الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد رفع الإسلامُ منزلة الجهاد والمجاهدين قال عليه الصلاة والسلام: “مَثلُ المجاهدِ في سبيلِ اللهِ كمثلِ الصائمِ القائمِ القانتِ بآياتِ الله، لا يفتُر من صلاةٍ ولا صيامٍ حتى يرجعَ المجاهدُ في سبيلِ اللهِ” ومن أعظم أوجه الجهاد الرباطُ على الثغور حتى لا يُؤتى الناسُ من قِبَلها، قال عليه الصلاة والسلام: “رباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من الدنيا وما عليها” فطوبى لمن وفّقه الله تعالى بأنْ أقامه في هذا المقام العظيم، وهنيئاً لمن يختارُه اللهُ للشهادة في سبيله، فهو في أعلى المنازلِ مع النبيين والصديقين، إن المجلس الإسلامي السوري ومع طولِ أمدِ الثورةِ يذكّر بما يلي:
أولاً: إنّ الجهادَ المُثاب عليه عند الله تعالى هو الذي يكونُ لإعلاء كلمة الله لا لمقصدٍ آخر، فقد “سُئل عليه الصلاة والسلام عن الرجلِ يقاتلُ للمَغنَم، والرجلِ يقاتل للذِّكر، والرجلِ يقاتل ليُرى مكانُه، فَمَنْ في سبيل الله ؟ فقال: من قاتل لتكونَ كلمةُ الله هي العليا فهو في سبيل الله” وكذلك يأخذُ حكمَ المجاهد من قاتل دفاعاً عن نفسه أو أهله وعرضه أو عن ماله، قال عليه الصلاة والسلام: “مَنْ قُتل دونَ مالهِ فهو شهيدٌ، ومَنْ قُتل دون دمهِ فهو شهيدٌ، ومَنْ قُتل دون أهلهِ فهو شهيدٌ” لذا على المجاهد أن يُخلصَ نيَّتَه لله تعالى، ولا يكون جهادُه لمقصدٍ آخر كجمعِ المالِ والارتزاقِ والرياءِ والسُّمعةِ، وليصبر بعد ذلك على شظف العيش فكل ذلك مأجور عليه، بل اعتبر النبي عليه الصلاة والسلام ما يأخذه المجاهد من مغنم جزءاً من أجره وثوابه، قال عليه الصلاة والسلام: “ما مِنْ غازيةٍ تغزو في سبيل الله فيصيبونَ الغنيمةَ إلاّ تعجَّلوا ثلثي أجرِهم مِن الآخرةِ، ويبقى لهم الثلثُ، وإن لم يصيبوا غنيمةً تمّ لهم أجرُهم”
ثانياً: قد أوجبت الشريعةُ الثباتَ عند اللقاء فقال: “يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا” وهدّدت من يفرُّ من الزحف فقال تعالى: “ومّنْ يولِّهمْ يَومئذٍ دُبرَه إلا متحرِّفاً لقتالٍ أو مُتحيّزاً إلى فئةٍ فقدْ باءَ بغضبٍ من الله ومأواهُ جهنمُ وبئسَ المصير” واعتبرَت الفرارَ من مواجهة العدوِ من الكبائرِ والموبقاتِ كما جاءت بذلك الأحاديثُ الصحيحةُ، وفصَّل الفقهاء في تفاصيلِ الانحيازِ والتحرّفِ للقتالِ ومتى يجوزُ الانسحابُ، فمَنْ كان على الثغورِ فلا يحل له أَنْ يُخليَها لا سيما مع توقع هجوم العدو فيُؤتى الصفُّ مِنْ قِبَلِه ويخشى عليه أن يقع عليه إثم الفرار من الزحف، وكذلك مَنْ كان يقوم في مصلحةِ هؤلاءِ واحتياجِهم ولا يقوم الرباط إلا به فحكمهُ كحكمهِم.
ثالثاً: إن الواجبَ يتحتَّمُ في جهادِ الدفعِ على الأقربِ فالأقرب، قال تعالى “يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونَكم من الكفّارِ وليجدُوا فيكم غلظة” فالاشتغالُ بقتالِ البعيدِ مع تركِ قتالِ من قَرُبَ لا يُؤمَن فيه من غائلةِ العدوِ القريبِ المتربصِ أنْ يُغيرَ على الجبهاتِ فيقتلَ العبادَ ويستولي على البلاد، فالعدوُ القريبُ أكثرُ ضرراً علينا، وفي دفعهِ أكبرُ مصلحةٍ لنا.
وفي الختام نبشّرُ المرابطين الصابرين بحديثِ المصطفى عليه الصلاة والسلام “وَاعلم أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” نسأل الله أنْ ينصرَ عبادَه المجاهدين، ويوسّعَ على عباده المُقلّين، ويفرّجَ الكرب عن جميع بلاد المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
المجلس الإسلامي السوري
15 صَفَر1442هــ 02 تشرين الأول2020م