أحمد الصالح الحجي –
في سنوات الثورة التسع برزت مسائل لم تكن ظاهرة من قبل، وارتبط ظهورها بشكل رئيسٍ بضعف المرجعية الثورية والاجتماعية والدينية في المجتمع السوري، واقترنَ ذلك بأنشطة إيديولوجية مختلفة وثقافة موبوءة أو مخترقة تبث الفتن وتفرِّق صفوف شباب الثورة المدنيين والمقاتلين وتهدف إلى تدمير البنية الاجتماعية وفصل مجتمع الثورة عن ثوابته ومبادئه ومرجعيته، وأدَّت هذه الثقافة المخترقة إلى مزيد من المعاناة لدى جمهور الثورة، ناهيك عن فقدان الثقة بالنفس وانحراف البوصلة أو اضطرابها لدى جمهورٍ يتسم معظم شبابه بالفطرة السليمة ومحبة نصرة المظلوم والسعي وراء العدالة؛ فكان لا بد من تسليط الضوء على نشأة المرجعية في المجتمع الإسلامي وبيان معناها وأثر ابتعاد الشباب عنها وأساليب العلاج.
أمَّا النشأة فإنه إن جازت تسميةُ المدارس الفقهية مرجعياتٍ بالمعنى الآتي ذكره فأوَّلها وأَوْلاها بالذِّكر مدارس الأئمة الأربعة والفقهاء الذين لم تدون مذاهبهم في الحجاز والعراق والشام ومصر؛ فنتاج كل مدرسة منها انعكاس لطبيعة التطور المدني الذي نشأت فيه، ولا أدل على ذلك من مصطلح “المذهب القديم والجديد” الذي يشير إلى مذهبَي الشافعي في مصر والعراق؛ وما كان ذلك ليكون لولا أنه عالم رباني كان يدرك أن عليه أن يستفرغ وُسْعه في فقه النص في ضوء فقه الواقع رعايةً للصالح والأصلح ودفعًا للفاسد والأفسد.
ثم جاءت مرحلة المدارس العلمية في القرويين والأزهر والزيتونة، وغدت هذه المدارس منهجًا علميًّا ناضجًا مثَّلَ مرجعيةً مهمة لأبناء الإسلام تستجيب لتساؤلاتهم المعاصرة ومشكلاتهم الحادثة، وكانت هذه المدارس متنوعة المشارب ومصدرًا لتماسك الشخصية والمجتمعات الإسلامية، ثم تغيرت الظروف السياسية الدولية والاجتماعية والوطنية؛ فانتقلنا إلى مرحلة جديدة اختلف فيها دور مرجعيات الأمة لا سيما أن عصر الأئمة الكبار قد انقضى ودور المدارس العلمية الكبيرة في اضمحلال، فنشأت المجامع الفقهية والهيئات والمجالس والجماعات والجمعيات الإسلامية لتملأ فراغ المرجعية في مجتمعاتنا وتحكم في النوازل والمستجدات في عصر يحكمه التطور التقني وسباق الزمن.
إن من أبرز قضايا الأمة الإسلامية اليوم قضية الربيع العربي وخاصة الثورة السورية وما حدث فيها من نوازل انعكست آثارها على العالم كله، وما زالت تفتقر إلى تمحيصٍ وبيانٍ وافٍ فكريًّا وفقهيًّا وسياسيًّا خصوصًا أن ثقافةً مضادةً موبوءةً قد انتشرت، وما زالت تسعى لزعزعة ثقة الناس بمرجعياتها وعلمائها الربانيين، وقارنَها انتشار ثقافة أخرى موازية تعمل على التمكين للظلم والطغيان باسم الدين.
مفهوم المرجعية:
المرجعية مصطلح جديد لا وجود له بهذه الصيغة في النصوص وكتب التراث إلا أن مضمونه كان يندرج في مصطلحات أخرى مثل “أهل الحل والعقد، الإجماع، القُرَّاء، أهل الشورى، الفقهاء، أولي الأمر”، وأطلق المعاصرون كلمة المرجعية على عدد من المعاني منها([1]):
أولًا- الشريعة أو الدين:
لما شاعت الانحرافات الناتجة عن الترويج للعلمانية وغيرها من أنظمة الفكر الغربي، انبرى فريق من شباب المسلمين مناديًا بالرجوع إلى الشريعة؛ لتكون مرجعًا يصون المجتمع من هذا الغزو وحَكَمًا للمستجدات التي ساقها النظام العالمي الجديد إلى بلاد المسلمين.
