الخلافات بين الفصائل.. حمّى الفصائلية المقيتة
مارس 2, 2015
هل أخطأ السوريون ؟
أبريل 1, 2015

العولمة الهوية "الجزء الرابع والأخير"

الدكتور : محمد العبدة – عضو أمناء المجلس الإسلامي السوري
قديقال : إن هذه العولمة تعزز الهوية عند الشعوب التي تتسلح وتعتز بدينها وثقافتها ، لأنها ترى أنها مستهدفة فترجع إلى تراثها لتصمد أمام هذه الموجة وأيضاً فإن ثورة الاتصالات وسهولتها مما قرب بين أبناء البلد الواحد وأبناء الدين الواحد رغم بعد المسافات فيما بينهم . هذا صحيح ولكن المشكلة والتخوف أن تكون ردة الفعل تجاه العولمة متشنجة ولا تستطيع أن تتعامل مع الواقع بطريقة صحيحة ، ولا تمتلك مبادرة للبديل المناسب ، والمفروض أن يكون البديل جاهزا ، فالإسلام بطبيعته عالمي يقدم الخير للبشرية ويستفيد من العلم النافع ، وهناك فرق بين الثقافة والعلم ( الطبيعي ) فالثقافات تتعدد  والعلم  مشاع بين البشر ، والمسلم لا يقف حائراً أمام أي جديد ولكنه يختار ما فيه نفع “لن يتأثر المسلمون بغرب يرونه مبشراً بقيم استهلاكية وفضائل لا أخلاقية برجينسكي ) ( 8 ) وعقلاء الغرب يدركون هذه الحقيقة.
 
يقول ( آلان تورين)
عن الذين يطلبون من المغتربين الاندماج والذوبان في المجتمع الغربي : ” وبركات الإلحاد ” كما يقول مستشار الأمن القومي الأمريكي سابقاً ليس موقفاً ديمقراطياً أن يقال للمغتربين تجردوا من ثقافتكم وادخلوا عراة إلى عالم جديد ، إنها صفاقة واحتقار للثقافات والخبرات المغايرة لخبراتنا ” ( 9 )لقد فشلت كل المشاريع التغريبية خلال القرن الماضي ولم تحقق أي إنجاز يذكر ، والدول العربية مثال صارخ على ذلك ، ما زال الجدل قائماً حول الهوية  ، بل تجذرت الخصوصيات الوطنية ، حتى أصبحت معتقداً للإنسان العادي فضلاً عن المثقفين ،وبولغ في العادات والخصائص المحلية حتى أصبحت كل قرية لها عاداتها ، وتغذي هذا المفهوم الضيق السياسات التعليمية
والإعلامية ، وهذا نكوص وتراجع للوراء ، وحتى تحقق الدولة نموذجها الوطني الليبرالي لابد أن تحطم بناء الأمة ، وهذا الذي أدى وسوف يؤدي إلى
الفشل والتراجع . لم تنجح العولمة بل قسمت العالم إلى فقراء فاقدين للأمل وأغنياء صم الآذان، وجعلت الأجيال القادمة ترث أرضاً قاحلة ، وبعض الدول الرأسمالية عندما
وجدت آثار العولمة راحت تسن القوانين التي تصب في مصلحتها .
 
إن التغيير يكون بالتجديد من الداخل وليس بالتنازل عن الهوية ، وهذه الهوية لا يمكن العدول عنها ولا عن جزء منها لأنها الإسلام ،القرآن هو الذي أعطانا
الهوية (هو  سماكم المسلمين من قبل )، ونحن حين نتحدث عن الإسلام نرفض التفريط والتبسيط تحت شعارات تطالب بالتنازل عن الأصول والتخلي عن
المعقول في سبيل إرضاء أطراف تجس نبض المسلمين ، وحتى يصل الأمر إلى الأذية في الدين ، ولأن فصل المسلمين عن دينهم هو مناصرة للعدو
الأجنبي .الكتلة الكبرى هي التي تستطيع أن تناور في مثل هذه الأجواء الخطرة، فالعولمة إذا تركت فإنها سوف تؤثر على كل الخصوصيات ،كتلة العالم
الإسلامي ( من طنجة إلى جاكرتا ) كما يعبر المفكر الجزائري مالك بن نبي، تناور من خلال تنمية النظام التعليمي لتكون قادرة على الاستجابة للمتغيرات
السياسية والاقتصادية والثقافية ، من خلال نظام معرفي أكاديمي مشترك، ولعل إشاعة اللغة العربية يكون شيئاً مهماً لتقابل عولمة الإنكليزية ، وفي تركيا
بداية طيبة لتعليم اللغة العثمانية وهي بالأحرف العربية ، لتتمكن الأجيال الجديدة من قراءة تاريخها ، فاستعادة تاريخنا الحضاري خاصة مما يعطي الشباب الثقة والانتماء .
الكتلة الكبرى هي التي تستطيع البحث عن الأحلاف الممكنة ، وهي التي تخطط لصيانة الهوية دون انغلاق يؤدي إلى مزيد من التدهور ، وهي التي تملك القدرة على الاستقلال الاقتصادي وهو شيء مهم لصيانة الهوية.
 
الإسلام هو المستعد للمنازلة ثقافياً وحضارياً ، لأنه الوحيد الذي يملك رؤية واضحة لدور الإنسان ونظرته للكون والحياة ، ونظرته للعام ووسائل العلم، الملل والمذاهب والشعوب الأخرى لا تستطيع مقاومة الثقافة الغربية التي تكتسح العالم اليوم ، وهذا أحد أسباب الخوف من الإسلام وأحد أسباب اهتمام العولمة الثقافية بالعالم الإسلامي خاصة .