رقم الفتوى: 10
تاريخ الفتوى: الاثنين 7 ربيع الآخر 1439هـ الموافق 25 كانون الأول 2017م
السؤال: بعض الأخوات اللاتي هاجرن مع أزواجهن إلى دول أوربية يتركها زوجها ويلتفت إلى حبيبة أو خليلة جديدة هناك، الأمر الذي يهدم بناء الأسرة وترابطها، وهو ما يدفع المرأة إلى طلب التفريق في المحاكم هناك، وكثيراً ما يحكم القاضي بالتفريق بينهما، وقد يكون القاضي غير مسلم وهو الغالب هناك، كما قد تلجأ بعضهن ممن فقدت أزواجهن في سجون النظام إلى طلب التفريق هذا؛ فهل يجوز الترافع إلى هذه المحاكم؟ وهل يصح حكم القاضي غير المسلم وينفذ؟ أفيدونا جزاكم الله تعالى خيراً.
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فإنّ التقاضي مِن الأحكام الشرعية التي يجب أن يَفصل فيها القاضي المسلم، فإن اضطر المسلمون للتقاضي إلى غير المسلمين فينبغي أن يكون ذلك بما يوافق الشرع، وتفصيل ذلك كما يلي:
أولاً: الواجب على المسلم التقاضي للمحاكم التي تحكم بالشريعة؛ فذلك مِن واجبات الدين، ولوازم الإيمان، قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65].
وقد اتفق أهلُ العلم على أنّه يُشترط في القاضي الذي يحكم بين المسلمين وينفذ حكمًه فيهم أن يكون مسلماً؛ لأنَّ القضاء من أنواع الولاية، ولا ولاية لكافر على مسلم، قال تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) [النساء: 141].
نقل ابن فرحون في «تبصرة الحكام» عن القاضي عياض: أنّ الإسلام مِن الشروط التي إذا عدمت فيمن قُلّد القضاء، ثم صدر منه حكمٌ فإنه يُردُّ، ولا يصحّ.
فلا يجوز التحاكم إلى المحاكم التي تحكم بغير ما أنزل الله، أو يتولى فيها قاضٍ غير مسلم، قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ۞ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً) [النساء: 60-61].
ويزيد التقاضي إلى غير المسلمين في أمور الزواج والتفريق بين الزوجين خطورة؛ لما يترتب عليها مِن مسائل تتعلق بالأعراض، وإباحة العشرة أو تحريمها، والأنساب.
ثانياً: في حال عدم وجود قاضٍ مسلمٍ يحكم بالشرع في البلاد التي يقيم فيها المسلمون فالواجبُ على الزوجين اللُّجوء إلى المراكز الإسلامية، وعرض ما لديهم مِن مشكلات، ثم حلّها بالتراضي، فإن لم يقع التراضي فليوكّلا حَكَمَين يفصلان بينهما بإشراف تلك المراكز، ثم يعملان بما يُصدره الحكمان، ولا مانع بعد ذلك مِن التقدم إلى محاكم تلك البلدان لتثبيت ما اتفق عليه الطرفان.
كما يمكنهم التوجّه إلى الهيئات الشرعية وجهات التحكيم والإصلاح الموجودة في بلاد المسلمين لمعرفة الحكم الشرعي في هذه المسائل، أو توكيل مَن يترافع عنهم في القضية أمام محاكمها.
ثالثاً: عند النزاع بين الزوجين في موضوع الطلاق أو الفسخ وتعذّر إرسال الحكمين وعدم وجود القاضي المسلم فإنّ المراكز الإسلامية تقوم مقام القضاء الشرعي عند انعدامه بعد القيام بالإجراءات القانونية والثبوتية، فيقوم إمام المركز الإسلامي مقام القاضي في الفسخ والتطليق على الزوج في الحالات التي يجوز فيها ذلك، وإذا توجّهت المرأة ابتداءً إلى المحاكم الوضعية في تلك البلاد وحصلت على الطلاق فإنها تتوجه به إلى المراكز الإسلامية لإتمام الأمر مِن الناحية الشرعية؛ فإنهاء الزواج قانونياً عن طريق القضاء الوضعي لا يترتب عليه إنهاء الزواج من الناحية الشرعية.
