بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين ناصر المستضعفين ، وقاهر الظالمين ، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين ، وسيد المتقين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول الله تعالى :[الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا] {الأحزاب:39} .وبعد :
فإن المرحلة الخطيرة والمفصلية التي يمر بها بلدنا الحبيب سوريا ، وما عاناه ويعانيه الشعب السوري الحرُّ منذ ما يزيد على ثلاث سنوات ونصف من مآسٍ تنوء بحملها الجبال الراسيات، على يد المجرمين من آل الأسد وأعوانهم، مع ما رافق ذلك من تآمر واضح ومفضوح من المجتمع الدولي إلا من رحم الله ، يجعل المسؤولية كبيرة وضخمة على كل العقلاء والمنصفين والمخلصين إذ عليهم أن يقفوا صفاً واحداً لإيقاف نزيف الدم السوري ، وجرحه الغائر الدامي.
وإن علماء المسلمين في سوريا ممثلين في المجلس الإسلامي السوري إذ يستشعرون عظم المسؤولية يتوجهون بهذا البيان الواضح والصريح إلى الأمة الإسلامية خاصة وإلى العالم الحر عامة ،فنقول مستعينين بالله :
أولاً : إن بروز تنظيم ما يسمى (دولة الإسلام في العراق والشام) على خط الجهاد والقتال ، وقيامه بتصرفات تشوه صورةَ الجهاد والمجاهدين ومبادئَ الإسلام القويم ، وأخلاقَه السامية لأمرٌ يستدعي التوضيح ليكون الناس على بصيرة من أمرهم فلا تختلط الأوراق وتنحرف البوصلة ويقع المجاهدون المخلصون المعتدلون في اليد التي تريد أن تصطاد في الماء العكر.
لقد سبق للمجلس أن أصدر عدة بيانات أوضح فيها خطر هذه الفئة الباغية الخارجة على جماعة المسلمين ، وبيّن ما تتبناه من أفكار غريبة ، وما تقوم به من أعمال شنيعة كالاستهانة بتكفير المسلمين واستحلال دمائهم ، ثم إعلانهم تنصيب خليفة للمسلمين ، ودعوتهم الناس لمبايعته ، وحرمة الخروج عليه، واعتبار من لم يبايع خارجاً عن جماعة المسلمين، وقولهم ببطلان شرعية الولايات والتنظيمات الأخرى ، حتى وصل بهم الأمر إلى دخول المدن والقرى المحررة من النظام الغاشم والتي حررها المجاهدون بدمائهم وجهادهم فبدلاً من إعانتهم وموالاتهم استباحت (داعش) دماءهم وأموالهم وكذلك من لم يستجيب لأوامرهم وتعليماتهم، مما أعاق الجهاد وفتّ من عضده وأخّر مسيرته وأطال في عمر النظام الذي قام الشعب لإسقاطه وقد قطع في ذلك أشواطاً بعيدة
إننا نؤكد مرة أخرى أن هذه الفئة باغيةٌ وخارجةٌ على جماعة المسلمين وعلى شرع الله تبارك وتعالى ، فهم أشبه بالخوارج الذين حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن نغتر بعبادتهم التي تتناقض مع أفعالهم ، فهم فعلاً حدثاء أسنان ، وسفهاء أحلام ، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ، ولا نغتر ببلائهم في بعض الأماكن فإن الخوارج كان الصحابة يحقرون صلاتهم مع صلاتهم كما جاء في الحديث الصحيح غير أنّ النبي قال فيهم : يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرّميّة، وتوعد بقتلهم بل واسئصالهم فقل : لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد، وما ذلك إلا لمنهجهم الضال وخطرهم الوبيل على أمة الإسلام والمسلمين
ثانياً : إننا نبرأ إلى الله تعالى من تصرفاتهم وأفعالهم ، ونعلن حرمة الانضمام إليهم والقتال تحت رايتهم ، بل يجب على من انضم إليهم مُغرراً بهم أن ينشق عنهم ويعلن البراءة منهم ، وأن يتوب إلى الله تعالى مما سبق ، وكذلك نعلن أن من بقي معهم فهو شريك لهم في كل قطرة دم تسيل بسببهم ظلماً وعدواناً، وهو مسؤول عن ذلك في الدنيا والآخرة.
وإننا نستنكر ونبرأ إلى الله تعالى مما تقوم به هذه الفئة من قتلها للأسرى من المسلمين وغيرهم ممن لا علاقة لهم بقتال ولا غيره كالصحفيين والإغاثيين والأطباء والممرضين، وكان آخره ذلك قتلهم للصحفي الأمريكي ونعتبر ذلك خفراً لذمة المعاهد الذي أمرنا ديننا الحنيف أن نرعى ذمته.
