، وإنْ لم تُبَدِّلْ أوصافَها تُستبدَلْ ذواتُها {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا} [التوبة: 39]، وفي سورة القتال ما يوثِّق هذا القولَ ويؤكِّد هذا الوعيد، ففي سياق تكليف الموسرين بالإنفاق على المجاهدين خاصَّةً ماديًّا أو معنويًّا ترى الذين غُلَّت أيديهم قد طالَهم هذا الوعيد: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } [محمد:38].

صحيحٌ أنَّ موقفَ الرجلين الصالحين لم يكن ليأتي بالفتح، ولا ليرفع المسؤولية وتبعاتها عن القاعدة؛ لأنَّ كُلًّا من الملأِ والرّعاع ماضون في النكول عن الجهاد، إلا أنَّ جاهزية رجلَيْنِ اثنين من القوم كان لها ما لها في تربية الخلف والاعتبار بالسلف بعد رحيل رسل قادةٍ، لم تبرح أعينُهم النظرَ إلى الجيل الجديد أملًا في بلوغ رسالاتهم إلى غاياتها، بل قيل: إنَّ الله منَّ على أحد الرجلين -وهو يوشع-، فاتخذه نبيًّا خلفًا لموسى وهارون في حمل رسالتهما؛ فالنبوة وإن لم تكن مكتسبة إلا أنَّ أفرادًا صالحين من بني إسرائيل قد أدركتهم رحمة الله؛ مكافأةً لهم ولسلفهم من الرسل القادة، ورحمةً بجيلٍ واعٍ يخلف القاعدة التائهة، فمنَّ الله عليهم بمحض فضله، وجعلهم قادةً أنبياء، يحملون رسالة من سبقهم من رسل الله إليهم ليبلغوا بها الهدف المنشود، أَمَا وقد انقطعت النبوة في أمة أحمد صلى الله عليه وسلم فإن علماءها المجددين الربانيين يقومون بما كان يقوم به أنبياء بني إسرائيل في قيادة القاعدة.

إنَّ في هذا لبرهانًا على أهمية ثنائية الإعداد للخروج من التيه: صلاح الفرد من حيث كونه ركنًا في القاعدة، وتجهيزه أو جاهزيته للإصلاح من حيث إنَّه قد يؤهَّل ليُكلَّف بأعمال القادة، والمراد جاهزيةُ بضعةِ أنفارٍ أو رهطٍ أو فردٍ أو اثنين للنهوض بالمسؤوليات التي فرَّطت فيها القاعدة، فقوة الصلاح والإصلاح الفردية هذه وإن كانت لا تكفي ولا تغني عن القاعدة الضالَّةِ إلا أنَّ لوجودها أهميَّةً بالغةً؛ من أجل تربية قاعدةٍ تاليةٍ وإصلاحها وصلاحها وتأهيلها وجاهزيتها لما يُناط بها من مسؤوليات، فهذا الفردُ وإن لم يغنِ عن الأسلاف الهالكين شيئًا لكنه ركنٌ متين وأصلٌ مَكين لإعدادِ جيلٍ جديد يخلف أولئك؛ فبه تتأسس قاعدةٌ تَعتبر بأسلافها، وتمضي على هدي القلَّةِ الشاكرةِ أمثالِ يوشع بن نون وكالب بن يوفنا اللذين رفعا بنيانَ قاعدةٍ خلفَتْ جيل التيه الهالك، وحررَّتْ بيت المقدس، والفضلُ للفرد القائد الذي حرَّر جيل التحرير هذا، فنجوا به من التيه في حين أن قوم لوط عليه السلام هلكوا عن بَكْرةِ أبيهم بما قدمت أيديهم، واندثروا كأمس الدابرِ؛ لأنَّهُ لم يكن فيهم فردٌ رشيدٌ قائد على هَديِ نبيهم يهدي ذراريهم إلى رأي سديد وصراط قويم: {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: 78] أي شديد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر([9])، فما نجا منهم أحد سوى نبي الله وأهله، فأنت ترى أنَّه لما لم يكن فيهم فردٌ رشيد يخلفهم لهداية الجيل الجديد، غرِقت القاعدة التائهة وذراريها.

هذا وكان من الممكن نصر جيل التيه على الجبابرة، وتحرير بيت المقدس على أيديهم بمعجزة إلهية لموسى عليه السلام، كما وقع عندما نجاهم وأغرقَ عدوَّهم فرعونَ وجنوده، لكنَّ الأصلَ أن تمضي سنن الله في التمحيص والمَحْق وصراع الباطل والحق، ما لم تدعُ الضروراتُ في حالات الصراع على البقاء والفناء كما كان الأمر قبل الغرق؛ ذلكم أن نصرًا باردًا كهذا فيه تعطيل لتلك السنن القائمة على التكاليف والتبعات وتحمل المسؤوليات مِن كل الجهات ومن القادة والقاعدةِ معًا، وإذا شئت أن تتبين قيمة هذا النصر البارد من وجهٍ أعمق فهبْ أنَّ وزيرًا أو رئيسًا اعتاد أن يختلس أسئلة الامتحانات وسُلَّم التصحيح في مراحل الدراسة كلها ويسرِّبها لولده، فهل ترى لنجاح ذلك الولد أو تفوقه الموهوم من معنًى؟ وماذا يتوقَّع أن يؤمِّلَ كلٌّ من الوالد والولد لمستقبل الطالب وأمَّتِه؟ وهل لتلكم الشهادات الخاوية من عائدٍ وما كان لها من تكلفةٍ؟!

