خصائص الخطاب السياسيِّ في القرآن الكريم وعلاقته بالخطاب الدعويِّ
ديسمبر 2, 2019
السنن الربانية
ديسمبر 2, 2019

مدخَل لتقارب الرؤى حول الإعلام والإعلام الإسلاميِّ

 

الأستاذ: نبيل شبيب – كاتب وإعلامي سوري

تمهيد

من العسير الإدلاء بقول جازم في شأن ماهية الإعلام الإسلامي، ناهيك عن إيجاد صيغة محكمة لتعريفه، وبالمقابل من العسير أيضًا أن تؤدي عملية تطويره المرجوّة أهدافها على أرض الواقع، دون حد أدنى من التقارب على رؤية مشتركة لما يعنيه هذا التعبير المنتشر منذ زمن، وإن هذا البحث هو محاولة للإسهام في وضع مؤشرات أولية للتعريف بهذا المصطلح دون ادّعاء استيفاء الاطلاع على ما كتب في الموضوع نفسه، فهو كثير وما زال متواصلًا. ومعظم ما كتب حول الإعلام الإسلامي يبدأ بمحاولة مراجعة استنباط المصطلحات وتعريفها والبحث المنهجي بشأنها، إنما لا يكاد يوجد رابط ناظم للمحاولات المبذولة في هذا الاتجاه سوى تأكيد الالتزام بالإسلام عمومًا([1]).

الأصل في المصطلحات هو التوافق على تعريف موجز محكم، يحدد المقصود من التعبير، وهو هنا شطران، أحدهما كلمة الإسلام، ولا يتحقق التوافق على تعريف ما ينسب من الإعلام إليه ما دام كل طرف يربط المقصود من الكلمة بمنطلقه الذاتي، الفقهي أو الحركي أو الدعوي، أو يتناول الموضوع تبعًا لموقعه من الإعلام دارسًا أو منتجًا أو مستهلكًا أو ناقدًا إعلاميًا، سواء كان صاحب رؤية إسلامية أو رؤية أخرى.

السؤال:

ما الذي يجعل الباحثين يرون في السَّعي إلى إيجاد مفهومٍ اصطلاحيٍّ للإعلام الإسلاميِّ ضرورةً شبهَ حتميَّةٍ في بحوثهم؟

عند استحالة تثبيت المصطلح منهجيًا ألا تكون تلك النظرة إلى حتميته من معيقات العمل لتطوير الإعلام الإسلامي وهو موجود على أرض الواقع؟

وبالمقابل:

ألا يعيق غياب قواسم مشتركة للتعامل منهجيًا مع تعبير الإعلام الإسلامي، ظهور رؤى متقاربة لتطويره بما ينسجم مع الرغبة في خدمة ما انتشر وينتشر من مواد ووسائل وعطاءات تحت هذا العنوان؟

محاولة الإجابة في هذا البحث ترتكز على إيجاد معطيات تتعلق بالإعلام أولًا، وبما شاع توصيفه بالإسلامي ثانيًا، بهدف التوصل إلى مؤشرات عملية نحو رؤية مشتركة، خطوةً تمهيدية لطرح معالم الكيفية التطويرية الممكنة للإعلام الإسلامي([2])، وهذا مع مراعاة ما حَمَلَ هذا التعبير أو حُمِّلَ عبر تداوله على نطاق واسع بين العامة والخاصة.

 

مفهوم الإعلام يلهث وراء مساراته

في تعبير الإعلام الإسلامي الموضوع للبحث كلمتان: إعلام وإسلام.. ومن الضروري والمفيد منطقيًّا البحث في كلمة إعلام بِعَدِّه هو الموصوف، قبل البحث في الصفة، أي كلمة إسلامي.

إشكالية مفهوم الإعلام:

الإعلام بحد ذاته لا يجد مفهومًا اصطلاحيًا متوافقًا عليه، وبعض ما وضع خلال عقود مضت لتأطير الكلمة في نطاق علم الإعلام جامعيًا، لم يصمد أمام المتغيرات الجارية في واقع الإعلام عبر تطوير وسائله، فأصبح لهذه الوسائل تأثير كبير في الباحثين؛ إذ يعطونها موقعًا متقدمًا في أي تعريف يميلون إليه، ممّا يشير إلى طغيان سرعة تطورها على سرعة دراسات جوهر ماهية الإعلام وممارسته وتنوع مضامينه وميادين تأثيره، ناهيك عن رسالته وتعدد أشكال أدائها.

تبسيط صياغة المفهوم:

يرى إبراهيم إمام تعريفَ الإعلام بأنه: “نشر للحقائق والأخبار والأفكار والآراء بوسائل الإعلام المختلفة”([3])، وفي هذا التعريف تبسيط يحول دون وصفه بالاصطلاحي المحكم. ونرصد عمومًا لحاق محاولات صياغة المصطلحات بعجلة التطور، فهذه إشكالية قديمة متجددة([4])، ولكن استفحلت حديثًا في ميدان الإعلام استفحالًا لا نكاد نقدّر حجمه بما يكفي.

سرعة تجاوز التطورات للمفهوم:

في عام ١٩٩٨م كتب الباحث الألماني في عالم الاتصالات (Gerhard Maletzke) أن الإعلام يتميز عن سواه بخمسة عناصر حاسمة، وترجمتها بإيجاز: (١) العلنية فلا تخصيص للمستقبل. (٢) استخدام تقنيات وسائل الاتصال عن بعد. (٣) بصورة غير مباشرة أي انفصال المرسل والمستقبل مكانًا وزمانًا. (٤) أن يكون الإرسال باتجاه واحد وليس متبادلًا. (٥) تباعد الجمهور بعضه عن بعض.

وبعد ذلك بثلاثة أعوام فقط، نشر الباحثان المتخصصان في علوم الاتصالات أيضا (Michael Kunczik) و(Astrid Zipfel) كتابًا جاء فيه حول تلك العناصر الخمسة ما ترجمته: “إن هذه العناصر مناسبة لوصف التواصل الإعلامي عن طريق وسائل مثل الصحف والإذاعة والتلفزة، ولكن لم يعد التعريف – استنادًا إليها – كافيًا للتعامل مع الوسائل الجديدة، ولا سيما مع وجود عنصر التبادل الإعلامي المباشر بين المرسل والمستقبل”([5]).

مسار التطورات معقد ومذهل:

الواقع أن مسار تطورات جميع ما يتعلق بالإعلام أصبح واسع النطاق وشديد التعقيد، ويعبر محطات متتالية ومتداخلة بسرعة متصاعدة، ومن عناوين تلك التطورات:

(١) تسارع اختراعات التواصل عن بعد، سلكيًا ثم فضائيًا.

(٢) انطلاق البث الإذاعي والتلفازي محدودًا ثم متضخمًا.

(٣) بداية انتشار ترجمة الصوت إلكترونيًا إلى حروف مكتوبة وبالعكس.

(٤) تطور تقنيات الصورة من الأسود والأبيض إلى أقصى أطياف الألوان المتعددة.

(٥) النقلة متعددة المراحل من الرسم إلى آلة التصوير الذكية التي تميّز بنفسها نوعيات ما يتم تصويره.

(٦) نقلة التصوير من الثابت إلى المتحرك.

(٧) التقنيات المجسّمة والرقمية.

(٨) بوابة التقنيات الفراغية / الهولوجرافية.. مع توقعات لا حدود لها لما وراء هذه البوابة.

شبكات التواصل الحاضنة للإعلام وتأثيرها:

العنصر الأهم من وراء هذه اللوحة الزاخرة بالمتغيرات، معايشتُنا لها جميعًا بصورة متوازية مع تطوّر شبكات التواصل وأدواتها، نوعًا وكمًّا، وانتشارها جغرافيًا وفضائيًا، بسرعة مذهلة.

وهذا بمجموعه تطور تاريخي غير مسبوق حجمًا وتأثيرًا، ولئن احتاج تطور بعض القطاعات الاقتصادية كصناعة السيارات إلى مائة عام وأكثر.. وما زال مستمرًا، فقد كان كافيًا أن يمضي عقدان من الزمن فقط، لتتجاوزها شركات حديثة النشأة في ميدان الاتصال، مثل جوجل وآبل وفيس بوك وأمثالها، مع اتساع حجم عملها في نطاق الإعلام وسواه، ويقابل ذلك في المدة نفسها توجه الإعلام المطبوع نحو الانقراض كما يقال. وبهذا الصدد يقول (Warren Buffett) المستثمر الأمريكي المشهور في مجال الإعلام: “إن عدد المطبوعات الأمريكية الكبرى انخفض من نحو ١٨٠٠ إلى ١٣٠٠ خلال عقدين، ولا يتوقع أن يبقى منها إلا تلك التي أوجدت لنفسها مدخلًا شبكيًا إلى الإعلام، مثل وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز”([6]).

