الحمدُ للهِ ربِ العالمين، وأفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليمِ على سيدِنا محمدِ، وعلى آلِه وأصحابِه أجمعين، وبعدُ:
فقد اطَّلعَ المجلسُ الإسلاميُّ السوريُّ على المناهجِ التي فرضتْها ما يُسمّى (قواتُ سوريةَ الديمقراطية) المعروفةُ بـ (قّسَد) على المدارسِ الخاضعةِ لسيطرتِها في وطننا الحبيب، وبعدَ النظرِ الدقيقِ لهذهِ المناهجِ يبدي المجلسُ الملاحظاتِ التاليةَ:
أولاً: ينطلقُ المجلسُّ في نقدِه لهذهِ المناهجِ من منطلقٍ شرعيٍّ، وليس من منطلق قوميَّ أو إثنيَّ أو عرقِي، فالكوردُ والعربُ وغيرُهم هم أهلُ المنطقةِ من غابرِ الزمنِ، وقد عاشوا جنباً إلى جنبٍ في حبٍّ ووئامٍ وأمنٍ وسلامٍ، إلى إن جاء “حزبُ البعثِ” بحكوماتِه المتعاقبِة، التي قامت على القوميةِ، وغذَّت الطائفيةَ، ومارست الظلمَ على أبناءِ الشعبِ السوريِّ، ولا يخفى ما حلّ بكلِّ مكوناتِ الشعبِ السوريِّ قبل وأثناء ثورتِه المشروعةِ تجاهَ نظامِ الظلمِ والاستبداد.
ثانياً: إن الشعبَ السوريَّ وهو ينظرُ إلى المستقبلِ بعدَ الخلاصِ من عصاباتِ نظامِ الإجرامِ يتطلَّعُ إلى بناءِ سوريةَ الحديثةِ، القائمةِ على “مبدأ المواطنةِ” الذي يتساوى فيه الجميعُ في الحقوقِ والواجباتِ، مع المحافظةِ على الهويَّةِ المنبثقةِ من الدينِ والثقافةِ الجامعةِ لكل شعوبِ المنطقة.
ثالثاً: سلكت (قسد) المسلكَ نفسَه الذي سلكَه النظامُ البعثيُّ في فرضِ رؤيتِه وتدخلِه في مفرداتِ المناهجِ التعليميةِ، ففرضَ ما كان يُعرفُ (بالثقافةِ القوميةِ الاشتراكية) وأسَّس المنظماتِ الطلابيةَ الشموليةَ مثل (طلائع البعث وشبيبة الثورة واتحادات الطلبة) وكلُّها كما يعلمُ الجميعُ منظماتٌ حزبيةٌ تفرضُ أفكارَها على عمومِ أبناءِ وطلابِ شعبِنا السوريِّ، وكما كان هذا (النظامُ الشموليُّ) يمجد في مناهجِه التعليميةِ (القائدَ الخالدَ) الهالكَ (حافظ الأسد) ويعتبر أقوالَه أقوالاً مأثورةً تُدرّس في المناهجِ وتُقحم حتى في مادةِ (التربية الإسلامية) سلكت (قسد) المسلكَ نفسَه في تمجيدِ (عبدالله أوجلان) الماركسيِّ الملحد، فتذكرُ خطاباتِه وهرطقاتِه على أنها فكرُ رصينُ، وأن فلسفتَه للكونِ والحياةِ ونظرتَه للفردِ والمجتمعِ -وكلّها مباينةٌ تماماً للأديانِ والقيمِ السائدةِ في المنطقةِ- هي الحقيقة بعينها، وكذلك سلكت (قسد) مسلكَ (داعش) في فرضِ رؤيتِها والتمجيدِ لدولتِها المزعومةِ وخليفتِها الهالكِ (البغدادي) وفرضت ذلك على الناسِ بالحديدِ والنار.
رابعاً: وبعدَ متابعةِ النظرِ في مفرداتِ المناهجِ التي قرّروها نبينُ باختصارٍ ما احتوتْ عليه:
1_ ألغت الخطة الدراسية مادةَ (التربية الإسلامية) وقرّرت بدلاً عنها مادةً ثقافية تدعو إلى قيمِ الإلحادِ، وتنشرُ مبادئَ الديانةِ (الزرادشتية والأزيدية)، وتنتحلُ مفاهيمَ جديدةً لكثيرٍ من القيمِ المتعارفِ عليها (كالحرية) مثلاً، ليصبحَ مرادُها حريةَ الإلحادِ والتحللِ الأخلاقي.
