رقم الفتوى: 39
تاريخ الفتوى: الجمعة 4 رمضان 1442هـ الموافق 16 نيسان / أبريل 2021م
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلام على سيّدنا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أولاً: صدقة الفطر:
الأصل في وجوبها: ما ثبت في «الصحيحين» عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً مِن تمر، أو صاعاً مِن شعير على الحرِّ والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير مِن المسلمين، وأن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة).
وجاء في حكمة مشروعيتها: ما روى أبو داود في «سننه» عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفطر طُهرةً للصائم مِن اللَّغو والرفث، وطُعمةً للمساكين، مَن أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة، ومَن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ مِن الصدقات).
على مَن تجب: تجب زكاة الفطر عند جمهور الفقهاء على كلِّ مسلم ملك صاعاً فاضلاً عن قوته وقوت عياله ليلةَ العيد ويومَه، وإن كان محتاجاً بقيةَ أيامه، فيُخرج زكاة الفطر، وتجب عليه، (ولو كان غناه بسبب ما يُعطَى له مِن صدقات أو زكوات)، حيث يجوز له الأخذُ من صدقات الفطر لحاجته، لذلك جاء في الحديث: (أمّا غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيردّ الله تعالى عليه أكثر مما أعطى) رواه أبو داود، ومَن وجبت عليه صدقة الفطر وجبت عليه عمن هم في عياله ومَن تلزمه نفقتهم، ومَن أراد أن يخرجها عن نفسه منهم فهو جائز.
مقدارها: صدقة الفطر عند جمهور الفقهاء صاعٌ مِن أصناف معينة من الطّعام، ويكون مِن الأصناف التي بيّنتها السنة فيما روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً مِن طعام، أو صاعاً مِن شعير، أو صاعاً مِن تمر، أو صاعاً مِن أقِط، أو صاعاً مِن زبيب)، وقد فُسِّر الطعام بغالب قوت البلد، فمَن أخرج صاعاً مِن هذه الأصناف فقد أدّى ما عليه، ومَن اختار إخراجها طعاماً فيفضل أن يخرجها مما يقتاته الناس مِن الطعام.
وبالنظر إلى تجويز السّادة الحنفية (وعددٍ مِن الفقهاء الآخرين) إخراجَ القيمة في صدقة الفطر، ومراعاةً لمصلحة الفقراء والمحتاجين في هذه الأحوال والأزمنة؛ فإننا نفتي بجواز إخراج القيمة، ونظرا لاختلاف القيم في المناطق المختلفة في المحرر من أرضنا ولتفاوت أسعار المواد بين يوم و آخر فإننا ننصح الناس بالرجوع الى قيم هذه الأصناف في مناطقهم يوم إخراج الصدقة وأقلها على مذهب الحنفية قيمة نصف صاع من القمح ويعادل (1,9) كغ وهذا يقارب الواجب عند الجمهور و هو قيمة صاع من القمح أو غيره ويساوي (2,4) كغ عندهم . ويستحسن للمستطيع أن يزيد عن ذلك؛ لأنّ الأصناف المذكورة في الحديث متفاوتة القيمة، وربما تبلغ قيمةُ بعضها أضعافَ قيمة غيرها .
وأما السوريون المقيمون في الدول المجاورة وغيرها فعليهم أن يتبعوا ما تحدّده دوائر الفتوى في تلك البلاد، ومَن شق عليه ذلك فيمكنه أن يرجع إلى أقلّ التقديرات في البلد التي يقيم فيها، ويكون التقدير على مذهب الحنفية لنصف صاعٍ مِن القمح الذي يعادل (1,9) كغ ، والأفضل أن يزيد مَن وسع الله تعالى عليه.
وقت إخراج زكاة الفطر وجواز تعجيلها: ذهب جمهورُ الفقهاء إلى جواز تقديمها على ليلة العيد، وذلك لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تُخرجَ قبل صلاة العيد، ولم يُقيّد ذلك بغروب شمس اليوم الأخير مِن رمضان، والمختار جوازُ تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين؛ لما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (وكانوا يعطُون -أي الصحابة- قبل الفطر بيوم أو يومين) رواه البخاري.
كما يجوز التعجيل بدفعها وتوكيل الجمعيات والجهات الخيرية قبل ذلك بأيام لتتمكن مِن جمعها والعمل على إيصالها للمستحقين في وقتها، وهذا التوكيل مِن الدافع تبرأ به ذمتُه ؛ لما ثبت في «الموطأ» عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تُجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة). فإن رأت تلك الجهاتُ المصلحةَ في تعجيل دفعها إلى مستحقيها فبها .
ونؤكّد على جواز إرسال صدقة الفطر مِن المقيمين خارج البلاد إلى الفقراء في سورية؛ لشدة الحاجة، بحيث تصل للمستحقين قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد، ويكون تقديرها على حسب القيم في البلاد التي يقيمون فيها حيث وجبت.
ثانياً: الفدية:
أما الفدية التي جعلها الله تعالى بدلاً عن الصيام لكبار السّن الذين يشق عليهم الصيام، أو للمرضى الذين لا يستطيعون الصّيام، ولا يرجى شفاؤهم: فهي طعام مسكين كما بين ربنا سبحانه وتعالى في قوله: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾، وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الآية: (ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كلِّ يوم مسكيناً)، فمَن أراد أن يخرجها مِن الأقوات فيطعم عن كلِّ يومٍ مسكيناً بمقدار نصف صاع وهذا مذهب الحنفية (وذهب الجمهور الى أن الواجب أقل من ذلك)، وإن أراد إخراجها بالقيمة، فإننا نرى أنّ أقل ما يجزئ عن اليوم الواحد في سورية هو قيمة نصف صاع من القمح عند الحنفية ويعادل (1,9) كغ ، ومَن أراد أن يزيد فذلك خير؛ لقوله تعالى: ﴿فمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فهو خَيْرٌ له﴾.
وأما السوريون المقيمون في الدول المجاورة وغيرها فعليهم أن يتبعوا ما تحدّده دوائر الفتوى في تلك البلاد، والأفضل أن يزيد مَن وسع الله تعالى عليه، ويجوز أن تدفع الفدية يومياً في رمضان، أو تجمع لعدة أيام وتدفع، أو أن تدفع بعد العيد، مع أفضلية التعجيل ما أمكن، نسال الله تعالى القبول والإعانة، والحمد لله رب العالمين.
مجلس الإفتاء السوري
الجمعة 4 رمضان 1442 هـ – الموافق لـــ 16 نيسان 2021 م