ولا يقتصر تأثير ما ظهر من شركات عملاقة في تنامي نفوذها “السياسي والمالي والاجتماعي” عالميًا، بل يشمل ممارساتها المؤثرة في صناعة الإنسان عبر تطوير هائل وسريع لمضامين الإعلام ووظيفته الأولى، ولنقلها المقترن بدرجات تأثير إضافية، تقنيًا ودعائيًا، تتجاوز بمراحل صلب المفاهيم الاصطلاحية القديمة المتعددة لكلمة الإعلام ومسارها منذ النشأة الأولى لهذا التعبير.

والسؤال: كيف نراعي هذه الأبعاد في الإعلام وتطوره، في الدراسات النظرية حول الإعلام الإسلامي وتطويره، ناهيك عن الميدان العملي؟

 

التعدّي على أسس مفهوم الإعلام

أصبح لحاق عموم المصطلحات بالتطورات التقنية المتسارعة، من الظواهر المعاصرة التي لم تتضح أبعاد تأثيرها في أرض الواقع بما فيه الكفاية.

تآكل تمييز قطاع الإعلام:

هذه ظاهرة تكتسب في ميدان الإعلام بالذات أجنحة إضافية إذا صح التعبير؛ إذ نرصد كيف ينتشر مفعول تلك التطورات المعقدة السريعة في ميادين أخرى مجاورة لميدان الإعلام، انتشارًا يسهم في تسارع تآكل المعالم المميزة للإعلام عن سواه، مثل سوق الإعلانات التجارية، وبتعبير آخر: لم يعد هناك ميدان إعلامي مستقل قائم بذاته.

التعدي على وظيفة الإعلام:

إذا كان تأثير القوة المالية من وراء الإعلانات في وسائل الإعلام معروفًا بمعالمه الكبرى على الأقل، فلا يمكن القول بذلك عن مدى تأثير مضامين الإعلانات في نوعية المعلومات ومكونات الرأي لدى الفرد، ولا سيما عند بداية نشأتها لدى فئات أعمار الأطفال والناشئة، وهي أهم مجالات وظيفة الإعلام الأولى.

وكما يقول الدكتور بابكر مصطفى: “كما يؤثر الإعلان في ترويج السلع والخدمات، فإنه يُسهم في نشر القيم والاتجاهات الجديدة، ويدفع المتلقي إلى تقبُّل أفكار أو أشخاص أو منشآت مُعلَن عنها، كما يعمل على تغيير العادات والأذواق وسط مستقبليه. وحينما يستقبِل مجتمعٌ ما إعلانات تم إنتاجها من قِبَل ثقافة مغايرة لثقافته، فإن الإعلانات تحمل معها قيم ثقافتها، وقد تكون عاملًا من عوامل التغيُّر الاجتماعي”([7]).

تداخل اندماجي بين قطاعات متعددة متقاربة:

هذه صورة تكرّر ما سبق رصده في العقود الماضية عند خطوط التماس بين الفنون المختلفة والإعلام، وهو مما أوجده مثلًا انتشار المسارح والمعارض والمتاحف والمهرجانات، بل يمكن رؤية اختلاط تأثير الفن بوظيفة الإعلام حتى في تبادل بطاقات التهنئة وتصاميمها؛ فجميع ذلك وأشباهه -كالإبداعات الأدبية- يقتحم حدود الأهداف والوسائل التي بدت للوهلة الأولى وكأنها محصّنة أو خاصّة بعالم الإعلام، على أساس جوهر خصائصه التي تدور حول محور صناعة الرأي العام أو التعبير عنه.

أصبح هذا التداخل الاندماجي، وبالتالي التأثير المتبادل بين ميادين متجاورة -أحدها الإعلام- أعمق نظريًا وأوسع تطبيقًا من مجرد الإحاطة به وبتفرعاته، ناهيك عن قابلية ضبط مساراته على أرض الواقع، وليس في عالم الرؤى والمناهج والمصطلحات فحسب.

أبعاد زوال خطوط التماس:

الجيل الذي ما يزال عالم الإعلام عمومًا تحت إدارة نخب تنتمي إليه؛ سبق وعايش على امتداد عدة عقود مضت تنامي تأثير منتجات عالم الفنون والتربية، عبر ابتكار شخصية “ميكي ماوس” الكرتونية واقتحامها شاشة الأفلام الصامتة لأول مرة سنة ١٩٢٨م. ويمكن لجيل الشبيبة الذي بدأ يتبوأ مواقع صناعة إعلام المستقبل، أن يقيس على ذلك التأثير الكبير وأشباهه من عالم الأمس، لاستشراف ما يُنتظر في عالم اليوم والغد القريب من تأثير أكبر وأعمق وأوسع من ذلك بأضعاف مضاعفة، كنتيجة لما تجسّده تطورات يعبر عنها المثال الآتي مع بيان عناصره:

(١) اختيار قصة من قصص الأطفال.. (٢) حول شخصية تاريخية أو حديثة مبتدعة.. (٣) وإخراج مغزاها في صيغة لعبة شبكية.. (٤) تستهوي الأطفال والناشئة.. (٥) وتعتمد على أداة تقنية / إلكترونية حديثة، أصبح بمقدور تلك الفئة من الأعمار التعامل معها.. (٦) بينما لا يكاد يعلم أهاليهم وأساتذتهم حتى بالخطوط العريضة حول وجودها ومفعولها.. (٧) هذا.. ناهيك عن تنامي إمكانات التأثير بأضعاف مضاعفة عبر التطوير المنتظر لاستخدام أدوات التقنيات الفراغية / الهولوجرافية.

مفعول العطاءات الاندماجية:

إن هذا التطور المتداخل والمتجدد والمتسارع يضع الحديث عن الإعلام عمومًا -والإعلامُ الإسلامي فرع منه- أمام أسئلة عديدة، منها:

هل يمكن – حسب المثال السابق – عزل هدف متعة اللعب، وسواها من دوافع اختيار القصة فإخراجها فتسويقها تجاريًا، عن أهداف الإعلام وتأثيره في تكوين الشخصية الفردية، تعلّمًا (المهمة الإخبارية) ومعرفةً (خلفيات الخبر والحدث) ووعيًا (التعليل والتحليل) وبالتالي الإسهام المبكّر في صناعة الرأي الفردي والجمعي، وترسيخه في طريقة تفكير ومنهج سلوك نمطيين.. (وندع هنا مهمة التعبير عن الرأي بموازاة صناعته)؟

ألا يتفوق المفعول الإعلامي الانسيابي المتسلل، عبر لعب قصصية للأطفال والناشئة، على مفعول كثير من العطاءات الإعلامية، بصيغها المألوفة؟ أين سيصل ذلك المفعول المتسلل بهدوء مخيف، عبر محطات صناعة المستقبل وأجياله القادمة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أيضًا تفاقم ما يسمّى حديثًا الإدمان على الشبكة وألعابها ووسائل التواصل وتجلياتها؟!

لا نخوض هنا في شؤون التشخيص والعلاج في قضية تربوية اجتماعية إلى جانب تماسّها مع الإعلام، إنما نوجد تساؤلات أخرى ما بين السطور:

ما جدوى التعامل مع الإعلام في نطاق مفهوم اصطلاحي بمضمون محدود، لا يشمل ما نرصده من ممارسة وظيفة الإعلام الأساسية ولكن تحت عناوين أخرى؟

هل يمكن التغافل عن ارتباط هذا التساؤل بالبحث عن مفهوم أو رؤية أو عن صيغة تطوير، خاصة بإعلام إسلامي؟

الدراسات ما بين العناوين والمضامين:

يوجد من حاول أو يحاول طرق هذه الأبواب وما يتبع لها بالرصد والبحوث والدراسات الهادفة([8])، إنما لم يصل ذلك – مع عدم التهوين من قيمته الذاتية قطعًا – حتى إلى حسم تعدد التسميات لما يظهر من وسائل، بين من يطلق عليها توصيف “إعلام جديد” أو “إعلام شبكي” أو “إعلام إلكتروني” أو “إعلام حديث”.. وإذ يشير الباحث خالد الحروب بهذا الصدد إلى أن كل جديد سرعان ما يصبح قديمًا، يشير عمليًا إلى أن التطور التالي يسبق الكتابة عما سبقه، ويضيف: “الواقع يشير إلى أن الحدود بين الإعلام التقليدي والجديد تتداخل والوظائف تتكامل، بحيث يصعب رسم خطوط صارمة تفرق بين الفضاءين”([9]).