لقد ظهر في هذا المشهد تأثير القاعدة السلبية رغم التسليم بكمال القيادة الموسوية، ويكأنَّ القاعدةَ تسعى لتُحرِج القيادةَ بالعجز أو التعجيز! جهلًا أو تجاهلًا من هذه القاعدة لمعجزات موسى عليه السلام التي شهدها القومُ بأمِّ أعينهم يوم نجاتهم من فرعون وجنوده {وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [الشعراء: 66] فكان ما كان، ومضت عشرات السنين، والقاعدة أتباعًا ومتبوعين في طغيانهم يعمهون، وكُبَراؤهم في غَيِّهم يَمُدُّون، فأضلوهم السبيل حتى مات أكثرهم في سنوات التيه ضالِّين أو مُضلِّين، بل لقد لحق بربِّه كلٌّ من نبي الله موسى وأخيه هارونَ؛ وسائرُ القوم في غياهب التيه سادرون، ولا يزالون!

إنَّ نهاية التراجيديا هذه لن تُخطئها عيناك وأنت تقرأ قصة نوح وسفينته، وما آل إليه أمر قومه وأقاربه، وليس عنها ببعيد قصة إبراهيم وشعيب وهود وصالح عليهم السلام.

ولا يخفى أنَّ لخذلانِ القاعدة للقادة آثارًا لازمةً قاصرةً وأخرى متعدية شاملة، وهذا شأن آثار فروض الكفاية كلها، ولا أعدل لأفراد القاعدة من أن يَزِنوا مصالحهم ومفاسدهم الخاصة بميزان القائد ذاته، فإذا كان القائد في الصدارة يفدي قاعدته بأغلى ما يملك فما بالك بها عندئذٍ؟ لكنَّ الذي لا يغيب عن خَلَد متأمِّلٍ لهذا السياق أنَّ لأهواء النفس نزعةً تميل بالقاعدة إلى القعود والتخلفِ، وإيثارِ سلامة أفرادٍ منها على سلامة القائد وإن كانت حياتُه حياةً للأمة، وتتغذَّى بأهواء المرجفين ممن مردوا على النفاق، ويشتدُّ عَصْفُ هاتيكَ الأهواء إذا كان إيمان فريق من القاعدة ضعيفًا تزلزله الرغبات، فتخور القلوب في ساعة العسرة أو تهوي أمام هوى النفوس، بل ربما تكادُ تَضِلُّ وتزيغ، وفي غزوة تبوك مشاهد فيها شواهد يُحتَجُّ بها لهذه الدعوى.

وما من شيءٍ أنجع لفئة كهذه من إيقاد جذوة إيمانها؛ لمناشدة تقواها، ودعوتها لملازمة الصادقين، بعيدًا عن المرجفين {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران: 168] فذانِكَ الرِّدْءانِ لدى أهل الإيمان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] درعانِ واقيان من القعود في مواطن البأس؛ ولهذا خُتمت بهما جملةٌ من المواعظ التي سيقت في حديث الثلاثة الذين خلِّفوا، وحرِيٌّ بالذِّكر أنه إنْ خوطِبَ بهذا العامَّةُ من القاعدة؛ فصَفْوتُها وعقلاؤها أعنَى وأخصُّ، وهذا سرُّ تقديم القرآن للمتخلفين من أهل المدينة على الأعراب وهو يعرِّضُ بهم، ويُثني على من حضر تبوك منهم قادةً وقاعدة، أغنياء وفقهاء: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [التوبة:120 – 122] ولعلك لحظْتَ أنَّ صدر الآية لم يُقدَّم فيه أولئك الأعراب الذين لم يبلغوا مبلغ سراة أهل المدينة في الرَّشَد، بل عُطفوا عليهم تَبَعًا، فالقاعدة نفسها درجات في سُلَّم التكليف والتَّبِعات وَفْقًا لطاقات أفرادها وإن استووا في أصل التكليف.

وأمَّا التأثير الإيجابيُّ لتحمل القاعدة لمسؤولياتها على أداء القيادة ولو صوريًّا، فليس رصده عليك بعسير، وهو في صدر الإسلام كثير، وإنك لتراه بجلاء في مشهدٍ مماثلٍ مقابلٍ للمشهد التراجيدي الذي آل إليه أمرُ بني إسرائيل من قوم موسى عليه السلام، فهو أبينُ من أن يبيَّنَ لجلائه وصَراحته، روى الشيخان وأحمد والحاكم مختصرًا، وابن هشام مطوَّلًا عند ذكره لليوم الذي خرج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعترض عيرًا لقريش، ولم يكن قد خرج للقتال، قال: (أتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار الناس، فقام أبو بكر الصديق، فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب، فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا ودعا له به، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي أيها الناس – وإنما يريد الأنصار – فقال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال أجل، قال: امض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر، فخضته، لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فَسِرْ بنا على بركة الله؛ فَسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشَّطه ذلك، ثم قال: سيروا وأبشروا)([10]) ولفظ مسلم أبلغ: (والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا، قال: فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدرًا)([11]).

