إن مما تميز به دين الله الإسلام الوسطية والاعتدال في كل تعاليمه فلا تراه مُفْرِطا في الشدة إلى الدرجة التي تنفر أصحاب الطباع السليمة، كما هو الحال عند اليهود، ولا ترى فيه ذلك التفريط الذي تتميز به بعض الديانات كما في الديانة المحرفة عند النصارى…
وقد كان منهج الوسطية والفطرة هو السائد في القرون الإسلامية الأولى، رغم تعدد التيارات وتنوع تفسيرات النصوص، ولم يعكر صفوه إلا بعض الفئات التي جنحت في تفسيرها للنصوص إلى التطرف، ولكن خروجها عن المنهج القويم ووضوح شططها، ووقوف العلماء والحكام المسلمين في وجهها جعلها تختفي كما ظهرت وتموت كما ولدت.
ولكن لم تمض بضعة قرون حتى وجد أعداء الدين من يهود وفرس وغيرهم في أبناء هذه التيارات ستارة يخفون خلفها نواياهم في الحرب على الإسلام والمسلمين، بل وزاد الأمر خطرا على الأمة عندما وجدت لهذه التيارات حكومات وقوى عسكرية تدعم تطرفهم وحقدهم على الآخر…
ومع هذا ورغم كل الضغوط والاضطهادات التي أصابت أهل السنة في مناطق وأيام سيطرة المتطرفين من حكام الدولة الفاطمية أو البويهيين والقرامطة وأضرابهم؛ فإن أهل السنة بقوا على الطريق القويم وسطا معتدلين كما أمرهم الله في قوله سبحانه: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]
وسنعرض في بحثنا هذا لجوانب الوسطية عند أهل السنة والجماعة وتطرف كل من الشيعة والخوارج، وبيان مدى بعدهما عن هدى الإسلام وضوابط الفطرة… إذ غدا الدين عند الخوارج عيشا في سبيل قتل أبناء الإسلام الذين لا يذهبون مذهبهم، بينما تحولت كتب الدين عند الشيعة في جزء كبير منها إلى مزيج من العقائد الدخيلة والخرافات والشتائم والتكفير للصحابة الكرام وأبناء الأقطار الإسلامية المختلفة، في فوضى باسم الدين ينكرها كل عقلاء الشيعة.
أولاً: وسطية أهل السنة والجماعة بين الروافض والخوارج.
الغلو: من (غلا)، أي: جاوز الحد، وغلا فلان في الدين: تشدّد فيه وجاوز الحد وأفرط، فهو غالٍ، وغالى مغالاةً، بالَغَ([1]).
وقد ورد التنصيص على النهي عن الغلو بلفظه في القرآن الكريم مرتين([2]): الأولى قوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ} [النساء:171]
والثانية قوله سبحانه: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة:77]
كذلك فقد ورد في القرآن الكريم النص على التخفيف والتيسير الذي ينافي الغلو والتشدد، ومن ذلك قوله جل وعلا: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة : 185]. وقوله سبحانه: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج : 78].
وقوله سبحانه: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143]. وسطاً يعني: عدولاً خياراً .
– النهي عن الغلو في السنة المطهرة:
ثمة أحاديث شريفة تحثّ عدول الأمة في كل جيل على التصدي لعقائد الغلو والنِحَل الباطلة([3])، منها:
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يرث هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتحريف الغالين)([4]).
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين)([5]). وعلّق ابن تيمية رحمه الله على هذا الحديث: عام في جميع أنواع الغلو؛ في الاعتقاد والأعمال([6]).
3-وقال صلى الله عليه وسلم هلك المتنطّعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون([7]). قال النووي رحمه الله: أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم([8]).
4-قال صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يُسر، ولن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه)([9]). (يشاد الدين) يكلف نفسه من العبادة فوق طاقته، والمشادة المغالبة. (إلا غلبه) ردّه إلى اليسر والاعتدال.
5-وقال صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق)([10]).
6- كما قال صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يملّ حتى تملوا)([11]).
