السؤال: تعلمون ما يحدث في سورية منذ إعلان “دولة العراق والشام” المعروفة اختصاراً بداعش، وما قام به هؤلاء بحق أهل سورية من تكفير وقتل وتفجير، وقد اختلف الناس فيهم من قائل أنهم خوارج يجب استئصالهم، ومن قائل إنهم بغاة!! ومن قائل إن هذه فتنة يجب على الجميع اجتنابها والتفرغ لقتال النظام المجرم، ومن قائل بل هذه دولة حق يجب على الجميع مبايعتها والقتال تحت رايتها، فما هو حال التوصيف الشرعي لحال هؤلاء، وماذا يجب علينا تجاههم أفتونا مأجورين؟.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فقد امتنَّ الله -تعالى- على أهل سورية بالجهاد في سبيله ضد النظام الطاغوتي المجرم. وعلى الرغم مما فيه من آلامٍ وتضحيات، ومن شراسة العدو، وخذلان القريب والبعيد، إلا أنّ الله ثبتهم، وأيدهم بنصره، وكتب فيه من الفتوح على عباده مالم يكن في حسبانهم.
وأعظم ما تميَّز به الجهاد في سورية في أيامه الأولى: صفاؤه وخلوصه لله تعالى، دون انحرافٍ في الأهداف، أو الوسائل، رغم تواضع الإمكانات العسكرية والموارد المالية.
ثم ما لبثت الفتنة أن أطلَّت برأسها بظهور تنظيم “دولة العراق والشام” الذي أدخل على المجتمع السوري عددًا من الفتن والشرور، والمخالفات الشرعية فكان لابد من بيان حاله ووصفه وواجب السوريين تجاهه. فقد قام هذا التنظيم بمخالفات شرعية وأعمال إجرامية واضحة وصريحة تجلت فيما يلي:
1- الافتئات على السوريين بإعلان (الدولة) بلا نهج شرعي معتبر ولا وضوح رؤية ولا مشورة ومن غير وجود حقيقي لأي من مكوناتها الشرعية أو الواقعية.
2- ادعاء أنهم على المنهج الحق، وأن غيرهم إما أن يكون كافراً أو مبتدعا ضالاً، ورتبوا على ذلك أحكاماً خطيرة.
3- الغلو في إطلاق أحكام التكفير، وامتحان الناس على ذلك، حتى أصبحت ألفاظ التكفير والتخوين مع التهديد والتوعد بالقتل شائعةً لدى منسوبيهم دون إنكار. بل بالغ بعضهم عندما جعل الأصل في المسلمين في سورية الكفر والردة. بل منهم من جعل النظام وأتباعه أشرف من المجاهدين والثوار.
4- رمي من يخالفهم بالعمالة وخيانة الجهاد، وبـ “الصحوات” حتى وإن كان من العدول أو أهل الجهاد ضد نظام الأسد وحلفائه.
5- رفضهم التحاكم للجهات الشرعية المختصة في التنازع أو الخلاف، إلا ما كان خاضعًا لسلطة “دولة العراق والشام” وتابعًا لقراراتها.
6- إشغال الكتائب المجاهدة ضد نظام الطاغوت الأسدي بمواجهات جانبية تهدف إلى توسيع رقعة “دولتهم” وأخذ البيعة لها، والانشغال عن مجاهدة العدو المشترك، والسعي نحو السيطرة على المفاصل الاقتصادية والعسكرية في المناطق المحررة بعد سلبها من المجاهدين.
7- تعمُّد المواجهة والصدام مع مختلف الفصائل المجاهدة في سورية، والتورط في سفك الدماء المعصومة، والاستهانة بذلك.
8- اعتقال النشطاء والإعلاميين والمجاهدين والدعاة، وإعاقة الأعمال الإغاثية والدعوية، بزعم الشك في المنهج، أو الاتهام بالعمالة والخيانة.
9- الغدر وذلك بعد منح الأمان للرسل ولعامة المجاهدين ثم الغدر بهم واعتقالهم وتعذيب وقتل كثير منهم، وقد ذاعت أخبار ضحايا غدرهم حتى صار يعرفها القاصي والداني من السوريين ومن غير السوريين.
إن كل القرائن والدلائل تثبت أن هذا التنظيم صار أساساً في إجهاض المقاومة ضد الأسد ونظامه في سورية وبث الفرقة والقتل والتخريب ونهب خيرات البلد والواجب الشرعي تجاهه هو مواجهته لاستئصاله وإجهاض مشروعه في سورية واستخدام كل وسيلة مشروعة في ذلك لما يلي:
أولاً: الامتناع من الانقياد للحق، والقتال على ذلك، فإنهم لما دُعوا إلى التحاكم للشرع أبوا وامتنعوا.
وقد اتفق العلماء على وجوب قتال الطائفة الممتنعة من أداء الواجبات وترك المحرمات لاسيما في ظروف كالتي في سورية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ” مجموع الفتاوى”:” وَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الطَّائِفَةَ الْمُمْتَنِعَةَ إذَا امْتَنَعَتْ عَنْ بَعْضِ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ قِتَالُهَا إذَا تَكَلَّمُوا بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَامْتَنَعُوا عَنْ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، أَوْ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، أَوْ حَجِّ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، أَوْ عَنْ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَوْ عَنْ تَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ… وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ”.
ثانيا: الاعتداء على معصومي الدم والمال، وقد شرع الله رد الاعتداء.
قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ قُتلَ دُونَ مالهِ فهو شهيد، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهو شهيد، ومن قتلَ دون دِينه فهو شهيد، ومن قُتلَ دُونَ أهْلهِ فِهو شهيد”. أخرجه أبو داود، والترمذي وقال: حسن صحيح.