ثانيًا- الكتاب والسنة:
الكتاب والسنة هما مصدرا التشريع الأساسيان، وقد أوجب الرجوع إليهما عند التنازع، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]. يقول الدكتور يوسف القرضاوي: (تحددت المرجعية العليا في الإسلام للمصدرين الإلهيين المعصومين؛ القرآن والسنة اللذين أُمرنا باتباعهما وبأن نرد إليهما ما تنازعنا فيه، وإن شئت قلت: هو مصدر واحد أو مرجع واحد، هو الوحي الإلهي سواء أكان وحيًا جليًّا متلوًا وهو القرآن أم وحيًّا غير جلي ولا متلو وهو السنة).
ثالثًا- مصادر استنباط الأحكام الشرعية:
هذه المصادر قسمان: مصادر أصلية ومصادر تبعية، أما الأصلية فهي القرآن والسنة والإجماع والقياس، وأما التبعية فهي الاستحسان والمصالح المرسلة والاستصحاب وسد الذرائع ، وقول الصحابي وشرع من قبلنا والعرف.
رابعًا- أولو الأمر:
اختلف المفسرون في تحديد المقصود بأولي الأمر على أقوال أشهرها: 1_ الولاة 2_ الفقهاء 3_ الولاة والفقهاء معًا، فلا بد أن يمثِّلَ أولي الأمر هيئةٌ أو فئة تسوس المسلمين، وأخرى تتفقه في الدين، وتنذر قومها وتبين لهم ما هم عليه من خير أو شر، وفي أي طريق ينبغي أن يمضوا ومع أي الفريقين ينبغي أن يحطوا رحالهم، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] وكان نبيُّ الله (إذا بعث الجيوشَ أمرهم أن لا يُعَرُّوا نبيه، وتقيم طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تتفقه في الدين، وتنطلق طائفة تدعو قومها، وتحذرهم وقائع الله فيمن خلا قبلهم)([2]). ومثل هذه المرجعيات المتكاملة المتحررة من عقدة الإقصاء أو التفاضل والتعصب لا يجمعها إلا الوحي والعقل والتاريخ.
من خلال ما سبق إليك أهمَّ ما يحدد مفهوم المرجعية:
1_ الكتاب والسنة هما المرجعية العليا التي يُرد إليها كل أمر لا سيما المستجدات، وتليهما أدلة الاستنباط الأخرى.
2_ الهيئات والمجالس العلمية التي تسهل للناس فهم دينهم وتبيِّن حكم ما يستجد من نوازل في زماننا هذا.
3_ المرجعية عند أهل السنة والجماعة ترفض الشخصنة، فلا أحد بعينه يُعَدُّ مرجعيةً مهما بلغ من العلم والمكانة.
ونظرًا لأهمية المرجعية في استقامة المجتمع والدولة المسلمة حظيت بقدر كبير من الأهمية في النصوص الشرعية، قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83]، فقد نعى القرآن الكريم على أولئك الذين يطيرون بالأخبار والحوادث بين الناس دون أن يعودوا بها إلى مرجعية المجتمع المتمثلة برسول الله في عصر النبوة وبخلفائه من أهل العلم والإمارة من بعده، ودعا المجتمع للرجوع إلى أولي الأمر فيه، ورد عَنْ قَتَادَة: ({وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أُولِي الْأَمْر مِنْهُمْ} يَقُول: إِلَى عُلَمَائِهِمْ، {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَفْحَصُونَ عَنْهُ وَيهمُّهُمْ ذَلِكَ، وورد عَنْ اِبْن جُرَيْج: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُول} حَتَّى يَكُون هُوَ الَّذِي يُخْبِرهُمْ {وَإِلَى أُولِي الْأَمْر مِنْهُمْ}: أُولِي الْفِقْه فِي الدِّين وَالْعَقْل)([3]).
ويتقدَّمُ تلك المرجعيةَ الأئمةُ المجدِّدون الذين يبيِّنون ما جاء به نبي الله صلى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يحمل هذا العلم من كل خلق عدولُهُ ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين))([4]) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم))([5])، وهم ورثة الأنبياء الذين يرثونهم علمًا وعملًا، ويقتدون بهم في السرِّ والعلن، ويلتزمون منهجهم في الغضب والرضا والمنشط والمكره، ولا يكونون كمَنْ {يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ}؛ فهم من أهل “الخشية”، وتلك أخصُّ صفاتهم كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]، ذلك أنهم يصدرون فيما يقولون ويفعلون عمَّا أداه إليه اجتهادهم المستند إلى النص دون مداهنةٍ لأحد أو خوفًا من أحد أو طمعًا في عَرَضٍ زائلٍ مهما بلغ، فإن مقتضى خشية الله في قلوبهم أن لا يلتفتوا إلى أهوائهم ولا أهواء غيرهم من الخاصة أو العامة، وإذا كانت مواقف العالم كذلك كانت أقرب إلى الصدق والثبات وأحرى أن تطمئن إليها النفوس وتجتمع عليها القلوب، وقد أكرمنا الله في زماننا بزمرة من أهل العلم، وجودهم نعمة ونور يستضاء به في زمن الفتن والظلام، ولزومهم فضيلة يبعد الإنسان عن وساوس الشيطان وجنوده من الإنس الذين يكررون المحاولة في كل مرة لإبعاد المسلمين عمن يبصرهم بما يجري من حولهم ليبقى المسلمون في تخبط وشقاق.