كما نستنكر بشدة الطريقة الشنيعة التي يقتل بها هؤلاء أسراهم ذبحاً بالسكين وقطعاً للرؤوس، فالإسلام وضع ضوابط للقتل حتى مع أشد الأعداء الذين يجب قتالهم والتخلص منهم فقال صلى الله عليه وسلم : (إن أعفّ الناس قتلة أهل الإيمان) وقال : (وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة)، وكم أساء هؤلاء إلى الإسلام ودعوته بمشاهد قطع الرؤوس وتعليقها وصلب أصحابها وإظهار النشوة والساديّة في القتل، ومنع دفن جثث الضحايا إلا بعد أيام بعد أن يلحق بها التشوه والتعفن مما لا يقره دين ولا ترتضيه إنسانية، وما يحصل اليوم في ريف دير الزور وريف حلب الشمالي خير شاهد على ما نقول
ثالثاً : نؤكد أنه في حال إصرار هذه الفئة الضالة (داعش) على بغيهم وعدوانهم وصيالتهم فإنه يجب قتالهم لرد ذلك كله حفاظاً على دماء المسلمين وأموالهم وحرماتهم
مع كل ما ذكرناه عن هذا التنظيم الضال فإننا نؤكد بأن هذا التنظيم وأمثاله ما كان ليظهر لولا الظلم والحيف الكبير الذي وقع على الشعب السوري الحر ، ولولا الصمت المريب والمفضوح من المجتمع الدولي الذي أطلق يد النظام السوري وآلته العسكرية لتعمل في الشعب قتلاً وتنكيلاً وتشريداً حتى بلغ عدد الشهداء حسب الإحصاءات الرسمية ما يزيد عن مائتي ألف شهيد عدا الجرحى والمعاقين والمعتقلين والمشردين الذين يزيد عددهم عن ثلث الشعب السوري .
رابعاً : إننا نخشى أمام هذا الحشد العالمي ضد (داعش) ، وتحرك المجتمع الدولي لمهاجمتها ، وغض النظر عن إجرام النظام السوري وأسلحته الكيميائية ما هو إلا ذريعة للتدخل السافر في بلدنا الحبيب ، ونحن نرفض أي تدخل خارجي من أي جهة كانت، ونحن ندرك أن هدفه وأد الثورة السورية ونسيان العدو الرئيسي الذي دمر البلد وسفك الدماء وانتهك الأعراض ، وقتل عشرات الأضعاف مما قامت به داعش وأمثالها.
وإننا نؤكد للعالم بأن المعارضة السورية المعتدلة والمجاهدين المخلصين الذين بدؤوا المعركة ضد النظام السوري الغاشم قادرون بعون الله وتوفيقه على الدفاع عن سوريا إذا تمَّ لجم النظام السوري عن استعمال آلات القتل المحرمة دولياً كالأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة والقنابل الفراغية والانشطارية والعنقودية، وأن فتح المجال أمام المجاهدين المخلصين للحصول على السلاح النوعي كفيل بأن يتصدوا لعدوهم ويدافعوا عن أنفسهم وشعبهم ، ويحرروا بلدهم.
خامساً : إن الإرهاب الذي يهدد العالم اليوم ليس إرهاب (داعش) فحسب ، إنه الإرهاب الذي يحظى برعاية دولية وتمويل عالمي، ونحن نضم إلى قائمة داعش المجموعات الإرهابية في العراق كعصائب أهل الحق ولواء أبي الفضل العباس وغيرها ممن يقتلون الناس في المساجد وأثناء الصلوات ويساندون الطاغية في بلادنا ويقتلون الناس على الهوية، وكذلك من يتسمى (بحزب الله) والله بريء منه ومن ظلمه وعدوانه
لقد كشفت هذه الثورة العظيمة ، وهذه المحنة الأليمة أوراقاً وفضحت أقواماً بل أمماً كانوا يدّعون صداقتنا، وإذا بهم كما قال تعالى :[ يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ] {التوبة:8} .
إن إعلان الحرب اليوم على داعش والتغافل عن العدو الأصلي ما هو إلا استغلال للإرهاب وتوظيف له من أجل أهداف سياسية ، وخطط عدوانية ذات مصالح دولية ضيقة، وإلا فلماذا لم يتحرك العالم بعد تجاوز النظام الخطوط الحمراء التي رسموا، وقتل في يوم واحد ما يزيد على ألف وخمسمائة من الأبرياء خنقاً بالغازات السامة في غوطة دمشق وأماكن أخرى، واكتفى العالم بالقبض على أداة الجريمة وبقي المجرم حراً طليقاً ليواصل قتله وإبادته لهذا الشعب المظلوم، ويحاول البعض بدعوى الحرب على الإرهاب وداعش أن يعيد تأهيل هذا النظام المجرم واستخلاص شهادة حسن سلوك له مستخفاً بذاكرة الشعب ومتاجراً بدمائه.
وختاماً :فإننا نتوجه إلى كل إخواننا المجاهدين المخلصين بأن يكونوا يداً واحدة على من سواهم عملاً بقوله تعالى :[إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ]{الصَّف:4} .
وأن يرجعوا إلى علمائهم الربانيين المخلصين فيما يعرض لهم من مشكلات ومسائل عملاً بقوله تعالى : [فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ] {الأنبياء:7} .
كما نتوجه إلى الشعب السوري الصابر المصابر الذي قدم الكثير وبذل الكثير من أجل حريته وكرامته وخلاصه من الظلم والطغيان فنقول له : إن دماء الشهداء لن تضيع سدى ، وإن التضحيات العظيمة التي قدمتموها لن تذهب هباء ، فإنه لابدَّ لهذا الليل من آخر ، ولكل طاغية نهاية، وإن النصر مع الصبر ،وإن مع العسر يسرا، ولا بد أن يتحقق قول الله تعالى (وبشر الصابرين ) ووعده الذي يقول (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) وفي الختام نسأل الله الرحمة لشهدائنا الأبرار، والشفاء العاجل لجرحانا ، والعودة الكريمة لمهجرنا، نسأل الله أن يجمع الشمل ويلم الشتات ويهدينا إلى سواء الصراط، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المجلس الإسلامي السوري
الإثنين 29 / شوال / 1435 هـ
الموافق : 25 / آب / 2014 م