ثالثا: البغي، فإذا كانت الفئة الباغية يُشرع قتالها لمجرد بغيها، فمن باب أولى قتال الفئة التي جمعت بين البغي والغلو والتكفير بغير حق، فقتالهم ألزم وأوجب، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾[الحجرات/9].
قال القرطبي في تفسيره: ” في هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ قِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ الْمَعْلُومُ بَغْيُهَا عَلَى الْإِمَامِ، أَوْ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ”.
رابعا: مشابهتهم للخوارج الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، فقد اجتمع في هؤلاء من صفات الخوارج ما يجعلهم يُلحقون بهم حكمًا، من تكفير المخالفين لهم، وقتال أهل الإسلام، مع المكابرةِ، وردِ الحقّ تعالمًا وإعراضًا عن أقوال أهل العلم، واحتقار للخلق، مع الجهل بأحكام الدين، والشدة والغلظة على المؤمنين، والجرأة عليهم، مع الغدر، والخيانة، ونقض العهود، وتضييع الأمانات.
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى قتال من هذه صفاتهم، فقال: (فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ) متفق عليه.
وقال: (لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ) متفق عليه.
بل إنَّ النبي صلى الله عليه عدَّ قتلاهم شرَّ القتلى، وقتلى المسلمين على أيديهم خير القتلى، فقال: (طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ، مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ) رواه أبو داود.
وقال: (شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوا) رواه أحمد.
ولا يجوز التورع في قتالهم أو الامتناع عن ذلك. بل يجب الاستمرار في ذلك حتى يرجعوا عن بغيهم وظلمهم، ويخضعوا للمحاكم الشرعية المستقلة، ويرتدعوا عن أفعالهم الشنيعة واقعاً ونفاذاً لا ادعاءً. قال تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الحجرات: 9].
قال الطبري في تفسيره: فَإِنْ أَبَتَ إِحْدَى هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ الْإِجَابَةَ إِلَى حُكْمِ كِتَابِ اللَّهِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَتَعَدَّتْ مَا جَعَلَ اللَّهُ عَدْلًا بَيْنَ خَلْقِهِ، وَأَجَابَتِ الْأُخْرَى مِنْهُمَا، ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي﴾ يَقُولُ: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَعْتَدِّي، وَتَأْبَى الْإِجَابَةَ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ ﴿حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ فِي كِتَابِهِ بَيْنَ خَلْقِهِ “.
وعن أسراهم، فمن علمنا أنه كان ملبسا عليه الأمر ووجدنا علائم التوبة عليه أطلقنا سراحه شرط ألا يتمكن من العودة إلى ما كان عليه أو إلى جماعته.
ومن امتنع عن قتالهم بحجة أنه فتنة فهذا باطل لأن قتال الفتنة المحرم الدخول فيه: هو القتال الذي ينشب بين طائفتين من المسلمين كلتاهما على باطل، أو يتقاتلان لمغانم دنيوية، أو يلتبس فيه أمرهما، فلا يعلم المحق من المبطل .
فالدخول في هذا القتال منهي عنه، وقد أُمرنا باعتزاله وعدم المشاركة فيه بأي حال من الأحوال، وهو المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ) متفق عليه.
وقال في هذه الفتن: (فَمَنْ وَجَدَ مِنْهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ ) متفق عليه .
ففي هذه الفتن يعتزل المسلم، وينأى بنفسه عنها ليسلم من شرها، ويكون شعاره فيها: ” كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل “.
أما تنظيم “دولة العراق والشام” في سورية فهم قد ظهر ظلمهم وبغيهم وعدوانهم وصيالهم على النفس والمال، وأنهم مرتبطون بأجهزة استخبارات ومنظومات تعادي حقوق السوريين وتقصد إفشال ثورتهم وجهادهم، فقتالهم يعد مشروعاً بل واحبا، لكف شرهم ودفع أذاهم.
قال الطبري: “لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ اخْتِلَافٍ يَكُونُ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْهَرَبَ مِنْهُ وَلُزُومَ الْمَنَازِلِ، لَمَا أُقِيمَ حَقٌّ، وَلَا أُبْطِلَ بَاطِلٌ “. نقله عنه القرطبي في تفسيره .
وقال ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري: ” فأما إذا ظهر البغي في إحدى الطائفتين، لم يحل لمسلم أن يتخلف عن قتال الباغية، لقوله تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾، ولو أمسك المسلمون عن قتال أهل البغي لبطلت فريضة الله تعالى”.
وقال: ” ومن أشكل عليه أمرهما فواجب عليه اعتزال الفريقين ولزوم المنازل حتى يتضح له الحق، ويتبين المحق منهما، وتنكشف عنه الشبهة، فيلزمه من معونة أهل الحق ما لزم أهل البصائر”.
ختاماً:
إن تنظيم “دولة العراق والشام” في سورية مجمع للغلو والتشدد والتكفير، وهم أعلى درجة من البغاة، فهم جمعوا بين تمزيق صف المجاهدين والثوار من خلال نشر فكر الخوارج وبين الاختراق عليهم من النظام الأسدي وحلفائه وغيرهم من أجهزة الاستخبارات. وبهذا نفهم عدم الاستهداف لمناطق وجودهم وتجمعاتهم وأنهم لا يواجهون النظام الأسدي وحلفائه في معارك بل تتوجه كل قواهم لمحاربة المجاهدين اللذين يواجهون الأسد ونظامه واستنفاذ قوتهم. ومن هنا يلزم شرعاً قتالهم وإبطال مشروعهم حتى ينتهي أثرهم في السوريين وبلادهم. والحمد لله رب العالمين.
17/شعبان/1435 ه الموافق 15/حزيران/2014م