نبقى في حدود المطلوب من ذكر مثال إخراج قصة أطفال في صيغة لعبة إلكترونية آنفًا، وما يطرحه علينا من وراء التداخل بين ميادين عديدة لصناعة الإنسان، للتنبيه على أحد وجوه الإشكالية المذكورة حول صياغة مفهوم الإعلام. لقد كانت الفترة الزمنية لكلّ تطور كبير موزعة على عدة أجيال، فأصبح جيل واحد يشهد بين فترة الشباب والهرم (مثلًا) انتشار الشبكة العنكبوتية وتطبيقاتها وتشابكها مع سواها في تطورات تقنية وإلكترونية كبرى أيضًا من عوالم التلفزة الفضائية وآليات التواصل الحديثة. والنتيجة:

إن ما نعرفه سابقًا من عناصر تعريف اصطلاحي للإعلام، أصبح محض جزئيات صغيرة من طرح موسوعي حافل بمضامين متنوعة متطورة، ولا يزال هذا التوسع والتنوع مستمرًا بحركة دائبة متسارعة، بأطرها الكمية والنوعية والزمنية([10]).

 

تبسيط التعريف وسيلة اضطرارية في الدراسات

تترتب على ما سبق أهمية تناول موضوع الإعلام والإعلام الإسلامي دون الاستهانة بحجم القضية وتشعّبها، فنحن قبل الحديث عن التوصيف بالإسلامي نواجه في مسار البحث الاصطلاحي لكلمة إعلام نفسها مهمّة عملاقة، ليس لإيجاد نص المفهوم والتوافق الشامل عليه، فهذا مستحيل، بل لمجرد تيسير الربط بين العناصر المذكورة وسواها في التعامل مع الإعلام ووسائله وتطوراته الذاتية وتطويره في نطاق عالم الاتصالات الحديثة، أي تيسير لغة التفاهم بين الأطراف ذات العلاقة، عند الحديث من زاوية ما عن موضوع يندرج تحت عنوان الإعلام، وتصنيفه، ورسالته، وضوابطه، وما شابه ذلك.

جديد الأمس قديم اليوم:

هذا بحد ذاته مهمة يتطلب النهوض بها تعاونُ مراكز دراسات بتخصصات متكاملة، وجهودٍ متشابكة دائمة متجددة، تحقق بمنهجيتها وإدارتها واستقلاليتها شروط متابعة تطورات كبرى تمس ميادين بشرية مشتركة، وهذا مع ملاحظة أننا أصبحنا نرصد ظهور الأحدث من تلك التطورات أثناء اشتغالنا بدراسة تطور سبق أن اعتبرناه بالأمس القريب جديدًا لنستوعب أبعاده.. وإذ به يصبح قديمًا قبل بلوغنا الغاية من تلك الدراسة.

لم يعد ممكنًا حسم موضوع الإعلام اصطلاحيًا حسمًا دقيقًا ومشتركًا.. إنما لا ينبغي اعتبار ذلك هدفًا بحد ذاته، فهو وسيلة لتحقيق غاية، من بين بنودها في هذا البحث السؤال: إذا كان هذا حالنا مع تعريف الإعلام عمومًا، فما الذي ينبغي علينا التركيز عليه عند تخصيص الحديث عن إعلام إسلامي؟

أليس من أخطائنا عند البحث في ماهية الإعلام وتطويره من منطلق إسلامي، التسرع في ذلك الحسم انطلاقًا من جهد فردي أو مؤسساتي محدود، أسفر عن اجتهاد أو توصية حول التوصيف بكلمة إسلامي دون تقدير حجم المطلوب تحقيقه لبلوغ هذه الغاية؟

التبسيط ضرورة تقدر بقدرها:

في الواقع نحن في نطاق البحوث والدراسات مضطرون قبل صعود أولى الدرجات نحو تحديد الإعلام الإسلامي، إلى الاكتفاء في محاولة تعريف الإعلام نفسه بتبسيطٍ يجعله دون مستويات ما يُعتمد عادة في دراسة محكمة أو بحث قيّم، وغالبًا ما يجري التبسيط من خلال ذكر بعض المشتركات من بعض اجتهادات سابقة، ونحن نعلم – ويجب أن نعلم – أنها عبارات عائمة الصياغة لا ترقى إلى منزلة تعريف اصطلاحي للإعلام.

نقول مثلا: الإعلام هو استخدام وسائل التعبير والتواصل، لنشر المعلومة والرأي([11]).

بميزان تعريف المفاهيم اصطلاحيًا تبقى هذه العبارة وأشباهها مختزلة، ويترتب على ذلك: عندما نستخدمها أو نستخدم ما يشابهها في مطلع كتاباتنا عن الإعلام الإسلامي اضطرارًا، فذلك ناجم عن غياب مفهوم محكم متوافق عليه، فهذا ما يدفع إلى تجنب الخوض في اختلافات لا نهائية، والاكتفاء بدلًا من ذلك بعبارة مختزلة، للانتقال إلى درجة تالية في البحث.

بين التوافق والتقارب:

لن يزول هذا النقص، ومن الأهمية بمكان عدم تجاهله، بل المحافظة على وعينا بوجوده، كي تقترن محاولة التقارب – بدلًا من التوافق المحكم – بصدد قواسم مشتركة للتعامل مع الإعلام أو الإعلام الإسلامي بالذات، بمحاولة التعويض عن الاختزال المشار إليه، عن طريق إضافات، منها مثلا:

(١) محددات ضابطة لتمييز المنتجات الإعلامية عن سواها، وإن اشتركت معها أحيانًا في وسائل نشر متماثلة، كالملفات الشبكية (الإلكترونية).

(٢) محددات ضابطة لتصنيف الوسائل، انطلاقًا من عناصر ترجيحية – مثل كثافة الاستخدام – ما بين إعلامية وأخرى أدبية أو فكرية أو علمية أو تجارية، وهكذا.

(٣) خطوط عريضة توضح مواطن التماس، أو تداخل (ما يسمى حديثًا: وسائل اندماجية) بين عطاءات إعلامية وغير إعلامية، في حالات معينة، مثل نشر إنتاج أدبي في وسائل إعلامية، أو حضور غرض إعلامي في إنتاج فكري أو حتى دعائي تجاري.

طريق وسط بين الاختزال والاستفاضة:

لا يغيب عن الأذهان أننا إذا فعلنا ذلك دراسة وبحثًا سنجد أنفسنا سريعًا قد انتقلنا من تعريف مقتضب – كما هو مطلوب عادة ليتميز المصطلح بذاته عن سواه – إلى شروح مستفيضة، فنبقى داخل دائرة طرح فكري نظري لا يجدي كثيرًا في واقع يتحرك بتأثير عوامل عديدة أخرى، وهو بعض ما نلمسه مباشرة فيما صدر من محاولات لإيجاد تعريف اصطلاحي للإعلام أو الإعلام الإسلامي.

المخرج هو سلوك طريق وسط بين الاختزال والاستفاضة، يسهم في انتشار معالم كبرى لرؤية مشتركة يمكن التقارب عليها وإن كان دون درجة التوافق، ولكن تساعد مثلًا في برامج التأهيل للممارسات الإعلامية، إدارة وإنتاجًا ونشرًا، وتفيد المتأهلين في التعامل مع واقع الإعلام ومضامينه من حولهم.

معايير مطلوبة لتوصيف الإعلام بالإسلامي

لا يوجد تعريف اصطلاحي مستقر لكلمة إعلام، وبالتالي لما يتفرع عنه، بل نتحول واقعيًا إلى مستوى التوصيف، مثل توصيف قطاع من الإعلام بالإسلامي.

معايير للتوصيف بدلًا من التعريف:

لا ينفي ذلك الحاجة إلى معايير محددة للتوصيف، ونجد في واقع الإعلام معايير مستخدمة فعلًا، منها على سبيل المثال:

– عند اعتماد الوسيلة الإعلامية معيارًا، يُصنف أو يوصف الإعلام بأنه مطبوع أو مصور أو صوتي أو متعدد الوسائل، وتقليدي أو إلكتروني.. وهكذا.

– عند اعتماد جهة الإصدار والنشر معيارًا، نميز مثلًا بين إعلام رسمي باسم دولة أو باسم منظمة دولية، وتجاري باسم شركة أو مؤسسة أو نقابة أو تنظيم اقتصادي، وحزبي.. ورياضي.. وهكذا.

تمييز توصيف الإعلام بالإسلامي:

توجد أمثلة معروفة أخرى من هذه المعايير للتصنيف، إنما القصد من تعداد بعضها هنا هو القياس على ذلك لتأكيد رفض العشوائية في إطلاق توصيف إسلامي على قطاع من الإعلام، المطلوب التقارب حول معايير تؤدي إلى:

(١) تميز ماهية الإعلام الإسلامي عن سواه من الإعلام.

