الحمد لله ولي الصالحين وقاهر الباغين المعتدين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على إمام الهدى وقائد المجاهدين وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
فإن الأحداث تتسارع في بلادنا وتحتدم، ولكن مع تطاول أمدها واستعار نارها تكشف لنا كل يوم عن خبيث يلبس ثوب ناسك، وعن قاطع طريق يرتدي عباءة مجاهد، وعن عدو في ثياب صديق، وهذا من بركات الجهاد الشامي الذي سمى كثير من الحكماء ثورته بالفاضحة والكاشفة، لقد اجتمع على شعبنا الثائر الأبي مشاريع الاستكبار الكبرى في الأرض، فالمشروع الصليبي الغربي الصهيوني، والمشروع الصفوي الباطني، والمشروع القاعدي التكفيري، لقد رمانا هؤلاء جميعاً عن قوس واحدة بجيوشهم ومنظماتهم الدولية وإعلامهم ومكرهم وخبثهم وغدرهم، ولا عجب من أولئك الذين جاهروا بعداوتهم لنا وجاؤوا إلينا يحملون معهم الحقد التاريخي من يوم انكسارهم في الحروب الصليبية وانهيار الامبراطورية الفارسية المجوسية، وبعضهم ما زال يحمل ثارات تاريخية مزعومة، وحيال هذا الخطب الجلل وهذا التكالب البغيض كان لزاماً علينا أن تكون كلمتنا واحدة وصفنا واحداً للوقوف في وجه هؤلاء الحاقدين وامتثالاً لأمر ربنا المحكم في كتابه (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)
وتظهر (داعش) هذه النبتة الخبيثة الخارجية التي رعتها الأيدي الاستخباراتية فاستباحت دماء المسلمين وأموالهم وديارهم، ولا يخفى على من له أدنى فكر أو نظر أن يدرك ببساطة من يحركونها وما هي أهدافها، ويأتي بعدهم (جبهة النصرة) وهي من مخلفات القاعدة زعمت أنها جاءت لنصرة الشعب السوري لكن رأيناها مع بلائها في قتال العدو في كل مرة تسطو على المجاهدين من باقي الفصائل وتمارس مبدأ التغلب، ضمن مخطط ماكر خبيث يجتمع فيه الإعلام مع القوة والغدر، وفي كل مناسبة كانوا يُدعون إلى التراجع والاحتكام لشرع الله، والعجيب أن كل خصومهم يرضون بذلك إلا هم، فهم لا يرضون بقضاء مستقل يحكم بشرع الله تعالى ويأبون إلا التحاكم لأنفسهم، وخلال هذه السنوات الثلاث ابتلعوا ما يزيد على خمسة عشر فصيلاً باستباحة كاملة وفق شريعة الغاب (التغلب)، قتلوا من قتلوا وجرحوا من جرحوا وأسروا من أسروا، ولا يزال الكثيرون من المجاهدين أسرى في سجونهم ليومنا هذا دون جُرم ارتكبوه ودون محاكمة نزيهة عادلة، وأخيراً ظلوا يمارسون أسلوب الخداع وذلك بإعلان تغيير اسمهم وانفكاكهم عن القاعدة، ليخدعوا البسطاء والسذج الذين لم يدققوا في مشاريعهم وثقافتهم التي يلقنونها لأتباعهم وغلوهم في معاملة المسلمين ولو كانوا من عداد المجاهدين، وفي كل مناسبة كان المجلس الإسلامي السوري يحذر من غلوهم ومن منهجهم الذي ما دخل جهاداً إلا أفسده، ولا ثورة إلا أجهضها، وكان يحض في كل مرة على الاحتكام لشرع الله والصلح ورأب الصدع خشية استطالة العدو المتربص بالجميع، لكن كان يقابل هؤلاء كل النصائح بالاستخفاف، ويظهرون الاستعلاء على علماء الشام الذين يعرف القاصي والداني رسوخهم في العلم واستقامتهم على الحق، إلى أن بلغ السيل الزبى واستفحل الشر، وكشر هؤلاء عن أنيابهم وأعلنوها حرباً صريحة على الفصائل الأخرى دون مراعاة لحرمة جهاد ولا مجاهدين ودون إحساس بأي مسؤولية، بل ودون أدنى وفاء ومروءة تجاه إخوانهم الذين وقفوا في المحافل الدولية مدافعين عنهم ومانعين من تصنيفهم في قائمة الإرهاب، وقد كان المجلس أصدر بياناً بالأمس يحذرهم من غائلة بغيهم فأصروا على موقفهم وبدأت أرتالهم تقتحم مواقع المجاهدين، والمجلس الإسلامي حيال ما يقع الآن من عدوان سافر مبيت على معظم فصائل الشمال من قبلهم، وكذلك إيواء جبهة النصرة للمحدثين والمعتدين من أمثال (جند الأقصى) والدفاع عنهم والتستر عليهم من قبل يقرر ما يلي:
