التعليم في المناطق المحررة آلامٌ . . وآمال
ديسمبر 1, 2019
التهجيرُ القسريُّ في سوريا، وأثره على أهل السنّة فيها
ديسمبر 1, 2019

خطوةٌ نحوَ تطويرِ علومِنا اللّغوية

الصِّيغُ الزّمانيةُ في اللّغةِ العربيةِ دِراسةٌ تقابليةٌ معَ اللّغةِ التركيّةِ

محمد علي النجار – محرر مجلة مقاربات – باحث ماجستير

مقدمة

إن الصيغ الزمانية التي يحتاج إليها البشر للتعبير عن احتياجاتهم اليومية تكاد تكون واحدة، وهذا القانون ينطبق على الناطقين بكل من اللغة العربية والتركية والإنجليزية والفرنسية وغيرها… ولكن الفرق بين العربية واللغات الأخرى الأكثر شيوعًا في العالم؛ أن العربية لم تتغير منذ نزل القرآن بها، بينما تغيرت لغات الأقوام الأخرى، والفرق بين علماء اللغة عند العرب وغيرهم أن العرب ما زالوا مرتبطين بالتقسيم النحوي للفعل (ماضٍ ومضارع وأمر)، وقد قصروا في بناء علم جديد للغة العربية يعلم العرب لغتهم الفصحى، ويعمل جنبا إلى جنب مع علم النحو في الحفاظ على اللغة ودفعها إلى الأمام… وفي حين قصَّر العرب أجيالا في تجديد علوم اللغة فإننا نجد أبناء الأمم الأخرى قد أعادوا هيكلة لغاتهم وقدموها -لأبنائهم وغيرهم- في نظام علميٍّ منطقيٍّ يسير، إذ نجدهم يقسمون الأفعال والصيغ الزمانية والتراكيب في لغاتهم وَفق الوظائف والمعاني التي تؤديها في كلٍّ من أزمنة الماضي والحاضر والمستقبل، ويوزعون التراكيب على الوظائف التي تؤديها.

إنه لدى مقارنة الصيغ الزمانية البسيطة والمركبة في اللغة العربية بالتركية والإنجليزية أو الفرنسية نجدها لا تختلف من الجهة الوظيفية أو الدلالية، لكن قد تختلف في عدِّ بعض التراكيب أزمنة خاصة في حين لا تعدّها لغةٌ أخرى… ولكن على العموم نجد التقسيم التركي للأزمنة هو الأقرب إلى اللغة العربية.

لدى دراستنا للُّغات العالميّة المتقدّمة نجد العمدة في التقسيم الزماني فيها يعود إلى أمرين، أحدهما الزمن والثاني الصيغة.

إن التقسيم الدلالي أو الوظيفي للأساليب اللغوية هو الأساس الذي ينبغي أن يقوم عليه علم اللغة المجرد، الذي يعلم اللغة كوسيلة تواصل بشري، بينما يعتمد النحو في تصنيفه لمفردات اللغة وتراكيبها الشكل الصرفي للكلمات أحيانا -كتقسيمه الأفعال إلى ماض ومضارع وأمر- وحركة الحرف الأخير غالبا، وهو ما يعرف بنظرية العامل وما تتضمنه من علة وعامل ومعلول وخلافات فيها، ولهذا تعاني كتب تعليم اللغة العربية للعرب أو لغيرهم من الازدواجية في محاولتها التوفيق بين حاجاتنا اللغوية المبنية على الوظائف والدلالات والاستخدام وبين علم النحو المبني على نظام الصرف والعامل وفلسفتهما.

وقد سلطتُ الضوءَ في هذا البحث المختصر على الصيغ الزمانية في اللغة العربية مقارنة باللغة التركية خاصة، وقدَّمت لذلك بمبحث خاص عن أهم الأسس والمرتكزات التي تمكننا من بناء (علم اللغة العربية) المجرد ليؤدي خدماته جنبًا إلى جنب مع علوم اللغة الأخرى، وقد تم ذلك في مبحثين وخاتمة.

المبحث الأول: (الحاجة إلى تجديد علوم اللغة) وفيه ثلاثة مطالب، المطلب الأول: كيف نقدر حاجتنا إلى التطوير اللغوي، المطلب الثاني: الدعوات إلى تجديد علوم اللغة، المطلب الثالث: أصول في منهجية بنائنا اللغوي.

المبحث الثاني: (صيغ الأزمنة في اللغة العربية) وفيه ثلاثة مطالب، المطلب الأول: الأزمنة في الجملة الفعلية، المطلب الثاني: الأزمنة في الجملة الاسمية، المطلب الثالث: الأزمنة المحكية.

وأخيرا خاتمة وفيها أهم النتائج والتوصيات.

المبحث الأول

حاجتنا إلى تجديد علوم اللغة

تمتاز عصور التقدم العلمي والاستقرار الحضاري بسير العلوم وَفق الأهداف المبنية على حاجات الإنسان والمجتمع، بينما لا تجد أهدافًا حقيقيَّةً في فترات الاضطراب والتخلف الحضاريِّ نتيجة لعدم إدراك الأمم لحاجاتها… إذ إن الإنسان الذي يعيش في بيئة مضطربة يفقد القدرة على رؤية المستقبل… وعلى فرض أن العلماء الذين يعيشون في بيئة متخلفة أدركوا حاجتهم وقاموا بتحديدها فإنهم لا يملكون القدرة على تغيير المسيرة العلمية التي ورثوها عمن سبقهم وفق احتياجاتهم، والسبب في ذلك شيوع تقديس وسائل الحياة وشكلياتها على حساب مقاصدها وروحها، فيغدو التقليد الصوريُّ صفة العلم، وتختلط مفاهيمهم ويفقدون القدرة على التمييز بين الاتباع الذي يعني سلوك طريق السابقين نفسه، وبين التقليد الذي يعني المحافظة على الصورة الموروثة وترك الطريق الذي وصل من خلاله السابقون إلى أهدافهم.

ولقد تأسس علم النحو العربي في زمن السلف الصالح، في القرن الأول الهجري، وفق حاجة ذلك العصر لحماية اللغة العربية من الخطأ بسبب الدخيل عليها، من خلال شرح اللغة وتعليم الناس ضبط أواخر الكلمات، بينما كانت مهمة علم الصرف تعريف المتعلمين على طرق بناء الكلمة ودلالتها مفردة، في حين كان علم الإملاء مخصصا لضبط قواعد الرسم العربي، وأما علم البلاغة فقد أسس لدراسة المعاني الحقيقية والمجازية للكلام العربي، وما زالت علوم اللغة إلى اليوم تؤدي مهمتها في خدمة اللغة العربية، ولكن المشكلة في أن اللغة بشكلها الأصلي بدأت تفقد وجودها؛ ولهذا بدأت تظهر فجوة كبيرة بين المتعلم وعلوم اللغة إذ غدت هذه العلوم صفة لواقع افتراضي غير موجود.

المطلب الأول: كيف نقدر حاجتنا إلى التطوير اللغوي.

نكاد نكون متفقين على أن علم اللغة العربية يحتاج إلى تطوير كما هو حال كل العلوم الإنسانية التي تتغير من يوم إلى آخر في بناء متين يتطاول بحثا عن الكمال، وإن السعي نحو التغيير أو التطوير والإنتاج غالبا ما يسبقه إحساس بالحاجة إليه، فما الحاجة التي تشعرنا بوجوب تطوير علومنا اللغوية وتحديثها؟

سأسلط الضوء هنا على حاجاتنا اللغوية في ثلاثة ميادين أساسية.

الأول: في ميدان تعليم اللغة للعرب؛ إذ لم تستطع أدواتنا اللغوية أن تحافظ على لغتنا فذهبت الفصحى وحلت محلها لهجات عامية رطينة، ومنهم من يعزو ذلك إلى الاختلاط بالأمم الأخرى، فما قدرتنا على مواجهة هذا الاختلاط الأممي أو آثاره الممتدة لمئات السنين؟ ولعل من يقول ذلك يكون محقا إلى درجة ما، ولكن السؤال المهم؛ إذا كان هذا واقعنا الذي لا مفر منه فهل أوجدنا ما يحل هذه المشكلة ويعيد الفصحى إلى الحياة؟ والحقيقة أن العلماء لم يبذلوا جهودًا كافيةً في ذلك.