(٢) تميز ماهية الإعلام الإسلامي عن ميادين إسلامية أخرى قريبة منه، كالأنشطة الدعوية والتربوية والإبداعية، وسبقت الإشارة إلى أنها – على النقيض من ذلك – سيطرت على محاولات تعريف الإعلام الإسلامي حتى الآن، ولا يوجد ما يستدعي ذلك شرعًا، أو فكرًا، أو مصلحة عملية، فضلًا عن جانب المنطق والمنهجية.

(٣) استناد تلك المعايير إلى قدر كاف من الموضوعية المقنعة، لضمان انتشاره وظهور هشاشة ذرائع الاعتراضات عليها.

(٤) صياغة تلك المعايير صياغة مبسطة لتيسير استيعابها، وبالتالي الالتزام المرجو به من جانب من يمارس إعلامًا إسلاميًا، والقبول بها وبالتالي اعتمادها عند التفاعل مع الإعلام الإسلامي إيجابًا أو سلبًا.

توصيف نوعي بمعيار مركب:

بدلًا عن العشوائية الحالية وراء انتشار تعبير الإعلام الإسلامي؛ يُفترض منطقيًّا أن يكون في معايير هذا التوصيف أساس نوعي مركّب من عناصر منبثقة عن الإسلام نفسه، كما أنزله الله، تؤدي الغرض منها بقدر تأثيرها الفعلي على صعيد القبول بعطاءات إنتاج إعلامي إسلامي، وأهم تلك العناصر:

(١) المعتقدُ: انتماءً مشتركًا.. وهذا ما ينطلق من الثوابت الكبرى وحيًا.

(٢) التصور: اجتهادًا بشريًّا.. وهذا ما ينعكس في التعددية النوعية ضمن نطاق المقاصد الكبرى.

(٣) المنهج: صيغةً تطبيقيّة.. وهذا ما ينطوي على التنافس فكرًا وإخراجًا.

بقليل من التأمل نجد أن هذا الافتراض لمعيار التصنيف يسري على أرض الواقع بصيغة مشابهة، حسب كل حالة بحد ذاتها على التوصيف الإعلامي تحت عناوين أخرى تندرج في خانة معتقدات وتصورات ومناهج، فيقال تبعًا لذلك: هذا إعلام ليبرالي أو علماني أو ديمقراطي، إلى آخره.

بين توصيف منهجي وتوصيفات عشوائية:

لا يوجد واقعيًا توافق كاف على معيار نوعي من هذا القبيل لتصنيف الإعلام، بل تستخدم توصيفات نوعية أو انتمائية عشوائيًا، وأحيانًا مع كثير من التناقضات الصادرة عن مفعول صراعات ومواجهات فكرية وسياسية وحضارية وثقافية([12]).

وتزداد إشكالية التوصيف بكلمة إسلامي بالذات تعقيدًا عند ربطه بعوامل تتعدّى أهداف التوصيف أو تفقده مغزاه، وقد تتناقض مع الدلالة المطلوبة من خلاله. ولئن كان لتلك العوامل قيمة ذاتية ما، فالمهمّ هنا عدم انضباط اعتمادها في توصيف الإعلام بالإسلامي([13])، ومن ذلك مثلًا: العامل الجغرافي؛ إذ يُستخدم لوصف كل إعلام يصدر في المنطقة الإسلامية جغرافيًا بالإعلام الإسلامي([14])، سيان ما هو اتجاه المنتج نفسه، وقد يكون من إعلام رسمي يمثل سلطات استبدادية تعادي الإسلام أو تعادي الفكر الإسلامي.

للتنبيه: يظهر تناقض مشابه عند الحديث بمنظور جغرافي عن إعلام غربي أو أوروبي على سبيل المثال.

محاولات تأصيل التوصيف الإسلامي:

يوجد من يربط الإعلام الموصوف بالإسلامي بنظرة تأريخية من باب الحرص على ربط كل شيء معاصر بممارسات – ولا نقول هنا: مقاصد أو قواعد – من العهد الأول.

من اجتهادات الباحثين هنا اعتبار الشعر من جنس الإعلام في صدر الإسلام، ويمكن استنباط بعض الأخلاقيات وربما بعض القواعد من دور الشعر في تلك الفترة، ولكن يتداخل ذلك بمحددات عالم الأدب، وقد يتعدّى عليها.

والواقع أن الشعر القديم والحديث يدخل في خانة مادة إعلامية، ولكن لا يصح اعتباره مصدرًا لاستنباط معالم مميّزة لقطاع الإعلام.

ويوجد من سلك طريقًا مشابهًا من مداخل أخرى، كاستحضار الدكتور صلاح عبد الرزاق قصة الهدهد مع النبي سليمان عليه السلام، ليقول: “لعل أوضح إشارة قرآنية لمهمة الإعلام الإسلامي وردت في سياق عملية نقل الأخبار؛ ما ورد عن الهدهد الذي قال للنبي سليمان عليه السلام: {وجئتك من سبأ بنبأ يقين} [سورة النمل: آية٢٢]([15]).

هذه الآية وكذلك آية: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا} [سورة الحجرات: آية٦] وآيات عديدة أخرى تدعو إلى الصدق والكلمة الطيبة والقول السديد، وتحذر من الإفك والبهتان والافتراء.. هذه آيات يمكن الانطلاق منها في صياغة بنود ميثاق قيم وسلوك، يصلح للإعلام وقطاعات أخرى.

ودون الاستغراق في قصة الهدهد يمكن القول: إنها أوسع مدلولًا من تخصيصها بالإعلام، بل قد يكون المدلول أقرب لميدان الاستخبارات.

تغييب مفهوم الإعلام في توصيفه بالإسلامي:

إن ما يُعتبر تناقضًا فيما سبق ناشئ عن تغييب الارتباط بين كلمتي إسلامي كتوصيف وإعلام كموصوف، فهذا الارتباط شرط من شروط صلاحية المعايير المطلوبة لتوصيف إعلام إسلامي، بحيث: يتميز عن إعلام آخر.. كما ينبغي أن يتميز عن عطاءات أخرى إسلامية، ولكنها ليست من الإعلام، فلكل منها شروط موضوعية، ومن شروط تمييز عطاءات إعلامية ما يستند إلى حرفية المهنة ونوعية المضمون وتقنية الإخراج.

للتنبيه: يمكن أن يظهر تناقض مشابه عند الحديث بمنظور فلسفي غربي عن إعلام تنويري مثلًا أو إعلام حداثي.

التوصيف بالإسلام وليس بجهة إسلامية:

توجد عوامل أخرى تسبب غموض التوصيف، يغني التفصيل السابق عن التفصيل فيها، والمهم بيان أن توصيف الإعلام بالإسلامي لا يستقيم عند ربطه بالعامل الجغرافي دون جدوى، أو المعرفي التاريخي تأصيلًا، كذلك لا يستقيم عند ربطه بتعدد الاتجاهات المعاصرة تحت عنوان اتجاهات إسلامية، فالخلافات بغض النظر عن مشروعيتها أو عدم مشروعيتها تمنع بحد ذاتها من اعتماد ما تراه جهات رسمية كوزارات الأوقاف، وشبه رسمية كمؤسسات مرتبطة بالسلطات، أو تنظيمية اجتهادية من حركات وأحزاب.. بحيث يكون مصدرًا لاستنباط عناصر معيار منضبط لتوصيف الإعلام بالإسلامي.

للتنبيه: شبيه ذلك يمكن رصده أيضًا في حالة توصيف إعلام بالكنسي / المسيحي لتمييزه عن سواه.

ومن المهم التأكيد أن عدم ربط التوصيف بجهة ما لا ينتقص من حق أي جهة في ممارسة الإعلام واكتساب توصيف يستند إليها كجهة إصدار، كإعلام الوزارة الفلانية أو الحزب الفلاني أو الاتحاد أو الجماعة، وما إلى ذلك من هيئات ومؤسسات.

خلاصة:

نعود إلى المعيار النوعي المذكور آنفًا لتوصيف الإعلام بالإسلامي – وقياسًا على ذلك بالشيوعي والعلماني.. إلى آخره – كمركب من المعتقد والتصور والمنهج، ونضيف: إنّ التوصيف المطلوب لا يحقق هدفه دون أن تكون له خصائص قريبة – وليس متطابقة – من خصائص التوافق منهجيًا على مفهوم اصطلاحي.

لن يجد تعبير إعلام إسلامي صيغة توصيف مستقرة ما دام استخدامه لا يستند إلى معايير تميز هذا التوصيف تمييزًا مُرْضيا لمن يقوم على إنتاج مادة إعلامية ونشرها، ومقنعًا إقناعًا موضوعيًّا لمستهلكيها والمطلعين عليها من المتخصصين والعامة، بغض النظر عن الرؤى الذاتية الفردية أو الجماعية.

