الحمد لله القائل “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ” والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل ” لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة ” وجاء في بعض الروايات ” هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ” وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين وبعد :
فقد طالع الرئيس الأمريكي “ترمب” العالم بوعده بجعل القدس عاصمة لدولة الاحتلال الصهيوني، وأراد أن يؤكد ذلك عملياً فاتخذ قراراً بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ضارباً بذلك كل القرارات وكل المبادرات لما يسمى حل النزاع وحل القضية الفلسطينية، والمجلس الإسلامي حيال هذا الأمر يبين ما يلي:
أولاً: لم يكن “ترمب” أول رئيس أمريكي يعد بذلك فقد وعد بهذا معظم الرؤساء السابقين لا سيما في فترات الانتخابات المتعاقبة وذلك لنيل رضى اللوبي الصهيوني ودعمه، لكن لم يتجرأ أحدهم بعد نجاحه على اتخاذ القرار بذلك لعدة اعتبارات، إلى أن جاء “ترمب” ليتخذ بكل صلف وغرور قراره هذا بدفع من اللوبي الصهيوني، وكان مما أغراه بذلك الوضع العربي المهلهل والنزاعات العربية الداخلية والبينية وما آلت إليه أوضاع بعض دول الطوق، وكذلك بعض السياسيين والمفكرين العرب الذين سهلوا له القرار وتلاعبوا في أولويات الصراع وخطورة قائمة الأعداء.
ثانياً: ليس مصادفة أن يكون وعد “ترمب” عام 2017م بعد مائة عام من وعد “بلفور” 1917م، وإذا قيل عن وعد بلفور بأنه وعد من لا يملك لمن لا يستحق، فإن وعد “ترمب” هو وعد من لا يستحق لمن لا يملك، فإن “ترمب” رئيس الإدارة الأمريكية الحالية وكذلك الإدارات الأمريكية المتعاقبة تسوق نفسها على أنها وسيط وضامن لكل المعاهدات والاتفاقات لحل ما يسمى الصراع العربي الإسرائيلي، وأثبتت الوقائع أن أمريكا لا تستحق أن تلعب هذا الدور بانحيازها التام للطرف المحتل، وكذلك فإن الكيان الصهيوني جمع شذاذ الآفاق بدعوى الحقوق الدينية والتاريخية لا يملك هذه الأرض إنما أقام دولة اغتصاب واحتلال.
ثالثاً: أثبتت الوقائع والأحداث أن من راهن على سلام خادع وهادن وتعاون مع العدو الصهيوني بل وسعى في خطوات التطبيع أن رهانه كان خاسراً، وأنه بمعاهداته واتفاقياته المنفردة كان يبيع الوهم لأمتنا، فعلى هؤلاء جميعاً أن يكاشفوا الأمة بالحقيقة وأن يوقفوا مسلسل الخداع والتنازل، وأن ينضموا إلى شعبهم بل إلى شعوب أمتنا في مقاومتها للمحتلين وأذنابهم في المنطقة.
رابعاً: إن قضية القدس بل قضية فلسطين هي قضية الأمة جمعاء، ولا يمكن تفريغها من محتواها الديني وبعدها الإسلامي مهما حاول العملاء تفريغها من هذا المحتوى، ولقد أثبتت الشعوب الإسلامية هذه الحقيقة برفضها لهذه المواقف الظالمة وإدانتها لهذا الصمت المطبق من بعض حكام المنطقة الذين لم تعد قضية القدس تعني لهم شيئاً، وفضحها لأولئك الذين يبررون الخيانة بعبارة لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين، بل أثبتت الشعوب أن هذه القضية قضية أمتنا شرعاً وقانوناً وأدبياً وأخلاقيا، وبهذه المناسبة نحيي كل الشعوب الإسلامية التي انتفضت من جاكرتا إلى طنجة وما بينهما من مدن وعواصم، ولعل ما حدث يكون صحوة لهذه الأمة التي أثبت التاريخ أنها يمكن أن تمرض لكنها لن تموت بحول الله وقوته.
وفي الختام نهيب بأبناء أمتنا حكاماً ومحكومين ومنظمات ومؤسسات وإعلاميين الوقوف جميعاً في خندق المقاومة الحقيقي لا خندقه الوهمي الذي باع أمتنا شعارت سمعنا جعجعتها عقوداً ولم نر لها طحينا، مذكرين أن الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى شرف لا يستحقه كثير من الأدعياء والسماسرة، وأن الشرف الحقيقي للصامدين في بيت المقدس وفي ربوع القدس وأكنافها، ومن يدعمهم مادياً ومعنوياً وسياسياً وإعلامياً، وفق الله جهود المخلصين، ورد الله شر الكائدين والحاقدين، وقهر بقوته الصهاينة المحتلين، وجمع أمتنا على ما يحبه ويرضاه من القول والعمل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المجلس الإسلامي السوري
21 ربيع الأول 1439 هـ الموافق 09 كانون الأول 2017م