أولاً: اعتبار جبهة النصرة (فتح الشام) بغاة صائلين معتدين، استحلوا الدماء والحرمات، وجمعوا إلى ذلك فكر الخوارج في تكفير المسلمين والخروج على جماعتهم المتمثلة في بلاد الشام بعلمائها ومجلسها الإسلامي وهيئاتها الشرعية وفصائلها المجاهدة وتجمعاتها المدنية وعامة الأمة، لذا يجب قتالهم وردهم عن بغيهم، وعلى جميع الفصائل الاجتماع على ذلك فقتالهم شرعي مبرور، ومن سيتردد فسيكون ضحيتهم المقبلة، ولا يعذر أحد شرعاً بنكوصه عن قتالهم تذرعاً بورع بارد، ويكفي الجهاد الشامي درس (داعش) المرير، والإعراض عن قتالهم يعد نصرة للظلم والظالمين وشراكة للبغاة والمعتدين، ولا يوقف قتالهم إلا باستئصالهم أو توبتهم ورجوعهم عن بغيهم وإعلانهم حل أنفسهم، ولا يخدعنكم أنصاف المتعلمين من منظريهم الحمائم الذين يخدرون الناس في كل جولة بغي بمعسول القول لتثبيت مكتسبات العدوان والتغلب بدعوى اللجوء إلى الاحتكام، وهم يعلمون سلفاً أن هؤلاء لم يقبلوا احتكاماً لمرة واحدة، ويلجؤون دائما لتمييع الأمور ويساوون الجلاد بالضحية والمعتدي الصائل بالمدافع الشرعي، وهم يعلمون المعتدي المبيت من المعتدى عليه المظلوم، ويجعلون من أنفسهم بعد ذلك حكاماً ومفتين وقضاة على كل السوريين، فاجتهاد هذا كفر والتعاون مع الدولة الفلانية ردة.
ثانياً: يفتي بحرمة الانتماء إليهم ، ويفتي بأن مقاتلهم (قاتل نفس) هو في النار، ومن يقتلونه ممن يتصدى لهم شهيد بإذن الله، ويفتي بوجوب مفارقة عناصرهم لهم وعدم اتباعهم على غيهم وعدوانهم وباطلهم، وبقاء عناصرهم في صفهم تكثير لسوادهم، ولا حجة لبقائهم معهم بذريعة بيعة أو عهد، فلا سمع ولا طاعة لأولئك الباغين المفسدين في الأرض.
ثالثاً: يفتي بوجوب اندماج الفصائل الجهادية بكل تشكيلاتها في جسم جهادي واحد على مشروع يجتمع عليه شعبنا بعلمائه وقادته ومفكريه ومجاهديه، وأن تأخرهم بهذا الاندماج هو الذي أغرى هؤلاء السفهاء بالاستطالة على فصائل الجهاد وابتلاعها الواحد تلو الآخر، ويحذر الفصائل بأنهم سيتحملون المسؤولية أمام الله ثم شعبنا عن الفشل الحاصل بسبب التنازع والافتراق، والمجلس الإسلامي يضع كل إمكاناته لإنجاح أي مشروع جاد عملي للتوحد والاندماج.
رابعاً: نأمل من شعبنا البطل في حواضن الثورة النزول إلى الشوارع ومحاصرة مقراتهم وقطع الطرق عليهم، وكذلك نأمل من كل الهيئات والمؤسسات الدينية منعهم من نشر فكرهم الضال واعتلائهم المنابر التي يستغلونها لنشر ثقافة الغلو والبغي والفتنة وشرعنة التغلب، لتبقى المدارس الإسلامية الفكرية صافية من ثقافة الاستئصال والإقصاء والاقتتال.
وفي الختام كنا نأمل ألا نصل لذلك اليوم الذي فقد فيه هؤلاء البغاة المعتدون صوابهم وبوصلتهم الجهادية، مما اضطر المجاهدين للدفاع عن أنفسهم عملاً بقوله تعالى (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ) ولكن لعل الله يريد بالجهاد الشامي خيرا (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).
اللهم عليك بكل من بغى وطغى علينا، اللهم كن لهذا الشعب الصابر الصامد أمام كل هؤلاء المعتدين، ولا تضيع جهده ولا جهاده، اللهم رد هؤلاء إلى رشدهم واحقن دماء المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
المجلس الاسلامي السوري
الثلاثاء 26ربيع الثاني 1438هـ الموافق 24-1-2017م