كانت أحداث هذا المشهد كلّها قُبَيل قرار النفير للجهاد كما ترى، وأبلغ ما في هذا المشهد أن امتثال أمر القيادة كان ميدان سباق وغبطةٍ واقتراع بين القاعدة، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال عن الموقف المقدامِ للمقداد: ((شهدت منه مشهدًا، لأن أكون صاحبه أحبَّ إلي مما عدل به…؛ «فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه، وسرَّه» يعني قولَه))([12]) فأنت ترى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ما أقدم ولا سار بجيشه إلا بعد أن رأى منهم صدقًا وعزيمةً ووفاءً وثباتًا، بعَثَ لديه الطمأنينة بأنَّ القاعدة صلبة راسخة صالحة للإطلاق والانطلاق؛ فانطلق.

وهذا الذي رأيتَ كان إيذانًا بأن هذه القاعدة لا تعرف معنى القعود، وأنَّ أبناءَها باذلون من أنفسهم وأموالهم أكثر مما قطعوه على أنفسهم يوم بيعة العقبة من وعود وعهود.

المطلب الثاني: مسؤوليات القادة وأثرها على القاعدة

أما أثر التزام القائد بمسؤولياته على القاعدة، فلا أجلى منه ولا أدل عليه من ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم يوم حنين أمام آلاف المشركين، ولم يكن معه سوى أبي بكر أو بضعة أنفار على رواية ترجحها صيغة الجمع للفظ “المؤمنين” في هذه الآية: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: 25، 26].

لقد غفلت القاعدة يومئذٍ عن أن الناصر هو الله عز وجل لا كثرة العَدد والعُدد، وقد كانوا يومئذ اثني عشر ألفًا، وعدوهم أربعة آلاف، فقالوا: (لن نغلب اليوم من قلة)، ولما تسامت الخيلان كانت الجولة لهم، ثم ولوا مدبرين كما قال الله تعالى، اللهم إلا رسول الله وثلة معه نزلت عليهم السكينة، وملائكة على خيل بُلْق يقاتلون في صفهم في حرب بقاء أو فناء؛ فثاب الناس إلى رسول الله لمَّا رأوا منه رسوخ الجبال، وسمعوا منه هديرَ النِّداء وَ وَجِيْبَ الدُّعاء، وألفَوْا داعي النجدة والغوث والاستغاثة لا يستثني أحدًا، عن أبي قتادة قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، ثم انهزم المسلمون فانهزمت معهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى من الناس ما رأى: ((يا عباس، ناد: يا معشر الأنصار، يا أصحاب الشجرة)) فأجابوه: لبيك لبيك، وأقبل أصحابه إليه سراعا يبتدرون، فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيقذف درعه عن عنقه، ويأخذ سيفه وترسه ثم يؤم الصوت، حتى اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة، فرفع يديه إلى الله يدعوه ويقول: ((اللهم إني أَنشُدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا))، فاستعرض الناس فاقتتلوا، وقبض قبضة من الحصباء، فحصب بها وجوه المشركين ونواصيهم كلها، وقال: ((شاهت الوجوه، انهزَموا وربِّ محمد))، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدَّهم كليلا وأمرهم مدبرا([13])، ووالله ما راجعه الناس إلا والأسارى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتفون)([14]).

وروى البخاري عن البراء أن رجلًا من قيس سأله: ((أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر، كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم، فاستُقبِلنا بالسهام…))([15]) قال البراء: ((ثم نزل فاستنصر وهو يقول: اللهم نزِّلْ نصرك)) ولقد كنا إذا حمي البأس نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الشجاع الذي يحاذي به([16]).

فأنت ترى أن النصر كان من عند الله بثبات القائد الرسول المقدام صلى الله عليه وسلم وبدعائه وتضرعه وابتهاله، وأنَّ الذين انهزموا وهم ألوفٌ مَا ردَّهم ولا ثبَّتهم إلا ثبات القائد صلى الله عليه وسلم وحماسه، وتذكيره لهم بفضائلهم بصيغة النداء مستثيرًا ما فيهم من المشاعر والضمائر والشهامة والإيمان وفضيلة بيعة الرضوان، يناديهم بتلك الصفات وهو يدعوهم للثبات كما ثبت في روايات أخرى مفصَّلات، فظهر عِيانًا ما للقائد من أثرٍ على القاعدة.

