Fitne olmasın diye
أغسطس 17, 2021
الإجراءات الاحترازية من وباء الكورونا
أكتوبر 10, 2021

حكم بيع الوقف واستبداله

بسم الله الرحمن الرحيم

الرقم:42

التاريخ: الأربعاء 1 صفر 1443هــ الموافق  8 سبتمبر / أيلول 2021م

السؤال: يحصل أننا قد نحتاج لقطعة أرض لإنشاء مشروع تعليمي أو طبي أو غيره، أو توسعة مشروع قائم بالفعل، وتوجد بجانبه قطعة أرض وقفية غير مشغولة، وقد تكون معطلة الانتفاع؛ فهل يجوز لنا أن نأخذ هذه الأرض الوقفية للاستفادة في المشروع، ونعطي الوقف بدلاً منها في مكان آخر؟

الجواب: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ. أما بعدُ:

فالأصل الحفاظ على الوقف كما هو دون بيع أو تغيير، فإن تعذر الانتفاع منه، أو طرأت حاجة شديدة لاستبداله؛ جاز ذلك بشروط وضوابط عديدة، وبيان ذلك كما يلي:

أولاً: يجب الحفاظ على الوقف كما وضعه الواقف، ويُصرف في الوجوه التي أُوقف عليها، فإذا أوقف العقار أو غيره فلا يجوز التصرف فيه بيعاً ولا شراءً، ولا توريثاً، والأصل في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر تصدق بمالٍ له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان نخلاً، فقال عمر: يا رسول الله؛ إني استفدت مالاً وهو عندي نفيس، فأردت أن أتصدق به. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تصدَّق بأصله، لا يُباع ولا يُوهب ولا يُورث، ولكن يُنفق ثمره» متفق عليه، وزاد الدارقطني: «حَبيسٌ (أي: وَقْفٌ) ما دامت السماوات والأرض».

 ثانياً: إذا تعذَّر الانتفاع بالوقف لتعطُله أو خرابٍ أَصَابَه، أو توقف الانتفاع منه، كمسجد هَجره المصلون، أو مستشفى تعطل العمل بها، أو بئرٍ لم يعد لها حاجة، ونحو ذلك؛ فيجوز في هذه الحالة تبديلُ الوقف بوقفٍ آخر، كتبديل أرضٍ موقوفة بأرضٍ أخرى، ونقل بئرٍ إلى مكان آخر، أو استثمار مبنى في أمر المسلمين وبناء مبنى آخر بدلاً عنه للوقف في مكان آخر، ونحو ذلك.

وقد قال بذلك كثير من أهل العلم؛ ليستمر الانتفاع بالوقف، ومراعاة لمصلحة المسلمين:

قال ابن رشد كما في «التاج والإكليل» : (إن كانت هذه القطعة مِن الأرض المحبّسة انقطعت منفعتُها جملةً، وعُجز عن عمارتها وكرائها؛ فلا بأس بالمعاوضة فيها بمكانٍ يكون حبساً مكانَها، ويكون ذلك بحكمٍ من القاضي بعد ثبوت ذلك السبب، والغبطة في ذلك للعوض عنه، ويسجَّل ذلك ويُشهد به).

وقال ابن قدامة في «المغني» : (إنّ الوقف إذا خَرب، وتعطَّلت منافعه، كدارٍ انهدمت، أو أرض خربت، وعادت مَواتاً، ولم تمكن عمارتُها، أو مسجدٍ انتقل أهل القرية عنه، وصار في موضعٍ لا يُصلَّى فيه، أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعُه في موضعه، أو تشعَّب جميعه فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه: جازَ بيع بعضه لتُعمر به بقيتُه. وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه، بيع جميعه).

وفي «الموسوعة الفقهية الكويتية» : (إذا تعطَّل الموقوف وصار بحالةٍ لا يُنتفع بها؛ فقد أجاز الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية في رأيٍ بيعَه وجعل ثمنِه في مثله).