-وسطية أهل السنة:
وقد كان أهل السنة والجماعة على الدوام وسطاً بين الروافض والخوارج؛ قالوا مثلاً: نحن نُنْزِلُ آل البيت منزلتهم، ونرى أن لهم حقين علينا: حق الإسلام والإيمان، وحق القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذه القرابة الحق أن ننزلها منزلتها، وأن لا نغلو فيها.
ويقولون في بقية أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم: لهم الحق علينا بالتوقير والإجلال والترضي، وأن نكون كما قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] ولا نعادي أحداً منهم أبداً؛ لا آل البيت، ولا غيرهم؛ فكل منهم نعطيه حقه؛ فصاروا وسطاً بين جفاة وغلاة([12]). هذه هي عقيدتنا نحن المسلمين، التوسط وعدم المغالاة.
ثانياً: الغلو عند الشيعة:
أما الشيعة فقد غالوا في كل شيء، بل إن دينهم مبني على المغالاة والتطرّف؛ ومن صور هذا الغلو:
فقد نسبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم _كذباً _ أنه قال عن نفسه وعن الأئمة: “وكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم في التوحيد ومعرفة ربناU وتسبيحه وتقديسه وتهليله؛ لأن أول ما خلق الله تعالى أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتمجيده ثم خلق الملائكة، فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا فسبّحنا، فتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون، وأنه منزّه عن صفاتنا، فسبّحت الملائكة لتسبيحنا”([13]). وتقول رواية أخرى: “وكانت الملائكة لا تعرف تسبيحاً ولا تقديساً من قبل تسبيحنا وتسبيح شيعتنا”([14]).
وروى الكليني عن سيف التَّمّار قال: ( كنا مع أبي عبد اللهu فقال: وربِّ الكعبة وربِّ البَنــِيّة([15]) _ثلاث مرات_ لو كنتُ بين موسى والخضر لأخبرتُهما أني أعلمُ منهما، ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما؛ لأن موسى والخضر أُعطيا علمَ ما كان، ولم يعطَيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول اللهr وراثة!)([16]).
-وذكروا أن الثمالي سأل علي بن الحسين رضي الله عنهما: (قلت له: جُعلت فداك الأئمة يعلمون ما يضرّ؟ فقال: علمتُ والله ما علمت الأنبياء والرسل، ثم قال لي: أزيدك؟ قلت: نعم، قال: ونُزاد ما لم تُزد الأنبياء!) ([17]). وكذلك فقد رووا: (عن الحسين بن علوان عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال: إن الله خلق أُولي العزم من الرسل وفضّلهم بالعلم وأَورَثَنا علمَهم، وفضّلنا عليهم في علمهم، وعلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يعلموا، وعلّمنا علم َالرسول وعِلمهم!)([18]). وذكروا: أن الفقيه الشيعي بمنزلة موسى وهارون!([19]).
زعموا أن علياً رضي الله عنه قال _وحاشاه_: (أنا فرعٌ من فروع الربوبية)([20]). ونسبوا إليه _وحاشاه_ القول: “أنا ربّ الأرض الذي تسكن الأرض به” ([21]). ونسبوا إليه رضي الله عنه أنه قال _وحاشاه_ :(وإني لَديّان الناس يوم الدين وقَسيمٌ بين الجنة والنار، لا يدخلها الداخل إلا على حد قَسْمي وإني الفاروق الأكبر، وإن جميع الرسل والملائكة والأرواح خلقوا لخلقنا..!!)([22]).
وقال شاعرهم فيه:
أبا حسنٍ أنت عيــــــــــــــــنُ الإلـــــــــــهِ — وعنوانُ قدرتــــــــــــِـــــــــه الساميـــــَــــــةْ
وأنت المحيـــــــطُ بعلــــمِ الغُيــــــــــــــوبِ — فهل عندكَ تعزبُ من خافيةْ
وأنت مديرُ رحى الكائنــــــــــــــــــاتِ — وعِلّة إيجادِهـــــــــــــــــــــا الباقيــــــــــــــــــــــةْ
لك الأمرُ إنْ شئتَ تُنجي غـــــــداً — وإنْ شئتَ تسفعُ بالناصيـــــــــــــةْ([23])
أوردوا عن حِمران قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في ذبيحة الناصب([24]) واليهودي: (لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم الله)([25]) ويقول الخميني: (فتحِلّ ذبيحة فِرَق الإسلام عدا الناصب، وإن أظهر الإسلام!!)([26]).