المطلب الثالث: التأثر والتأثير بين القادة والقاعدة

أما التأثر والتأثير الإيجابي المتبادل بين القادة والقاعدة في الموقف نفسه، فيشهد له ثبات القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم وقلَّةٌ من أصحابه يوم أحد، وهو يوم مشهود، وليس عن مشهد حنينٍ ببعيد؛ فالمقتلة كانت عظيمة عقب التفاف خالد بن الوليد وكتيبته من خلف جبل الرماة، وأشيع أن القائد الأعظم قد قُتل – وللأراجيف أفاعيلها في صفوف القاعدة – فانهارت قوَى القاعدة، واستسلم فريق منها لمصيره، وتكالب المشركون عليه صلى الله عليه وسلم يريدون قتله، وهو صامد لم يغادر أرض المعركة، بل إنَّ المشركين هم الذين غادروها أوَّلًا، وأكثر من ذلك كان: لقد همَّ بالسير إليهم ومناجزتهم لو أنهم غادروا أحدًا قاصدين المدينة؛ فثبت بعض القاعدة بثبات القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم، وتحلقوا حوله، وجعل بعضهم من جسده درعًا يصد عن النبي صلى الله عليه وسلم النبال والسهام، منهم سعد وأبو دجانة ومصعب وأنس بن النضر وحمزة رضي الله عنهم، وفاءت إليه فئة ممن فرُّوا، كلُّ ذلك بفضل ثباته صلى الله عليه وسلم وثبات فئةٍ معه: (عن الزبير قال: مالت الرماة عن العسكر حين كشفنا القوم عنه، يريدون النهب، وخلَّوا ظهورنا للخيل، فأُتينا من أدبارنا، وصرخ صارخ: ألا إن محمدًا قد قتل، فانكفأنا وانكفؤوا علينا، فانكشف المسلمون حتى خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم: ((من يشتري لنا نفسه؟)) فقام زياد بن السكن في خمسة نفر من الأنصار، فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا فرجل، فيقتلون دونه، حتى كان آخرهم زياد بن السكن أو عمارة بن زياد، فقاتل حتى أثبتته الجراح، ثم فاءت فئة من المسلمين، فأجهضوهم عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَدْنُوه مني، فوسده رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدَمَه، فمات وخدُّه فوق قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشِّعب معه أولئك النفر من أصحابه إذ علت عالية على الجبل، فقال رسول الله: إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا، فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم عن الجبل، ولما انصرف أبو سفيان ومن معه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: اخرج في إثر القوم، فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون، فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الابل فإنهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها، ثم لأناجزنَّهم، قال عليٌّ رحمةُ الله عليه: فخرجت في إثرهم أنظر ماذا يصنعون، فلما جنبوا الخيل وامتطوا الابل ووجهوا إلى مكة، أقبلت أصيح، ما أستطيع أن أكتم ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لِمَا بي من الفرح إذ رأيتهم انصرفوا عن المدينة)([17]).

لم يُذكر ثبات القائد هنا إلا ذُكِر معه ثبات تلك الثلة الباسلة؛ فنجم عن ثباتهم أنْ فاءت فئة من الذين فروا من ساح أحد، وكان ما كان من بطولات أسطورية من أشهرها ملحمة أنس بن النضر([18])، لقد اتخذوا من أجسادهم دروعا تَقِي القائد الأعظم الصامد الثابت في قلب الميدان بعد أن تواثب المشركون على موقعه، وشاعت الأراجيف بأنه قد قتل، وألقى قوم سلاحهم.

وفي هذا السياق لعل أقرب مشهدين في التاريخ الحديث هما ما برهن عليهما الدوران العكسي لحركة السيرورة المصرية؛ فبينما الرئيس المصري المنتخب عام 2012م يظنُّ أنَّه يمضي بِحُصُنِ المحرِّك وعجلاته قُدُمًا إلى الأمام بدرجة قوة الطرد المركزي، كانت القاعدة وجُلُّ دول العالَم معها يعطِّلون حركته سوقًا بل زجًّا ودفعًا إلى الخلف بقوة الدفع المركزي؛ وجاء الانقلابيون على إِثْرِه، فانقلبت الأمور رأسًا على عقب، فمنذ سلْخِ 2013م ولصوص العصابة الانقلابية يجرُّون حُصُن المحرِّك، ويدفعون عجلاته إلى الوراء، والحاصل أنَّ مصر في المشهدين ارتدَّت على أعقابها، فمصرُ لم تَعُدْ مصرًا.

 

 

المبحث الثاني: التقييم والتقويم

المحاسبةُ والحسبة والنهيُ عن المنكر، والعدلُ والنَّصفةُ وتقويمُ الأداء، كلُّها منطلقاتٌ تحمِلُ القادة والقاعدة على تحمُّل كلٍّ تبعاتِ مسؤولياته دون مساءلةٍ من أحد، وتقتضي إنصافَ المحسن وتركَ المقصر ونفسَه تلومه ويلومها، وتستلزمُ العمل على جبر الخلل وإكمال النقص، وتوجِبُ تدارك القصور في التخطيط والتنفيذ، وتحمل على تعزيز مواطن القوة واستشراف المستقبل؛ أما وَحْدة الصف ورص الصفوف ورفع أسباب الشقاق والنزاع وتأليف ضعفاء القلوب فالأقربُ لتحقيقها تقاسمُ المغنم والمغرم، والمواساة ونبذ التلاوم، والإعراض عما كان إلا بقدر الاعتبار منه لِمَا سيكون.

لم يُعهَدْ عن نبينا صلى الله عليه وسلم في حياته الخاصة أو العامة ولا إثر الحروب والأعمال العِظام أنَّه لام أحدًا من القاعدة المخلصة، أو وبَّخ أو بكَّت فردًا منهم أو جماعة على نحو يترك في النفوس جراحًا، يتعذر تضميدها ويطول تماثلها للشفاء، وإنما كانت الدروس والعبر تُستقى منه في تلك المواقف دون أن يلجأ لتعنيف أحدٍ أو مسِّ مشاعره بنظرة أو كلمة، ناهيك عن التجريح وإعمال سيف الملامة وسهام نظرات الشَّزْر والازدراء، فيوم مؤتة رغم أن المسلمين ثلاثة آلاف وعدوهم نحو مئتي ألف([19]) كان الناسُ للجيش يلومون وإياه ينادون: يا فُرَّار، فررتم في سبيل الله! بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: بل أنتم الكرار بل أنتم العَكَّارون، أي: العائدون إلى القتال والعاطفون عليه([20])، ولعل المعنى الذي أثنى عليهم به النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حمل الزهري على عدِّ ثباتهم فتحًا، رغم أنهم لم يفتحوا مِصْرًا ولا قرية، والفضل لاستراتيجية خالدٍ وعوده الحميد: لا غالب ولا مغلوب([21])، وإن كان الصحابة في المدينة لَيَعُدُّون الإخفاق في الفتح فرارًا.

