بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل (الجماعة رحمة والفرقة عذاب) وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين وبعد :
فإن المجلس الإسلامي السوري يؤكد في كل مناسبةٍ وعند كل محطةٍ بارزةٍ من محطات الثورة السورية على ضرورة وحدة الكلمة، ومن أبرز مقومات هذه الوحدة اجتماعُ كلمة الفصائل المجاهدة قاطبةً على أرض سوريا، ولا يكاد يخلو بيانٌ من بيانات المجلس من التأكيد على هذا الأمر، وبعد جريمة حلب الكبرى التي تواطأ فيها الشرق والغرب بحكوماته ومنظّماته الدولية على تهجير أهلها قسراً ضمن عملية تغييرٍ ديموغرافيٍ بدا واضح المعالم، لا بدّ من وقفةٍ صادقةٍ ومراجعةٍ شاملةٍ للأخطاء التي ارتُكبَت وساهمت في نجاح المؤامرة الدولية على حلب وعلى كثير من المناطق، وهذا هو المنهج القرآني في المراجعة والتصحيح قال تعالى في تعقيبه على غزوة أحد (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) وطالما أن المصيبة وقعت بسبب أنفسنا فإن التغيير يبدأ منها كذلك كما قال ربنا جلّ وعلا (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) واليوم يُطرَح في الساحة مشاريع متعددة تحمل عناوين الاندماج والاتحاد إلى غير ما هنالك من هذه العناوين الكبيرة، وباستعراض المجلس لما يُطرَح علناً على الساحة العامة والمواقع المختلفة وما وصل إليه من مصادره الخاصة يبين ما يلي:
أولاً: يرى المجلس على ضوء تقويمه لمشاريع الاندماج والتوحّد والجبهات والتجمعات والغرف المشتركة خلال السنين الأربع الماضية أن معظم هذه المشاريع كانت عفويةً وعاطفيةً يغلب عليها الارتجال والتأثر بردود الأفعال الناتجة عن الوقائع الآنية والضرورات المناطقية، ولم تكن مبنية على أسسٍ منهجيةٍ علميةٍ واضحةٍ، لذا رأينا كثيراً منها تبخّر ولم يُعثر له على أثر، وصار من صفحات الماضي، علم الناس بدايتها واحتفوا بها ولم يدركوا نهايتها وسبب الإخفاق فيها، وهكذا يعيد الناس التجربة ويكررون الإخفاقات ذاتها دون أن يستفيد الجميع منها، فالإخفاق وارد لكن عدم الإفادة منه غير مقبول ويجعل الثورة تدفع ثمناً باهظاً أكثر مما دفعته إلى الآن، ولا يخفى أثر ذلك السلبي على الحاضنة الشعبية إذ ولّد عندها اليأس والإحباط، وعلى هذا يرى المجلس أن تكرار هذه التجارب بالعقلية ذاتها وبالاندفاع العاطفي المعهود لا يعدو كونه إخفاقاً جديداً يضاف إلى الإخفاقات السابقة، وإذا لم تُبْنَ هذه الاندماجات والاتحادات على مشروعٍ واضح المعالم والتفاصيل فإن هؤلاء المتحدين سينفصلون عند أول مفترق طرق مما يزيد العلاقة بينهم سوءاً ويزيد الساحة فرقة وتشرذماً ، وما أكثر المنعطفات والمفترقات في ثورة شعبنا السوري.
ثانياً: يرى المجلس أن المشروع الذي ينبغي أن تجتمع عليه الفصائل هو المشروع الجامع للسوريين تحت راية واحدة وعلم واحد وليكن علم الثورة الذي رفعه الشعب السوري في كل المحافظات من أول يوم في الثورة، ويرى المجلس كذلك أن هذا المشروع يجب أن يُراعى فيه جلب المصالح ودرء المفاسد والنظر إلى المآلات، وهذا لا يكون إلا بفهم الواقع وإدراك الظروف المحيطة والعوامل المؤثرة والقوى الفاعلة في الثورة السورية، ويرى المجلس أنه لا بد مع مراعاة ذلك كله من استقلالية قرار الثورة، ولن يكون ذلك إلا بالاجتماع على مشروع واحد وقيادة واحدة تكسب شرعيتها من شعبنا الصابر المجاهد على اختلاف مؤسساته ومرجعياته، ويرى المجلس أن هذه المشاريع ينبغي أن يتواكب ويتكامل فيها المدني مع العسكري مع السياسي، ليكون بعضها في خدمة بعض ويستثمر بعضها إنجازات بعضها الآخر.
ثالثاً: يرفض المجلس أي مشروع اندماج مع أي فصيل يحمل فكر الغلو والإقصاء، أو يحمل أي مشروع لا علاقة له بالسوريين واختياراتهم، أو يعتبر نفسه وصياً عليهم دون الرجوع لمؤسساتهم ومرجعياتهم، ويعتبر المجلس هذه الاندماجات مشاريع انتحار على المستويين الداخلي والخارجي، ويحذر الفصائل منها، ويحمّلهم تبعاتها ومسؤوليتها. وفي الختام على ضوء ما بيّنا يشجع المجلس ويدعم أي محاولة اندماج أو توحد مبنية على هذه الأسس، وفي الوقت نفسه يرى أن باب الحوار ينبغي أن يبقى مفتوحاً بين الجميع، نسأل الله أن يلهمنا السداد في القول والإخلاص في القصد والعمل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المجلس الإسلامي السوري
30 ربيع الأول 1438 هجري، الموافق 29 كانون الأول 2016م