رابعاً: بيّن أهلُ العلم جواز اللجوء إلى المحاكم في بلاد غير المسلمين لأخذ الحقّ عند تعيّنه طريقاً لتحصيله بالشروط التالية:
الأول: ألا يمكن الوصول إلى الحق إلا بهذا الطريق. الثاني: أن يكون كارهاً لهذا التحاكم. الثالث: ألا يأخذ أكثر من حقه، ولو قضى به القانون.
قال ابن القيم في «مدارج السالكين»: (وأما الرِّضَا بِنَبِيِّهِ رَسُولًا: فيتضمَّن كمالَ الانقياد له، والتَّسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به مِن نفسه، فلا يتلقَّى الهدى إلا من مواقع كلماته، ولا يُحاكم إلا إليه… فإن عجز عنه كان تحكيمه غيرَه مِن باب غذاء المضطر إذا لم يجد ما يقِيتُه إلا من الميتة والدم).
فإن حكم القاضي لأحد الطرفين بأكثر مما يستحق شرعاً فيجب عليه أن يتنازل عنه ولو حكم به القاضي، كأن يحكم للزوجة بنفقة أكثر مما تستحقه، أو بجزء مِن مال الزوج عند التفريق؛ لأنه مخالف للشرع، وقد حذر الرسول ﷺ مِن الاعتماد على حكم القاضي في استباحة حقوق الخلق إذا علم أنه لا يستحقها، فقال ﷺ: «إنَّما أنا بشر، وإنَّكم تختصمون إلَيَّ، ولعلَّ بعضَكم أن يكون ألْحنَ بحُجَّتِه مِن بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمَن قضيتُ له مِن حقِّ أخيه شيئًا فلا يَأخذْه؛ فإنَّما أقطع له قطعة مِن النار» متفق عليه.
قال القاضي عياض في «إكمال المعلم»: (وفي الحديث دليل أنه لا يحلُّ لأحدٍ أخذُ شيء يعلم باطله، وأنه مأثوم حكم له به حاكمٌ أم لا، وأنّ حُكمَ الحاكم به لا يحلِّلُه). ويلحق بذلك سائر الأحكام كالإرث، والمعاملات المالية، ونحوها.
ويلزم المتقاضي في هذه الحالة سؤال أهل العلم أو المختصين بالإصلاح الأسري عن قضيته قبل الترافع للمحكَّم ليعرف حقوقه، ويستطيع التعامل مع القضية بطريقة مشروعة؛ فإن حكم له القاضي بما هو أقلّ مِن حقه فهو بالخيار بين أن يتنازل عنه شرعًا، أو يستوفيه في الآخرة، أما إن حكم له بما زاد عن حقه فعليه أن يتنازل عنه للطرف الآخر.
وأخيراً: على المراكز الإسلامية ومؤسسات الإصلاح الأسري أو الوجهاء مِن الجالية المسلمة في هذه الحال السعي بين الزوجين للإصلاح بينهما قدر المستطاع حتى لا تقع المرأة في الحرام، أو الزوج في الاعتداء عليها، ولو أدّى ذلك لإقناع الزوج بطلاقها شرعاً؛ حمايةً للأعراض، وحفاظاً على النسل.
نسأل اللهَ تعالى أن يوفق المسلمين للالتزام بشرعه، وأن يصلح أحوالهم، والحمد لله رب العالمين.
وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء: | ||
1ــ الشيخ أحمد حمادين الأحمد 2ــ الشيخ أحمد حوى 3ــ الشيخ أسامة الرفاعي 4ــ الشيخ أيمن هاروش 5ــ الشيخ تاج الدين تاجي 6ــ الشيخ صفوان داوودي 7ــ الشيخ عبد الرحمن بكور 8ــ الشيخ عبد العزيز الخطيب |
9ــ الشيخ عبد العليم عبد الله 10ــ الشيخ عبد المجيد البيانوني 11ــ الشيخ علي نايف الشحود 12ــ الشيخ عماد الدين خيتي 13ــ الشيخ عمار العيسى 14ــ الشيخ فايز الصلاح 15ــ الشيخ مجد مكي 16. الشيخ محمد الزحيلي |
17. الشيخ محمد جميل مصطفى 18ــ الشيخ محمد زكريا مسعود 19ــ الشيخ محمد فايز عوض 20ــ الشيخ محمد معاذ الخن 21ــ الشيخ ممدوح جنيد 22ــ الشيخ موسى الإبراهيم 23ــ الشيخ موفق العمر 24ــ الشيخ ياسر الجابر |