تحميل البحث كملف PDF
د. عبد الكريم بكار
نحن المسلمين نشعر أن الله تعالى أكرمنا بمنهج قويم وبرؤية رشيدة لحياة الإنسان في عاجله وآجله، ونحن إلى جانب ذلك أمة كبيرة ذات حضارة ممتدة، ألهمت العالم قرونًا، ونحن في الوقت نفسه جزء من عالم معاصر.
ومن محددات ومؤشرات هذه الاعتبارات والحيثيات، يتشكَّل وعينا الحضاري، ومنها وبها ننطلق في تشخيص أزماتنا، وتلمّس الحلول لها.
ما الوعي؟
وعي الشخص هو ما يتحصَّل لديه من إدراك وشعور حول ذاته وحول محيطه والعالم من حوله، وإن الوعي هو حصيلة لعمليات ذهنية وشعورية معقّدة يسهم فيها الحدس والخيال والإرادة والأحاسيس والمشاعر والضمير بالإضافة إلى الفطرة وحوادث الحياة والنظم الاجتماعية والظروف التي تكتنف حياة المرء، والقيم والمبادئ التي يؤمن بها([1]).
ما الحضارة؟
الحضارة مأخوذة من سكنى الحضر، وإن المدن والقرى الكبيرة، هي التي يكون فيها الاستقرار والنظم المعقَّدة، وفيها تكون الجامعات والمراكز الثقافية إلى جانب الكثير من التفاصيل المعيشية التي تلائم تنوع الأذواق والرغبات.
الحضارة هي الطور الناتج عن الجهد الذي بذله الإنسان من أجل الخلاص من كل ما يسبِّب له الألم والحرج والضِّيق، والجهد الذي بذله الإنسان في سبيل الحصول على الراحة والرفاهية وتأمين احتياجاته بأقل قدر ممكن من الجهد العضلي، فالإنسان مغرم حتى النهاية بالعيش السهل والممتع.
انطلاقًا مما ذكرناه نستطيع القول: إن المفردات التي تكوِّن (الوعي الحضاري) تتلخص في صور ذهنية ذات تفاصيل كثيرة معبِّرة عن متطلبات النهضة وصناعة الحضارة، يمكن أن نعد منها الآتي:
أهمية الوعي الحضاري:
التقدم الحضاري لدى أي أمة مدين لشيئين اثنين: الوعي والطاقة الروحية، وإن (التاريخ) عبارة عن أحداث متصلة صنعها أناس يملكون روح التضحية والعطاء والمثابرة، ويملكون الشجاعة والقدرة على المخاطرة، وهذه السمات كانت متوفرة لدى كثير من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فقد أطلق النبي صلى الله عليه وسلم من خلال الوحي ومن خلال سلوكه الشخصي طاقة روحية هائلة شكَّلت الوقود الأوليّ والأساسي للاندفاعة الحضارية الأولى للعرب والمسلمين، ولولا تلك الطاقة لما أمكن تشييد حضارة عظيمة كالحضارة الإسلامية خلال قرن واحد.
أما الوعي فمهمته توظيف الطاقة الروحية للأمة في تحسين أوضاعها والارتقاء بها، وفي وقايتها من الوقوع في الأخطاء الجسمية والمغامرات القاتلة. إن الإنسان إذا وجد نفسه بين (الأسود) فقد يهلك لكن هذا القانون أو الاحتمال لا ينطبق على مدرب الأسود([2])، لأنه من خلال خبرته ووعيه بطباع الأسود، ووعيه بأسلوب التعامل معها يحمي نفسه من افتراسها.
إننا لو رجعنا إلى تاريخنا لوجدنا أن ضعف الوعي الحضاري وقوته لدى المسلمين، هو المسؤول عن تراجع الحضارة الإسلامية وتقدمها، ونهوض الأمة أو وقوعها في براثن التخلف.
الارتقاء بالتعليم في كل مراحله، ووجود المفكرين والمثقفين الكبار يساعدان على نحو جذري في تنمية الوعي لدى الأجيال الجديدة، وهذا مع صعوبته وعظم تكاليفه، يشكل المخرج الموثوق من كثير مما نحن فيه؛ والله المستعان.