إن علم النحو الذي يراه كثيرون العلم الأساس في تعليم اللغة، لا يستطيع أن يهب اللغةَ روحَها، ولا يهب اللغة لمن يتعلمه فكيف بمن لم يتعلمه؟ وما أكثر طلابنا الذين تعلموا النحو أعوامًا وعجزوا عن الفصحى؟ بل وكم عدد الأعاجم الذين يتقنون النحو ومسائله أكثر مِمَّن تعلمه من العرب ولا يجيد السلام ورده؟

الثاني: الحاجة الثانية نجدها في ميدان تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها… إذ إن ارتباط العرب ولغتهم بالإسلام وما نتج عن ذلك من تفاعل حضاري غير وجه العالم؛ جعلها لغة عالمية متقدمة تنافس لغات أقوى الأمم وأكثرها تحضّرًا، ولا يزال عدد المقبلين على تعلمها يزداد يوما بعد يوم، ولكنه وكما يشعر العاملون في مجال تدريس اللغة للعرب بالانفصام التام بين النحو خاصة وواقع اللغة، فإن المعاناة نفسها يجدها العاملون في مجال تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وذلك للانفصال التام بين المستويات اللغوية والقواعد العربية التي تدرس وفق التقسيم النحوي، حيث يصل كل من المعلم والمتعلم إلى مرحلة -تبدأ في المستوى المتوسط عادة- يشعر فيها بالانفصال التام بين اللغة وقواعدها.

ثالثا: إن الميدان الثالث الذي نشعر فيه بقصورنا اللغوي ويجعلنا مجبرين على قضاء الوقت للعمل على تطوير علومنا اللغوية ميدان الحضارة، فإن الأمة لا تبدع وتنتج خارج لغتها، ونحن العرب لا يمكننا أن نؤمل نهضة مستقبلية بينما نبني أملنا الحضاري على اللغات الأجنبية، لهذا ينبغي أن تكون لغتنا قادرة على مسايرة كل أنواع التطور الإنساني لعله يأتي علينا يوم وندلي بدلونا فيه.

إن أحد أقرب أشكال تخلف مناهجنا اللغوية أن تجد الطالب العربي يقدر على ممارسة اللغة الأجنبية والتكلم بها بطلاقة مع فهم قواعدها وبناء تصور متكامل عنها خلال سنة، ولا يجيد لغته الفصحى أو علم النحو فقط على الرغم من دراسته سنوات عدة… وإن أحد أسباب قدرة طلابنا العرب على تعلم اللغة الأجنبية وإتقانها أكثر من العربية؛ أنه يتعلم الأجنبية لغةً -أي منظومة متناسقة تحوي نمط كلام وتواصل بشري- بينما يتعلم العربية إحصاء وفلسفة ومعنىً، ولا يرى لعلومها أثرًا حقيقيًّا في واقعه العملي.

وإن العرب اليوم إذا ما أرادوا أن يمارسوا دورهم الحضاريَّ فعليهم أوّلًا أن يعودوا إلى الفصحى لتكون لغة جامعة لهم ولمن يتعلم لغتهم… وإن العودة إلى الفصحى تستلزم منا بناء علم لغوي جديد مرتكزٍ إلى علومنا اللغوية الموروثة، يعلم اللغة نفسها كما تُعلَّم لغات العالم الأخرى، ويكون مدخلًا إلى علومنا اللغويّة الاختصاصيّة.

المطلب الثاني: الدعوات إلى تجديد علوم اللغة

يعد القاضي الظاهري ابن مضاء الأندلسي المتوفى سنة 592 هـ أول من جهر بنقد النحو العربي ونظرية العامل والتعليل التي بُني عليها، ولم يصلنا من حملته على النحاة سوى كتابه (الرد على النحاة)، ولعل تلك الدعوة قد اختفت تمامًا إلى أن أعادها إلى الحياة بعض علماء اللغة المعاصرين تحت ضغط الحاجة وعدم قيام علم النحو باحتياجاتنا اللغوية.

من أبرز من دعا إلى تجديد علم النحو – العلم الأساس في اللغة – الدكتور شوقي ضيف في كتابه (تجديد النحو) وكانت خطته تعتمد في جزء كبير منها على إزالة بعض أبواب النحو وزيادة بعضها، ومنهم أيضا الدكتور تمام حسان في مجموعة من مؤلفاته لعل أبرزها كتابه (اللغة العربية معناها ومبناها)، والذي بنى فيه رؤيةً جديدةً للنحو العربيّ، وتعرض فيه للعلاقة بين زمن الفعل وبنائه واسمه[1]، ومنهم إبراهيم مصطفى في كتابه (إحياء النحو)، وتبعهم في ذلك مجموعة أخرى من الباحثين، ومن أبرز من تهجم على النحاة وكتبهم في عصرنا الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في مجلة الرسالة حينما كتب مقاله الشهير (آفة اللغة هذا النحو).

مصير جهود التجديد:

والحقيقة أن محاولات هؤلاء العلماء تجديد النحو قد ظهرت نتيجة لإدراك حاجتنا إلى التطوير اللغوي في ظل ضياع العربية، ولعل في دراستهم للغات الأجنبية الأخرى ما أعطاهم تصوُّرًا عن طرق دراسة التراكيب اللغوية، فجاءت جهودهم التجديدية محاولة للتوفيق بين ما رأوه من تطور لغوي في عالمهم وبين قواعد النحاة، ولكن محاولاتهم قد عجزت عن إحداث تغيير حقيقي في مسيرة اللغة لسببين، الأول: أنهم انطلقوا إلى التجديد اللغوي من منطلقات النحاة القدامى وليس من منطلقات مغايرة، فلم تخرج تصوراتهم عن الطريقة النحوية في المجمل، والثاني: أن دعوتهم للتجديد كانت في مواجهة النحو، العلم المتكامل البنيان على مدى ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، مما جعل الأكثرية تغض النظر عن جهودهم، في حين رأى صنفٌ آخر من الباحثين في جهودهم محاولةً لهدم البناء النحويّ الذي يمثل عصب العلوم اللغوية عند العرب، فتم رفضها حتى دون تفهُّمها أحيانًا.

إن رفض مجمل اللغويّين لجهود المجدّدين لا يعني أبدًا أن جهودهم قد ذهبت هباءً فقد قاموا بأبحاث دقيقة ستكون مفيدةً في بناء علم اللغة التجريدي الذي ينبغي أن يكون مقدمة غيره من العلوم اللغوية.

ما الحل؟

إن النحاة لم يخطئوا أو يَقْصُروا عن فهم العلاقة بين شكل الكلمة ومدلولها وخاصة في الأفعال، ولكنهم بنوا علم اللغة وفقًا لمعارف زمانهم وحاجاتهم؛ بينما قَصُر الذين جاؤوا بعدهم عن بناء علم لغويٍّ يمثل معارف عصرهم ويخدم حاجاته.

إن الحل بحسب ما خلص إليه البحث، يكمن في بناء علم جديد للغة ننطلق فيه من منطلقات وأسس وظيفية، يعلم اللغة نفسها نمطَ تعبير وتواصل بشري، يكون مقدمة لعلوم العربية أو معينا لها لا بديلا، لنتجنب المشكلتين اللتين وقع فيهما من دعا سابقًا إلى التّجديد اللغوي.

المطلب الثالث: كيف نطور اللغة العربية؟

على الرغم من اتفاقنا على الحاجة لتطوير اللغة وتغيير أساليبنا التعليمية فإننا سنختلف في مفهوم هذا التطوير أو التغيير… وسأعرض هنا مقترحي لتطوير اللغة العربية وفق مجموعة من المقدمات والقوانين والمرتكزات.

