الكتاتيب القرآنية، نشأتها ودورها في المجتمع المسلم
ديسمبر 1, 2019
خطوةٌ نحوَ تطويرِ علومِنا اللّغوية
ديسمبر 1, 2019

التعليم في المناطق المحررة آلامٌ . . وآمال

عبد الكريم محمد بهلول  – ماجستير لغة عربية – مدير المعاهد المتوسطة لإعداد المدرسين سابقا

العلم والتعليم أولى التوجيهات السماويّة التي أُمر بها المصطفى صلّى الله عليه وسلّم؛ ليجعلها مصابيح من نورٍ في طريق البشريّة ليهتدوا إلى طريق السعادة والنور.

فالعلم هو الغذاء الشافي للروح والعقل، يفتح القلب فيزيده نورًا وبصيرةً، ويُهذّب النفس، ويعدّل السلوك، ويُخرِّجُ الفردَ السويَّ الصالح القادر على إدارة ذاته وحياته ومجتمعه… ويُعدّ التعليم من الأمور الأساسيّة لأيّ مجتمعٍ، فهو الذي يُكسِب الإنسان المعرفة الحقيقيّة التي تعينه على تطوير ذاته ومجتمعه؛ فيسعى نحو الإصلاح والبعد عن الفساد فيعيش حرًّا سعيدًا.

التعليم في مناطق سيطرة الثوار: بدايات وآلام.

تأثّر التعليم في سوريا كثيرًا بسبب الظروف الجائرة للحرب التي مضى على بدئها أكثر من سبع سنوات، وكذلك بسبب النزوح وتراجع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، فمنذ أن خطّت أنامل أطفال درعا على جدار إحدى مدارسها “يسقط النظام” تحوّلت المنشآت التعليمية والمدارس وطلابها إلى هدفٍ مشروعٍ لنظامٍ لا يملك الشرعيّة، وإنّما كلّ ما كان يملكه هو همجيّة حوّلها بكل جرائمه إلى دمارٍ أصاب كلّ ما يحيط به، لقد حوّل مراكز العلم إلى معتقلاتٍ وسجونٍ للثوار، وجعل من أسطحها أبراجًا للقنّاصين لإزهاق الأرواح بدل إحيائها، فأصبحت متاريس عسكريّة لحماية قصوره.

وما إن بدأت رقعة المناطق المحررة تزداد من درعا جنوبًا إلى حلب وإدلب شمالًا، ومن ريف اللاذقية غربًا حتى الجزيرة والبادية شرقًا مرورًا بحمص وغيرها؛ حتى أصبحت مدارس هذه المناطق هدفًا لجميع أنواع القصف بالطيران والبراميل المتفجرة وبأنواع الأسلحة كافّة، وعمل على حرمان المناطق الثائرة من المخصصات التعليميّة والاحتياجات اللازمة، وبدأ باعتقال المئات من الكوادر التعليميّة من أبناء المناطق الثائرة، إضافةً إلى قتل وتشريد فئةٍ كبيرةٍ منهم.

هذه الوحشيّة أدّت إلى خسارة الكثير من الطلاب والمعلمين حياتهم، وبدأ الانقطاع عن التعليم يزداد يومًا بعد يوم، فضاعت الأعوام الدراسيّة الكاملة على عددٍ كبيرٍ من الطلاب، وحُرمت فئةٌ منهم من التعليم نهائيًّا بسبب القصف المستمرّ والظروف الحياتيّة الصعبة.

وهكذا قام النظام المجرم بتدمير أكثر من /2300/ مدرسة، وحَرَمَ ملايين الطلاب من مدارسهم وتحصيلهم العلميّ.

إنّ إدراكَ الأحرارِ لأهميّة العلم في حياة الشعب السوريّ وخطر الجهل على الجيل جعلهم ينطلقون في تنظيم التعليم من خلال مبادراتٍ فرديّةٍ لتلبية الواجب في تعليم أبنائنا، متَحَدّين المخاطرَ العظيمة والهمجيّة التي اتّبعها نظام الأسد في محاربة العلم والتعليم باستهدافه المنظّم للمدارس والطلاب والكوادر التعليميّة، فمن قصف إلى تشريد إلى اعتقال…

إنّ كلّ الويلات التي صبّها قصف النظام على المناطق المحرّرة لم تُثنِ من عزيمة الأحرار، فقد بدأ المختصّون في مجال التربية من الثوار بتعليم الأطفال في البيوت والأقبية والمساجد وسرعان ما طوّروا عملهم، حيث أسسوا المكاتب التعليميّة المرتبطة بالمجالس المحليّة، وبدؤوا بإعادة تأهيل المدارس وافتتاحها.

كانت الصعوبات جمّة، وكان من أكثرها تعقيدًا نقصُ الكوادر التعليميّة، ونقصُ الكتب المدرسيّة، وتخوّف الأهالي من إرسال أبنائهم إلى المدارس خوف القصف.