 

من واقع توصيف الإعلام بالإسلامي

قد يستسهل بعضنا الأمر بقوله: “لنكن حياديين.. ولنقل بالإعلام دون مثل هذا التوصيف أصلًا..” ولا يكفي ذلك؛ إذ نتعامل مع واقع ينتشر فيه استخدام هذا التعبير، فلا بد من التعامل الهادف معه إيجابًا أو سلبًا، على أن يكون منهجيًا وليس عشوائيًا. والواقع يقول: إن تعبير إعلام إسلامي مستخدم على نطاق واسع، ولكن دون وجود تعريف منهجي بصورة قاطعة مانعة بميزان خصائص التواضع على المصطلحات.

تناقض تمييع الضوابط مع الإرث المعرفي:

الحديث هنا عن كلمة التوصيف بإسلامي، ولا يصح الانزلاق إلى التسييب في التعامل معها كتوصيف، كأن لا نراعي مراعاة كافية عوامل تمييز الألفاظ بعضها عن بعض، بل نتناقض آنذاك مع الإرث المعرفي الذاتي، ومنه مسيرة توليد المصطلحات باجتهاد علماء مسلمين أقدمين. وكان أول ما اعتُمد ذلك في نطاق علوم الحديث، ووضعت مؤلفات عديدة تتناول المصطلحات في شتى الفروع العلمية، فكان ممن ألّف في “المصطلح” كل من ابن حيان والفارابي والخوارزمي والجرجاني، وغيرهم كثيرون وذلك قبل قرون من استقرار علم المصطلح قائمًا بذاته في مسار النهضة الأوروبية الحديثة([16]).

ولا يصح القول: من المؤسف أن ما صدر من محاولات حديثة لتعريف الإعلام الإسلامي لم يوصل إلى صيغة مستقرة أو ما يوصف في أدبياتنا بالجامع المانع، فهذا هدف غير مفروض وربما غير ممكن أصلًا.. ولكن من المؤسف غلبة انتشار رؤى متباينة بشأن التوصيف لا تكتسب صفة المنهجية.

مثال مفردات التعبير:

انتشر القول بوجود إعلام إسلامي انطلاقًا من إحساس عام عند المنتج غالبًا، أو إحساس من صنع الأمل والتبسيط عند المستهلك، بمعنى القارئ والسامع والمشاهد؛ إذ يقال: هذا إعلام إسلامي عندما يتردد ذكر آيات وأحاديث أو مقولات السلف وعلماء مسلمين، أو حتى عند تخطيط كلمات من هذا القبيل فنيًا ونشرها بوسائط حديثة، وهذا إحساس له قيمته الذاتية ويعتمد على نمط معين في التفكير والتعبير.

ولكن.. لو اجتهد فرد أو جهة ما إعلاميًا، كتابةً أو تصويرًا أو سوى ذلك، فيما يفيد حماية البيئة مثلًا، دون الالتزام بالنمط المذكور في التفكير والتعبير، وفي الوقت نفسه دون انتهاك أحد مقاصد الإسلام الكبرى – بل قد يخدمها – فهل يندرج ذلك العطاء الإعلامي تحت عنوان التوصيف بالإسلامي أم لا؟

مثال التسميات الإسلامية:

انتشر الحديث عن وجود إعلام إسلامي انطلاقًا من إحساس عام عند المنتجين والمستهلكين أن الإعلام في هذه المجلة أو تلك وعبر هذا البرنامج التلفازي أو ذاك، وكذلك في عالم الشبكة العنكبوتية؛ يحمل وصف إسلامي لأن الوسيلة الإعلامية أعطت نفسها أو تعطي بعض موادها، تسميةً لها معنى إسلاميًّا، وليكن مثلًا الكلمة الطيبة، نور على نور، وما شابه ذلك.

ولكن.. أين المعايير المرجعية الفاصلة بين انعكاس التسمية في المضمون كما ينبغي فعلًا، وبين غياب ذلك نتيجة تناقض المضمون مع الإسلام أصلًا، تسييبًا أو تشدّدًا؟

مثال إعلام الهوية:

بعض الكتاب مسلمون يؤكدون أنهم يعبرون عن رؤيتهم للإسلام فيما ينشرون، ولكنهم مصنَّفون عند كثير من الجماهير بأنهم من خصوم الإسلام والمسلمين! ويوجد كتّاب من غير المسلمين، معروفون بأنّهم يتبنّون قضايا عديدة من منظور مصالح إسلامية، حضارية وثقافية غالبًا، ومن منظور منصف عقديًا. وهنا ألا ينبغي في تقويم العطاء الإعلامي لتوصيفه بصورة سليمة، أن نعمل للجمع أو التكامل بين مفعول الانتماء والهوية ومفعول القيمة الذاتية للمضمون؟

هذه أمثلة من قائمة طويلة، مدار الكلام فيها غلبة مفعول المظاهر على المضامين، ولا يعني هذا التهوين من شأن اختيار المظاهر السليمة وفق الحاجة إليها، إنما الحديث هنا عن معايير لا تكفي المظاهر لتحديدها.

عائق “أيديولوجي” خارجي مرفوض:

أمر آخر.. عند التعامل مع توصيف إسلامي تحديدًا توجد عوائق من خارج نطاق من يؤيد ذلك من منطلقه الإسلامي ذاتيًا، أي عوائق صادرة عمّن يرفض ذلك من رؤيته التي ترفض ابتداءً قيمة المنطلق العقدي وما يتفرع عنه.

غالبًا ما يوضع الاعتراض على توصيف الإعلام بالإسلامي في صيغة متطابقة مع الاعتراضات على كل توصيف يشمل تعبير إسلامي في قضايا العلاقات بين البشر، السياسية وغيرها، وهي صيغة اعتراض تستخدم تعبير أيديولوجيا تهمةً غير قابلة للنقاش بمنظور من يطلقها، أي أنه يغلق على نفسه باب الحوار أصلًا.. وهذا بحد ذاته سلوك أيديولوجي مرفوض، وفق ما يقول به مستخدمو كلمة أيديولوجيا نفسها، من أنها تتضمن إقصاء الآخر.

الجدير بالتأمّل أن لفظة أيديولوجيا هذه معرّبة، والترجمة الأقرب للصحة هي كلمة عقائدية، ولعل تجنبها عند المعترضين باللغة العربية هو نتيجة تقدير مسبق لردود فعل رافضة من جانب العامة أو غالبيتهم، فلفظة عقائدية مثيرة للحساسيات في أوساط الغالبية من المتدينين من أصحاب الديانات السماوية.

إن المعترضين بهذا الأسلوب على توصيف إسلامي يقعون هنا في تناقض مع ما يقولون به بشأن تحكيم الغالبية، ووجه التناقض هو في انتقائيتهم التي تربط قبول التحكيم بتوقع موافقة الغالبية على أطروحات صادرة عن رؤاهم الذاتية هم فقط.

ضبط مراجعة الإعلام الإسلامي:

هذا الأمر يتطلب في توصيف الإعلام بالإسلامي مراعاة جانبين متكاملين لا ينفصل أحدهما عن الآخر.

الأول: ينبغي التأكيد هنا أن مراجعة الإعلام الإسلامي – مثل مراجعة الفكر الإسلامي – مرتبطة مباشرة:

– بكونه إسلاميًا بمعيار المقاصد قطعية الدلالة وحيًا.

– وكونه قويمًا وفق القواعد الأصولية الكبرى.

-وكونه صائبًا بالميزان البشري لتلاؤمه مع مصالح بشرية ومتطلباتها واحتياجاتها وما يستجدّ منها.

أما عداء التوصيف بالإسلامي لمجرد العداء، مثل وصفه بالأيديولوجية على سبيل الاتهام، وبالتالي القول إنه انتهى مع انتهاء عصر الأيديولوجيات – وهي مقولة غير منضبطة أصلًا بدراسات رصينة – فذاك من الشطحات التي لا تصمد أمام ما يقول به منطق فلسفي عمومًا أو فكر بشري منصف([17]).

الثاني: مراعاة الآخر:

من الموضوعية التأكيد أيضًا، أن صلاحية المعيار المطلوب في توصيف عطاء إعلامي بالإسلامي:

– لا ترتبط فقط بالمنتج والطرف المستهدف، ولا سيما عندما ينطلقان من منطلق واحد من حيث المعتقد والرؤية.

– بل ترتبط أيضًا بالطرف الثالث، أي من يطلع على تلك العطاءات، فيستفيد أو يتضرر، بالمنظور الحقوقي والقيمي والقانوني والأدبي المعنوي، وتجب مراعاته في البحث عن معيار مناسب للتوصيف، كما يأتي لاحقًا.

 

كلمات من وحي المقاصد والمصالح

على النقيض من العلوم الطبيعية يقتضي التعامل مع العلوم الإنسانية والاجتماعية – وعلم الإعلام منها – مراعاة تعدد وجهات النظر حتى في صياغة المفاهيم المحكمة للمصطلحات([18])، ومن باب أولى في صياغة معايير التوصيف كما في حالة الإعلام الإسلامي.