أولا: كيف تتطور العلوم الإنسانية؟

إن تطوير علم ما لا يقضي بالضرورة نسف بنيانه القديم أو الزيادة عليه أو تغييره بتغير الأزمان… إن بعض العلوم يتم تطويرها بهدم الأجزاء التالفة منها والاستفادة من القديم الصالح في إعادة تشييد أركانها وفق حاجات البشر، لكن البعض منها لا يقبل الهدم والبناء كعلم الفيزياء مثلا وعلم أصول الفقه والمنطق والعلوم الدينية الخبرية المؤسسة على الغيب، لأن أمثال هذه العلوم مبنية على مسلّماتٍ عقليّةٍ ثابتة بالحسّ والتجربة والعقل أو الإيمان بالغيب، وإن إعادة البحث فيها عبر دراساتٍ علمية حديثة لن تقودنا إلا إلى نفس النتائج التي سبق إليها الأولون.

ثانيا: كيف تتطور اللغات؟

إن اللغاتِ الإنسانيةَ عمومًا تتعرض لنوعين من التطوير، أحدهما الهدم والبناء، من خلال الاستغناء عن بعض أجزاء اللغة مع مرور العصور والتعويض عنها بجوانب جديدة، كما حدث لكثير من اللغات العالمية إذ تغيرت من فترة لأخرى كالإنجليزية والتركية والفرنسية وغيرها… النوع الثاني من التطوير يكون من خلال تحديث طرق عرض اللغة وتقسيمها وتقديمها بناء على علومها ومعارفها السابقة.

وإن الناظر في لغتنا العربية وعلومها الأصيلة -وخاصة النحو- يجدها من القسم الذي لا يقبل الهدم والبناء وإعادة تغيير أساسيات اللغة كما هو الحال في باقي اللغات، والسبب في ذلك ارتباطها الوثيق بالقرآن الكريم وعلوم الإسلام في علاقة متبادلة بينها وبين الدين؛ إذ نَقَلَتْهُ، وحفظها من التغيير، حتى إنه قد كُتبت بها علوم العرب والمسلمين في شتّى مجالات الحضارة والدّين والأدب والتاريخ والفنِّ والسياسة لأربعة عشر قرنًا بلا تغيّر فيها، فأصبح التفكير بهدم أجزاء من علومها أو الاستغناء عنها والتعويض بشيء جديد ضربًا من الخيال…

ونتيجة لحتمية لغتنا بشكلها الفصيح وبعلومها الموروثة؛ فإنه لم يبق لنا طريق لتحديثها سوى تغيير إعادة عرض قواعد النطق بها عبر دراسات أقرب إلى مقاصد الكلام الإنساني وأهدافه مما هو الواقع في علم النحو العربي.

ثالثا: ما المنطلقات في تطوير اللغة العربية؟

إن أساسنا في تطوير لغتنا هو مراقبة مقاصد المتكلمين بالعربية لمعرفة الأساليب التي يعبرون من خلالها عن المعاني التي يبتغون إيصالها إلى الآخرين، ونقوم بوضع كل أسلوب يستخدمه المتكلمون مع قسيمه اعتمادًا على معارفنا اللغوية السابقة… وهنا نجد تساؤلًا مهما؛ أليس في علوم اللغة العربية ما يتكلم في هذا الجانب ويوضحه؟

إن أصل هذا التقسيم المنطقي للغتنا وقواعدها موجود في علم البلاغة -كما سيأتي لاحقًا- أكثر مما هو موجود في علم النحو، وإن كان النحو لا يخلو من بعضه؛ إذ إن مباحث البلاغة تُعنَى بالدرجة الأولى بمعاني الكلام ومقاصد المتكلمين واحتياجاتهم الحقيقيّة الواضحة أو المجازية البسيطة أو المعقدة الخفية، ونجد علم أصول الفقه يشترك معها في نظرته إلى الكلام وتقسيمه له… ومن خلال جمعنا بين مباحث علوم اللغة العربية كالبلاغة والنحو والإملاء والصرف وفقه اللغة وغيرها، بالإضافة إلى علم اللغة التطبيقي والتقابلي أو المقارن سنجد الطريق لبناء إطار مرجعي خاص بلغتنا العربية.

وفي هذا الصدد ينبغي أن ندرك أنه لا يمكننا أن نتبع في البناء اللغوي الجديد لعلم اللغة العربية مصطلحات جديدة بحتة -كما يتصور البعض- لأنه في النتيجة عبارة عن مدخل إلى علوم العربية الأخرى النحو والصرف والبلاغة والكتابة… ولهذا سنختار من مباحث هذه العلوم ما يخدم هدفنا ولا تبتعد دلالته عن الوظيفة التي تؤديها التراكيب اللغوية.

الكلمة عند النحويين ثلاثة أنواع: أسماء وأفعال وحروف، وهو تقسيم منطقي عام، وقد فصّل فيه الدكتور تمام حسان فقرر أن اللغة تتكون من سبعة أشياء: الاسم والصفة والفعل والظروف ثم الضمائر والأدوات والفواصل… ومهما يكن فإن الجملة اللغوية المفيدة تتكون من ضم بعض هذه الأجزاء إلى بعضها ضمن نظام عرفيٍّ بين المتكلمين باللغة.

والسؤال الآن إذا كانت هذه هي عناصر كل لغة، فكيف يستخدم البشر هذه اللغة وما أغراضهم منها؟

تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء:

لقد عُني علماء اللغة وفقهاء الإسلام كثيرا بأنواع الكلام ودلالاته وقرروا أن أنواع الكلام كلها ترجع إلى قسمين، أحدهما الخبر والثاني الإنشاء، كما نجد ذلك في كتب البلاغة وأصول الفقه… إذ إن المتكلمين بلغة ما قد اتخذوا اللغة عرفًا يتواصلون بواسطته ويعبر كل منهم من خلالها عن نفسه، ولدى استقرائنا لحاجات هؤلاء المتكلمين وأغراضهم نجدها لا تعدو التقسيم الذي استقر عليه علماء البلاغة أو أصول الفقه الإسلامي، ونجد تحت كل من هذين القسمين أنواعًا مختلفة من المعاني اللغوية المركبة، والمهم لنا هنا في (علم اللغة العربية المجرد) الأنواع البسيطة منها والمنتجة بحسب مستويات اللغة العامة وليست الاختصاصية منها.

أقسام الخبر والإنشاء:

لدى نظرنا إلى الخبر نجده ينحصر في ثلاثة أزمنة أساسية: الماضي والحاضر والمستقبل، وهذا هو الأساس في تقسيم أساليب الكلام العربي… وإن كان في كل زمن من هذه الثلاثة تقسيمات نعرض لها لاحقا.

كما يدخل في الخبر صيغ إفادة الوجوب مثل (يجب علي أن) وصيغ الاستطاعة (أستطيع أن)، وهي وإن كانت صيغ خبرية لكن لا يعتبر مفهوم الزمان فيها لأنها إنما وجدت لإفادة معنى ما بغض النظر عن القالب الزمني الذي جاءت على صورته، وإنه من الجيد لنا كمختصين أن نعرف مكان هذه الصيغ من اللغة، وأما بالنسبة للمتعلم فيكفيه منها أن يعرف أنها صيغ للدلالة على هذا المعنى أو ذاك ويجيد استخدامها بعيدا عن فلسفة المقارنة بين أصل التركيب وهدفه.

وأما الإنشاء فهو أقسام لكل منها وظائفه الخاصة وأهمها: الأمر والنهي والعرض والطلب والتمني والرجاء.

كيف نعرض القواعد؟

كما هو الحال في الإنجليزية والتركية تعرض اللغة من خلال الأزمنة والصيغ الإنشائية وأدوات الربط، كل منها في مكانه من جسم اللغة، متضمنة فيما يناسبها من المواضيع والمواقف الحياتية، إذ تكون المعاني المركبة ووظائف الكلام هي التي تستدعي المباحث القواعدية اللازمة لها، وليس العكس كما هو الحال في كتب تدريس القواعد العربية للعرب، ولا تكون وظائف الكلام وسياقاته منفصلة عن القواعد كما هو الحال في كتب تعليم العربية لغير الناطقين بها.