وأما يوم أحدٍ فإن في هول الموقف ما يغني عن لوم القاعدة وعتابها، بل إنَّ في الآيات الكريمة لَعِبَرًا شافية، وفيها سيفُ ملامٍ وافٍ كافٍ لمن يُنعمُ النظرَ في وصفِها للموقف بالجبنِ والتنازع والعصيان والميل للدنيا ومغانمها، ثم يُمْعِن في تقييمها له بالهزيمةِ بعد الظفر، وبالإيغال في الفرار والبعد عن أرض المعركة والتخلي عن نصرة رسول الله بينما كان صدى ندائه يدوِّي في مسامعهم، يدعوهم للكَرِّ والثبات: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} [آل عمران: 153] قال ابن كثير: ({إذ تصعدون} أي: في الجبل هاربين من أعدائكم {ولا تلوون على أحد} أي: وأنتم لا تلوون على أحد من الدهش والخوف والرعب {والرسول يدعوكم في أخراكم} أي: وهو قد خلفتموه وراء ظهوركم يدعوكم إلى ترك الفرار من الأعداء، وإلى الرجعة والعودة والكرة)([22])، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنِّف أحدًا حتى ثلة الرماة التي عصت أمره وحصل من عصيانها ما حصل؛ فقد رأى في عظة القرآن هذه غنًى عن تذكير الفارِّينَ والرماة، وهكذا فعل بالمخلَّفين يوم غزوة تبوك.

كان تقييمه صلى الله عليه وسلم للمواقف حقًّا عدلًا، فبينما لم يعنف أحدًا ما نسي بطولات الفدائيين أبي دجانة وأنس بن النضر وحمزة وطلحة، وما زال يذكر سبعة آخرين استشهدوا تِبَاعًا دفاعًا عنه صلى الله عليه وسلم عندما تداعى عليه المشركون وتتابعوا وتكالبوا يريدون قتله، ويوم حنين لم يَلُمْ أحدًا كما سبق اكتفاءً بإدانة القرآن لِمَا ألمَّ بهم من هزيمةٍ واغترار بكثرةٍ أنسَتْهم أنَّ النصر من عند الله، وشغلت أبصارُهم بصائرَهم عن أثر الدعاء والتوكل في نزول النصر من السماء، يومئذٍ ما عاب عليهم صلى الله عليه وسلم هزيمتهم، بل مضى يذْكُر خصائص كل قوم حتى فاؤوا جميعًا إليه وهو ينادي عليهم بأحبِّ صفاتهم إليهم: (يا أنصار الله وأنصار رسوله، يا أصحاب الشجرة، يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة)([23])، ويوم بدر كان يومَ ثباتِ القادة والقاعدة معًا، فما زال يذكر لأهل بدر فضائلهم في كل موقف أو مناسبة، وكان تقسيم الغنائم شاهد صدق على فضل أهل الفضل، وعلى أنَّ الغنم بالغرم، فمن قتل قتيلا فله سلبه، وللراجل سهم وللفارس سهمان.

وقد كان شمول هذا التقييم والتقويم للقادة والقاعدة أدعى لقبوله في نفوس القاعدة، وحسبنا في هذا قضية فداء أسرى بدر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: ((ما ترون في هؤلاء الأسارى))؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية…، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ترى يا ابن الخطاب؟)) قلت: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنَّا فنضرب أعناقهم…، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبكي للذي عَرَض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عُرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة))([24])، وقال سعد بن معاذ: (يا رسول الله، الإثخان في القتل أحبُّ إليَّ من استبقاء الرجال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو نزل من السماء عذاب لما نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ))([25])، هذا رغم أنَّ رسول الله القائد إنَّما هويَ كأبي بكر هداية الأسرى بينما هويَت عامَّةُ القاعدة عرَض الدنيا، فههنا الغرَضُ العرَض، وهناك الهداية، فبينهما تباين إلا أنَّ الوسيلة واحدة، فعرْضُ العذاب جاء على الغرَض – وهو التطلع للعرَض – لا على الوسيلة كما تقدَّم في الحديث، ثم نزل العفو عن الوسيلة، وأُقِرَّ العتاب على الغرَض، ورغم هذا كان التقويم عامًّا، وميزانُه صورةُ الوسيلة دون النظر إلى الغرض؛ لأنَّ المحكَّ هو الظاهر والله يتولى السرائر.

وإِثْر هذا التقويم يأتي البناء والتكميل، وخير الشهود عليه غزوة حمراء الأسد عُقيب أحد لا سيما حصر المشاركة فيها بمن شهد أحدًا، وما منهم إلا وقد أثختنه الجراح، وكأنَّ حمراء الأسد كانت مكافأة لمن شهد أحدًا، ومن شأن العطاء أن يختص بقاعدةٍ حضرت وبذلت النفس والنفيس دون من قعد مع القواعد.