أخذ المعلّمون المتطوّعون على عاتقهم العمل على تجاوز العقبات للانطلاق بعمليّة التعليم المدرسيّ؛ لأنّهم كانوا على يقين أنّ هذه المرحلة من أهم المراحل التي يُعتمد عليها في بناء البلد والتطوّر والنمو المستقبليّ للجوانب المجتمعيّة جميعها، فبدؤوا بإعداد المعلّمين المتطوّعين بتنظيم دورات تأهيلٍ تُسهم في رفع سويّة المعلّم، وقاموا بتصوير الكتب المدرسيّة من خلال التواصل مع الجهات الداعمة، وتطوّر الأمر لطباعة الكتب، ونظّموا حملاتٍ لتشجيع الأهالي لإرسال أبنائهم إلى المدارس لمتابعة تحصيلهم العلميّ؛ كي يتخرّجوا جيلًا منتجًا فاعلًا قادرًا على التفكير السليم متطلعًا نحو البناء والإبداع، يسعى لاستخدام قدراته ومواهبه كافّة من أجل إعمار وطنه.

وعلى الرغم من تعرّض قطّاع التعليم -خاصّة المدارس- إلى الاستهداف المباشر من قبل طيران النظام وحلفائه، حيث دُمّر ما يقارب /2300/ مدرسة بالقصف إمّا تدميرًا كليًّا أو جزئيًّا -كما سبق- فإنّ العمل التعليميّ لم يتوقّف بل تطوّر تطوّرًا ملحوظًا.

وبما أنّ الثورة السوريّة ثورة فكر ووعي، وبما أنّ الشعب لا يموت، فقد بدأ الغيورون على أبنائهم بإنتاج الحلول، وإن كانت غير جذريّة، ولكنها محاولات لاستئناف العمليّة التعليميّة، وتعويض الطلاب ما فاتهم، انطلق التعليم في المناطق المحررة عام /2012/ بمبادرات فرديّة وبدأ تشكيل المكاتب التعليميّة، وتوّج العمل بإنشاء الهيئة الوطنيّة للتربية والتعليم، التي أشرفت على امتحانات الشهادة الإعداديّة والشهادة الثانويّة التي أجريت لأول مرة في مناطق سيطرة الثوار في 29/آب/2013، حيث تقدّم للامتحانات /9484/ طالبًا وطالبةً، في /113/ مركزًا امتحانيًّا، /29/ منها في حلب وإدلب، و/11/ في ريف دمشق، و/9/ في الرقة، و/7/ في دير الزور، و/13/ مركزًا في دول الجوار.

وبذلك أثبت الشعب السوري أنّه قادرٌ على إدارة المؤسسات التعليميّة وإنجاحها متحدّيًا كلّ ما يصادفه من معوّقات.

المناهج المعتمدة:

اعتمد القائمون على التعليم المنهاج السوريّ السابق المطبّق قبل الثورة، ولكن بعد تصحيح المسار التعليميّ فيه قدر الإمكان وضمن الجهود المتواضعة والوقت المتاح، وذلك من خلال حذف كلّ ما له علاقة بالنظام السوريّ وحزب البعث، كذلك طالت التعديلات كلّ ما له علاقة ببناء شخصيّةِ التلميذ السوريّ الذي تشرّب سابقًا عقليّة الحزب الواحد والمتحكّم الظالم الواحد، إضافة إلى المعلومات التي تتعلّق بالعلاقات مع دول الجوار.

أشرفت الهيئة الوطنية على هذه التعديلات إلى أن تمّ اعتمادها من قبل وزارة التربية في الحكومة السوريّة المؤقتة، حيث أُوكلت مهمّة تنقيح المناهج وتعديلها وتهذيبها إلى مجموعة من الخبراء والاختصاصيين والموجّهين الذين جعلوا من المضمون العلميّ للمناهج مبدأ ثابتًا حافظوا عليه حرصًا منهم على معايير المناهج واعتماديّتها، ولكن بقيت هذه المناهج تعاني القصور العام الذي تراكم فيها لعشرات السنوات في فترة تسلط نظام العصابة؛ نتيجة لتدمير كوادرنا التعليمية ومنعها من الاستفادة من التجارب الحديثة في تلك الحقبة المظلمة من تاريخ بلادنا.

وقد تمّت طباعة الكتب المعدَّلة لأكثر من مرّة من قبل وزارة التربية في الحكومة السوريّة المؤقّتة وبعض المؤسسات الخيرية السورية والدولية.

ومع استمرار الثورة السوريّة أصبحت الحاجة ملحّة لتعديل المناهج وتطويرها بما يتوافق مع التطوّر العلميّ، وتصحيح مسار الهدف التربويّ الذي اعتمدَهُ النظامُ في المناهج، وهذا يحتاج خططًا استراتيجيّةً تَعتَمِدُ على مستوياتٍ تربويّةٍ متطوّرةٍ للخروجِ بمخرجاتٍ جيّدةٍ لمستقبلٍ أفضلَ للجيل القادم تضمَنُ مركزيّة التعليم ووحدة أهدافه.

إحصائيات.. وآمال:

في منتصف عام /2014/ شُكّلت وزارة التربية في الحكومة السوريّة المؤقّتة، وبدأ عملها بتاريخ: 4/6/2014، وتسلّم الوزارة الدكتور محي الدين بنانة، بدأت الوزارة بتأسيس مديريات مركزيّة للتربية في المحافظات، بلغ عددها /9/ مديريات، في: حلب، إدلب، حماة، اللاذقيّة، دمشق، ريف دمشق، حمص، درعا، القنيطرة، يتبع لها /35/ مجمّعًا تربويًّا.

