الكاتب: الشيخ محمد عز الدين خطاب – عضو الجمعية العمومية في المجلس الإسلامي السوري
كان أهل حمص شديدي التذمر من ولاتهم كثيري الشكوى منهم فما جاءهم والٍ إلا أوجدوا فيه عيوباً وأحصوا له ذنوباً ورفعوا أمره إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وتمنّوا أن يبدلهم خيراً منه.
فعزم الفاروق أن يبعث لهم والياً لا يجدون فيه مطعناً فنثر كنانة رجاله فلم يجد خيراً من عمير بن سعد، كان على رأس جيشٍ يضرب في أرض الجزيرة من بلاد الشام يحرر المدن ويقيم المساجد، فدعاه عمر وعهد له بولاية حمص فسمع الأمر على كرهٍ فما كان يؤثر شيئاً على الجهاد، ولما بلغ حمص دعا الناس إلى المسجد فخطبهم بأوجز وأبلغ خطابٍ فقال:
أيها الناس: إن الإسلام حصنٌ منيعٌ وبابٌ وثيقٌ، وحصن الإسلام العدل وبابه الحق، فإذا دكّ الحصن وحطّم الباب استبيح حمى هذا الدين وإن الإسلام ما يزال منيعاً ما اشتد السلطان وليست شدة السلطان ضرباً بالسيوط ولا قتلاً بالسيف ولكن قضاء بالعدل وأخذاً بالحق ثم انصرف .
فأقام فيهم حولاً لم يكتب لعمر كتاباً له بفيء فأخذ الشك يساور عمر فقال لكاتبه اكتب إلى عمير بن سعد أن يدع حمص ويأتي بما جمعه من فيء .
فمذ بلغه الكتاب أخذ جراب زاده وقصعته ووعاء وضوئه وأمسك بحربته وترك وراءه حمص بما فيها وانطلق ماشياً على قدميه فما وصل المدينة إلا وشحب لونه وهزل جسمه وطال شعره وظهر عليه وعثاء السفر.
فلما دخل على عمر دهش لحالته وقال: ما بك يا عمير؟ فقال: ما بي من شيء فأنا بحمد الله صحيح معافى أحمل معي الدنيا أجرها من قرنيها، فقال: ما معك من الدنيا؟ يظنه الفيء! فقال: معي جرابٌ فيه زادي وقصعتي وقربة لوضوئي وشرابي فقال عمر: هل جئت ماشياً ؟ قال: نعم فقال عمر: ما أُعطيتَ من الإمارة دابةً تركبها؟ فقال: هم لم يعطوني وأنا لم أطلب فقال عمر: وأين الفيء؟ فقال: لم آت بشيء قال: لم ؟ قال : جمعت صلحاء حمص ووليتهم جمع الفيء فكلما جمعوا شيئاً وضعته في المستحقين فقال عمر لكاتبه : جدد عهداً لعمير على حمص .
أقول: فالولاة يا أخي كثير والذين خلد التاريخ ذكرهم قليل وها هو التاريخ يكتب لنا سيرة (عمير بن سعد) في سفر الخلود فما للشعب السوري ؟!
وقد أفسدت الدنيا ثورته فانتشر فيهم الحسد والبغضاء واستشرت الضغينة وشاعت السرقة وقُطّعت السبل وانحرفت غايات الجهاد وفشت المظالم وكل ذلك للدنيا ومن أجلها.
فيا أيها الثوار اتقوا الله في جهادكم واطرحوا الدنيا وراءكم ظهرياً فإن صارعكم حبها فاذكروا عمير بن ســعد ترضون بما قسم الله لكم واعلموا أن البلاد لا يحررها إلا الزاهدون فلا تنافسوا على الدنيا فتهلكوا كما هلك الذين من قبلكم .