هذا وبينما انحصرت المشاركة بمن حضر أحدًا وَفْقًا لنتائج التقويم النبوي، كان التقويم الموسوي قد كشف أنَّ جيل التيه ليس جيل تحرير بيت المقدس؛ فانحصرت المشاركة في معركة تحريره من الجبابرة بالجيل الذي تلا جيل التيه، فما إِنْ انقرض جيل التيه والمكابرة، وحلَّ محلَّه جيلٌ صُنِعَ على عين النبوة، واعتَبر بأسلافه، حتى مضى القائد يوشع بن نون – عليه السلام – يُعِدُّ جيشه من هذه القاعدة الصالحة للإقدام على تحرير بيت المقدس من أيدي أولئك العتاة الجبابرة، فهو الذي خرج بهم من التيه، وقصد بهم بيت المقدس، فحرَّره من الجبابرةِ وبقي في يدهم حتى حين {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء: 4 – 6] ثم عاد بنو إسرائيل إلى مسلسل الطغيان بعد مئات السنين([26])، فسلط الله عليهم قومًا آخرين جبارين انتزعوا منهم بيت المقدس هم جالوت ومن معه، وما زال بأيديهم حتى بعث الله قادة يختبرون مدى وعيِهِم بالمسؤوليات وحملِهِم لما تحمَّلوه وتحمَّسوا له {إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 246]؛ (لأنَّ الحماسة الجماعية قد تخدع القادة لو أخذوا بمظهرها، فيجب أن يضعوها على محك التجربة قبل أن يخوضوا بها المعركة الحاسمة…، ثم ارتفعت حماستهم إلى الذروة وهم يقولون له: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} [البقرة: 246] ولكن هذه الحماسة البالغة ما لبثت أن انطفأت شعلتها {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } [البقرة: 246] وهي ظاهرة بشرية خليقة بأن تصادف قيادة الجماعة المسلمة في أي جيل، فيحسن الانتفاع فيها بتجربة بني إسرائيل، فاختبار الحماسة الظاهرة والاندفاع الفائر في نفوس الجماعات ينبغي أن لا يقف عند الابتلاء الأول، وفي ثنايا هذه التجربة تكمن عبرة القيادة الصالحة الحازمة المؤمنة، وكلها واضحة في قيادة طالوت، تبرز منها خبرته بالنفوس وعدم اغتراره بالحماسة الظاهرة، وعدم اكتفائه بالتجربة الأولى، ومحاولته اختبار الطاعة والعزيمة في نفوس جنوده قبل المعركة، وفصله للذين ضعفوا وتركهم وراءه، ثم – وهذا هو الأهم – عدم تخاذله وقد تضاءل جنوده تجربة بعد تجربة ولم يثبت معه في النهاية إلا تلك الفئة المختارة، فخاض بها المعركة ثقة منه بقوة الإيمان الخالص)([27]).

وهكذا مضَى القادة يأخذون عليهم العهود والمواثيق؛ استيثاقًا وسبرًا لوعيهم بمفهوم المسؤولية ومقتضياتها، فما ثبت من القاعدة مع قادتهم طالوت وداود إلا قليل ممن غذيت جذور المسؤولية لديهم بإيمان ويقينٍ بالله حقيقٍ {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } [البقرة: 246] ثم مضوا حتى ابتلوا بالعطش وبقلة المياه([28])، ولما اقتربوا من نهرٍ قال لهم طالوت: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} [البقرة: 249] يُقال: كان الجيش ثمانين ألفا، {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [البقرة: 249]، شرب ستة وسبعون ألفًا، وبقيَ معه أربعة آلاف، فلما رأت البقية الباقية من أمر جالوت وجنوده ما رأتْ هالَهُم الأمر وأفزعَهم، واستعظموا المسؤولية، وهابوا لقاء العدو {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ } [البقرة: 249]، فنكصوا جميعًا اللهم سوى ثلاث مئة وبضعة عشر رجلا وفَّوا المسؤولية حقَّها، فكانوا ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وعِدَّتُهم لم تكن تزيد على عدةِ أهل بدر كما قال البراء بن عازب([29])، فالقائمون حقَّ القيامِ بمسؤوليات القاعدةِ تجاه القادة هم أقلُّ القليل ممن تسلحوا باليقين بلقاء الله وبالمصابرة {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249] فما من سلاح في أيديهم أمضى من معيةِ الصبر هذه ثم الدعاء والتوكل {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 249-250]، وما صمَد من أقلِّ القليل على أتمِّ وجه وأعلى مستوى في الاعتصام بزمام المسؤوليات سوى فذٍّ مثاليٍّ أحكمَ زمامها أيَّما إحكامٍ حتى جلَّى النصرَ ورفع رايته؛ فتُوِّجَ بالملك والعلمِ {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} [البقرة: 249 – 251]، وهذا فيه ما فيه من الأدلة على جدوى الصلاح الفرديّ والإصلاح بالفرد، وما زالت عِبر هذه الآيات وأحداثها تتكرر تفصيلا بصورٍ مختلفة إيذانًا بأنَّ سنة التدافع ماضية في حكم الأرض حمايةً لها من الفساد والدمار، وهي من أعلى صور المسؤولية، وإعلامًا بأن بيت المقدس هو المحور والميزان وبيضة القبَّان {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 249 – 251]، فالأمةُ قادةً وقاعدةً أحوجُ ما تكون إلى تدبرِ تلكم الآيات واستنطاقِها بمزيد من العبر والعظات في سياق المسؤوليات والتبعات؛ للخروج من التيه والتوجه نحو بيت المقدس والمسجد الأقصى الأسير بعزمِ جيلٍ، سلاحُ قادتِه وقاعدتِه حملُ المسؤوليات بعلمٍ وأمانةٍ وإيمانٍ ويقينٍ، ويَمُدُّهُ من ورائه آخَرون نَهِمُون جمَّاعون للدُّنيا من أجل الدِّين {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} [الإسراء:6] وهذا ليس بِدْعًا؛ فالتمكين قد وقع لشابٍّ حفيظٍ عليمٍ، غدا قائدًا وأسس قاعدة بعد أنْ نجا من الكيد والحُبِّ، وقضى في السجن والجُبِّ بضع سنين {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21].

