أ. د. عبد الكريم بكار
المقصود بالثقافة هنا مجموعة الأفكار والمفاهيم والملاحظات والإحالات الذهنية والشعورية والعادات المتعلقة بمسائل النصر والهزيمة.
الثقافة تشكل الخلفية العميقة لكل القرارات التي نتخذها في صراعنا مع العدو, وإني في هذه المقاربة أود التحدث عن نقطتين جوهريَّتين.
الأولى: وهي متعلقة بمفهوم النصر في حس معظم العرب والمسلمين اليوم، ولا سيما على المستوى الشعبيِّ أو ما دون النخبويّ.
الثانية: وهي تتمحور حول متطلبات النصر الحربيّ وشروطه وكيفيّة تعامل الوعي المسلم معها.
إن من الواضح أن ما استقر في أعرافنا الثقافيّة حول المعنى المحوريّ لكلمة النصر هو النصر الحربي, فإذا طلب منك أحد النّاس الدعاء بالنصر فهو يعني النصر العسكريَّ على الأعداء ليس أكثر، وهذا التخصيص للمعنى موروث من الثقافة السائدة عبر القرون الماضية، ولا سيما الحقبة العثمانيّة حيث كان النصر العسكري هو الشُّغل الشَّاغل للدَّولة.
من النادر اليوم أن يسأل الواحد منَّا الله تعالى النّصر ويقصد به النّصر على النُّفوس الأمّارةِ بالسُّوء أو النصر في ميادين التّربية والسّياسة والاقتصاد والاجتماع والإبداع والاختراع والتَّنظيم… وهذا التمركز – بقطع النَّظر عن أسبابه – خطير للغاية، حيث إنّ النصر العسكريّ يستند اليوم إلى الاقتصاد والسياسة والإبداع في المعدات الحربيّة وحساب مصالح الإقليم والمصالح الدَّوليّة، كما يستند إلى المشروعية الدولية, وما ذلك إلا لأن الصراع بيننا وبين أعدائنا ليس صراعا عسكريًّا معزولا وإنما هو صراع حضاريٌّ شامل, وليس القتال سوى أداة صغيرة وقد صار اللّجوءُ اليها اليوم محدودًا للغاية, لأنَّ ما تريده دولة من دولة مُناوِئة أو منافسةٍ في هذه الأيام ليس الأرض؛ وإنما المواد الأولية الرخيصة والأسواق المفتوحة للمنتجات والصادرات.
من المهم اليوم أن يدرك كلٌّ مِن العرب والمسلمين أن النصر العسكري الذي يتطلعون إليه لن يكون له أي فائدة ما لم يتخلصوا من التخلف المخيم على معظم جوانب حياتيهم… فمن يعجز عن إدارة شؤونه في بلاده على نحو جيِّد سيكون عجزه أشدَّ عن إدارة شؤون شعوب يبسط سلطانه عليها.
أما مسألة شروط النصر العسكري وأسبابه ومقدماته وموانعه؛ فلدى الوعي المسلم الكثير من الاضطراب في التعامل معها مع أن القرآن الكريم وضح في غزوة أحد وفي غزوة حنين وغيرهما من الغزوات الكثيرة من ذلك, كما أن السلوك الشخصيَّ للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم يوضِّح شروط النَّصر على نحو تام.
حين يكون لديك مئة جيش وكل جيش يفتح معركة في الوقت الذي يريد، ويكون لدى عدوِّك جيش واحد خاضع لقيادة مركزيَّة، وحين يكون لدى عدوِّك طيران ولا يكون لديك، ويكون لديه جهازُ استخباراتٍ وحلفاءُ يدعمونه؛ بسبب ما يُؤمِّنه من مصالحِهم، ولا يكون لديك شيء من ذلك؛ فإن النصر سيكون حليفَه وليس حليفك، لأنه أخذ بالأسباب المفضية إلى النصر ولم تأخذ أنت…
إننا في حاجة إلى وقفة فكرية شجاعة لمراجعة ثقافة النصر، والعمل على ترسيخ ثقافة جديدة تتلاءم مع عقيدتنا وآداب شرعيتنا، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
أ. د. عبد الكريم بكار