فهم لا يأكلون ذبائح المسلمين لاعتقادهم أنهم مشركون! وذكروا عن علي الخدمي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إن الجار يشفع لجاره، والحميم لحميمه، ولو أن الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين شفَعوا في ناصب _أي سنّي_ ما شُفِّعوا!)([27]).
وكذلك فقد قال شيخهم نعمة الله الجزائري: (إنا لا نجتمع معهم _أي مع أهل السنّة والجماعة_ على إله ولا على نبيّ ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمدٌ نبيَّه وخليفته من بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الربّ ولا بذلك النبيّ، بل نقول: إن الربّ الذي خليفةُ نبيّه أبو بكر ليس ربّنا ولا ذلك النبيّ نبينا)([28]).
وقال أيضاً في حكم أهل السنّة والجماعة: (إنهم كفار أنجاس بإجماع علماء الشيعة الإمامية، وإنهم شرّ (أي أشَر) من اليهود والنصارى، وإن من علامات الناصبي تقديم غير عليّ عليه في الإمامة)([29]).
نسبوا إلى أبي عبد الله القول: إن الله عز وجل لما كان متفرداً بالوحدانية ابتدأ الأشياءَ لا من شيء فأجرى الماء العذب على أرض طيّبة طاهرة سبعةَ أيام مع لياليها، ثم نضب الماء عنها فقبض قبضةً من صفاوة ذلك الطين، وهي طينتنا أهل البيت، ثم قبض قبضة من أسفل تلك الطينة، وهي طينة شيعتنا، ثم اصطفانا لنفسه، فلو أن طينة شيعتنا تركت كما تركت طينتنا لما زنى أحد منهم، ولا سرق ولا لاطَ، ولا شربَ المسكر، ولا اكتسبَ شيئاً مما ذكرت… لكن الله تبارك وتعالى جمع الطينتين؛ طينتكم وطينتهم فخلطَهما وعَرَكهما عركَ الأديم، ومزجهما بالماءين فما رأيتَ من أخيك من شرّ لفظ أو زنى، أو شيء مما ذكرت من شرب مسكر أو غيره، فليس من جوهريته ولا من إيمانه، إنما هو بمسحة الناصب اجترح هذه السيئات التي ذكرت، وما رأيت من الناصب من حسن وجه وحسن خلق، أو صوم، أو صلاة أو حج بيت، أو صدقة، أو معروف فليس من جوهريته….([30]).
– روى البرقي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (ما أحدٌ على مِلّة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا، وسائر الناس منها براء)([31]).
– وأورد العياشي: (عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: ما من مولود يُولد إلاَّ وإبليس من الأبالسة بحضرته، فإن عَلِمَ اللهُ أنَّه من شِيعتنا حَجَبَهُ عن ذلك الشيطان، وإنْ لَم يكن من شيعتنا أثبتَ الشيطان إصبعه السبّابة في دُبُره فكان مأبوناً ([32])، فإن كانت امرأةً أَثبتَ في فرجها فكانت فاجرة)([33]).
– وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا علي أنت أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين، وأنت وشيعتك الصافّون المسبّحون، ولولا أنت وشيعتك ما قام لله دِينٌ ولولا مَن في الأرض منكم ما نزل من السماء قَطْرٌ)[34])).
– ورووا عن جعفر بن محمد أن أباه قال: (أبشروا وبشّروا، فو الله مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساخط على أُمّته إلا الشيعة، ألا وإن لكل شيء شرفاً، وشرفُ الدين الشيعة، ألا وإن لكل شيء سيداً، وسيّدُ المجالس مجالسُ الشيعة، ألا وإن لكل شي إماماً وإمام الأرض أرضٌ تسكنُها الشيعة!)([35]).
لقد غالى الشيعة في عدائهم للصحابة رضي الله عنهم حتى كفّروهم إلا قليلاً منهم وكالوا كل النقائص والرذائل بحقهم!