2_ ركَّزت على (مظلومية المرأة) من قبَلِ الرجلِ، بل وأقرَّت مادةً كاملةً بعنوانِ (الجنولوجيا) حيث تعتبرُ هذه المادةُ المزعومةُ كلَّ الموروثاتِ الدينيةِ والثقافيةِ والمجتمعيةِ قائمةً على مفهومِ (السلطويةِ الذكوريةِ) وتركِّزُ في مقرراتِها على تحريرِ المرأةِ من سلطةِ الرجلِ، بحيث تُفضي هذه المفاهيمُ المطروحةُ إلى القضاءِ على مفهومِ (الأسرة) وتمييعِ دورِ كلِّ فردِ منها
3_ تشجِّع هذه المناهجُ على العلاقةِ المحرَّمة بينَ الجنسين، وتدعو إلى الانفلاتِ من قيدِ الزواجِ الشرعيِ المعتبرِ في كل الأديانِ والشرائعِ الإلهيةِ، وتدعو هذه المناهجُ صراحةً إلى (شيوعية الجنس) على نحو ما دعت إليه (المزدكية) الضالة.
4_ تمجّد الفلسفاتِ الإلحاديةَ المستوردةَ من شيوعيةٍ ماركسيةٍ وعلمانية، وبالمقابل تغضُّ من شأنِ الدينِ والوحي، وتقدّم هذه الفلسفاتِ والعلومَ المادية عليهما، فقد جاء في هذه المناهجِ ما نصُّه (ينبغي الاعترافُ بعلمِ الاجتماعِ بصفته الآلهة الأمّ لجميعِ العلوم)
5_ ألغت هذه المناهج تاريخَ المنطقةِ العربيَّ والإسلاميَّ، فلم تذكر الدولَ الإسلاميةَ المتعاقبة، ولم تُشر إليها مطلقاً، ولم تذكر أياً من الشخصياتِ التاريخيةِ التي كان لها دورٌ في بناءِ الدولةِ الإسلاميةِ وتأسيسِ حضارتِها كالقائدِ العظيمِ (صلاح الدين الأيوبي)، واقتصرَ الحديثُ فيها على (عبدالله أوجلان) ومن على شاكلتِه ممن يمجّدونَ أفكارَه الضالة المنحرفة.
6_ فرضت اللغةَ الكرديةَ على أبناءِ كلِّ المنطقةِ، مع أن كثيراً من سكانِها ليسوا من أبناءِ هذه القوميةِ الشريكةِ في الوطن، فقسمٌ كبيرٌ جداً من هذه المناطق (كدير الزور والرقة) مناطقُ عربيةٌ لا يوجدُ فيها كرديٌّ واحد.
خامساً: هذه الملاحظاتُ غيضٌ من فيضٍ، وبعضٌ من كلٍّ، وبسببِ هذا المسخِ لهويةِ الأمةِ والسلبِ لثقافةِ مجتمعاتِها امتنعَ كثيرٌ من المدرسين والمدرساتِ من أبناءِ هذه المناطقِ عن تدريسِ هذه المناهجِ المنحرفة، وامتنعَ كثيرٌ من أولياءِ الأمورِ عن إرسالِ أبنائهم إلى المدارس حتى لا يتلقَوا هذا الزيفَ والدجل.
إنّ (قسد) تحاولُ فرضَ تدريسِ هذه المناهجِ بالقوة، وتستخدمُ سلاحَ الإكراهِ والتهديد، هذا ما جعلَ أهالي المنطقةِ على اختلاف قومياتِهم وأديانِهم يتظاهرونَ معترضينَ على هذا التعسفِ، ويصدرون بياناتِ التنديدِ بهذه المناهج.
وفي الختام يعلنُ المجلسُ الإسلاميُّ السوريُّ أنَّ ما وردَ في هذه المناهجِ من إلحادٍ وضلالٍ وتزييفٍ يجعلها مرفوضةً، ويرى أنها خطرٌ كبيرٌ على الجيلِ، ويناشدُ كلَّ المدرسين والمدرساتِ الامتناعَ عن تدريسِها واعتبارِها، ويدعو كلَّ أبناءِ الشعب السوري على اختلافِ أعراقِهم إلى تضافرِ جهودِهم لمنعِ وإلغاءِ هذا المنهجِ التخريبيِّ الذي يهدِّدُ ثقافةَ الأمةِ ويقضي على تربيةِ أبنائِها.
نسألُ اللهَ أن يردَّ كيدَ الكائدين، ويعليَ كلمةَ الحقِّ والدين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
المجلس الإسلامي السوري
12 محرم 1442 هـ الموافق 31 آب/آغسطس 2020م