ضعف المرجعية في الثورة السورية
خرجت المظاهرات في سورية في منتصف شهر آذار 2011م، مطالبة بالحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية وبالمشاركة في القرار السياسي وبإنهاء الفساد وكف قبضة الأجهزة الأمنية عن التدخل في كل صغيرة وكبيرة، ثم أخذت تنعطف منعطفًا خطيرًا منذ نهاية 2012م عندما دخلت جماعات تكفيرية مسلَّحة على خط الثورة السورية، أطلق الأسد سراح بعض قياداتها، وثمة تقارير كثيرة عن الدعم الأجنبي لهذه الجماعات.
بدايةً سوَّغَ بعض الثوار توجُّه بعض التيارات الجديدة إلى حمل السلاح لأنه دفاع عن النفس في وجه آلة الإبادة الأسدية، ولا أحد يجهل مآلات “عسكرة الثورة” لمواجهة نظام يستأسد بمنطق “الأرض المحروقة”، لكن غياب قيادات حقيقية قادرة على فهم الواقع الجيوسياسي لسورية فتح المجال أمام القوى الموبوءة عابرة الدول لاحتلال فضاء الثورة، فتعذرت العودة إلى مرحلة ما قبل “عسكرة الثورة” لتخلّص الثورة من هذه الجماعات المتطرفة الموبوءة، وبدأت الشعارات الإسلامية التي تطلقها هذه الجماعات تستهوي الشباب المتحمسين خاصة أن بطش النظام المجرم في ازدياد، فعظم نفوذ هذه الجماعات بلحاق هؤلاء بها دون فهم واقعي لطبيعتها وما تتبناه من مبادئ وشعارات تغازل بها عقول المتحمسين، فأكثرهم لا يتمتعون بثقافة دينية وسياسية تحصنهم من الانزلاق في متاهة تبتعد بهم عن الهدف الذي قامت عليه الثورة وتقذفهم بعيدًا عن ثورتهم وعما بدؤوه من مظاهرات ضد نظام مجرم يحكم بلدهم بالحديد والنار وتباعد بينهم وبين حاضنتهم وعلمائهم ومثقفيهم.
بدأت هذه الجماعات تستقطب الشباب الكاره للفوضى والفساد الغاضب من ضعف الإمكانات المادية والفنية لدى كتائب الثوار، فلدى التيارات التكفيرية قيادة موحدة وإعلام موجه، ولدى داعش دولة وحدود ونظام وأجور منتظمة ومغرِيات شتَّى شكلت لدى الشباب جاذبية عمياء نحو هذا التنظيم، فضعف تمسك الشباب بثوابتهم الوطنية، وبدا واضحًا أنهم لن يستمعوا لعلماء بلدهم ولأهل الرأي فيه، واتبعوا عواطفهم وأهواءهم؛ فتشتت الجهود وتبعثرت الأوراق، وكان الثوار يقفون في جبهة واحدة في مواجهة النظام المجرم، فصار عليهم أن يقفوا في جبهتين بعد أن تطور الأمر ودخل الثوار في صراع إيديولوجي مسلح مع هذه التيارات الدموية التي عملت على خطف الثورة وبناء أحلامها على جماجم هؤلاء الشباب المنجذبين إليها.
الاختلاف في إطار المرجعية:
من الطبيعي أن تجد في المجتمع الواحد مجموعة أفكار مختلفة، بل إن الاختلاف إذا أُجيدَت إدارته وعرضه بشكل سليم غدا ثروةً فكرية نوعية، فهو يثري الواقع ويطوره، ويرقى به إلى مستويات متميزة ما دام يجري في حدود مرجعيَّةٍ موحدة، فإن أدى إلى تنازُعٍ في أصل المرجعية وخروجٍ من الاختلاف إلى الشقاق والتكفير والتخوين تحول إلى بلاء على المجتمع، وهذا ما حصل في المجتمع السوري.