حيث تقول رواياتهم _افتراءً وكذباً_إن أصحاب رسول اللهr ارتدّوا عن دين الإسلام بعد وفاة رسول اللهr وكفَروا بما جاء به، ويستثنون عدداً من الصحابةy. فزعموا أن أبا جعفر رحمه الله قال: “كان الناس أهل رِدّة بعد النبيr إلا ثلاثة، فقلت: من الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي !!”([36]).
وافتروا على الصحابة الكرام واتهموهم بالنفاق!! قال شيخهم الكاشاني طاعناً في الصحابة الكرام: “أكثرهم كانوا يُبطنون النفاق، ويجترئون على الله، ويفترون على رسول الله صلى الله عليه وسلم في عزّة وشقاق!!”([37]).
وإليكم ما قاله خمينيّهم _وهو من المعاصرين_ عن عائشة، والزبير، وطلحة ومعاوية ش أجمعين: “إنهم أخبث من الكلاب والخنازير!!”([38]).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن علي خامنئي _المرشد الأعلى لما يسمّى الثورة الإيرانية_ قد أصدر فتوى بعدم جواز سب الصحابة وأمهات المؤمنين! لكنا نفهم ذلك في سياق التقية والكذب، فلو كان حقاً ما يقول لما سمعنا شيعياً على وجه الأرض يسب أحداً من الصحابة.. ومما يكذب فتواه هذه ما ذكره هو نفسه من تكفير المسلمين في سورية.. حيث قال: ” إن إيران تقاتل الكفار في سورية، وإن جنودنا يطلبون الإذن للقتال في جبهة الإسلام ضد الكفر في سورية” .
وقد رد المجلس الإسلامي السوري على هذا التصريح في بيان له 29/2/2016م وبيّن ما تعكسه تلك التصريحات من تجذّر الطائفية والحقد الدفين ضد المسلمين، وأن التكفير هو ديدن هؤلاء القوم.
قال حسين آل كاشف الغطاء عن كربلاء: (أشرفُ بقاع الأرض بالضرورة)([39]).
وزعم آيتهم ميرزا حسين الحائري أن كربلاء كعبة للمسلمين، قال: “وكذلك أصبحت هذه البقعة مباركة بعدما صارت مَدفناً للإمام ومَزاراً للمسلمين وكعبةً للموحدين!! ومطافاً للملوك والسلاطين ومسجداً للمصلِّين”([40]).
ونسبوا إلى أبي جعفر u أنه قال: “خلق الله تبارك وتعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام، وقدّسها وبارك عليها، فما زالت قبل خلقِ الله الخلقَ مقدّسةً مباركةً، ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة، وأفضل منزل ومسكن يُسكن الله فيه أولياءه في الجنة”([41]).
-موقفهم من البلاد الإسلامية وأهلها:
نظر الشيعة بازدراء إلى البلدان الإسلامية، وانتقصوها وذمّوها فقالوا: “إن أهل مكة ليكفرون بالله جَهرة، وإن أهل المدينة أخبث من أهل مكّة، أخبث منهم سبعين ضِعفاً”([42]). ويقولون عن الشام([43]) وأهلها: “لا تقولوا: من أهل الشام ولكن قولوا: من أهل الشُؤْم .. لُعنوا على لسان داودu فجعل الله منهم القردة والخنازير!”([44]).
وقالوا على لسان جعفر الصادق t _وحاشاه من ذلك_: أهل الشام شرّ من أهل الروم، وأهل المدينة شر من أهل مكة، وأهل مكة يكفرون بالله جهرة([45])، فأهل الشام المسلمون شرٌّ من أهل الروم الكفار عند هؤلاء الشيعة المجرمين.
ووصف الخميني أهل الجزيرة العربية بقوله: “وحوشُ نجد، وحُداة البعران في الرياض يُعدّون من أسوأ المخلوقات البشرية!!”([46]).
وكذلك فإنه لم يسلم منهم أهل مصر، فروى الكليني عن علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا u قال: سمعته وذكر مصر، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تأكلوا في فخّارها ولا تغسلوا رؤوسكم بطينها؛ فإنه يَذْهَب بالغَيْرة، ويورث الدِّياثة!([47]).