وبدأ العمل على ضبط سير التعليم واعتماد التخطيط المركزيّ ممّا ساهم في تعزيز العمليّة التعليميّة، وساهم في بناء شراكاتٍ مع الجهات الداعمة، وتوجيه الدعم لِـمَواطن الحاجة، والرقابة على جَودَةِ التعليم ومؤسساته وانضباطه بالقيم التربويّة والعمليّة.

وتشير إحصاءات وزارة التربية إلى أنّ أعداد الطلاب الذين تُشرِفُ عليهم في الداخل السوري المحرّر /700/ ألفِ طالبٍ وطالبةٍ في /2280/ مدرسةً، حيث بلغ عدد الطلاب المتقدّمين لامتحانات الشهادة الثانويّة دورة عام /2017م/: /13600/ طالبٍ وطالبةٍ, ولشهادة التعليم الأساسيّ: / 13700/.

وبحسب إحصائيات الوزارة فإنّ عدد الذين حصلوا على شهادة التعليم الثانويّ في الدورات الامتحانيّة السابقة /45000/ طالبٍ، و /96000/ طالبٍ حصلوا على شهادة التعليم الأساسيّ… وعلى الرغم من كلّ الجهود التي تُبذَل إلا أنّ حوالي 55 % من طلاب وطالبات المناطق المحررة من مختلف المراحل الدراسيّة لا يزالون منقطعين عن تعليمهم، ولذلك فإنّ هناك حاجة ملحّة لتضافر الجهود الدوليّة، ولا سيما العربيّة والإسلاميّة منها لمنع المزيد من التدهور في قطاع التعليم، والعمل على تعافيه والنهوض به؛ باعتماد الدعم المستدام.

وبخصوص الاعتراف الدوليّ بالشهادات الممنوحة للطالب السوريّ تعمل وزارة التربية على توفير الغطاء الشرعيّ للاعتراف بالشهادات الصادرة عنها وإعطائها مصداقيّة دوليّة من خلال إخضاع العمليّات الامتحانيّة للمعايير الدوليّة، وذلك لضمان مستقبل الطالب الذي حصل على الشهادة الثانويّة، فبحسب وزارة التربية أمام الطالب فرصٌ عديدةٌ لإكمال دراسته الجامعيّة، منها في الداخل السوريّ المحرّر حيث يمكنه التسجيلُ في كليات جامعة حلب في المناطق المحرّرة وجامعة إدلب وجامعة الشام العالميّة، ويمكن للطالب أن يكمل دراسته في معاهد إعداد المدرّسين، أمّا فيما يتعلق بإكمال دراسته خارج سوريا فتؤكّد وزارة التربية أنّ الجامعات في تركيا جميعها تعترف بالشهادة الصادرة عنها؛ فيمُكِنُ للطالب أن يسجّل في تركيا، كما يمكن أن يُكمل دراسته في عددٍ من دول الاتحاد الأوربيّ كفرنسا وألمانيا وغيرهما.

تحدّيات.. وحلول:

معوّقات التعليم وتحدّياته في مناطق سيطرة الثوار كبيرةٌ وخطيرةٌ، من أهمّها الظروف الأمنيّة الصعبة بسبب تعرض المدارس للقصف من قبل النظام وحلفائه ممّا يتسبب دائمًا بوقوع ضحايا بين الطلاب والمدرّسين؛ فيؤدّي إلى عدم توافر أماكن آمنة للتعلّم، وخوف الأهالي على أبنائهم الذي يمنعهم من إرسال أبنائهم إلى المدارس، حيث يضطرُّ القائمون على التعليم لاستخدامِ الأقبيةِ والملاجئ التي لا تتوافر فيها ظروفٌ تعليميّةٌ مناسبةٌ.

ومن التحدّيات عدم وجود التمويل الكافي للعمليّة التعليميّة، فما تقدّمه المنظمات الداعمة يلبّي أقلّ من 50 % من احتياجات العمليّة التعليميّة، بحيث نجد رواتب المدرّسين لا تتجاوز /100/ دولار إن وجدت؛ الأمر الذي يجعل المعلم مضطرًّا لأن يعمل أعمالًا إضافيّة لإعالة أسرته، مما يؤثر سلبًا على استقرار العمليّة التربويّة وعلى مستوى جَودة التعليم.

ومن المعوقات ما يتعلق بتأمين مراكز التعليم ومستلزماتها وتجهيزها وتأهيلها، إذ بسبب دمار أكثر المدارس ونزوح أعدادٍ كبيرةٍ إلى المخيّمات نجد أنّ معظم المراكز لا تتوافر فيها ظروف البيئة التعليميّة المناسبة، فهي عبارةٌ عن ملاجئَ أو كهوفٍ أو خيمٍ غير مهيّئةٍ للعمليّة التعليميّة.

وكذلك نجد أنّ أعداد الطلاب المتسرّبين تبلغ نسبا خطيرة تفوق 50%، إضافة إلى وجود نسبةٍ مرتفعةٍ من الطلاب المنقطعين عن التعليم بشكل تامٍّ وخاصةً في المناطق التي كان يُسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابيّ، فقد انتهج التنظيم سياسة متمّمةً لسياسة النظام في حربه على التعليم حيث منع التعليمَ نهائيًّا، ويتراوح عدد سنوات انقطاع الطلاب في مناطق سيطرته ما بين سنتين إلى خمس سنوات.. وهذا يتطلّب إعدادَ مناهج خاصّة للمنقطعين، وتدريب معلّمين متخصّصين بهذه المناهج لتعويض نقص السنوات الدراسية لدى الطلاب ليعودوا إلى تعليمهم النظاميّ.