نتائج البحث:

جاءت شواهد البحث دالَّة على بوابات الخروج من التِّيه، وكانت تبصيرًا لمن أُصيب بعمى الألوان؛ كي يميزَ حملةَ راية تحرير الأرض والبشر والمقدسات عن أدعياء يستعبدون العقول برايات خدَّاعة من هذا القبيل، وإليك أهمّ مراحل الوصول إلى بوابة الخروج:

1_ التقييم المرحلي والتقويم المستمر لمسؤوليات القادة والقاعدة، والغرض منه معرفة الخلل في التخطيط والأداء، وتداركُه بما يُصلحه من جوابر وزواجر، وسَدُّ الثغرات وتعزيزُ الإيجابيات.

2_ إنَّ معاندة السنن الإلهية أو محاولة العبث بسيرورتها هي لغزُ صيرورة القاعدة إلى المجهول، وعلَّةُ إيغالها في ظلمات التيه، وسرُّ إخفاق كلٍّ من القادة والقاعدة في القيام بمسؤولياته، ومن صور العناد أو العبث: تكليف القاعدة بأعمال القادةِ، أو هروب القادة وتصدُّر القاعدة:

(فمن منح الجهال علمًا أضاعَهُ *** ومن منع المستوجبين فقد ظـلم)

3_ المسؤوليات العامَّة يدخل جلُّها في فروضِ الكفايةِ، فمن لم تكن له أهلية توجب عليه أداءَها لم يصحّ القول بأنه غير مكلَّف بها مطلقًا من كل وجه، بل يجب عليه من مقدِّماتها كلُّ ما له طاقة به.

4_ عاقبةُ التخلِّي عن المسؤوليات العامَّة أو ضعفِ الجاهزيةِ والاستعدادِ للنَّوءِ بأعبائها هي: الاستبدالُ كما وقع لجيل التيه، ورفعُ فاعلية الأسباب كما حلَّ بالقوم يوم حنين وقد قالوا: لن نغلب اليوم عن قلة.

5_ جلالة قدر القائد ولو بلغت حدَّ العصمة، وبراهين تأييد الله له ولو خرقت العوائد وعُدَّت من المعجزات: لن تغيِّر من سنة الله في ترتُّب النصر والفرَجِ والتمكين على مدى تحمل المكلَّفين لمسؤولياتهم، ولن تَرفع شيئًا من عواقب النكوص عن القيام بتلك الواجبات.

6_ السنن الإلهية في التمكين ماضية ولو هلك القادة والقاعدة جميعًا دون أن تتحقق، وهذا ما حلَّ بجيل التيه، هلكت القاعدة، ولحق القادةُ بالرفيق الأعلى، وما زال القوم في مجاهيل التيه سادِرِين، وبيتُ المقدس أسيرًا بيد الجبارين.

7_ أهليةُ فردٍ أو اثنين من القاعدة للتمكين لا تغني عنها شيئًا، والمعوَّل عليه صلاح الأمة وصلاحيتها؛ فما أغنى عن قاعدةِ جيلِ التيه أنْ كان فيهم رجلان صالحان أقدما وحذَّرا القوم من مغبة النكول، ولم يكن موقفهما ليرفع المسؤولية وتبعاتها عنهم.

8_ ثنائية الصلاح والإصلاح الفردي لها ما لها من الأهمية والأثر، فيقوم هذا الفرد بتربية قاعدةٍ تاليةٍ للهالكينَ وإصلاحها؛ حتى تغدو صالحةً أهلًا لتنفيذ ما يُناط بها من مسؤوليات.

9_ القاعدةُ إنْ لم تتغير سِماتها تُغيَّرْ هي ذاتها، أو قل: إنْ لم تُبَدِّلْ أوصافَها تُستبدَلْ ذواتُها.

10_ هلاك القاعدة العاتية يمنع تأثر ذريتها بها، ويمنح عقول النسل الجديد حرية اختيار حقيقية، فيغدو أكثر قابلية لتتكون منه قاعدة مسؤولة مما لو بقي أسير عادات الآباء والأجداد ومعتقداتهم؛ وبهذا يفسَّر الهلاك العامّ للأمم السابقة، وبه يتبين أنَّ التقليد وتمسك الأبناء بما كان عليه الآباء هو أصل الداء في باب المسؤوليات كما شهدت بذلك آيات كثيرة على أمم مضت، وفي الأحاديث الشريفة ما يشهد لتأثير الأبوين على دين الأولاد وفطرتهم وتخليهم عن حملهم لمسؤولياتهم، وحسبكَ شهادةُ الواقع، ففيها دلائل وعبر مشبَعة.