ثالثاً: الغلو عند الخوارج:
أما الخوارج؛ فهم على العكس من الرافضة؛ حيث إنهم كفروا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكفّروا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وكفروا كل من لم يكن على طريقتهم، واستحلوا دماء المسلمين، فكانوا كما وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام: “يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمِيَّة”([48])، وإيمانهم لا يتجاوز حناجرهم.
فالشيعة غلوا في آل البيت وأشياعهم، وبالغوا في ذلك، حتى إن منهم من ادعى ألوهية علي، ومنهم من ادعى أنه أحق بالنبوة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخوارج بالعكس من ذلك تماما.([49])
رابعا: كيف تعامل أهل السنة مع تطرف كل من الشيعة والخوارج؟
إن الباحث في كتب السنة النبوية ومصنفات الرواة من المحدثين والمفسرين وغيرهم يرى أن علماء أهل السنة رووا عن كثير من الرواة الموصوفين بالتشيع أو القدر أو الإرجاء أو حتى من الخوارج، ولم يمنعهم الوصف بهذه الأشياء من قبول رواياتهم طالما أنهم اتصفوا بالإسلام والعدالة والضبط، من أمثال عبد الملك بن أعين الشيعي الذي قال عنه أبو حاتم : هو من عتق الشيعة ، محله الصدق ، صالح الحديث ، يكتب حديثه، وقال عنه سفيان: حَدَّثَنَا عَبد المَلِك بن أعين وكان رافضيا[50]، وعباد بن يعقوب الأسدي الرواجني، وعوف بن أبى جميلة العبدي، الذين روى لهم البخاري وغيرهم، لكن مع العلم بأنهم لم يحملوا في عقيدتهم ما يحمله متطرفو الروافض اليوم من شتيمة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكفير لأمته واعتقاد بتحريف كتاب الله المطهر.
وبينما قبل أهل السنة رواية المبتدعة الذين اتصفوا بالصدق والأمانة فإنهم ردوا رواية الكثيرين من علماء أهل السنة من أهل التقوى والصلاح الذين لم يتصفوا بالحفظ والضبط… التزاما منهم بقوانين العلم المنطقية والواضحة التي تحكم منهج أهل السنة والجماعة بعيدا عن الغلو والأهواء والنزعات التي اتصفت بها قوانين الشيعة والخوارج.
على الجهة المقابلة نرى الشيعة يقبلون رواية الكذاب وشارب الخمر وساقط العدالة وأضرابهما من الشيعة في أصح كتبهما عند “الكليني” و”الكشي” اكتفاء بولايتهم لأهل البيت كما يدعون، ويرفضون روايات العدول وأهل الصدق من غير الشيعة لعدم إيمانهم بولاية علي التي عليها الرافضة، حيث بدؤوا برد روايات الصحابة بعد تكفيرهم؛ رغم ما كانوا عليه من الصدق والأمانة، ثم ثنوا برواية كل من أحب صحابة رسول الله أو نزههم عما اتهمتهم به الروافض والشيعة.
ختاما:
إن أكثر ما يثير حقد الروافض اليوم هو اعتدال أهل السنة والجماعة، وانضباطهم العلمي في النقل والرواية، لهذا تحاول الحكومة الإيرانية جاهدة بما فيها من رجال دين متطرفين؛ تسليط الضوء على بعض الجماعات المتطرفة التي تدعي الانتساب لأهل السنة لتقنع أتباعها بأن أهل السنة أهل غلو وتطرف، وأنهم يكفرون الشيعة عموما ويستبيحون دماءهم، وتقصد من ذلك إلى تحشيد الشيعة ضمن مخططها الفارسي الخبيث في المنطقة.
وقد عملت الحكومة الإيرانية المتطرفة على عدة محاور لزيادة الغلو بين الشيعة في العالم ومن هذه المحاور:
1- كذبها على رعاياها بإقناعهم بأن السنة يكفرونهم ويستبيحون دماءهم، محتجة بروايات وفتاوى جماعات التكفير والهجرة التي تكفر عموم أهل السنة قبل الشيعة.
2- تكميمها لأفواه العقلاء من الشيعة لمنع أي محاولة للاعتدال ونقد الخرافات والترهات التي ملأت كتبهم.