 

وإذا أردنا النهوض بواقع العمليّة التعليميّة والعمل على استدامة التعليم لا بدّ من العمل على سدّ النقص في الكادر التعليميّ المتخصص، والحفاظ على المعلّم وذلك من خلال تأمين المنح الماليّة المستمرّة والمناسبة له لتساعده في استقراره ليتفرّغ للعمل التربويّ. كذلك يجب العمل على تأهيل المعلّمين المتطوّعين، وتطوير مراكز التعليم وتجهيزها بالوسائل التعليميّة والأجهزة التقنية، وتفريغ الإدارة التعليميّة والتربويّة لمتابعة العمليّة التربويّة وفق الخطط السليمة التي تعتمد الجَودَة في التعليم، وهذا يوجبُ على الجهاتِ العربيّة والدوليّة أن تكون على قدر المسؤوليّة الأخلاقيّة والإنسانيّة -وخاصة هيئات التعليم الكبرى في العالم كاليونيسيف واليونسكو- لتأخذ على عاتقها دعمَ التعليم في سوريا بشكل عامٍ، واعتماد الدراسة في المناطق المحررة؛ للحفاظ على الجيل من خلال إعداد الوثائق والتشريعات وتوقيع اتفاقات وتفاهمات تحافظ على حقوق الطالب السوريّ.

تجربة التعليم في منطقة درع الفرات:

انطلقت عملية درع الفرات في الشمال السوري في شهر آب /2016/؛ من أجل تحرير المنطقة من تنظيم داعش وعناصر بي كي كي الإرهابيَّين، تمكّن الجيش الحرّ بدعم من تركيا من طرد التنظيمَيْن من مدنٍ عدّةٍ أهمّها جرابلس والباب.

وما إنْ تمّ تأمين المنطقة أمنيًّا وعسكريًّا حتى تحوّل الاهتمامُ إلى إعادة تأهيلِ المؤسّسات الاجتماعيّة، وكان النصيبُ الأكبرُ للتعليم؛ نظرًا للضرورة القصوى لأبناء المنطقة، وذلك بسبب الانقطاع عن التعليم لفترات طويلةٍ أثناء سيطرة داعش على المنطقة.

ويعدّ الواقع التعليميّ في منطقة درع الفرات الأفضلَ حالًا مقارنةً مع المناطق المحرّرة الأخرى، فمن الناحية الأمنية قد توقّف القصف على المنطقة وعاد الأهالي إلى بيوتهم وظهرت حالة من الاستقرار، ومن الناحية التنظيميّة فقد قامت وزارة التربية التركية من خلال مديريّة التعليم مدى الحياة بدعم العمليّة التعليميّة، وكانت البداية بترميم معظم المدارس المدمّرة بسبب العمليّات العسكريّة لطرد تنظيم داعش، إضافةً إلى إنشاءِ غرفٍ صفيّةٍ مسبقةِ الصنع كحلٍّ إسعافيٍّ في بعض القرى والبلدات التي تدمّرت مدارسُها بشكلٍ كاملٍ وخرجت عن الخدمة.

وأخذت الوزارة على عاتقها تأمين المستلزمات الدراسيّة الضروريّة لإنجاح التعليم في المنطقة من مقاعدَ وأثاثٍ وقرطاسيّة ووسائل تعليميّة ومعدّات تقنية وإلكترونيّة، وتمّ توزيع مليون و /500/ألف كتاب مدرسيّ طبِعت بالتنسيق مع منظمة راف القطريّة.

هذه التطورات خلقت حالةً من الثبات والاستقرار للعمليّة التعليميّة، وبدأ الأمل ينبت في قلوب طلابنا بعد الشلل التام الذي أصاب كلّ شيءٍ في المنطقة بسبب تنظيم داعش، حيث أدى إلى يأس عميق كاد يُطيح بحاضرهم ومستقبلهم بسبب حرمانهم من التعليم.

ومن أجل توفير الكوادر التعليميّة للمدارس التي بدأت بافتتاح أبوابها أقامت وزارة التربية التركية دورات تأهيل لتطوير المعلمين خلال صيف عام /2017/ واختتمت الدورات بامتحانات تمّ من خلالها تثبيت الناجحين في المدارس مع بدء العام الدراسي 2017-2018، وكانت الأولوية لحملة الشهادات الجامعيّة التخصصيّة في المجال التربويّ، وبحسب إحصاءاتٍ صادرةٍ عن مديريّة التعليم مدى الحياة في وزارة التربية التركية فقد خضع /5686/ معلّمًا للدورة التدريبيّة فتمّ تعيين قرابة /5000/ معلّمٍ في حوالي /500/ مدرسة استوعبت /150/ألف طالبٍ في جميع مدن وبلدات منطقة الفرات.

بهذه الجهود بدأت الرياض تزهر، ولكن ما زالت المنطقة لم تتحرّر من الجهل والأمّية بسبب انقطاع عدد كبيرٍ من الطلاب عن تعليمهم إذ لا تتجاوز نسبة الطلاب الذين حصلوا على حقّ التعليم 50% من الذين هم في سن التعليم، وتُحدّد نسبة التسرّب في المرحلة الابتدائيّة بـ 25%، لكنها ترتفع في المرحلة الإعداديّة إلى 60% وفي المرحلة الثانويّة إلى 80% .