من قواعد ضبط التوصيف بكلمة إسلامي:

تعدد وجهات النظر يكتسب قيمته عند ضبط التوصيف بقواعد تشير إليها العناوين المبوّبة الآتية:

(١) لا ينفي تعدد وجهات النظر أهمية منهجية الدراسة.

(٢) التمييز في التعامل مع تعبير إعلام إسلامي بين الإعلام المتطور بمضامينه ووسائله، عبر جهود بشرية تصيب وتخطئ، والإسلام القائم على ثوابت من الوحي، واجتهادات فكر بشري يصيب ويخطئ.

(٣) تجنب رؤى تحمل عنوانًا إسلاميًا وتتناقض مع الإسلام، مثل فرض قيود أو إملاءات قسرية على العطاءات الإعلامية ومن ينتجها ويستهلكها، انطلاقًا من منظور بشري منفصل عن ثوابت الإسلام تسييبًا أو تعنّتًا.

(٤) واقع الإعلام المعاصر عمومًا أنه يخضع لقيود قانونية أيضًا، لا يؤخذ به حجة لفرض القيود من منطلق إسلامي دون ضوابط منهجية لعملية التقنين وفق متطلبات الجمع بين ثوابت الوحي واجتهادات البشر.

(٥) لا تكتسب أي جهة صلاحية الانفراد بتحديد معايير توصيف الإعلام الإسلامي، وإن حملت تسمية انتمائية إسلامية، ومن شأن ذلك الانفراد أن يجعل الاختلاف حتميًا، أو مبرمجًا سلفًا كما يقال.

(٦) السؤال الحاسم في التعامل مع ما سبق هو: مع نفي العصمة لأي جهة بشرية.. كيف نجمع بين ماهية التوصيف من حيث ارتباطه بثوابت الوحي، وبين مرجعية بشرية تقوم هي على إعطاء المشروعية لعملية الجمع هذه، فضلًا عن أن التعامل مع الحصيلة التي تصل إليها، أي معيار التوصيف، تعامل بشري أيضًا.

تحقيق المقاصد.. من شروط التوصيف:

إن التلاقي بمنظور المقاصد الإسلامية على توصيف الإعلام بالإسلامي ضروري، وممكن بقدر ما يكون حول الكليات دون الانزلاق إلى متاهات اجتهادات تفترق وتتناقض عند التفاصيل. والتلاقي نسبي، دون مستوى الإجماع على أركان الإيمان أو أركان الإسلام مثلًا، بل هو أقرب إلى التلاقي المعروف عن توافق الغالبية العظمى.

ومن أراد المدخل إلى التلاقي المقاصدي إعلاميًا، فلا يغفل عن إشكالية الإعلام كمصطلح، وبالتالي عما يمكن إدراجه تحت عناوين العرف والمصلحة العامة.

من مفسدات ضوابط التوصيف:

من هنا الحديث عن التقارب حول مضامين المعايير وصياغتها وليس عن التوافق عليها أو فرضها، والعناوين الكبرى لإطار التقارب المرجو هي:

(١) التقارب لا يعني توحيد الرؤى، وإن بلغ درجة قريبة من مستوى الإجماع.

(٢) ليست المعايير المطلوبة مواصفات من قبيل المصداقية والنزاهة والعدالة والحرفية المهنية.. فهذه تشملها صلاحيات قطاعات التعليم والتربية والتشريع والتوجيه العام.

(٣) ليست المعايير قيودًا لضبط مضمون الإعلام وإخراجه.. فالقيود تتقرر في نطاق العلاقة بين الإعلام عمومًا وبين شرعنة الحقوق الإنسانية وحريات الفكر والرأي والتعبير وضوابطها.

(٤) ليست المعايير قواعد عمل ملزمة في مجال تطوير وسائل الإعلام وأدواته.. فهذا الميدان تقني يرتبط بالوسائل الإعلامية تخصصيًا وبتحسين قيمة الإعلام المهنية الحرفية.

(٥) ليست المعايير مصدرًا لحدود عدائية بين إعلام إسلامي وسواه، فالعداء والافتراء وما شابه ذلك من صلاحيات القطاعات الحقوقية والقضائية، ولا يُحسم بصددها إلا في نطاق دولة ومجتمع يستقل فيها القضاء النزيه ويسود القانون المنبثق عن العدالة.

(٦) التمييز تلقائيًا بين إعلام إسلامي وسواه هو القيمة الحاسمة في اكتساب المعايير قيمتها التوجيهية نتيجة قوة ذاتية في منطق المضمون وسلامة الصياغة.

تجنبًا للإطالة يكفي الوقوف عند النقطتين الخامسة والسادسة فقط بشيء من التفصيل:

مراعاة الآخر:

غالبا ما يُسوَّغُ تصنيف الآخر إعلاميًا بالعدو بغلبة الجانب السلبي في تعامل الآخر مع الإسلام والمسلمين وقضاياهم، وما بلغه من تراكم ألوان الجهل والافتراء والعداء.

لا يلغي ذلك المصلحة الذاتية في عدم تغليب العداء للآخر في إعلام إسلامي؛ إذ يصبح آنذاك شبيهًا بما يرفضه وينتقده. والمطلوب بدلًا من ذلك إيجادٌ ذاتيٌّ قويمٌ يراعي أهمية التفاعل الإيجابي على صعيد العلاقات بالآخر، دون التقاعس عن بيان موضوعي لعدائه ومخاطره وما يسببه ذلك من أضرار ذاتية وعامة.

إن محور الإعلام هو التواصل من وراء مختلف الحدود والفواصل، ولهذا يتطلب توصيفه بالإسلامي ما يلبّي القناعات الذاتية من جهة، وكذلك ما يلبّي من جهة أخرى احتياجات التوجيه الإيجابي للقواسم المشتركة مع الآخر من داخل الطيف الإسلامي، أي في العلاقات البينية وهي متشعبة، وكذلك في العلاقات الأوسع نطاقًا، وهي متشعبة أيضًا، وتشمل أطراف العيش المشترك في بلد واحد ثم عمومًا على ظهر كوكب مشترك.. هذا دون إغفال شرط الندية في العلاقات، أي الحرص على تجنب أي أثر لمعادلة الهيمنة والتبعية.

وتزداد أهمية مراعاة الآخر في الإعلام الإسلامي باطراد نتيجة التطورات الجذرية في عالم الاتصالات، مثل زوال مفعول حواجز تعدد اللغات بتقنيات الترجمة، أو زوال مفعول الحدود والفواصل الجغرافية بتقنيات انتشار المعلومة شبكيًا وفضائيًا، حتى النشرة الإعلامية الداخلية في نطاق مؤسسة أو تنظيم أو دائرة رسمية، أصبحت مما يمكن الاطلاع عليه من جانب عدد كبير من البشر عمومًا.

كما ازدادت موجبات مراعاة العطاءات الإعلامية للتعامل مع الآخر، مع ازدياد اتساع دائرة انتشارها نوعيًا، بتعدد فئات المتلقّين / المستهلكين، وهنا يفرض توصيف الإعلام بالإسلامي؛ مراعاة قواعد إسلامية معروفة من قبيل التزام الحكمة وحسن الموعظة وشمول العدل وغيرها، وهذا ما يسري في التعامل مع الناس كافة، بغض النظر عن معتقداتهم وتصوراتهم وأجناسهم وممارساتهم([19]).

التمييز التلقائي:

أما القول بمعايير تصلح للتمييز التلقائي فالمقصود به تمييز الإعلام أنه إسلامي من خلال انعكاسه عند المتلقي عبر مواصفات عامة مقنعة متوافقة مع التوجه العام السائد لتقويم المضامين الإعلامية ومعالم الإخراج. هنا ينزل تعبير التوجه العام المعاصر منزلة تعبير العرف في ثروتنا اللغوية العربية الإسلامية. وكل ما يتعلق بالبحث عما يتوافق مع العرف أو التوجه العام.. يعني عادة اتباع طريق أصعب في بحث منهجي، وهو في هذا البحث مما يستمده الباحث من واقع آني قائم ومن منطق بدهي سائد يسري على الإسلامي وسواه من قطاعات الإعلام.

 

مؤشرات لآلية التقارب على إعلام إسلامي

لا تنشأ آليات العمل عبر الحديث عنها، بل عبر إيجادها، ابتداءً من خطوات الاقتناع بضرورتها فالتفاهم عليها والتخطيط لتنفيذ ما يتم التفاهم عليه، حتى الشروع العملي في ذلك. ولذا يقتصر اختتام الحديث عن ماهية الإعلام الإسلامي، على أفكار في مجموعتين، يرجى أن تجد الطريق للمتابعة والتصحيح والاستكمال.