3- احتواؤها ودعمها لجماعات التكفير والهجرة التي تنسب نفسها لأهل السنة – زورا وبهتانا – كالقاعدة وأضرابها حيث توفر لهم الدعم اللوجستي والسلاح ضمن اتفاقيات معلومة لكل المراقبين، بل واستخدمتهم في العراق لقتل بعض الشيعة والسنة قصدا لإيقاع الفتنة بين الطائفتين في عام /2006/ لتمكين الأمريكيين، والعمل في الوقت ذاته على تحشيد الشيعة العرب ضمن مشروعها الفارسي، ومنع أي محاولة منهم للتعامل مع السنة العرب، والقضاء على كل من يقف في وجهها من الشيعة العرب، وإبان الثورة السورية قامت إيران مع حليفيها الأسد والمالكي بإطلاق سراح معظم التكفيريين المتواجدين في سجون العراق و سوريا في أبو غريب وصيدنايا وغيرها، وتسهيل تحركهم وتجمعهم ثم تسليمهم آلاف الأطنان من السلاح الثقيل في الموصل وتدمر والرقة، بقصد اختراق ثورة أهل الشام وحرف مسار ها… ونتيجة لذلك فقد نشأت على أرض الشام جماعات تكفيرية كثيرة كداعش والنصرة وجند الأقصى وغيرها من التنظيمات المختلقة التي وجدت نتيجة توافق صليبي إيراني وبدعم من كل قوى الشر في العالم، لتدمير مدن أهل السنة وتهجير أهلها، ثم إحلال الشيعة في ديارهم.
لهذا على عقلاء الشيعة اليوم إن كان قد بقيت لهم قدرة على الكلام؛ أن ينهضوا لمواجهة مشاريع حكوماتهم المتطرفة قبل أن يفوت الأوان، وليعلموا أن ما اغتصبوه من أراضي أهل السنة في العراق وسوريا ولبنان سيعود لأصحابه ولو بعد حين، وأن الغريب والمحتل سيخسر ويجر أذيال الخيبة مهما طال احتلاله ومهما زاد ظلمه ولهم في التاريخ عبر وعظات، دخلوا بغداد والشام ومصر كرات وكرات فأين آثارهم اليوم؟ لقد دخلوا وخرجوا خاسرين لم ينالوا شيئا تصحبهم اللعنات على بغيهم وظلمهم وحقدهم، وبقي الحق مشرقا أبلج وسيبقى كذلك بإذن الله… ومهما طال ظلام الباطل فلا بد لفجر الحق أن يظهر بإذن الله وبسواعد عباد الله المخلصين… والحمد لله رب العالمين.
[1]– المعجم الوسيط: 2/660.
[2]– الغلو في الدين المظاهر والأسباب، لأبي زيد الإدريسي: ص 8.
[3]– براءة أهل البيت من عقائد التشيع الفارسي، لغسان الدغمان البصري: ص 10.
[4]– سنن البيهقي رقم:[20911]. وينظر: صحيح مشكاة المصابيح: 248 -[51].
[5]– مسند أحمد رقم:[3248]. وإسناده صحيح على شرط مسلم. وسنن ابن ماجة:[3029] كلاهما من حديث ابن عباس رضي الله عنه .
[6]– اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم:1/328.
[7]– صحيح مسلم رقم:[2670]من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
[8]– شرح النووي على مسلم:16/220.
[9]– صحيح البخاري رقم:[39]من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[10]– مسند أحمد رقم:[199] من حديث أنس رضي الله عنه وصحيح الجامع رقم:[ 2246].
[11]– صحيح مسلم رقم:[215-782]من حديث عائشة رضي الله عنها.
[12]– شرح العقيدة الواسطية، لابن عثيمين:2/76.
[13]– حلية الأبرار، للبحراني: 2/398. وتفسير القمي: 1/18.
[14]– الأنوار الساطعة، للكربلائي: 2/52. وبحار الأنوار، للمجلسي:26/344.
[15]– البَنيّة هي الكعبة، قال ابن الأثير: (وكانت تدعى بنية إبراهيمn؛ لأنه بناها، وقد كثر قسمهم برب هذه البنية). النهاية لابن الأثير: 1/158.