ومن أهمّ الأسباب في ذلك عدم وجود خطّة تدريسيّة خاصّة بالطلاب المنقطعين تتضمّن البرامج والمناهج التدريسيّة الملائمة، مع عدم إمكانيّة تدريسهم المناهج العامّة بسبب سنوات الانقطاع عن التعليم، والتي تبلغ عند بعض الطلاب خمسَ سنواتٍ، إضافةً إلى عدم جاهزيّة البنية التحتيّة للعمليّة التعليميّة نظرا لعدم وجود مدارس صالحةٍ ومؤهّلةٍ تتضمّن بيئةً تعليميّةً مناسبةً، وخاصّةً في مخيّمات النازحين حيثُ تفتقرُ المدارسُ إلى وجودِ أثاثٍ مدرسيٍّ، وتضعف فيها التجهيزاتِ والمرافق الخدميّة، إذ غالبًا ما تكون المدارس عبارةً عن خيمٍ لا تُسهم في تطوير عمليّة التعليم، وهذا ناتجٌ عن تركيز اهتمام المسؤولين في إدارة التعليم على مراكز المدن وإهمال القرى البعيدة والمخيّمات، وكذلك عدم توافر الكتاب المدرسيّ، وصعوبة النقل، كما أنّ الحالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة للأهالي من أهمّ العوائق التي تواجه الطالب.

وتعدّ الخطّة الإداريّة التي تتبعها التربية التركية غير متناسبة مع واقع التعليم وطبيعة المنطقة والأنظمة المعتمدة في سوريا من حيث نظام الشهادتين الثانويّة والإعداديّة، إضافة إلى تكليف إدارة التعليم المكاتبَ التعليميّة في المجالس المحليّة، وهي جهات إشرافيّة وليست اختصاصيّة في مجال إدارة العمليّة التربويّة، وقد تمّ تكليف تربويين ومعلمين كمنسقين لمديريات التربية في الداخل السوريّ كانوا موجودين في تركيا منذ بداية الثورة، وليس لهم أدنى اطّلاعٍ على الوضع التعليميّ في الداخل المحرّر.

كلّ ذلك أدّى إلى اختلاف الخطط الدرسيّة والأنظمة الداخليّة, وخاصّة فيما يتعلق بإلغاء شهادة التعليم الأساسيّ، أو فيما يتعلّق بضوابط الشهادة الثانويّة وإلغاء الثانويّة الحرّة.. وكون هذه التعليمات تقتصر على المشافهة فإنّها تقود إلى الارتباك والتضارب في التعميمات والتعليمات الارتجاليّة من مدينة إلى أخرى.

هذه الإشكاليّات تتطلّب ضرورةَ الانتباه إلى أهمّية الإبقاء على الهيكلة التربويّة القائمة على المجمعات التربويّة المرتبطة بمديريّة التربية كجهةِ اختصاصٍ تشرِفُ على إدارة المدارس، وتكون المكاتب التعليميّة في المجالس المحليّة عندئذ جهات رقابيّةٍ تُسهِمُ في دفع عجلة التعليم إلى الأمام.

ومن الأهمية بمكان اختيار المنسقين من التربويين العاملين في المجال التربويّ في الداخل السوريّ لما يملكونه من معرفة وخبرة بطبيعة العمل والتعليم في المناطق المحرّرة.

العمل على إحداث مدارس أو شعب ضمن المدارس خاصّة بالطلاب المنقطعين والمتسربين عن الدراسة وتأمين المناهج الضروريّة لذلك للوصول بهم إلى المرحلة الدراسيّة المناسبة لمرحلتهم العمريّة.

استمرار العمل على تأمين البيئة التعليميّة المناسبة للطلاب بتوفير المدارس والساحات والملاعب للعب الأطفال.

الاهتمام بمجال الرعاية الصحيّة والنفسيّة لمتابعة حالات الطلاب ومساعدتهم للتخلص من الأزمات التي يعانون منها.

ضرورة تزويد المدارس بالوسائل التعليميّة الحديثة والمتطوّرة التي تُسهِمُ في رفع جَودة التعليم.

التوجّه إلى التعليم المهنيّ والفنيّ لما له من أهمّيّة في إعادة الإعمار.

رفع الدخل للمعلّمين ضمن سلّم رواتب يعتمد الشهادات والخبرة في تحديد الأجور ممّا يسهم في الاستقرار المجتمعيّ للحفاظ على المعلّمين المختصّين، وتفريغهم للعمليّة التربويّة.

تأمين اعتراف دوليّ رسميّ للشهادات التي يحصل عليها الطلاب، والمساعدة في استكمال تحصيلهم العلميّ في الجامعات المعتمدة.

التعليم العالي والمتوسّط في المناطق المحررة:

إذا كان التعليم الأساسيّ منقذًا للطلاّب والمجتمع من حالة الأميّة والجهل، فإنّ دَور التعليم العالي والمتوسّط لا يقلّ أهمّيّة عن غيره؛ حيث تظهر نتائجه من خلال دفع عجلة التطوّر في المجتمع بواسطة الكفاءات من الخريجين الذين ينهضون بسوق العمل، ويعملون على نهضة المجتمع من خلال الدّور الحقيقيّ لهم في البحث العلميّ.

