بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال: تعلمون ما حل بإخواننا في بلاد الشام من القتل والتدمير والتشريد فأصبح السوريون بأشد الحاجة إلى الطعام والشراب واللباس والمسكن، ثم تجد بعض إخواننا يذهبون إلى الحج والعمرة تطوعا فما هي النصيحة لهؤلاء؟
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين , وأفضلُ الصلاة وأتمُّ التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, وبعد:
الحج أحد أركان الإسلام ، فضله عظيم ، وثوابه كبير ، ومن رحمة الله تعالى بعباده أن جعل فريضة الحج في العمر مرة واحدة على المستطيع, ولما سُئِل عليه الصلاة والسلام عن فريضة الحج أكلَّ عام؟ قال:” لو قلت: نعم لوجبت, ولما استطعتم …..” رواه مسلم.
ولا خلاف في أن نافلة الحج لها أجر عظيم أيضاً وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها بقوله :” تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة و ليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة” رواه الترمذي.
والعبادات نوعان:
1- عبادة غير متعدية في نفعها للغير وإنما هي مقصورة النفع على صاحبها كالصلاة والصيام والحج والأذكار وغيرها من العبادات.
2- عبادات يتعدى بِرُّها وخيرها إلى الآخرين، مثل الصدقة والإحسان إلى الناس وأعمال الخير وصلة الرحم وعيادة المريض، فكلما أكثر المسلم منها كانت خيراً له ونفعاً لغيره.
وبالتالي المال الذي يريد أن يحج به المسلم نفلاً وتطوعاً لو دفعه لأخيه المحتاج لكان له أجر الحاج وأجر المتصدق، فما بالك وهذا الأخ المسلم مضطر ومحتاج أشد الحاجة للطعام والشراب والسكن وهذا واجب مساعدته على القادر والواجب المتعين مقدم على النفل والتطوع.
ولقد أكد علماؤنا من السلف الصالح على هذه المعاني النبيلة من ذلك : سئل الإمام أحمد رحمه الله : أيحج نفلاً أمْ يصلُ قرابته؟ قال: ( إن كانوا محتاجين يصلهم أحبُّ إليَّ ) ذكره ابن مفلح في الفروع.
وروي عن الإمام عبدالله بن المبارك رحمه الله أنه خرج مع أصحابه لأداء الحج (حجة نافلة) فرأى امرأة تبحث في القمامة عن بقايا من طعام لتأكل وتطعم أولادها، فأعطاها النفقة التي جاء بها للحج وقفل راجعاً ولم يحج !! وهكذا فإن أداء حقوق أخوة الإسلام أعظم أجراً عند الله تعالى من نوافل العبادات من صلاة وصيام وحج.
ثم إن المسلم لا يعدم في هذا الأيام الفضيلة من العبادات المتنوعة في أيام الحج ، يقول صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام” يعني أيام العشر، قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله قال: “ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ” رواه البخاري. وصيام يوم عرفة يقول عنه صلى الله عليه وسلم: ” يكفر السنة الماضية والباقية ” رواه مسلم.
فالمآسي التي تتعرض لها الشعوب المسلمة اليوم كثيرة جداً، ولا نعلم مأساة في العصر الحديث، حتى ولا في القديم مثل المأساة التي يتعرض لها الشعب السوري الحر الأبيُّ العفيف, فكم من أسرةٍ كريمةٍ كانت تعيش في بحبوحة ورغد من العيش فقدت اليوم مسكنها الذي كانت تسكنه, وفقدت مصدر رزقها الذي كانت تعيش منه، حتى نفدت كلُّ مدخراتها, والنظام السوري الظالم يقتل الناس، ويهدّم المتاجر والمصانع، والبيوت حتى المساجد لم تسلم من تدميره وأذاه… كذلك يضعنا هذا أمام مسؤولية ضخمة أمام الله تعالى، ثم أمام حقوق الأخوة في الإسلام التي أكَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها واعتبر كمال الإيمان بالقيام بها فقال: ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه “.
يا أمة الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر: إن الحاجة فوق الوصف، بل فوق الخيال!!! إنه يوم المسغبة الحقيقي الذي حثَّ ربنا تبارك وتعالى على الإنفاق فيه بقوله: ﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ [البلد:14] وتأملوا حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم:” من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة”.
وفي هذا لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفق المسلمين لما يحب ويرضاه وأن يفرج عن إخواننا في بلاد الشام وسائر بلاد المسلمين. والحمد لله رب العالمين.
الخميس/ 5 رمضان/1435هـ
الموافق 3 تموز / 2014م
هيئة الإفتاء
في المجلس الإسلامي السوري