في علم اللغة العربية -بشكله التجريدي- لا نحتاج درسًا اسمه نواصب الفعل المضارع ولا جوازم الفعل المضارع، ولا نحتاج درسًا اسمه النواسخ، وإنما توجد وظيفة يُتحدث عنها، وتُدرَّس كل أداة مما سبق في مكانها من الأزمنة أو الصيغ، وسأضرب أمثلة لذلك:

(أنْ): تدرس في القوالب المركبة، كأداة للربط بين فعلين أولهما فعل مساعد يدل على صيغة، والثاني فعل يدل على حدث مثل: (يجب أن أذهبَ… – أستطيع أن أجريَ… – يمكن أن أشربَ…  – أُفضل أن أقرأَ… – إلخ).

(لن): تدرس في زمن المستقبل إذ هي أداة النفي فيه، مثل: (سأسافر إلى البرازيل – لن أسافر إلى البرازيل).

(كي): تدرس في المستويات المتقدمة للربط بين جملتين الثانية منهما سبب للأولى، مثل: (جاء عامر كي يأخذ السيارة).

(لا) الناهية: أداة توضع قبل الفعل بصيغة الحاضر لتفيد النهي، إذ تتركب مع صيغة الفعل الحاضر لتنتج صيغة النهي المقابلة لصيغة الأمر مثل: (اكتب # لا تكتب)، ونلاحظ أن الأمر هنا عبارة عن صيغة تقابل النهي، وليس زمنًا قسيمًا للماضي والمضارع كما في النحو أو كتب العربية للناطقين بغيرها.

(لم): تدرس بعد نهاية الأزمنة البسيطة كأسلوبٍ آخر لنفي الزمن الماضي، مثل: (تناولَ الطفلُ طعامَه، لم يتناولْ الطفلُ طعامَه).

(ليس): تدرس في المستوى المبتدئ في نفي الجملة الاسمية، مثل: (المعلمُ موجودٌ، ليس المعلمُ موجودًا).

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني

صيغ الأزمنة في اللغة العربية

الأزمنة ثلاثة هي الماضي والحاضر والمستقبل، وهي إما أن يعبر عنها بشكلها البسيط أو بمعان أخرى مضافة إليها، ومن هنا جاء تنوع الأزمنة في اللغات الإنسانية، فإذا اعتبرنا مع الزمن المجرد الصيغ المخصصة للتعبير عن كل حدث مقترن بزمان حصلنا على نظام تقسيم الأزمنة الخاص بكل لغة.

ومن أشهر من فطن إلى هذه المسألة في اللغة العربية الأستاذ فريد الدين آيدن حيث كتب بحثًا تتبع فيه اختلاف الدّلالة الزمنية للفعل باختلاف الصيغ، وباختلاف الكلمات التي يقترن بها في بحثه الأزمنة في اللغة العربية، ولكنه لم يُقعِّد المسألة واكتفى بالإضاءة على بعض جوانبها؛ من خلال ملاحظة تغير معنى الصيغة الفعلية بحسب العوامل والأدوات الداخلة على الجملة العربية.

وللدكتور محمد موفق الحسن بحث لا بأس به في هذا الباب[2] عرض فيه لأصل المسألة الزمانية واختلاف العلماء فيها، ثم سلط الضوء على القصور والخلط الذي تعاني منه كتب تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في مجال تقديم الصيغ الزمانية، مستدلًّا على ذلك بسلسلة اللسان وسلسلة الطريق إلى العربية والعربية بين يديك[3]، ثم عرض لتصوره عن الأزمنة واستمده في معظمه من أبحاث الدكتور تمام حسان ولم يستطع أن يأتي بجديد إذ لم يتخلص من عقدة النحو ومنطلقاته، كما يتضح ذلك في حديثه عن الزمن الحاضر إذ عاد إلى التعريف النحوي، وهنا يبدأ الخطأ في تدريس الأزمنة وبالتالي فإن كل ما يبنى عليه يبقى قاصرًا، ثم اعتمد التراكيب الفرعية أزمنة مستقلة بذاتها مما أدى إلى تعقيد الرؤية والخروج عن التقسيم المنطقي.

وبالنسبة لما أكتبه هنا وما وصلت إليه من تقاسيم للصيغ الزمانية فقد كان نتيجة تجربة شخصية استغرقت بضع سنين في دراسة اللغة الإنجليزية والتركية، ثم تدريس الأزمنة والصيغ العربية من خلال ربطها بأساليب وقواعد اللغتين السابقتين، كعملية تيسير لاكتساب اللغة العربية بالاستفادة من ملكة اللغة الأم وقواعدها اللامحسوسة المتواجدة بالفطرة في عقل الطالب، وقد كان اطلاعي على جهود العلماء المعاصرين في هذا الباب متأخرًا عن التقسيم الذي وصلت إليه بالمقابلة والتجربة، ولعل في تأخر الاطلاع على ما كتبه السابقون من الخير -أحيانًا- مثل ما نجده في دراستها والاطلاع عليها، فكثيرا ما تَأْسِر الفكرة السابقة قارئها وتحول بينه وبين الانطلاق إلى آفاق أخرى لم يصل إليها السابقون.

إن اللغة العربية لها نظامها الخاص الذي يعتمد الجملة الاسمية والفعلية أساسًا في أشكال الجملة العربية، هذا في النحو العربي، وأما في البلاغة فتتكون الجملة من مسند إليه وهو (الاسم) ومسند وهو إما (صفة) أو (فعل)، ولعل التقسيم البلاغي هو الأقرب إلى الوظيفة اللغوية، وإننا إذا اعتبرنا النظام البلاغي والنحوي معًا في تقرير أنواع الجمل نستطيع أن نقول: الجملة الاسمية ما أسندت فيها الصفة إلى الاسم، والجملة الفعلية ما أسند فيها الفعل إلى الاسم، مثل: (محمد معلم وأحمد في الصف: جملة اسمية) و (محمد يقرأ ويقرأ محمد: جملة فعلية)، ومن خلال ما سبق سننطلق إلى دراسة الصيغ الزمانية في اللغة العربية.

لم يخطئ النحاة الأقدمون -بلا شك-  في تقسيم الأفعال إلى (ماض ومضارع وأمر)، فهم أكثر إدراكًا للغة منا، ومع هذا علينا أن نعلم أن منطلقاتِهم إلى اللغة كانت تختلف عن منطلقاتنا؛ إذ إن الواقع اللغوي الذي عاشوه يختلف عن واقعنا الذي يدعونا إلى إعادة هيكلة اللغة وتقديمها وفق معارفنا المعاصرة… وليس صحيحًا أبدًا ما قام به البعض من محاولة الاعتداء على البناء النحويّ المتناسق لتحميله حاجاتنا المعاصرة، وإنما الصحيح أن نتعلم من النحاة كيف نبني بناءً جديدًا نَتْبَع فيه أساليبهم العلميَّةَ في اعتماد مبدأ الفرضِ والتّجربة والقياسِ واستقراء اللغة والتراكيب؛ لتمييز التراكيب الفاسدة من التراكيب المفيدة في الواقع اللغوي.

وسأقوم في هذا المبحث بعرض الأزمنة العربية التي توصلت إليها بواسطة الاستقراء للكلام العربي، مع المقارنة بين الصيغ الزمانية في كل من العربية من جهة والتركية من جهة أخرى.

وقد جربتُ هذه الأزمنة واختبرتها مدة طويلة فثبتت صيغها ولم تتأثر على الرغم من اختلاف المواطن التي استخدمت فيها، ولم أجد مزيدًا عليها.

إن الأزمنة التي وجدتها في لغتنا العربية هي اثنا عشر زمانًا، أربعة منها بصيغة الجملة الفعليّة للدّلالة على حدث مقترن بزمان، وأربعة منها بصيغة الجملة الاسميّة للدّلالة على صفة ثبتت للاسم -المبتدأ أو المسند إليه- مقترنة بزمن، وأربعة منها بصيغة الحكاية للدّلالة على الأزمنة البسيطة في الزّمن الماضي البعيد.

ولدى استقراء الصيغ الزمانيّة في اللغة التركيّة وجدتها ستة عشر زمانًا أصيلًا، وقد يضاف عليها أربعة أخرى لتصل إلى عشرين باعتبار أن الماضي في اللغة التركية نوعان معلوم وغير معلوم، وليس كل ما يقابلها في العربية من تراكيب يمكن أن يعدَّ زمانًا مستقلا، إذ إن بعض ما يعتبر زمانا خاصًّا في التركية يندرج تحت نوع من الأنواع الاثني عشر التي سأذكرها.