11_ الأصلُ أن تمضي سنن الله في صراع الحقِّ والباطل ما لم تدعُ الضروراتُ لنصرة القادة المعصومين في حالات الصراع على البقاء والفناء؛ أما النصر البارد ففيه تعطيل لتلك السنن.

12_ نصرُ الضروراتِ مصدره ثبات القائد المعصوم ودعاؤه وتضرعه وابتهاله، واستكماله للأسباب المتاحةِ كلها رغم قصورها، ومضيّه قُدُمًا في إعمالها، وقد تجلَّى ذلك كلُّه في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لربه يوم حنين وندائه للفارين بأحب صفاتهم ومناقبهم ليكروا بعد الفرار.

13_ للقاعدة السلبية تأثير قوي بالغ الأثر رغم التسليم بكمال القيادة، فالقيادة في أعلى رتبها وأكملها لم تكن لتنفعَ بينما القاعدةُ في الحضيض وإن كثرت.

14_ سمو القائد بمعنويات القاعدة وإشادته ببطولات الفدائيين الباذلين لأموالهم وأنفسهم وأوقاتهم له أثر مشهود في قابل الأيام والمشاهد رغمَ الهزيمة، فلا لوم ولا تقريع، ولا همز ولا لمز، بل دأْبُ القائدِ السموُّ بأرواح القاعدة، وجبرُ خواطرها، ورأْبُ صدْعِها، والنهوضُ بمعنوياتها (بل أنتم العكَّارون، بل أنتم الكُرَّار).

15_ التغذية المرتدة من تقويم أداء القاعدة القبليّ والمرحليّ والختاميّ لها ما لها من جليل الأثر، فبها يحصل الاستعداد لما سيكون، والاعتبار بما كان، وتدارك القصور أثناء الأداء، وهذا ما دلَّت عليه مُخرجات التقويم النبوي لأُحُد، وإليها استند حصر المشاركة في حمراء الأسد برجال أحد، وهي نفسها نتائج التقويم الموسوي لجيل التيه بعد عشرات السنين، فقد أظهرت أن لا بد من أن ينقرض هذا الجيل في أربعين سنة على أمل ولادة جيل تحرير بيت المقدس؛ ليتبوَّأ مكانه الذي يليق به، لا سيما أنه جيلٌ اعتَبر بتاريخ أسلافه، ونشأ وترعرع وتربَّى على ما سمع عن القاعدة البائدة من عظات وعبر، حتى جاز القول بأنه قاعدةٌ صُنِعَت على عين النبوة.

والحمد لله رب العالمين {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة التوبة: الآية 105].

 

 

([1]) الشاطبي: الموافقات، (1/278- 280).

([2]) المصدر السابق (1/ 283).

([3]) المسؤولية الفردية في الإسلام: عدنان رضا النحوي، المسؤولية في الإسلام: عبد الله قادري الأهدل، المسؤولية الجماعية: النشمي.

([4]) تفسير الطبري: رقم (11636)، (10/ 163).

([5]) تفسير ابن كثير (1/ 255).

([6]) ابن كثير: قصص الأنبياء، (2/ 96-102).

([7]) صحيح البخاري (1339) (2/ 90)، صحيح مسلم (2372)، (4/ 1842).

([8]) تفسير الطبري (10/ 175).

([9]) تفسير القرطبي (9/ 77).

([10]) ابن هشام: السيرة النبوية (1/ 614)، مسند أحمد (3698)، (6/ 227)، قال المحقق: إسناده صحيح على شرط البخاري.

([11]) صحيح مسلم: (1779)، (3/ 1404).

([12]) صحيح البخاري (3952)، (5/ 73).

([13]) صحيح مسلم (1775)، (3/ 1398).

([14]) ابن كثير: السيرة النبوية (3/ 621-629)، والخبر عند الشيخين وأحمد والبيهقي وأبي داود بألفاظ وزيادات من طرق مختلفة.

([15]) صحيح البخاري، (4317) (5/ 153).

([16]) ابن كثير: السيرة النبوية (3/ 621-627).

([17]) ابن إسحاق: السير والمغازي، (ص: 327).

([18]) المصدر السابق (ص: 330).

([19]) ابن هشام: السيرة النبوية (2/ 375).

([20]) الخطابي: معالم السنن، (2/ 273).

([21]) ابن هشام: السيرة النبوية (2/ 383).

([22]) تفسير ابن كثير (2/ 133-137).

([23]) الواقدي: المغازي (3/ 897- 903).

([24]) صحيح مسلم (3/ 1385).

([25]) تخريج أحاديث الكشاف: الزيلعي، (2/ 39)، قال: رواه الطبري والواقدي وابن مردويه بسند متصل، والبغوي والثعلبي بلا سند.

([26]) تفسير ابن كثير (1/ 665).

([27]) في ظلال القرآن: سيد قطب (1/ 262)

([28]) تفسير الطبري (5/ 340-341)

([29]) تفسير ابن كثير (1/ 668).