ولذلك كان لزامًا على طلبة الجامعات السوريّة وكوادرها ألّا يتخلّفوا عن المشاركة في الحراك الثوريّ, إذ كانت لديهم أسبابهم الإضافيّة الخاصّة؛ ألا وهي الثورة على الفساد الراسخ في التعليم الجامعيّ والمناهج النظريّة البالية ودور الرشوة والوساطة في تحديد النجاح وتزوير النتائج والتلاعب في المعدلات، أضف إلى ذلك الفساد الإداريّ.

انطلق الناشطون في المجال التعليميّ لإيجاد الحلول فكانت انطلاقة المعاهد المتوسّطة لإعداد المدرسين في بداية عام 2014م، وأضحت الملجأ والملاذ للطلاب الذين حصلوا على الشهادة الثانوية في المناطق المحررة لأولِّ مرة عام 2013م، وتعدّ مرحلة التعليم المتوسّط بالغة الحساسية والأهمّيّة، فهي حجر الأساس في عمليّة اكتساب المهارات الضروريّة والمعرفة اللازمة للارتقاء بالمجتمع بشكلٍ عامٍّ والتعليمِ بشكلٍ خاصٍّ، فهذه المرحلة تمتاز بأنّها قادرة على رفع التميّز الشخصيّ والمهنيّ لتنمية المجتمع، وكذلك مدّة الدراسة فيها سنتان ممّا يساهم في رفد المجتمع بالكوادر المؤهّلة خلال فترةٍ وجيزةٍ.

بدأ المختصّون بوضع استراتيجيّة تهدف لتركيز الموارد والجهود للعمل تحقيق قفزة نوعيّةٍ في معايير التعليم للمعاهد المتوسّطة، وكان التركيز على الأهداف الآتية:

  • تأهيل كادر تدريسيّ تعليميّ قادرٍ على تنشئةِ جيلٍ واعٍ، وسدّ ثغرة غياب المعلم بسبب ظروف الحرب.
  • استيعاب الطلاب والطالبات الحاصلين على الشهادة الثانويّة العامّة والشرعيّة في المناطق المحرّرة.
  • الحفاظ على الكفاءات العلميّة والتدريسيّة من الهجرة وتأمين فرص عمل لهم.

اعتمدت المعاهد في بداية انطلاقتها على دعم المجالس المحليّة ووجهاء المجتمع، وبعد ذلك تمّ الاتّفاق بين وزارة التربية وبعض المؤسسات الإنسانية من أجل دعم المعاهد وتقديم منح مالية مساعدة للكوادر الإدارية والتدريسية.

أشرفت الوزارة على المعاهد وبدأ العمل على إعداد النظام الداخلي والمناهج الدراسية؛ وأُقيمت من أجل ذلك العديد من ورشات العمل، وشُكّلت اللجان المختصة التي بدأت العمل على إعداد المناهج وتوحيدها في فروع المعاهد المنتشرة في المناطق المحررة، والبالغ عددها /21/ فرعًا في المحافظات ( حلب /8/، إدلب /4/، ريف دمشق /1/، حمص /3/، ريف اللاذقية /1/، درعا والقنيطرة /2/) وفي لبنان فرعان أيضًا.

اعتمدت المعاهد على نخبةٍ من أهل الخبرة في مجال التدريس من حملة الدكتوراه والماجستير والإجازات الاختصاصيّة، حيث بلغ عدد الكادر التدريسيّ في فروع المعاهد /400/محاضرًا ومدرّسًا، إضافةً إلى ما يقارب /200/ إداري من ذوي الخبرة الطويلة والكفاءة العالية في المجال الإداريّ والتوجيهيّ.

وتعتدّ المعاهد بجَودَةِ التعليم الذي اكتسبَهُ طلبتُها وخريجوها من خلال التزامها بضمان توفير بيئةٍ دراسيّةٍ تُشجّعُ التعليمَ وتُعزّز روحَ القيادة والمسؤوليّة الاجتماعيّة؛ لبناء القدرات وتطوير مهارات التعليم كونها سبيلًا مهمًّا لتحقيق أهداف المعاهد وغايتها التي أُنشئت من أجلها.

وقد وصل عدد الطلاب الذين التحقوا بالمعاهد المتوسّطة لإعداد المدرسين المنتشرة في المحافظات المحرّرة ومدنها / 6000 / طالب وطالبة, وتمّ تخريج الدفعة الأولى في العام الدراسي: 2015/2016. وبلغ عدد الخريجين /1062/ معلّمًا في كافة الاختصاصات وهي: (اللغة العربية – اللغة الإنكليزية – الرياضيات – معلم الصف – العلوم العامة – اللغة الفرنسية)، وقد كان لمعاهد التعليم الشرعي دور أساسي في رفد المدارس بمدرسي العلوم الإسلامية وسد نسبة كبيرة من حاجة المساجد إلى الأئمة والخطباء والمدرسين، ومن أشهر هذه المراكز الشرعية، معهد مكة الذي تشرف عليه رابطة العلماء السوريين، ومعهد الإمام النووي للعلوم الإسلامية ومجمع سلطان العلماء وغيرها.