إن ما حدث إبان الثورة ليس سوى عملية تسلل لثقافات موبوءة مخترقة تحت غطاء الاختلاف والتنوع، زُرِعت في المجتمع السوري بجهود دولية مختلفة بالتنسيق مع نظام الأسد وشركائه في الإجرام، ثم استُغِلت لاحقا لتشتيت الجهود وإبعاد الناس عن الهدف المنشود وتطويل مسافة الوصول إليه، ولإبعاد الشباب الطموح المتحمس عن علمائه ومرجعيته المتزنة المتنبهة لما يحاك لهذا الشباب الطامحِ، الممزقِ ثقافيًّا بقلم البعث، المضلَّلِ بخطابات حماسية باسم الدين والخلافة والعدالة ورفع راية الإسلام، وقد حاول علماء سورية تخليص الشباب من بلاء هذه الجماعات، لكن القوة الإعلامية الداعمة لهذه الجماعات كانت أقوى، فلم ير الشباب المغرر بهم نصيحة العلماء إلا نوعًا من الخوَر، فازدادوا ابتعادًا عنها، وبدأت الخلافات اليسيرة تتحول إلى خلافات في أصل التفكير الديني والعيش الاجتماعي، فاختلطت الأصول بالفروع، وصُدِّق الكاذب وخُوِّن الأمين.
أثر ابتعاد الشباب السوري عن المرجعية:
كان الشباب عمود الثورة حتى نهاية عام 2012م، ثم بدأت تنتشر أفكار جديدة وآراء وفتاوى تتجاوز الواقع السوري، وتتجه به بعيدًا نحو أوهام وأحلام لم تكن تخطر في خَلَدِ السوريين وقت اندلاع الثورة ضد نظامهم المجرم الطائفي، ودخلت إلى سورية شخصيات جعلت من نفسها مرجعيات في فترة وجيزة، وحملت فكرًا غريبًا مِنْ أدبياته فتح روما وإسقاط طواغيت العالم وما إلى ذلك من الأخيلة، فلم تزد هذه المرجعيات الوافدة الثورة إلا تفرقًا وضعفًا، ووجدت هذه الأحلام آذانًا صاغية، وتلاقت مع أناس يحبون الأحلام الوردية، فتبعوها وهم لا يستطيعون إدارة بلدة صغيرة وخِدمتها فضلًا عن منطقة أو مدينة، فما بالك بالحديث عن حكم أمة تمتد في القارات الثلاث!
بأيدي هذه المرجعيات الموبوءة التي روج لها الإعلام بدأ شباب الثورة السورية يناطحون ثورتهم ويتربصون بها الدوائر من حيث لا يشعرون، فقد عملت هذه المرجعيات فور قدومها إلى سورية على بث السموم والفتن في عقول الشباب وإبعادهم شيئًا فشيئًا عن مرجعياتهم الاجتماعية وعلمائهم الربانيين بتهم مختلفة منها الاتهام بالشرك والكفر والعمالة والخيانة والجبن، ورغم أفول هذه المرجعيات وتياراتها بعد أن نفَّذت مهمتها في تدمير المجتمع السوري وتأهيل نظام الأسد خلَّفت في المجتمع السوري أمراضًا مزمنة ليس من السهل التخلص منها، من أشهرها الاستخفاف والتعالي والتخوين والاستهزاء بالمرجعية المتمثلة بالجهات والهيئات والشخصيات العلمية المخلصة.
من أين يبدأ العلاج؟
إن فقدان الإنسان ثقته بكل ما حوله وتعاليَه على كل ما يحيط به واستهزاءَه بقادة الأمة ومرجعياتها أحوال لا تعبر عن نزوعه إلى الحرية بمقدار ما تعبر عن مرض خطير ناتج عن صدمات مختلفة، من شأنه أن يؤدي بالمجتمع إلى مزيد من التفتت والتشرذم، فلا بد من خطوات لمقاومته واكتساب المناعة ضده، ولما كان أكثر فكر الجماعات المتطرفة موجهًا إلى مرجعيتنا المتمثلة بما سبق فأول طريق العلاج:
([1]). طه أحمد الزيدي: المرجعية في ضوء السياسة الشرعية، دار النفائس، ص 61 حتى 74؛ عماد الدين الرشيد: المرجعية دراسة في المفهوم القرآني، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، العدد الأول، 2005م، 21/404.
([2]). محمد بن جرير الطبري: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ت د.عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر (12/77).
([4]) البيهقي: السنن الكبرى، مكتبة دار الباز، تحقيق : محمد عبد القادر عطا 10/209.