الكاتب: د.محمد العبدة – عضو المجلس الإسلامي السوري
كانت الفرصة متاحة أمام المسلمين في فترة مهمة من القرن الماضي ( الميلادي ) وذلك لنشر دعوتهم وعرض دينهم على الناس والانتشار في الأرض ، كان ذلك متاحاً ، كان الغرب يعاني من أمراض الحضارة ، فعندما تبدأ الحضارة في الهبوط تلجأ إلى اللامعقول وإلى اللامنتمي سواء من ناحية الفكر أو من ناحية الفن ، فيظهر الفن ( السريالي ) الذي يمثل الغموض في الرسم فأنت لاترى في اللوحة شيئاً واضحاً ويقولون لك أنت لاتدري ما في عقل الفنان ومقصده ، ويظهر في الأدب مذهب ( التفكيكية ) التي قال عنها الكاتب ( ليتش ) : ” هي الفوضى الشاملة ، تخرب كل شيء من التقاليد ، تشكك في الأفكار الموروثة عن اللغة والنص والسياق والمؤلف والقارئ ودور التاريخ ، لأنه حسب نظريتها يستحيل تثبيت معنى واحد للكلمة ، ولذلك فالمعرفة كيان متغير دائم التحول ” ويقول الباحث الأمريكي ( دانيل بل ) : ” إن الحداثة وصلت إلى منتهاها ، إلى نهاية الشوط التاريخي ، ولم تحقق السعادة للبشر بالرغم من شيوع السلع وتوافرها ، مما أدى إلى العودة للحديث عن ( الإشباع الروحي ) ” ( 1) ويقول الباحث ( جون نايسبت ) : ” في القرن الخامس عشر كانت آسيا مركز العالم ، ثم جاءت ( 500 ) سنة هيمن خلالها الغرب ، ولكن الآن أخذ مركز العالم يرتد إلى آسيا اقتصادياً وسياسياً وثقافياً ” (2 )
هذا لايعني أن الغرب سينهار سريعاً فهو مايزال قوياً ولكن حالة الفراغ ( الروحي ) التي ذكرها الكاتب صحيحة ، فإن توفر المال وكثرة الاستهلاك وإن كان على أشده ولكنه لايرضي حاجة الإنسان فهو يتطلع إلى شيء آخر ، لم يكن الغرب وحده الذي يعاني هذا الفراغ ولكن الشرق البوذي أيضاً وغيره من الأفكار اللادينية ، ولكن الذين فهموا الإسلام فهماً مقلوباً كما كان يعبر الشيخ رشيد رضا ( كمن يلبس الفروة بالمقلوب ) هؤلاء الذين حملوا الفكر المتطرف أشعلوها حرباً على العالم في الوقت الذي كان العالم بحاجة للتبشير بالدعوة ، وكأن هؤلاء يقولون عليَ وعلى أعدائي ، وكأنهم مصابون بإحباط شديد في بلادهم ولم يستطيعوا عمل شيء صحيح في سبيل الإسلام ، وذلك لانحراف منهجهم في الأساس إذن ، فليدمروا المسلمين أيضاً لأنهم لم يتجاوبوا مع أفكارهم المتطرفة ، وهكذا أفسدوا على الدعاة الذين انتشروا في الأرض وبدأت الدعوة تؤتي ثمارها المرجوة سواء بدخول أناس في الإسلام أوبتقوية الصف الإسلامي وزيادة المعرفة والتجربة . قامت مؤسسات علمية دعوية ومؤسسات خيرية وبنيت مساجد وأقيمت مراكز ومدارس للتعليم ، ثم جاءت تصرفات هذه الفئة لتضعف أوتنسف هذه الجهود التي بذلت خلال عشرات السنين ، وجاء البلاءأيضاً من فئة الباطنية الطائفية المتطرفة الذين أشعلوها حرباً ضد أهل السنة وشغلوا المسلمين عن الاهتمام بالدعوة ونشر العلم وأصبح الهم هو حماية أهل السنة من عقائدهم الفاسدة .ً
بعد سقوط الاتحاد السوفييتي تحولت أمريكا إلى دولة مغرورة متغطرسة وبدأ الغرب بزعامة أمريكا يبحث عن عدو جديد ليبقى الحراك السياسي والتلاعب بعواطف الشعوب ، وليس أمامهم إلا الإسلام فوجدوا في هذا الفكر المتطرف ذريعة لضرب أفغانستان والعراق وإبعاد العمل الخيري الإسلامي عن نشاطه وإغلاق المعاهد الدينية والتدخل في المناهج المدرسية ، واخترعوا المصطلحات المشهورة : الإرهاب والإسلام السياسي والأصولية ، ولكن هذا الغرب لايسم التطرف الهندوسي بالإرهاب ولا التطرف النصراني ( المنظمات والعصابات في أمريكا ) كان على المسلمين أن يتفهموا الظروف الدولية الجديدة ومحاولة أمريكا الهيمنة ، ومعرفة المعادلات الدولية ولا ينجرون إلى مواجهة مع عدو وكأنه ينتظر هذه المواجهة . كان بإمكان المسلمين تحقيق نجاحات كثيرة كما حقق المسلمون انتصارات في صلح الحديبية الذي وصفه القرآن الكريم بالفتح المبين ، كانت فترة سلم وفرصة للدعوة ، قال ابن هشام : ويدل على أهمية هذا الفتح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة ثم خرج بعد سنتين إلى فتح مكة في عشرة آلاف.
يقول الشيخ جعفر إدريس : ” يبدو لي أن الحال في كثير من البلاد الديمقراطية – لا سيما الغربية – شبيهة إلى حد كبير بحال المسلمين مع المشركين في سنتي الهدنة ، يستطيع فيها الدعاة الاختلاط بغير المسلمين ودعوتهم ومجادلتهم ، وعلى الدعاة في تلك البلاد إذن أن يحافظوا على هذا الجو السلمي حتى لوكانوا في مثل قوة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين عقدوا الصلح فكيف وهم في حال ضعف ومما يوجب الحرص على هذا الجو السلمي أنه – في تقديري – لن يدوم ، إن الدول الديمقراطية تبيح الحرية مادام المخالفون أقلية أما إذا نما عددهم ورأوا فيه تهديداً للنظام العلماني فإنهم سيضحون بالديمقراطية من أجل العلمانية ” ( 3 ) فالغاية أن يكون المسلم سبباً لهداية الناس ، فإذا جاء هذا سلماً فهو المطلوب .
جاءنا ضياع الفرص والخسارة من طرفين : من أهل الغلو والتطرف من جهة ومن أصحاب الخرافات والحقد والرعونة من الفرق الباطنية من جهة أخرى الذين استغلوا الشعارات التي رفعها الغرب وعقدوا الصفقات مع هذا الغرب فدمروا بلاداً وشعوباً بحجة محاربة التطرف .
1 _ السيد ياسين : الخريطة المعرفية للمجتمع العالمي / 73
2_ جون نايسبت : إعادة التفكير في المستقبل / 273
3_ مجلة البيان : العدد / 138