مجموعة مقترحات لتحسين أداء ما يوجد حاليًا:

مهمة تحسين الأداء قابلة للتنفيذ من جانب من يقتنع بها، اعتمادًا على شبكات الأنشطة الدعوية والمراكز التأهيلية والتدريبية، ومحورها الترويج لرفع مستوى أداء ما يوجد من وسائل إعلامية توصف بالإسلامية:

أولا: تعزيز الالتزام بمواصفات إعلامية محورية، وإن كان تطبيقها المعاصر ضعيفًا، مثل التمييز بين المادة الخبرية والرأي، ودقة الصياغة، ومصداقية الطرح، والتحقق والتوثيق.. إلى آخره، وهذه قيم إعلامية تتوافق مع القيم الإسلامية.

ثانيا: تعزيز الالتزام بقيم معروفة في مفردات منظومة القيم الإسلامية، كالصدق، والكلمة السديدة، والجهر بالحق، وتغليب المصلحة العامة.. إلى آخره، وهذه تتوافق مع ما يذكر من قيم في المواثيق الإعلامية عمومًا.

ثالثا: إضافة توجيهات وإرشادات إسلامية المضمون في العطاءات الإعلامية، مما يُستخرج من قواعد أصولية تشريعية، مثل: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

رابعا: دعوة مماثلة على صعيد ما يُستخرج من المقاصد الإسلامية الكبرى، مثل: لا ضرر ولا ضرار.

مجموعة أفكار مبدئية لإنشاء آلية تنفيذية:

في ختام تعريفه بكتاب “الإعلام الإسلامي” للدكتور عبد الرزاق الدليمي، أستاذ الصحافة والإعلام وعميد كلية الإعلام في بغداد سابقًا وأستاذ الدعاية والإعلام في جامعة البتراء في الأردن حاليًا.. يقول وليد الزبيدي تعقيبًا على ما يبيّنه الكتاب بصدد رفع مستوى الإعلام الإسلامي على أرض الواقع: “إن مهمة الإعلام الإسلامي يجب أن تخرج من دائرة التنظير إلى حيز التنفيذ على أرض الواقع الإعلامي في العالم الإسلامي، وإذا اقتصرت مهمة الباحث والأكاديمي على التحذير من خطر مجال مهم في حياة الأمة، وهو الإعلام الذي يعيد صياغة ثقافة وقيم وأخلاقيات مجتمعات بأسرها – تسعى جهات ودول لتخريبها، ضمن حرب معلنة أحيانًا وملموسة أحيانًا أخرى – فإن من مهمة القائمين على الأمر الأخذ بما يقوله المفكرون والأكاديميون، لأن تحذيراتهم لم تأت من فراغ ولا بطر، وإنما من لوعة وألم وخوف على الأمة لكثرة أعدائها واتساع رقعة تأثير أدواتها الإعلامية”([20]).

والمطلوب على صعيد إيجاد آلية تنفيذية لهدف تقارب الرؤى حول مفهوم الإعلام الإسلامي:

أولًا:

اتخاذ خطوات تمهيدية لاعتماد عدد كاف من المتخصصين المعتبرين في العلوم الإنسانية ولا سيما علم الإعلام، نظريًا وممارسته تطبيقيًا، لصياغة محددات منهجية تخصصية قابلة للاعتماد عليها عند التمييز بين إعلام وإعلام تبعًا لما تقتضيه تعابير التوصيف: معتقد، رؤية، تصور، منهج، وما يشابهها. هذا مع ملاحظة أن تقبل المحددات واعتمادها يتحقق بقدر ما تكون الصياغة موضوعية وعلمية مقنعة، ويكون واضعوها من المتخصصين، معروفين وموثوقين علميًا، وتكون الجهات الأولى التي تتبناها وتعمل لتعميمها من الجهات المعتبرة المعروفة أيضًا.

ثانيًا:

الترويج لنتائج الخطوة الأولى، بالعمل على تعميم الانطلاق من المحددات المذكورة لتوصيف الإعلام عمومًا، أي تأكيد القاعدة العامة أن توصيف إعلام بالشيوعي مرتبط بمعايير مستمدة من المرآة الذاتية للشيوعية، وتوصيف إعلام بالرأسمالي على غرار ذلك، وهكذا أيضًا مع توصيف إعلام ديمقراطي أو ديكتاتوري، مع بذل جهود موازية لتعميم الدعوة إلى الالتزام بتجنب العشوائية في نشر التوصيفات، وعدم استخدامها بأسلوب تبادل الاتهامات.

ثالثًا:

المحددات المطروحة من معايير العلوم الإنسانية قابلة -إذا وضعت صياغات منهجية لها- أن تكون مستندًا لعلماء متخصصين بمقاصد الشريعة وقواعدها الأصولية، لاستنباط مواصفات معيارية مشتركة قدر الإمكان ووضع صياغات منضبطة ترشح لتكون مرجعًا في توصيف مادة إعلامية أو وسيلة إعلامية أو إنجازات إعلامية بأنها إعلام إسلامي.

 

خاتمة في سطور

النتيجة المرجوة اعتماد آلية منهجية في وضع المحددات والمعايير، وحرص المسؤولين عن عطاءات إعلامية إسلامية أن يعتمدوا هذا التوصيف وفق معيار إعلامي منهجيًا، وإسلامي تقويمًا، وهو ما يسري على ارتباط نسبة أي أمر آخر من الأمور إلى الإسلام كما أنزله الله، فذاك في نهاية المطاف هو معيار الارتباط بتحقيق مقاصد الإسلام، في كل مكان وزمان، بآليات متبدلة متطورة ضمن إطار ثوابت من الوحي.

والخلاصة:

إن هدف الوصول إلى تقارب الرؤى حول مواصفات مميزة لإعلام إسلامي، هدف مشروط بمحددات أولية تنبثق عمّا تعنيه كلمة الإعلام عمومًا، مع مراعاة تطور مضمونها وتطور وسائل الإعلام.. ثم الرجوع بتلك المحددات إلى مقاصد الشريعة انطلاقًا من الإسلام كما أنزله الله.. وجميع ذلك مع اعتبار كلمة “إعلام إسلامي” توصيفًا فحسب وليس مصطلحًا محكمًا.

والله من وراء القصد.

([1]) التقاء محاولات تعريف الإعلام الإسلامي على تأكيد “الالتزام بالإسلام” فحسب، والشاهد في مثالين حول تعريف مختصر وآخر مفصل.. تعريف مختصر: “الإعلام هو الدعوة، والدعوة هي الإسلام”، تيسير محجوب الفتياني، كتاب “مقومات رجل الإعلام الإسلامي”، ص ٣٠، الناشر: دار عمار للنشر والتوزيع في عمّان، ط ١: ١٩٨٧م، وممن يربط الإعلام بالدعوة أيضا د. عبد القادر طاش، ومحيي الدين عبد الحليم، ومحمد منير حجاب، ومحمد موفق الغلاييني.

تعريف مفصل: “استخدام منهج إسلامي بأسلوب فني إعلامي يقوم به مسلمون عالمون عاملون بدينهم، متفقهون لطبيعة الإعلام ووسائله الحديثة وجماهيره المتباينة، مستخدمين تلك الوسائل المتطورة لنشر الأفكار المتحضرة، والأخبار الحديثة، والقيم والمبادئ والمُثُل للمسلمين ولغير المسلمين في كل زمان ومكان في إطار الموضوعية الكاملة؛ بهدف التوجيه والتوعية، والإرشاد لإحداث التأثير المطلوب”. د. نسيبة محاسنة، في مقالة “الإعلام في الإسلام”، ١٠/ ٦/ ٢٠١٤م. https://www.wasatyea.net/?q=ar/content/الإعلام-في-الإسلام

([2]) تحت الإعداد بقلم كاتب هذه السطور بحث آخر حول “معالم لتطوير الإعلام الإسلامي تطويرا متجددا”.

([3]) ينقل د. نزار نبيل أبو منشار في مقال بعنوان: “تعريف الإعلام” في موقع الألوكة أكثر من تعريف اصطلاحي للدكتور سامي ذبيان، ومحمود سفر، وطلعت همام، وإبراهيم إمام، والألماني أوتو جرات، وغيرها فينتقدها جميعًا ويستقر من بينها على تعريف إبراهيم إمام: “نشر للحقائق والأخبار والأفكار والآراء بوسائل الإعلام المختلفة” http://www.alukah.net/culture/0/72322/ وعلى غرار ذلك تورد سمية إبراهيم المكاوي في بحث ماجستير “الإعلام الإسلامي والإعلام الغربي في حاضر اليوم دراسة مقارنة” عام ٢٠١٦م، عددًا من التعريفات، ص ٤٨-٤٩، وآخرها قول الكاتبة سهيلة حماد في كتابها “الإعلام في العالم الإسلامي الواقع والمستقبل: “الإعلام الإسلامي يعني بيان الحق وتزيينه للناس بكافة الطرق والأساليب والوسائل العلمية المشروعة؛ بقصد جلب العقول إلى الحق، وإشراك الناس في نيل خير الإسلام وهديه، وإبعادهم عن الباطل وإقامة الحجة عليهم”، وتختتم المكاوي ذلك بقولها:” فالإعلام الإسلامي هو تعميم الاتصال الايجابي، لنشر مبادئ الدين الإسلامي وأخباره في جميع الميادين، وعلى كافة المستويات وبكافة الوسائل المتاحة، لتحقيق كافة الأهداف المشروعة”.