 ومما يدل على ذلك:

1- ما ورد عَنِ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه لما قدم الكوفة، وتولي بيتَ المال؛ نُقِب بيت المال (أي: سُرق)، فأُخِذَ الرجل (أي قُبضَ على السارق)، فكتب عبد الله إلى عمر رضي الله عنهما، فكتب عمر رضي الله عنه: (أن لا تقطعه، وانقل المسجدَ، واجعل بيت المال مما يلي القِبلة، فإنه لا يزال في المسجد من يصلي) أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير»، قال في «المغني» : (وكان هذا الفعل بمشهد من الصحابة، ولم يظهـر خلافـُه، فكان إجماعاً).

2- أن في عدم نقل الوقف تعطيلاً له، وفي نقله إحياءٌ له واستيفاء لمنفعته.

3- أنّ في ترك الوقف معطلاً إضاعةً للمال وهو منهي عنه، وفي نقله حفاظ عليه مِن الضياع، فوجب المصير إليه.

ثالثاً: إذا لم تتعطل الاستفادة مِن الوقف، لكن قلّ الانتفاع به، وأمكن نقلُه إلى مكانٍ آخر أنفع للوقف، فقد ذهب جمهور العلماء إلى منع بيع الوقف ونقله إلى مكان آخر، وأجاز ذلك جمعٌ مِن العلماء نظراً لمصلحة الوقف ونفعاً للموقوف عليهم.

وقد سئل الإمام أحمد كما في «رواية أبي طالب» : (هل يُحوّل المسجد؟) قال: (إذا كان ضيقاً لا يسع أهلَه؛ فلا بأس أن يُجعل إلى موضع أوسع منه)، قال ابن تيمية معلّقاً على ذلك في «مجموع الفتاوى» : (فإذا جوّز على ظاهر مذهبه أن يجعل المسجد الأول طَلْقاً _ يعني خروجه عن الوقفية _ ويوقف مسجد بدله للمصلحة؛ وإن لم تتعطل منفعة الأول، فلَأنْ يجوز أن يُجعل الموقوف للاستغلال طَلْقاً ويوقف بدله أصلح منه وإن لم تتعطل منفعة الأول أحرى).

وقال ابن قاضي الجبل في رسالة «المناقلة والاستبدال بالأوقاف» : (وإن كانت المصلحة راجحة للوقف وأهله في إيقاع عقد المناقلة والاستبدال؛ فهذه سائغة في مذهب الإمام أحمد، وليست مما اختص بتسويغها مذهب الإمام أحمد، بل قد نص على جوازها غيره من الأئمة كأبي يوسف، وكذلك ذهب إليها وحكم بها القاضي أبو عبيد بن حربويه قاضي مصر وصاحب أبي ثور).

وفي «البحر الرائق» : (وقد روي عن محمـد: إذا ضعفت الأرض الموقوفة عن الاستغلال والقيمُ يجد بثمنها أخرى هي أكثر ريعاً؛ كان له أن يبيعَها ويشتريَ بثمنها ما هو أكثر ريعاً).

وقد ذكر صاحب «الدر المختار» : أنه لا يجوز استبدال الوقف العامر الذي لم يتعطل إلا في أربع صور، فبيّنها ابن عابدين في «حاشيته»، وقال في آخرها: (الرابعة: أن يرغب إنسانٌ فيه ببدلٍ أكثرَ غلةً، وأحسن صِقْعاً، فيجوز على قول أبي يوسف، وعليه الفتوى كما في فتاوى قارئ الهداية)، ثم ذكر مناقشةً وخلافاً في ذلك.

رابعاً: إذا احتيج إلى الوقف حاجة شديدة للاستفادة منه في أمور أخرى للمسلمين، كالحاجة لقطعة أرض لتوسعة مسجد أو مقبرة، أو توسعة طريق، ولا يمكن ذلك إلا بأخذ هذا الوقف؛ فقد قال فريق مِن أهل العلم بجواز أخذ الوقف والاستفادة منها، والتعويض عنه ببدل في مكان آخر لكن بضوابط، جاء في «الموسوعة الفقهية الكويتية» : (وأجاز المالكية بيعَ العقار لضرورة توسيع مسجد جامعٍ، وسواء كان الوقف على معينين أو غير معينين، والمراد بالمسجد: الجامع الذي تقام فيه الجمعة، قال ابن رشد: ظاهر سماع ابن القاسم أن ذلك جائز في كل مسجد وهو قول سحنون. كما يجوز بيع الوقف لتوسعة مقبرة أو طريق لمرور الناس، فيجوز بيع الوقف لذلك ولو جبراً على المستحقين أو الناظر، وأُمر المستحقون وجوباً بجعل ثمنه في حَبْسٍ غيره _ أي: وقفٍ آخر ).