وكما أن الجملة في العربية نوعان اسمية وفعلية، فكذلك هو الحال في التركية إذ تنقسم الجملة عندهم إلى فعلية واسمية، والاسمية عندهم ما تم الكلام بها وخلت من الفعل، والفعلية عندهم ما تم الكلام بها مع وجود فعل في تركيبها.

وسأعرض هنا للصيغ الزمانية في العربية مقارنة بالتركية، وقد أعرج على الإنجليزية للتوضيح أحيانًا.

المطلب الأول: الأزمنة في الجملة الفعلية

الجملة الفعلية هي ما ابتُدِئت بفعل كما في علم النحو، أو ما كان المسند فيها فعلا سواء تقدم على الاسم أو تأخر عنه، كما سنسير عليه، وهو ما عليه الاعتماد في اللغة التركية، وهو أقرب في الاعتبار إلى الوظيفة مما هو عليه الحال في النحو العربي… ولدى استقراء تراكيب الجملة الفعلية البسيطة نجدها -بالنظر إلى الزمن- إما أن تدل على حدث وقع وانتهى في الماضي، أو حدث يقع في وقت التكلم، أو حدث سيقع في المستقبل، أو حدث واسع تكرر في الماضي وما زال يتكرر في الحاضر وسيستمر في المستقبل، فهذه أربعة أزمنة ولكل منها تركيبه الخاص في كل من العربية كما هو الحال في الإنجليزية والتركية، ولكل من هذه التراكيب ما يميزه عن الآخر.

الأول: الزمن الحاضر الواسع.

التعريف: هو ما يدل على حدث تكرر في الماضي واستمر كذلك في الحاضر وسيستمر في المستقبل، للدلالة على عادة أو حقيقة علميّة أو خاصية الفاعل في المسائل الثابتة أو ما شابهها مما يستمر في الأزمنة الثلاثة.

الاسم: واسمه في اللغة التركية (الزمن الواسع) (Geniş Zaman)[4]، واسمه في الإنجليزية (الزمن الحاضر البسيط) (simple present tense)[5] وليس له اسم خاص في اللغة العربية.

الصيغة: يعبر عن هذا الزمن بصيغة (الفعل المضارع) مع تضمن الجملة لفظا أو معنى إحدى التعابير الآتية: (دائما – غالبا – أحيانا) أو (أبدا) في حالة النفي، أو (عادة أو كثيرا ) للدلالة على كثرة الأمر، أو (نادرًا) للدلالة على قلته… ومثل ذلك (كل يوم – كل أسبوع – كل عام – أيام الأحد – يوميا – شهريا – أسبوعيا – سنويا )… فهذه التعبيرات أو ما يحمل معناها – مما يدل على تكرار الحدث في الأزمنة الثلاثة – إن وجدت في الجملة مع صيغة الفعل المضارع دلت على ما يسمى (بالزمن الواسع) في اللغة التركية، أو (الزمن الحاضر البسيط) في اللغة الإنجليزية.

الأمثلة:

في الإيجاب: (دائمًا أذهبُ إلى العمل في السّاعة الثّامنة صباحًا – أنت تحبُّ العسل – الشّمس تطلعُ من الشّرق).

في النفي: (أنا لا أذهبُ أبدا إلى العمل متأخّرًا – عائشة تقرأُ الكتب دائمًا لكنّ سميّة لا تقرأُ أبدًا).

السؤال: (متى تنامُ عادةً؟ الجواب: غالبًا أنام في الساعة الحادية عشرة، وأحيانًا أتأخّر إلى الثانية عشرة).

ونلاحظ أن ضد كلمة (دائما) في الإثبات كلمة (أبدا) في النفي، وضد كلمة (غالبا) كلمة (أحيانا)، وهنا نتبع المشهور في اللغة العامة ولا يلتفت إلى التراكيب النادرة[6].

الاسم المقترح: إن التعبير التركي عن هذا الزمن هو الأقرب إلى المنطق، فأقترح له اسم (الزمن الحاضر الواسع) وأضفت له كلمة الحاضر المستخدمة في الإنجليزية لأن صيغته في لغتنا مشتركة مع الزمن الحاضر الحقيقي فاستدعى التنبيه إلى القدر المشترك مع ما يميزه.

الثاني: الزمن الحاضر

التعريف: هو ما يدل على حدث بدأ قبل فترة من الزمن ويستمر حدوثه إلى وقت التكلم.

الاسم: اسمه في اللغة التركية (الزمن الحاضر) (Şimdiki Zaman)[7] واسمه في الإنجليزية (الزمن الحاضر المستمر) (present progressive tense)[8] وليس له اسم خاص في اللغة العربية.

الصيغة: يعبر عن هذا الزمن بصيغة (الفعل المضارع) مع تضمن الجملة لفظا أو معنى الدلالة على الحال.

من الألفاظ الدالة عليه: ( الآن – في هذا الوقت – ) فهذه التعبيرات أو ما يحمل معناها إن وجدت – لفظا أو معنى – في الجملة مع الفعل المضارع دلت على الزمن الحاضر الحقيقي.

الأمثلة:

الإيجاب: (الطالب يكتبُ الوظيفة الآن).

النفي: وأداته (لا) مثل: (الطالب لا يكتبُ وظيفته الآن).

السؤال: (الأم: ماذا تفعلُ؟ – الابن: أنا لا أفعلُ شيئا، أنا أقرأُ الجريدة).

الاسم المقترح: (الزمن الحاضر) ولا حاجة لوصفه بالمستمر أو الحقيقي، لأنه قد تم وصف سابقه (بالواسع) وهذا الاسم كاف في الدلالة على معناه.

الثالث: الزمن الماضي

التعريف: هو ما يدل على حدث بدأ وانتهى قبل وقت التكلم.

الاسم: اسمه في اللغة التركية (الزمن الماضي المعلوم) أو الشهودي (Belirli Geçmiş Zaman)[9] واسمه في الإنجليزية (الزمن الماضي البسيط) (simple past tense)[10] واسمه في اللغة العربية (الفعل الماضي).

الصيغة: إن الصيغة الصرفية المخصصة لهذا الزمن في العربية هي (فَعَلَ) إلا في حالة النفي بــ ((لم)) فإنه يعبر عنه بصيغة الفعل المضارع مسبوقا بها.

من التعبيرات التي  ترافقه: (أمس – الليلة الماضية – الأسبوع الماضي – منذ سنة – طوال السنة – طوال اليوم – سابقا – قبل قليل – آنفا – أبدا: في النفي ).

الأمثلة:

الإيجاب: (وصلَ صديقي من البرازيل الليلة الماضية).

النفي: وأداته (ما) مثل: (ما رأى عمر أباه أبدًا).

السؤال: مثل: (المعلم: هل فهمْتَ الدرس يا سامر؟ الطالب: نعم، فهمْتُ الدرس، أو: لا، لم أفهمْ الدرس).

الاسم المقترح: (الزمن الماضي) ولا حاجة لوصفه بالبسيط، لعدم التباسه بالزمن الماضي المركب مع غيره كما سيأتي لاحقًا.

الرابع: الزمن المستقبل

التعريف: هو ما يدل على حدث سيبدأ بعد وقت التكلم في وقت ما من المستقبل، لا على جهة الطلب[11].

الاسم: اسمه في اللغة التركية (الزمن المستقبل) (Gelecek Zaman)[12] واسمه في الإنجليزية (الزمن المستقبل البسيط) (simple future tense)[13] وليس له اسم خاص في اللغة العربية.

الصيغة: يعبر عن هذا الزمن باستخدام ((الفعل المضارع)) مسبوقا بــ (( ســ )) أو (( سوف )) كتركيب أصلي خاص به، وله عدة صيغ أخرى تأتي في سياق الكلام وتفهم من القرائن، ولا يمكن تعدادها على أنها صيغ أصلية له.

من الألفاظ الدالة عليه: ( بعد قليل – لاحقا – الأسبوع القادم – بعد ساعة – على وشك أن… – غدا – قريبا – في وقت قريب – خلال دقائق – في المستقبل – القرن القادم).