[16]– أصول الكافي: 1/261. ودلائل الامامة، لابن جرير الطبري (الشيعي): ص280.
[17]– بصائر الدرجات، للصفار: ص262. وبحار الأنوار، للمجلسي: 26/55.
[18]– المصدر السابق: 26/194. ومستدركات علم رجال الحديث، للشاهرودي: ص 154.
[19]– زبدة التفاسير، للملا فتح الله الكاشاني: ص 138.والحكومة الإسلامية: ص:95.
[20]– الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة، لجواد الكربلائي: 2/10.
[21]– مختصر بصائر الدرجات، للحسن الحلي: ص40.
[22]– بحار الأنوار، للمجلسي: 26/153.وجامع أحاديث الشيعة، للبروجردي: 17/245.
[23]– ديوان شعراء الحسين، الجزء الأول القسم الثاني الخاص بالأدب العربي: ص48.
[24]– الناصب عند أهل السنّة تعني: الذي يبغض علياً t وأهل بيته ويلعنهم، لكن هذه الكلمة تعني عند الشيعة: أهل السنة الذين يتولّون أبا بكر وعمر وبقية الصحابة t (موقف الشيعة من أهل السنة، لمحمد مال الله: ص 17 وما بعدها). وينظر: مبحث المصطلحات والرموز من هذا الكتاب.
[25]– تفسير العياشي: 1/375.والوافي للكاشاني: 19/257.
[26]– تحرير الوسيلة: 1/136.
[27]– المحاسن للبرقي: ص184.وبحار الأنوار: 8/42.
[28]– الأنوار النعمانية: 2/278. نقلاً عن: لله ثم للتاريخ: ص 85.
[29]– الأنوار النعمانية: 2/206-207. نقلاً عن: لله ثم للتاريخ، لحسين الموسوي: ص 90.
[30]– علل الشرائع، للصدوق: 2/425. وبحار الأنوار: 5/230 (باب الطينة والميثاق). وتفسير نور الثقلين، للحويزي: 3/10.
[31]– المحاسن: ص147. والكافي للكليني: 1/435.
[32]– المأبون: أي الذي لا يقدر على ترك أن يُؤتَى في دُبُره. (حاشية ابن عابدين: 4/72).
[33]– تفسير العياشي، سورة الرعد: 2/218.
[34]– بحار الأنوار، للمجلسي :65/41.
[35]– فضائل الشيعة، للصدوق: ص 9.وبحار الأنوار، للمجلسي: 65/65.
[36]– الكافي للكليني: 8/245.والوافي، للكاشاني: 2/198.
[37]– تفسير الصافي: 1/9، ديباجة الكتاب.
[38]– كتاب الطهارة: 3/457.
[39]– الأرض والتربة الحسينية: ص55-56.
[40]– أحكام الشيعة: 1/32. وتاريخ كربلاء، لعبد الجواد آل طعمة: ص115-116.
[41]– بحار الأنوار، للمجلسي: 98/107. ومستدرك الوسائل، للطبرسي: 10/322.
[42]– الكافي، للكليني: 2/410. ومرآة العقول، للمجلسي: ص220.
[43]– جاء في تسميتها بعض الأقوال، منها: أن قوماً من كنعان بن حام خرجوا عند التفريق فتشاءموا إليها، أي أخذوا ذات الشمال فسُمّيت بالشام لذلك. (معجم لبلدان، لياقوت الحموي: 3/312).
[44]– بحار الأنوار، للمجلسي: 57/208. ومستدرك سفينة البحار، للشاهرودي: ص330.
[45]– الكافي، للكليني: 2/410. ومرآة العقول، للمجلسي: ص220.
[46]– كشف الأسرار: ص20.
[47]– أصول الكافي: 6/386. وبحار الأنوار، للمجلسي: 63/529.
[48]– البخاري رقم: [6930]. ومسلم رقم: [1066]؛ عن عليh.
[49]– شرح العقيدة الواسطية، لابن عثيمين:2/76.
[50] – – تهذيب الكمال للمزي (18/284) طبعة دار الرسالة 1980.