الكاتب: د.محمد عادل شوك
لم يتأخر المجلس الإسلامي السوري كثيرًا عندما وجد الأمر يقتضي منه حضورًا لحسم الموقف من قضايا وطنية كبرى، تمثّل ذلك جليًّا في كلٍّ من: الوثيقة التاريخية ( المأساة السورية )، و وثيقة المبادئ الخمسة للثورة.
لقد خاطب في الأولى الضمير العالمي الإنساني مبيِّنًا له تفاصيل المأساة السورية على يد نظام الأسد، و تحت سمع و بصر الدول صاحبة الشأن في المنطقة.
و في الثانية جلّى الموقف بوضوح تجاه الأمور الوطنية الجامعة، التي لاحظنا فيها تراخيًا، لا بلْ تآمرًا من لدن جماعات و دول تسعى لإعادة تأهيل النظام، و الإبقاء على رأسه، و على مؤسساته القمعية، تحت ذرائع شتى، خالطين في ذلك بين الحفاظ على مؤسسات الدولة من جهة، و بين أجهزة النظام السياسي و أدواته القمعية من جهة أخرى.
لقد نسي هؤلاء أن هذا النظام قد وصل إلى مرحلة الشيخوخة و اليأس من إعادة تأهيله، و مع ذلك نراهم يصرون على نفخ الروح فيه ثانية بعد أن هرم و مات، و أصبح جزءًا من المشكلة، لا الحلّ.
لقد جعل من سورية بلدًا منكوبة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لقد جعلها تسير خارج ركب الصناعة؛ فدمّر فيها كل مقومات الدولة الحديثة، لقد قتلَ مَنْ قتلَ، و اعتقلَ مَنْ اعتقلَ، و لم يكتفِ بتهجير نصف شعبها داخل و خارج أسوار الوطن، حتى جعل منها مسرحًا للحروب بالوكالة، و تصفية الخصومات البينية بين الجماعات، و الدول، لقد جعلها مأوًا للإرهاب من كل الأصناف و الألوان، و كانت الطامّة فيها تلك العصابة المسماة ( داعش )، التي فرخها النظام في أقبية زنازينه، ثم تواطأ بشأنها هو و أجهزة المخابرات العالمية؛ من أجل تشويه مطالب السوريين المُحِقَّة في التخلص من الظلم و الفساد، و السعي نحو الحرية و العيش الكريم، و المساواة في الفرص بين الكفاءات، و الحفاظ على إنسانيتهم، و كرامتهم.
لقد جمحت به رغبته في البقاء في السلطة إلى فعل هذه المنكرات جميعها، و ليته توقف عندها، لا بلْ جعل من سورية: أرضًا، و تاريخًا، و حضارةً، و شعبًا، و مقدراتٍ، سلعةً تباع في سوق النخاسة الدولية.
فهاهي إيران تفاوض نيابة عنه حول شريحة من المجتمع السوري المحسوبين مذهبيًا عليها، و هاهي روسيا تقايض الغرب حول مصالهحا في أوكرانيا فيها، و هاهي أمريكا تعيد رسم خارطة الشرق الأوسط إنطلاقًا منها، و بالتواطؤ معه، و بالاتكاء على حفنة من الأكراد الشوفينيين، و الدواعش الإرهابيين الدوليين.
لقد كان حريًا بقادة المعارضة السياسية التقليدية، و بالتجمعات السياسية السابقة و اللاحقة، و بقادة الفصائل العسكرية المنتشرة في عموم الجغرافية السورية أن يقفوا عند هذه المطالب الوطنية الجامعة، المنصفة للسوريين في مطالبهم التي رفعوها في أول عهد ثورتهم، إلاّ أن الذي كان أن هذه المعارضات، و التجمعات، و الفصائل قد شغلتها همومها الضيقة عن التفكير السياسي الوطني الجامع، الأمر الذي أبعدها عن أن تكون في موضع الإمساك بزمام المبادرة، و تقف هذا الموقف التاريخي.
إنّ المجلس الإسلامي بما يتصف به من الوسطية، و الحيادية، و الانحياز للحق وحده، و بعده عن المصالح الآنية الضيقة، و التروي في الحكم على المواقف و الأحداث، بما أحاط به نفسه من الخبرات و الكفاءات في شتى المجالات، و الميادين الحياتية، لخليق به أن يتبوّأ هذه المكانة؛ فيأخذ بزمام المبادرة، و يقف هذا الموقف التاريخي، و ينادي بالتمسك بهذه المبادئ، و الثوابت الوطنية الجامعة الخمسة، و يضرب بها في وجه المشاريع و التوجهات المشبوهة كلّها، التي تسعى للالتفاف على المطالب المحقة للسوريين في العيش بكرامة و إنسانية، يختارون من يرونه أهلاً ليحكمهم في وطنهم بمساحته الــ ( 185 ألف كم مربع )، بعيدًا عن المحاصصة المذهبية، و الدينية، و العرقية، و بعيدًا عن القبضة الأمنية و العسكرية المقيتة.