الأمثلة:

الإيجاب: (سيذهبُ حسن إلى السوق بعد قليل، سوف يسافرُ عمي إلى البرازيل الشهر القادم).

النفي: وأداته ((لن)) مثل: (لن يلعبَ الطفل الكرة اليوم).

السؤال: مثل: (الأم: هل سوف تنظفُ الأطباق يا فاتح؟ لا، أنا لن أنظفَ الأطباق، أختي سوف تنظفُها).

الاسم المقترح: (الزمن المستقبل) ولا حاجة لوصفه بالبسيط لعدم التباسه بالمركب الذي سيأتي، ولعدم التباسه بالحاضر أو اسم الفاعل الذي يدل بالقرائن على المستقبل.

 

 

المطلب الثاني: الأزمنة في الجملة الاسمية

إن الجملة الاسمية هي ما ابتُدِئت باسم كما عرفها النحاة، أو ما كان المسند إليه فيها اسما، والمسند صفة أو اسماً أو أي تركيب آخر يخلو من الفعل… وبهذا الاعتبار فإن جملة (محمدٌ يقرأُ كتابًا) هي فعليَّة باعتبار المعنى الوظيفي الذي تؤديه.

إن الأزمنة البسيطة التي نستخدمها في الجملة الفعلية هي نفسها التي تمر معنا في الجملة الاسمية، ولهذا نجد الأزمنة في هذا النوع من الجمل كسابقتها وهي: الزمن الواسع والزمن الحاضر والزمن الماضي والزمن المستقبل، ولكل من هذه الأزمنة طريقة صياغته الخاصة.

الخامس: الزمن الواسع

التعريف: هو ما يُخبر به عن اسم بصفة أو ظرف أو جار ومجرور أو اسم أو نحوها؛ للدلالة على صفة ثابتة في المبتدأ موجودة في الأزمنة الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل دون النص على زمان معين لها، مثل: (علي شجاع) أي إن الشجاعة ثابتة له في الماضي والحاضر والمستقبل.

الاسم: واسمه في اللغة التركية (الزمن الواسع في الجملة الاسمية) ومثاله: (Bu çocuk kibar.) بمعنى: (هذا الطفل مهذب.) ولا ينص عليه في الكتب التعليمية المبسطة عادة، وليس له اسم خاص في اللغة العربية.

الصيغة: صيغة هذا الزمن عبارة عن اسم يخبر عنه باسم أو صفة أو ما شابه ذلك، مثل: (محمد أخي) وقد يظهر الفعل (يكون) المتضمن معنىً في الجملة مثل: (محمد يكون أخي)، على أن تتضمن هذه الصيغة لفظًا أو معنىً إحدى التعابير الآتية: (دائما – غالبا – أحيانا) أو (أبدا) في حالة النفي، أو (عادة – عادة ما) للدلالة على كثرة الأمر، أو (نادرًا – نادرا ما) للدلالة على قلته، مثل: (أبي نادرًا ما يكون غاضبًا)، ومثل ذلك (كل يوم – كل أسبوع – كل عام – أيام الاثنين – يوميا – شهريا – أسبوعيا – سنويا).

الأمثلة:

الإيجاب: (أحمد مجتهدٌ، عادة ما يكون هذا المعلم غاضبًا، هذا العامل يكون متعبًا كل يوم اثنين).

النفي: (ليس أحمد مجتهدًا) ( خالد غالبًا لا يكون هادئًا) (عادة لا يكون هذا الرجل في بيته) (أنا لست معلمًا).

السؤال: (هل أبوك مهندس؟ نعم، أبي مهندس – لا، أبي ليس مهندسًا).

تعقيب:

هذه الصيغة الزمانية هي أبسط أشكال الجملة العربية وهي أول ما يعطى من الأزمنة وإن كان لا يُنص على اسمها لإدراكها بالفطرة، مثل: (هل هذا قلم؟ نعم هذا قلم – لا، هذا ليس قلما)، ويفضل تدريس هذا الزمن بصيغة الإثبات والاستفهام والنفي البسيط بــ (ليس) في بدايات تعلم اللغة.

الاسم المقترح: ((الزمن الواسع)) في الجملة الاسمية.

السادس: الزمن الحاضر

التعريف: هو الإخبار عن اسم بصفة أو ظرف أو جار ومجرور أو نحوها؛ للدلالة على صفة في المبتدأ موجودة في زمن التكلم، مثل: (أين أحمد؟) الجواب: (أحمد نائم في غرفته)، إذ النوم صفة مؤقتة تجري في وقت التكلم، ومثل: (أين علي؟) الجواب: (علي في الصف الآن).

الاسم: لم يمر معي اسم خاص لهذه الصيغة في اللغة التركية، ولعل مرجع الأمر في ذلك الإدراك الفطري لدلالات الجملة الاسمية البسيطة، عندما تكون واسعة أو متضمنة معنى الحالية، ومثاله: (.Ben şuan meşgulüm) بمعنى: (أنا مشغول الآن)، كما أنه ليس لهذا الزمان اسم في اللغة العربية.

الصيغة: صيغة هذا الزمن كصيغة الزمن الواسع، إضافة إلى تضمن الجملة ما يدل على الحال من القرائن أو الألفاظ، من الألفاظ الدالة عليه: (الآن – في هذا الوقت).

الأمثلة:

الإيجاب: (أنا مشغولٌ الآن).

النفي: وأداته (ليس) مثل: (أنا لست ذاهبًا إلى السوق).

السؤال: (هل أنت مشغولٌ الآن؟ – نعم، أنا مشغولٌ، – لا أنا لست مشغولًا في هذا الوقت).

تعقيب: كما في سابقه قد لا يُحتاج إلى تدريس هذا الزمن باسمه ويُكتفى بتعليم كلمة (الآن) لتخصيص الجملة الاسمية وحصرها بوقت التكلم، ولكن بعد أن يقطع الطالب شوطًا في تعلُّم تراكيب اللغة ينبغي أن يعرف مكان هذه الصيغة من الأزمنة، لأنه سيحتاج إلى تمييزها في الجمل الشرطية والمركبة.

الاسم المقترح: ((الزمن الحاضر)) في الجملة الاسمية.

السابع: الزمن الماضي

التعريف: هو الإخبار عن اسم بصفة أو ظرف أو جار ومجرور أو نحوها؛ للدلالة على صفة كانت موجودة في المبتدأ وانتهت قبل زمن التكلم، مثل: (أين كان أحمد؟) الجواب: (كان أحمد في المدرسة.)، إذ وجوده في المدرسة صفة ماضية، وكذلك: (كنت مريضًا وأنا الآن سليم والحمد لله).

الاسم: اسمه في اللغة التركية (الزمن الماضي المعلوم في الجملة الاسمية) (İsim Cümlelerinde Belirli Geçmiş Zaman)[14] مثل: (Geçen hafta çok yorgundum.) بمعنى: (كنت متعبًا جدًّا الأسبوع الماضي.) وليس له اسم في اللغة العربية إذ إن (كان) تدرس نحويًّا في نواسخ الجملة الاسمية بغض النظر عن المعنى الوظيفيّ لها.

الصيغة: صيغة هذا الزمن في العربية ( كان + اسم + صفة) مثل (كان طارقٌ موظفًا)، ويمكن أن نستخدم عوض (كان)؛ (صار) أو (أصبح) للدلالة على ضد معناها في الماضي مثل: (كان صالح طالبًا، أصبح مدرسًا.) (كنت موظفًا وصرت متقاعدًا.)، ومن الألفاظ الدالة عليه: (أمس – الليلة الماضية – الأسبوع الماضي – السنة الماضية – منذ سنة – طوال السنة – طوال اليوم – سابقا – قبل قليل – آنفا – أبدا: في النفي ).

الأمثلة:

الإيجاب: (في السنة الماضية كان عامر موظفًا، وفي بداية السنة صار متقاعدًا) (كنت مسافرًا طوال السنة).

النفي: ونحصل عليه باستخدام (ما كان) أو (لم يكن) مثل: (ما كان أبي مريضًا) – (لم أكن مسافرًا).

السؤال: (هل كنت مشغولا؟ لا، لم أكن مشغولا، كنت منتظرًا لك.).