والذي نميل إليه في الحالتين الأخيرتين (إذا قل الانتفاع بالوقف، وإذا احتيج إلى الوقف حاجة ملحة) هو القول بالجواز بالشروط التالية:

1- أن تتعطل منافع الوقف تعطلاً حقيقياً ينقطع به ريعُه، أو ينقص الانتفاع به نقصاً ظاهراً، أو يكون في استبداله حاجة ملحّة حقيقية غير متوهمة لا يمكن تحصيلُها إلا عن طريق استبدال الوقف .

2- أن يقتصر على قدر السبب الموجب لاستبدال ونقل الوقف، ولا يتوسع في غيره لئلا يكون ذلك ذريعة للعبث بأوقاف المسلمين، أو إبطالها.

3- أن يكون الاستبدال إلى وقف آخر هو أفضل وأنفع لأهل الوقف من السابق.

قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» : (فالمقصود التعويض عنه بما هو أنفع لأهل الوقف منه).

3- أن يحكم بالاستبدال جهة يتحقق فيها النظر للمصلحة العامة، بعيداً عن المصالح الشخصية والذاتية.

4- أن يكون ذلك بإشراف لجنة معتبرة من أهل الديانة والأمانة والعلم والخبرة في البلد للتأكد من تحقق الشروط والضوابط، وصحة الإجراءات والترتيبات بالتعاون مع جهة مسؤولة لها الولاية العامة في القضاء والإدارة والتنفيذ.

5- أن يجري ذلك وفق إجراءات منضبطة؛ كتقارير لجان ومحاضر وجهاء المنطقة وحكم المحكمة المختصة وإشراف مديريات الأوقاف، حسب ما يقتضيه الزمان والمكان والعرف.

وعلى ذلك فإذا احتاج الناس إلى أخذ أرض وقفية في توسعة مسجد، أو طريق، أو إقامة مستشفى، أو مدرسة، ونحو ذلك: فيجوز أخذ الوقف لهذه الحاجة، وتخصيص أرض أو مبنى آخر للوقف بدلاً منه في مكان آخر بالشروط السابقة.

وأخيراً: فالحفاظ على أوقاف المسلمين ورعايتها وتنميتها وحمايتها من التعدي والتعطل مِن الواجبات المهمة التي تتضمن حفظ حق الواقف والموقوف عليهم، فعلى إدارات الأوقاف وجميع الجهات المعنية التعاون في ذلك، ومتابعة الملفات المتعلقة بها وعدم إهمالها أو تمكين العابثين من الوصول إليها؛ ليستمر خيرها ونفعها للمسلمين، والله تعالى أعلم.

وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء

1- الشيخ أحمد حمادين الأحمد

2- الشيخ أحمد حوى

3- الشيخ أحمد زاهر سالم

4- الشيخ أسامة الرفاعي        

5- الشيخ أيمن هاروش

6- الشيخ تاج الدين تاجي

7- الشيخ عبد العليم عبد الله

 

8- الشيخ عبد المجيد البيانوني

9-  الشيخ علي نايف شحود

10- الشيخ عبد العزيز الخطيب

11- الشيخ عماد الدين خيتـي

12- الشيخ عمار العيسى

13- الشيخ فايز الصلاح

14- الشيخ محمد جميل مصطفى

 

15- الشيخ محمد زكريا المسعود

16- الشيخ محمد فايز عوض

17- الشيخ محمد معاذ الخن

18- الشيخ مروان القادري

19- الشيخ ممدوح جنيد

20- الشيخ موسى الإبراهيم

21- الشيخ موفق العمر