د. عبد الله لبابيدي – أكاديمي سوري
رسالة الإعلام الهادف اليوم في قيادة الأمة إلى شاطئ الأمان والدفاع عن ثوابتها ليست شرفًا أو بطرًا أو سدًّا لفراغ، بل هي مهمة صعبة حيوية، وهذا ما أكده المفكرون والدعاة وزعماء الأمة والمصلحون في أكثر من مناسبة، وأكدته الشواهد الحضارية ومجريات الحياة المعاصرة.
إن الإعلام الهادف يواجه تحديات لا يواجهها أي إعلام آخر؛ إذ إنَّ عليه أنْ يجمع بين الجاذبية والالتزام، فهو لا يستطيع أنْ يتغذى على شهوات الناس ورغباتهم كما لا يستطيع أن يَهُمَّ بما يفعله الإعلام الآخر من مخادعة واستغلال، ورغم هذا فإنّ ترسيخ وجوده في الساحات العالمية ليس مستحيلًا إذا توفر لدنيا ما يكفي من الوعي والإخلاص والعزيمة.
ومعلوم أن مهمة الإنسان الأولى في الحياة هي العبادة، فلم يُخلق إلا لذلك، أما مهمته الثانية فهي بلا شك الدعوة إلى الله، وقد أكدتها آيات قرآنية كثيرة كقوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين} [النحل: 125] والاستشهاد بهذه الآية المباركة هو لارتباط الدعوة بالإعلام، فكل دعوة إعلام، وكل إعلام دعوة، وما بينهما من فروق طفيفة هي أقل من الثانويات التي يتعلق بعضها بالأداة أو الوسيلة أو خاصية من خواصها، فصلاة الجمعة دعوة وإعلام، وصفحة الإنترنت إعلام ودعوة، وكذلك مجموعات وتس أب وغيرها من الوسائل، فإذا أضفنا إلى ذلك أمرَ تكليفِ الله تعالى لنا -نحن المسلمين- بنشر دينه أصبح ذلك أكثر التصاقًا بنا وأعمق وجوبًا في العمل.
والناس قديمًا وحديثًا يستعينون في حياتهم بوسائل الاتصال والإعلام المتوفرة ليمارسوا دورهم في الحياة، فكل فرد منا يمارس الإعلام بطريقة أو بأخرى عبر وسائل أصبحت تستهلك أوقاتنا من الصباح حتى المساء، ولقد أصبحت ضرورة لا يستغني عنها مجتمعٌ من المجتمعات البشرية.
هذه الضرورة في غاية الأهمية بالنسبة لدعاتنا، فالداعية إذا أراد النجاح في إيصال دعوته للناس لزمه أنْ يعدد قنوات اتصاله بهم، وقد تعددت قنوات التواصل في عصرنا مِن البرامج الدعوية التي ملأت القنوات الفضائية والإذاعات حتى الكتاب والمجلة والجريدة والمدونات والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، هذا إضافة إلى القنوات التقليدية كالخطابة والمحاضرة والدرس والندوة والمؤتمر.
مشكلة إعلامنا الهادف اليوم هي في حَمَلَة الإعلام: هل هم أصحاب رسالةٍ أم تجارةٍ؟ هل إعلامنا إعلام له رسالة أم هو إعلام تجاري؟ هل هذا الإعلام ينتمي إلى إنسانية الإنسان وروحانيته أم إلى مذهب وطائفة وجماعة؟
أعتقدُ أنّ معظم إعلامنا قد سُيِّس ولم ينج من ذلك إلا القليل إضافةً إلى قلة من دعاة الإسلام أصحاب الرسالة، وكثير منهم لا يستطيع إيصال رسالته إلى الغرب تامة لأسباب عدة أولها عدم إتقان لغة المخاطب؛ لذلك يجب أنْ نتخيَّرَ رُسلنا إلى الغرب: هل رسولنا الذي يذهب إليهم ليخاطبهم مهيأ لحمل الرسالة؟ كثير من الأفراد والجماعات التي تحمل رسالة الإسلام في الغرب ليست مهيأة كما ينبغي لذلك، بل تسقط رسالتهم في عيون الجماهير بمجرد أنْ يظهروا على الرائي؛ لذلك كانت حَمْلةُ الغرب على حامل الرسالة أكبر من التصدِّي لرسالته؛ فإنه إذا أسقط الرسول أسقط رسالته.