الاسم المقترح: ((الزمن الماضي)) في الجملة الاسمية.

الثامن: الزمن المستقبل

التعريف: هو الإخبار عن اسم بصفة أو ظرف أو جار ومجرور أو نحوها؛ للدلالة على صفة ستوجد في الاسم بعد زمن التكلم، مثل: (ماذا ستكون في المستقبل؟) الجواب: (سأكون طيّارًا مثل أبي).

الاسم: اسمه في اللغة التركية (الزمن المستقبل في الجملة الاسمية) (İsim Cümlelerinde Gelecek Zaman)[15] مثل: (2 ay sonra anne olacağım) بمعنى (سأكون أمًّا بعد شهرين.) وليس له اسم خاص في العربية.

الصيغة: صيغته في العربية (((سـ)) أو ((سوف)) + ((يكون)) أو ((يصبح)) أو ((يصير)) + اسم + صفة) مثل (سيكون طارقٌ موظفًا).

ويمكن أن نستخدم عوض (سيكون)؛ (سيصير) أو (سيصبح) للدلالة على نفس معناها في المستقبل وليس على ضد معناها كما هو الحال في الماضي، مثل (صالح طالب، وسيكون – أو سيصبح – معلما السنة القادمة)، ومن الألفاظ الدالة عليه: ( بعد قليل – لاحقا – الأسبوع القادم – بعد ساعة – على وشك أن… – غدا – قريبا – في وقت قريب – خلال دقائق – في المستقبل – القرن القادم).

الأمثلة:

الإيجاب: (سأكون معلمًا ناجحًا إن شاء الله).

النفي: وأداته ((لن)) مثل: (لن أكون جبانًا ولن أصبح فاشلًا).

السؤال: (هل ستكون مشغولًا غدًا؟ – سأكون مشغولًا من الصباح وحتى الظهر، لكن لن أكون مشغولًا في المساء).

الاسم المقترح: ((الزمن المستقبل)) في الجملة الاسمية.

 

 

المطلب الثالث: الأزمنة المحكية

تتركب صيغ الحكاية في اللغة العربية من زمنين، أحدهما المتضمن في الصيغة الأصلية للفعل المكون من حدث وزمان، والزمن الثاني المستفاد من تضمن الصيغة لفعل الكون أو ما يشبهه.

وأزمنة الحكاية هذه هي أربعة تبعًا للتّنوع الأصليِّ للأزمنة، (الزمن الواسع والزمن الحاضر والزمن الماضي والزمن المستقبل)،

ويعبر عنها في اللغة التركية باسم صيغ الحكاية فيقال: (حكاية الزمن الحاضر وحكاية المستمر وحكاية الماضي والمستقبل)، وأما في الإنجليزية فيأتي بعضها في صيغ (الزمن التام) وأحيانا في غيرها، وهي تختلف عن العربية والتركية في عد بعض الصيغ أزمنة خاصة؛ هي تراكيب متنوعة لصيغة زمانية واحدة عندنا.

التاسع: الزمن الواسع المحكي

التعريف: هو ما يحكي حدثًا كان يتكرر في الزمن الماضي، سواء بقي إلى وقت التكلم أم لا.

الاسم:

اسم هذه الصيغة في اللغة التركية (حكاية الزمن الواسع) ((Geniş Zamanın Hikâyesi مثل: (Selim gençliğinde pop müzik dinlerdi.)[16] بمعنى (سليم كان يسمع موسيقى البوب في شبابه.)، وأما في اللغة العربية فلا يوجد اسم خاص لهذه الصيغة ولا تفرد في التدريس، بل تصنف في علم النحو على أنها من باب الجملة الاسمية المنسوخة، وبنظرنا إلى جهة المعنى والوظيفة نجد أنها صيغة فعلية، إذ هي صيغة حكاية حدث وقع في الزمن الماضي على سبيل التكرار.

الصيغة:

{ كان + اسم + (فعل مضارع) + ….. } وأما الاسم أو الفاعل في هذه الجملة فيمكن أن يختلف مكانه ليكون قبل كان أو بعدها، ولا يؤثر في الصيغة، ومن التعبيرات التي ترافق هذا الزمن: (دائما – غالبا – أحيانا) أو (أبدا) في حالة النفي، أو (عادة) للدلالة على كثرة الأمر… ومثل ذلك (كل يوم – يوميا – شهريا – أسبوعيا – سنويا – سابقا – وما زلت – لكن ليس بعد).

الأمثلة:

الإيجاب: (لسنوات كان أحمد يذهب إلى عمله كل يوم في الساعة الثامنة صباحًا) ومثل: (في الماضي كان الطلاب عندما يرون المعلم يقفون احترامًا له).

السؤال والنفي: (هل كنت تدخن وأنت شاب؟ – نعم كنت أدخن. – لا، لم أكن أدخن أبدًا).

تعقيب:

ليس في هذا الزمن التنصيص على استمرار تكَرُّرِ الفعل في زمن التكلم، وإذا أريد النص على ذلك فأداته (ما زال) في الإثبات، و (ولكن لم يعد) في النفي أو ما شابههما، مثاله في الإثبات: (عندما كان علي شابًّا كان يمارس الرياضة كل يوم ثلاث ساعات، وما زال) وفي النفي: (عندما كان علي شابا كان يمارس الرياضة كل يوم ثلاث ساعات ولكنه لم يعد كذلك).

الاسم المقترح: ((الزمن الواسع المحكي)).

العاشر: الزمن الحاضر المحكي

التعريف:

هو ما يحكي استمرار حدث مدةً ما في الزمن الماضي، ثم انتهاؤه في ذلك الزمان.

الاسم:

اسم هذه الصيغة في اللغة التركية (حكاية الزمن الحاضر) (Şimdiki Zamanın Hikâyesi)[17] مثل: (Sınıfa girdim, o zaman öğretmen ders anlatıyordu.)[18] بمعنى (عندما دخلت الصف؛ كان المعلم يشرح الدرس.)، وليس لها اسم خاص في العربية.

الصيغة:

{ كان + اسم + (فعل مضارع) + ….. } ومن التعبيرات المرافقة لهذا الزمن: (أمس – البارحة – الأسبوع الماضي – قبل قليل – السنة الماضية – في يوم من الأيام)، ويتميز عن (حكاية الزمن الواسع) بأن الواسع لا يكون في زمن معين، بينما هذا يحكي عن حادثة واحدة وفي زمن معين.

الأمثلة:

الإيجاب: (كانت فاطمة تبكي قبل قليل).

النفي: (حينما كنت أدرُسُ، كان أخي لا يدرُسُ) (لم يكن الطفل يبكي، كان يضحك).

والسؤال: (هل رأيتني عندما كنت أتحدث في التلفاز؟ الجواب: نعم رأيتك عندما كنت تتحدث في التلفاز، النفي: للأسف ما رأيتك، حينما كنت تتحدث في التلفاز؛ كنت أذاكر دروسي).

ومن أشهر الصيغ التي يستخدم فيها ما يحوي (عندما – بينما – حينما)، مثل: (بينما كنت أتناول الطعام طُرق الباب)، حيث يضم هذا التركيب فعلين أو زمنين أحدهما طويل مستمر استغرق وقتًا من الماضي قطعه فعل آخر قصير.

الاسم المقترح: ((الزمن الحاضر المحكي)).

الحادي عشر: الزمن الماضي المحكي

التعريف:

هو ما يدل على حكاية انتهاء فعل في الزمن الماضي.

الاسم:

اسم هذه الصيغة في اللغة التركية (حكاية الزمن الماضي) (Geçmiş Zamanın Hikâyesi)[19] مثل: (Amerika’ya gitmeden önce İngilizce öğrenmiştim.)[20] بمعنى: (كنت قد تعلمت الإنجليزية قبل أن أذهب إلى أمريكا.)، وليس لهذه الصيغة اسم خاص في العربية.

الصيغة:

{ كان + اسم + قد + صيغة الزمن الماضي + ….. } ويمكن للتعبيرات التي ترافق صيغة (حكاية الزمن الحاضر) أن ترافق هذه الصيغة أيضا، ومن أشهر الصيغ التي يستخدم فيها ما يحوي (عندما – حينما)، وغالبا ما تضم صيغة الزمن الماضي المحكي فعلين عندما بدأ الثاني منهما كان أولهما قد انتهى، مثل: (كان أحمد قد أكل الطعام، عندما دخلتُ البيت)، (عندما وصلت سيارة الإسعاف؛ كان الرجل قد مات).