([4]) في نص التعريف بـ “مشروع المصطلحات الخاصة بالمنظمة العربية للترجمة”، إعداد عدة مؤلفين، ترد إشارات عديدة إلى العلاقة بين ظهور مصطلحات جديدة أو مفاهيم جديدة نتيجة انطلاق عجلة التطور، وهو ما يضع العاملين في الترجمة إلى العربية أمام إشكاليات وصعوبات كبيرة. http://www.langue-arabe.fr/IMG/pdf/attachment44_107.pdf والواقع أن هذا لا يقتصر على قطاع الترجمة بل يشمل عموم ما يتعلق بالتعامل مع المصطلحات في عالمنا المعاصر.

([5]) انظر: Gerhard Maletzke: Kommunikationswissenschaft im Überblick: Grundlagen, Probleme, Perspektiven. Westdeutscher Verlag, Opladen 1998, S. 45 f.

وانظر: Michael Kunczik, Astrid Zipfel: Publizistik. Ein Studienhandbuch. Böhlau, Köln/ Weimar/ Wien 2001, S. 50.

([6]) من مقابلة إعلامية مع وارّن بوفيت يوم ١/ ٣/ ٢٠١٧م: https://meedia.de/2017/03/01/warren-buffett-sagt-grosses-zeitungssterben-voraus-nur-die-new-york-times-und-das-wall-street-journal-ueberleben/

([7]) نقلا عن “د. محمد الراجي” في مراجعته لكتاب “أيديولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي وتشكيل الرأي العام” في موقع مركز دراسات الجزيرة، ٢٧/ ١٢/ ٢٠١٥م. http://studies.aljazeera.net/ar/bookrevision/2015/12/201512278418463737.html

([8]) توجد بالعربية كتب ودراسات ومقالات عديدة حول تفاقم تأثير وسائل الاتصال الحديثة وتطورها السريع، منها ما خصص الحديث عن العلاقة بينها وبين الإعلام الإسلامي، ومن ذلك كمثال: “الإعلام الإسلامي” كتاب بقلم د. عبد الرزاق محمد الدليمي، الذي يرى أن الإعلام أصبح جزءا من “الاتصال” وليس العكس، وصدر الكتاب عام ٢٠١٣م عن دار المسيرة في عمان.. ومنها ما ركز على العلاقة بين ما بات يوصف بالقديم والجديد من الإعلام، ومثال ذلك: “الإعلام القديم والجديد.. تكامل لا صراع” أحمد حموش، تقرير إخباري حول ندوة حوارية في منتدى الجزيرة، ١٦/ ٣/ ٢٠١٣م. http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2013/3/16/الإعلام-القديم-والجديد-تكامل-لا-صراع

([9]) خالد حروب، جدل “الإعلام التقليدي” و”الإعلام الجديد”، في جريدة الشرق القطرية يوم ١٩/ ٥/ ٢٠١٤م.

([10]) حول حجم إشكالية ما يتطلبه تعريف المفهوم الاصطلاحي وبعض جوانبها، يمكن الرجوع إلى بشير الكبيسي، “إشكالية المصطلحات.. إعلام أم اتصال؟” يوم ١٢/٩/ ٢٠١٧م، في مجلة الصحافة الصادرة عن معهد الجزيرة للإعلام. http://institute.aljazeera.net/ar/ajr/article/2017/09/170912103123763.html

([11]) سبق الاستشهاد ببعض نصوص التعريف المبسطة، ومن ذلك أيضا: محمد أبو خليف، “تعريف الإعلام” نقلًا وترجمة عن مادة (Media) في معجمي الأعمال التجارية وأكسفورد: “الإعلام مجموعة من قنوات الاتّصال المُستخدَمة في نشر الأخبار أو الإعلانات الترويجيّة أو البيانات.. ويُعرف الإعلام بأنّه الوسيلة الاجتماعيّة الرئيسة للتواصل مع الجماهير. https://mawdoo3.com/تعريف_الإعلام#cite_note-IGoonns7rJ-2 مقابل نصوص تعريف تعتبر شروحًا وليس تعريفات.. ومثالها تحت عنوان “مفهوم مصطلح الإعلام” في موقع “الإعلام الجديد”: https://intesar000.wordpress.com/قضايا-ومسائل-في-الاعلام/تعريف-مفهوم-الاعلام/

([12]) انظر كأمثلة: د. عبد القادر طاش، “الصورة النمطية للإسلام والعرب في مرآة الإعلام الغربي”، شركة الدائرة للإعلام المحدودة، الرياض، ١٩٨٩م. منصور عثمان محمد زين، “الفصل الثالث: الإعلام الإسلامي والفلسفات الأخرى” في كتاب “قضايا وهموم الإعلام الإسلامي”، أحمد مبارك سالم، “الإعلام الإسلامي والمرحلة الراهنة”، ٣/ ٢/ ٢٠١٥م، في موقع طريق الإسلام. وعلى مستوى توظيف الإعلام الدولي (مثاله الصارخ: الأمريكي) في قضايا عدائية، انظر: ناعوم تشومسكي، تعريب: أميمة عبد اللطيف، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، ط ١، ٢٠٠٣م.

([13]) انظر: د. عبد القادر طاش، فقرة “ما هو الإعلام الإسلامي الذي نريد” من مقال بعنوان “ما هو الإعلام الإسلامي” في مجلة “الداعي”، تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠٠٩م، على رابط “دار العلوم” الشبكي: http://www.darululoom-deoband.com/arabic/magazine/tmp/1326688400fix4sub1file.htm

([14]) محمد كرم سليمان من الباحثين الذين يربطون توصيف إسلامي للإعلام بالنظرة الجغرافية، نقلا عن: حردان هادي الجنابي، “الإعلام الإسلامي الإلكتروني”، ص ١٢، دار العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، ٢٠١٥م

([15]) د. صلاح عبد الرزاق، “مقدمة في الإعلام الإسلامي”. http://www.al-iraqnews.com/news/studies/25770-واع-مقدمة-في-الاعلام-الاسلامي-دراسات-ج1.html وانظر أيضا: د. محمد عجاج الخطيب، “أضواء على الإعلام في صدر الإسلام”، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط١، ١٩٨٥م.

([16]) بدأت مسيرة توليد المصطلحات باجتهاد علماء مسلمين أقدمين تحت عنوان المواضعة، بمعنى أن يتواضع المتخصصون على مفهوم محدد للكلمة في نطاق اختصاصهم فتصبح لها منزلة المواضعة / الاصطلاح. وانظر لمزيد من التفصيل: د. محمد أبحير، “نشأة علم المصطلح عند العرب والغرب”، مجلة المحجة – فاس، العدد ٤٧٥، آذار/ مارس ٢٠١٧م.

([17]) انظر للكاتب “تحرير المعرفة – رؤية إسلامية لمسيرة المعرفة على أمواج الفلسفة”، كتيب يتوافر في ملف شبكي في الموقع الشخصي “مداد القلم”: http://midadulqalam.info/articles/52_كتاب-تحرير-المعرفة

([18]) انظر: عبد الوهاب المسيري، “اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود”، ص ١٩٦ وما بعدها، حول الاختلاف بين مصطلحات العلوم الطبيعية ومصطلحات العلوم الإنسانية والاجتماعية على خلفية العلاقة بين الدال والمدلول، دار الشروق، ط١، ٢٠٠٢م.

([19]) النصوص الشرعية من الآيات والأحاديث، وبعض أقوال الصحابة كأمثلة على فهمهم وتطبيقهم للنصوص، توجِد كثيرًا من الأسس التشاركية في التعامل مع الآخر من جنس الإنسان، مثل (ولقد كرّمنا بني آدم) أو (ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى) أو (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) أو “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”.. وغيرها.

([20]) وليد الزبيدي، “الإعلام الإسلامي” تعريف بكتاب، شبكة الجزيرة، ١٩/ ٣/ ٢٠١٣م.

http://www.aljazeera.net/knowledgegate/books/2013/3/19/الإعلام-الإسلامي