التحق القسم الأكبر من خريجي المعاهد الاختصاصية بالمدارس بعد خضوعهم لمسابقات مديريّات التربية، فيما التحق القسم الآخر بجامعة حلب في المناطق المحرّرة، حيث صدر قرار بقبول الطلاب الخرّيجين في السنة الثالثة في الكليّات المماثلة لاختصاصهم.

تجربة جامعة حلب:

وبما يملك شعب بلدنا من وعيٍ بأهمّية التعليم عامّة والتعليم الجامعيّ خاصة استكمل دورَهُ الحضاريّ في افتتاح الجامعات في المناطق المحرّرة، حيث قامت وزارة التربية والتعليم في الحكومة السوريّة المؤقّتة بتشكيل لجنةٍ عليا لإدارة وتشغيل جامعة حلب في المناطق المحرّرة، وانطلق العام الدراسيّ الأوّل بتاريخ: 12/12/2015م, وبلغ عدد المسجلين قرابة / 2000/ طالبٍ وطالبةٍ وزّعوا على تسع كليّات وستة معاهد أهمّها كليّة الطبّ البشريّ والصيدلة وكليّات الهندسة والآداب والتربية، وكان العمل وفق نظام الوحدات الأوربيّ الحديث؛ حيث قامت الجامعة بفتح شعب وأقسام للكليات في المحافظات الأخرى، وتمّ الاعتماد على تدريس مناهج جامعة حلب لضمان الاعتراف؛ وذلك من خلال التواصل مع الدول التي أبرمت اتفاقيّات مع جامعة حلب قبل الثورة لإعطاء صفة الاعتباريّة كجامعةٍ مُنشأةٍ في المناطق المحرّرة.

وكذلك تُواصل الجامعةُ الحرصَ على توافر المعايير العالميّة للجامعات من خلال تجهيزها بالوسائل التعليميّة والمخابر التخصصيّة وغيرها.

ولم يقتصر الأمر على استقبال الطلاب المستجدّين, وإنما وُضعت خطّة لإكمال طلاّب الجامعة المنقطعين عن جامعاتهم من خلال مَنحَيَين, الأول: إكمال الطلاّب في الكليّات المفتتحة, والثاني: سيكون إكمالٌ لطلاّب السنوات الأخيرة من خلال دوراتٍ امتحانيّةٍ استثنائيّةٍ.

تجربة جامعة إدلب:

بعد تحرير إدلب في آذار 2015 بدأ العمل على استثمار الكليّات والمعاهد الموجودة في المحافظة لإطلاق عمليّة التعليم العالي, وفي شهر آب من العام نفسه أُطلق العمل في /25/ كلية ومعهد, منها كليات قديمة تمّ إعادة تفعيلها, ومنها كليات جديدة تمّ استحداثها, وأهمها: الصيدلة, والهندسة المدنيّة والميكانيكيّة, وكليّة الشريعة، وبلغ عدد الطلاب الملتحقين والمتابعين لدراستهم /5000/ طالب وطالبة.

ورغم الاعتماد على الأكاديميين المتخصصين من حملة الدكتوراه والماجستير في تدريس المقرّرات الجامعيّة, كانت المشكلة الكبرى والهاجس المؤرّق لدى الطلاب هو الاعتراف بالشهادة التي سيحصلون عليها.

تجربة جامعة الشام العالميّة:

أُنشئت جامعة الشام العالمية في ريف حلب الشمالي برعاية من منظمة /IHH/ التركية في عام 2016م, وقد تميَّزت الجامعة بالفروع الهندسيّة واستقبال الطلاب الذكور فقط, وبلغ عدد المسجّلين فيها /600/ طالب, حيث اعتمدت نظام المنح وتقديم المساعدة للطلاب المسجّلين لاستكمال تحصيلهم العلميّ، وتقدّم الجامعة السكن المجانيّ والطعام للطلاب بالإضافة للكتب الدراسيّة, كما يتمّ منح الطلاب الملتزمين بالدوام منحًا شهريةً تتراوح بين 100 و150 ليرة تركيّة.

وتضمّ الجامعة خمس كليّات: (الإدارة – الاقتصاد – العلوم السياسيّة – الشريعة والقانون – كليّة الهندسة والتي تتألف من أربعة أقسام: الهندسة المدنيّة – الهندسة المعلوماتيّة – الهندسة الكيميائيّة – الهندسة الفيزيائيّة).

تجربة الجامعات الخاصة:

يلاحظ المتابع لشؤون التعليم العالي في المحافظات المحرّرة انتشار عددٍ لا بأس به من الجامعات الخاصّة, وخاصّة في ريف إدلب ومنطقة درع الفرات, حيث تَستقبِلُ الطلابَ بأقساطٍ سنويّة مرتفعةٍ جدًّا بالنظر إلى الأوضاع الماديّة ودخل أبناء هذه المناطق، وتتراوح الأقساط بين /1000 و 2000 / دولار سنويًّا, وهذا ما جعل إقبالَ الطلاب عليها محدودًا, حيث لاقت إقبالًا لدى عددٍ من الطلبة ميسوري الحال خصوصًا.. ومن هذه الجامعات: (جامعة أكسفورد – جامعة الزهراء – جامعة إيبلا – جامعة روما – جامعة ماري – جامعة باشاك شهير ).

وتتميّز هذه الجامعات فيما يخصّ تجهيز أبنيتها وأثاثها وتوفير الوسائل التعليميّة والمختبرات المناسبة ووسائل الشرح الإلكترونيّة والتجهيزات الصوتيّة التي تساعد في إيصال المعلومات، ولكنّ هذا التميّز قد لا يُعطيها التفوّق على الجامعات العامّة لما يوجدُ من سلبيّات خطيرة على الطلبة ومستقبلهم أهمّها عدم وجود اعتراف دوليّ بكثير منها، فما هو مصير الطلاب بعد تخرّجهم منها؟ ومن هي الجهة الرسميّة التي ستصدر شهادة التخرّج منها؟

تحديات وآمال:

وبعد مضيّ ثلاث سنوات على انطلاق الجامعات في المناطق المحرّرة وصل عدد الطلاب إلى ما يقارب / 15000 / طالب بحسب إحصائيّات وزارة التعليم العاليّ في الحكومة المؤقّتة.

ومع اقتراب العام الدراسيّ الرابع من نهايته واستعداد الجامعات لتخريج الدفعة الأولى مع نهاية هذا العام؛ لا يخفى على أحد تلك العقبات والتحديّات التي تواجه إصرار العاملين على العمل في الداخل المحرّر لتأسيس البنية التعليميّة القويّة لتمكين الطلاّب من استكمال تحصيلهم العلميّ ليكونوا قادرين على خدمةِ بلدهم والمساهمة العلميّة الفعالة في إعادة إعماره.

ويعتبر الاعتراف بالشهادة الجامعيّة من أهم التحدّيات التي تواجه الطلبة فهذه الجامعات حديثة النشء ممّا يزرع المخاوف في نفوسهم من عدم وجود اعترافٍ دوليّ بها، فوجود اعترافٍ دوليٍّ بشهاداتِ الطلاب الخريجين أمرٌ مهمٌّ لتلبية طموحاتهم دون أيّة مخاوف مستقبليّة.

وكذلك تعدّ الظروف الأمنيّة الصعبة, وقيام نظام الأسد وحلفائه باستهداف المنشآت التعليميّة من أكبر التحديات التي تمنع وجود بيئةٍ آمنةٍ وأماكن محصّنةٍ لخلق ظروفٍ تعليميّةٍ مناسبةٍ.

وبسبب توزّع الكليّات وشعب الجامعات على محافظات متعدّدة؛ لا يوجد حرم جامعيّ مشترك وخاصّة في جامعة حلب أو إدلب, وهذا يؤدّي إلى صعوبة الانتقال بالنسبة للطلاب والإداريّين ويسهم في صعوبة العمل الإداريّ والتشغيليّ للجامعة, أضف إلى ذلك عدمَ وجودِ مدنٍ جامعيّة أو مساكن للطلاب ممّا يصعِّب عمليّة الالتحاق بالجامعة.

وفيما يتعلّق بالتمويل تعاني الجامعات جميعها من نقصٍ في التمويل وفي حال وجودِه فهو مؤقّت, وبذلك تنعكس النتائج على الجامعة وطلابها من حيث صعوبة تأمين المناهج الدراسيّة مطبوعة, وعدم وجود المباني الجامعيّة المتناسبة مع التعليم العالي, والنقص في المخابر العلميّة المتطوّرة وكفايتها.

وعلى الرغم من وجود هذه التحدّيات والمعوقّات إلا أنّ الأمل بواقع تعليمي أفضل يبقى هدفا للمؤسسات التعليمية في مناطق الثورة.

لا تزال مؤسسات التعليم في المناطق المحررة تطمح إلى تطوير العملية التعليمية على عدة محاور منها:

  • الأبنية التعليمية: فهي بحاجة إلى مزيد من العناية لتوفير بيئة تعليمية صحية ومناسبة، وأكثر ما يبعث على الحزن المراكز التعليمية التي لا زالت في الخيم والمباني الضيقة مسبقة الصنع وما تزرعه في نفوس الطلاب من إحساس بالحزن والانكسار.
  • الكوادر التعليمية: لا تزال الكوادر تعاني من نقص شديد وتحتاج إلى وضع مخطط متكامل لتدريبها والارتقاء بمستواها.
  • المناهج: إن المناهج والكتب التي يتم الاعتماد عليها في المناطق المحررة تعاني من التنظير القاتل الذي اتسمت به أيام تسلط النظام الطائفي ونحن بحاجة اليوم إلى منهاج يجمع بين التنظير والتدريب العملي لفتح الآفاق الحياتية العملية أمام طلابنا.
  • الإدارة: إن تنظيم العملية التعليمية من خلال إدارة رشيدة لا يقل أهمية عن ضبط المناهج والرتقاء بمستوى الكادر التعليمي أو صيانة الأبنية والارتقاء بمستواها، فالإدارة لها دور مهم في الارتقاء بمؤسساتنا التعليمية الناشئة.

وأخيرا: إننا نعيش حالة حرب على كل المستويات الاجتماعية والإنسانية والعلم مع الأخلاق هو ما يحفظ مجتمعنا وهو ما يميزنا عن باقي الأمم أو يجعلنا محط احترام دولي، وإن العلم مع الإنسانية هو الطريق الأوحد لحضارة إنسانية قوية تخدم الآخرين وتقدم لهم الخير والنفع… وما نطمح إليه اليوم هو أن نعيش حياة إنسانية كريمة تنقذ شعبنا من الضياع الذي يعانيه والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.