الأمثلة:

الإيجاب: (كان خالد قد كتب واجبه؛ قبل أن يلعب كرة القدم).

النفي: مثل: (بالفعل لم أكن قد غادرت البيت عندما بدأت العاصفة).

الاستفهام: (هل كنت قد شاهدت هذا الفيلم من قبل؟ – نعم كنت قد شاهدته، أو: لم أكن قد شاهدته من قبل).

الاسم المقترح: ((الزمن الماضي المحكي)).

الثاني عشر: الزمن المستقبل المحكي

التعريف:

هي الصيغة الزمانية المستخدمة لحكاية خطط مستقبلية تم اتخاذها في الماضي للقيام بفعل ما، أو لتوقع حدوثه؛ سواء وجد بعد ذلك أم لا.

الاسم:

اسم هذه الصيغة في اللغة التركية (حكاية زمن المستقبل) (Gelecek Zamanın Hikâyesi)[21] مثل: (Dün alışverişe çıkacaktım ama vakit bulup çıkamadım.)[22] بمعنى: (أمس كنت سأخرج للتسوق، لكن لم أجد وقتا ولم أخرج.)، وليس لهذه الصيغة اسم خاص في العربية

الصيغة:

{ كان + اسم + صيغة الزمن المستقبل + ….. }  ويرافقها من التعبيرات ما يرافق الحاضر والماضي المحكي.

الأمثلة:

الإيجاب: )هو كان سيسافر إلى إسطنبول، لكنه غير فكرته لاحقًا).

النفي: (حقيقة ما كنت سأترك عملي، لكن المصنع أُغلق).

السؤال: (هل كنت ستدرس في كلية الاقتصاد؟ الجواب: نعم، كنت سأدرس فيها، أو: لا، ما كنت سأدرس فيها).

الاسم المقترح: ((الزمن المستقبل المحكي)).

 

خاتمة:

إن لغتنا العربية تحتاج إلى خدمة حقيقيَّةٍ على المستويات كافّة، في مجال البحث العلميّ والتأليف والترجمة ونشر الكتب، وليس صحيحًا ما يشيعه البعض بأن ما وصلت إليه العلوم العربية سابقًا يمثل الكمال الذي مزيد عليه.

إنّ من يرى واقعنا اللغويّ يبصر الفجوة المخيفة بين لغتنا الفصحى ومجتمعاتنا العربية، وإن إعادة تدريس العربية كلغة تواصل للعرب قبل غيرهم؛ كفيل بإعادة الفصحى إلى الحياة بدرجة كبيرة، وسأختم كلامي عن المسألة بتلخيص لأهم النتائج والتوصيات.

أهم النتائج:

  • البشر متشابهون في طرق التعبير عن احتياجاتهم، مما يعطي الدراسات اللغوية المقارنة قيمة كبيرة في مجال تطوير العربية.
  • حاجتنا إلى التجديد اللغوي ظاهرة في مجال تعليم اللغة للعرب والأجانب وفي واقعنا الاجتماعي والحضاري.
  • الشعور بالحاجة إلى التجديد والتخلص من التعقيد هو ما دفع بعض العلماء إلى مهاجمة النحو والنحاة.
  • كان من المفترض بدعاة التجديد أن يقوموا ببناء علم لغويٍّ جديد، بدل تحميل حاجاتنا المعاصرة لعلم النحو الذي بني على أسس خاصة في غاية من الدقة لا تحتمل التغيير بالزيادة أو الحذف.
  • اللغات كلها تتطور، وتطور لغتنا يكون بتجديد طرق عرضها وليس بالزيادة أو الحذف؛ إذ إن ارتباطها بعلوم الإسلام جعلها لغة ثابتة لا تتغير.
  • ننطلق في بناء علم اللغة التجريدي من خلال استقراء وظائف التراكيب، بعد تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء، ثم اعتماد الزمن والصيغة والوظيفة أساسًا في تصنيف التراكيب اللغوية.
  • العلم الجديد الذي أدعو إليه هو مقدمة للعلوم اللغويَّة الأخرى أو مساعدٌ لها؛ مهمته إكساب المتعلم اللغة الفصحى والتمهيد للعلوم الاختصاصية، ولا يمكن أن يكون بديلًا عنها.
  • من خلال استقراء تراكيب العربية نحصل على اثني عشر زمانًا، أربعة منها للجملة الفعلية وأربعة للاسمية وأربعة لصيغ الحكاية.

التوصيات:

  • العمل على إنشاء علم لغويٍّ جديد باستخدام أساليب النحاة في تتبع التراكيب اللغوية ثم تقسيمها على المستويات، ولتكن الأزمنة وصيغ الطلب وأدوات الربط عموده الفقري.
  • علينا أن نولي الدّراسات اللغوية المقارنة والدراسات اللسانية والتطبيقية الحديثة مزيدًا من الاهتمام لتساعدنا في تقديم لغتنا بشكل أيسر للمتعلم العربي والأجنبي.
  • ينبغي أن ندرِّب معلمي اللغة العربية على تعليم الطلاب العرب لغتهم الفصحى من خلال علم اللغة الحديث والقراءة المتدرجة والحوار حولها حتى يستقيم اللسان، وخلال سنوات سنلحظ عودة الفصحى إلى الحياة تدريجيّا.
  • بإمكاننا أن نطبق هذه التجربة على المدارس السوريّة في الداخل والمهجر من خلال تدريب معلمي اللغة على هذا المنهج وإلحاق مادة مخصصة للأزمنة والتراكيب والصياغات العربية بشكل متدرج لتكون رافدًا حقيقيًّا لعلم النحو.
  • كل محاولة علمية للتطوير أو البناء والتغيير تكون محتملةً للخطأ، ولا ينبغي للخطأ أن يدفعنا إلى التخلي عن جهودنا، بل ينبغي أن يدفعنا إلى الاستمرار في التطوير حتى نصل إلى القمة.

[1] – اللغة العربية معناها ومبناها طبعة دار الثقافة عام 1994(ص 240 وما بعدها).

[2] – كتاب أبحاث مؤتمر إسطنبول الدولي الثاني تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، (إضاءات ومعالم)، البحث بعنوان (قصور كتب تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في مجال تدريس الأزمنة الفعلية المركبة) (ص 485 – 512).

[3] – الكتاب السابق (ص 497).

[4] – سلسلة إسطنبول (ص 2/70).

[5] – سلسلة كتاب بيرليتز الوحدة الثالثة (ص 1/12).

[6] – ورد استخدام أبدا مع الماضي في قوله تعالى: { وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: آية 4] وليس ذاك مشهورا، فلا يعتبر أصلا في التقسيم الزماني.

[7] – سلسلة اسطنبول (1/40).

[8] – سلسلة كتاب بيرليتز الوحدة الرابعة (ص 1/18).

[9] – سلسلة اسطنبول (2/25).

[10] – سلسلة كتاب بيرليتز الوحدة التاسعة (ص 1/48 و 50).

[11] – (لا على جهة الطلب) زدت هذا القيد حتى لا يلتبس بفعل الأمر، إذ تعدّه بعض المناهج الصيغة الدالة على المستقبل مقابل الماضي والحاضر، وليس هو في الحقيقة إلا صيغة طلب.

[12] – سلسلة اسطنبول (2/39).

[13] – سلسلة كتاب بيرليتز الوحدة الأولى (ص 2/2).

[14] – سلسلة اسطنبول (2/28).

[15] – سلسلة اسطنبول (2/43).

[16] – كتاب سلسلة اسطنبول (5/13).

[17] – كتاب سلسلة اسطنبول (3/13).

[18] – كتاب سلسلة اسطنبول (3/14).

[19] – كتاب سلسلة اسطنبول (5/23).

[20] – كتاب سلسلة اسطنبول (5/24).

[21] – كتاب سلسلة اسطنبول (5/18).

[22] – كتاب سلسلة اسطنبول (5/19).