والحقيقة أن إعلامنا يعاني قلة رسل الإسلام الذين يجمعون بين الإخلاص والوعي، فالرسول الداعية يجب أنْ يكون متوازنًا مع رسالته، وحينما يبصر الإنسان في بعض الفضائيات العربية نماذج غريبة تخرج وتتصدر المشهد وتضل الناس بفكرها المنحرف وتشوه نقاء الإسلام وصفاءه لا يخالجه شك بأن وراء الأكمة ما وراءها.
إن رسالتنا التي نحملها رسالة عالمية، لكن -يا لَلأسف- نجد أن العالم الإسلامي جملةً يرى أنَّ رسالته له وليست للعالم، هذا استنادًا إلى الواقع المعاين على الأقل، والواقع أننا لم نستطع استخدام تقنيات الاتصالات في حمل الرسول والرسالة إلى الآخر استخدامًا صحيحًا، وقد حاول الغرب أنْ يمنعنا منها وحاول أن يجعلها في يده لكنَّ مالَنا استطاع أن يجذبها، ورغم هذا لم نتمكن من استخدامها الاستخدام الأمثل، وانحصرت في اتجاهات معينة؛ فضاع المخاطب بين إسلام صوفي وشيعي وسلفي ورفضٍ للحوار مع الآخر.
انطلاقًا مما سبق هل نستطيع أنّ نخاطب العالم عن طريق رسالتنا العالَمية ورسلنا العالَميين بخطاب يجمع ولا يفرق؟ عندما نكون قادرين على ذلك نكون قد استعملنا وسائل اتصال صحيحة وإعلامًا هادفًا صحيحًا، فإن اتفقنا على خطاب يجمع ولا يفرق فعلى الدعاة أن لا يتحرجوا من الظهور على الفضائيات لفقدهم القدرة على الأداء الإعلامي الذي يليق بهم، بل عليهم الصقل والتدريب والتمرين الطويل على لغة إعلامية بسيطة تتوافق مع لغة الناس وتطورات العصر، وعليهم أنْ يتنَّبهوا إلى الاستثمار الدعوي في الفضائيات ووسائل ومواقع التواصل الاجتماعي عبر مقاطع الفيديو القصيرة المؤثرة، فهذا الاستثمار أصدق وأسرع في التعبير عما يجول في نفس المدعو من خواطر وأفكار يريد إيصالها إلى المدعوين؛ وعلى هذا فإن عليهم دراسة أساليب الدعوة الإعلامية عبر تعلم لغة الجسد وفن الإقناع والظهور الإعلامي المتميز وقراءة نفسية الجماهير قراءةً غابت عن مقررات كليات الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعاتنا، وإنها لَهِي المفتاح الرئيس للوصول إلى المدعوين لتبليغهم رسالة الإسلام بالطرق والأساليب الحديثة.
وتعد البرامج الحوارية الشبابية التي تركز على الوعي الديني والسياسي من أهم البرامج التي ينبغي للدعاة الاهتمام بها؛ فالحوار غَدَا بابًا أساسيًّا في كثير من وسائل الإعلام على اختلاف توجهاتها وسياساتها؛ ذلك أن الحوار الهادف ينتج فكرًا إبداعيًّا، وينقب عن مكامن النفس والعقل بالسؤال والمراجعة، ويستخرج من النفس أشياءَ لم تكن لتخرج تلقائيًّا دون تحريك بالسؤال أو المحاورة.
ولا نُغِفل كذلك دور المرأة المسلمة الداعية التي تخدم دينها بوسائل الإعلام، فعليها أن تهتم بالعمل في المجال الإعلامي الدعوي، وأن تتخصص فيه بهدف خدمة الدين ودفع الشبهات عن المرأة المسلمة في شتى مجالات الإعلام، فهو باب من أبواب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمؤسف أنَّ هذه المجالات أصبحت في عصرنا الحالي بيد أعداء الإسلام من حملة الأفكار الهدَّامة للمجتمع المسلم، فاتخذوا من المرأة سلعة تباع وتشترى بصورة منافية للأخلاق والدين، فلا بد من نساء إعلاميات متخصصات ملتزمات بهدي الإسلام، يدافعن عنه وينشرن الدعوة الإسلامية بصدق وإخلاص؛ لذلك أوصي الإخوة القائمين على المؤسسات الدعوية والجامعات الإسلامية والفضائيات الهادفة بالآتي: