غُلُوّ الشيعة ووسطية أهل السنة
نوفمبر 23, 2019
مسلمو بورما واستعلاء الذئاب
نوفمبر 23, 2019

فتاوى فقهية

 

أثر تغير قيمة العملة على أداء الحقوق

السؤال: يتساءل كثير من الناس عن كيفية التعامل مع مسألة تغير سعر العملة بسبب الأحداث الجارية في سورية في رد الحقوق المالية من الديون، أو المهر المؤخر، أو المال المسروق والمغصوب إذا تاب صاحبه؟

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإذا كانت الحقوق الثابتة في الذمّة ذهبًا أو فضة أو سلعة مكيلةً أو موزونة: فالواجب ردُّ مثلها مهما تغيرت قيمة العملة، وإن كانت من الأوراق المالية وكان التغير أقل مِن ثلث قيمتها فيجب ردُّ المثل أيضاً، وأمّا إذا كان التغير بمقدار الثلث فأكثر فيُصار إلى الصلح الواجب، وتفصيل ذلك كما يلي:

أولاً: إذا كان الدَّين الثابت في الذمَّة مِن الذهب أو الفضة، أو كان مِن الأشياء العينية التي لها ما يماثلها كالتي تقدرّ بالكيل (الحجم) كالزيت والحبوب، أو الوزن كالمعادن: فالذي عليه عامة العلماء وجوب أداء القدر المتّفق عليه (المثل) دون نظرٍ لتغير القيمة والسعر بين يوم الدين ويوم السداد؛ لأنّ هذه الأشياء لها قيمة ذاتية لا تزول مهما تغير السعر والقيمة.

قال ابن عابدين في رسالته «تنبيه الرقود على مسائل النقود» : (فإنه لا يلزم لمن وجب له نوعٌ منها سواه بالإجماع).

ثانياً: إذا كان الدين الثابت في الذمة من الأوراق النقدية، وحصل فيه تغير رخصاً أو غلاء، وكان أقل من الثلث: فالواجب فيه ردّ المثل؛ لأنّ ما دون الثلث يغتفر شرعاً كالغبن اليسير، ولا تخلو منه العملات عادة، وهو داخل في عموم كلام أهل العلم في رد الدين بالمثل.

ثالثاً: أما إن بلغ التغير في العملة الثلث أو زاد عنها، فلأهل العلم فيها اتجاهات:

1- ردّ المثل سواء غلت العملة أو رخصت.

2- رد القيمة بالذهب أو الفضة أو بالنقد الرائج والعملة الثابتة.

3- اللجوء للصلح الواجب، بتراضي الطرفين فيما بينهما في تحمُّل الخسارة، أو يُرفع الأمر للقاضي الذي يفصل بينهما بتقدير ما يتحمّله كلُّ طرف مِن الخسارة.

ولكلّ اتجاهٍ أدلته، والذي يميل إليه المجلس، وترتاح له القلوب، وتهدأ به النفوس، ويؤدي مقصد البنيان المرصوص والجسد الواحد، والتراحم والتعاون على البر والتقوى، هو القول الثالث القاضي باللجوء للصلح، أو رفع الأمر للقضاء؛ لما فيه مِن اعتبار الظروف الطارئة وما توجبه مِن التخفيف عن المتضرّر بسببها؛ إعمالاً للقاعدة الفقهية الكبرى (الضرر يزال).

وهو ما جاء في توصيات «الندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة قضايا التضخم» التي عقدها مجمع الفقه الإسلامي بجدة بالتعاون مع مصرف فيصل الإسلامي بالبحرين في عام (1420 هـ، 1999م).

وجُعل الثلث فاصلاً بين اليسير والكثير؛ لأن الشرع اعتبره في كثير من المسائل حداً فارقاً بين القلَّة والكثرة، قال ابن قدامة: (والثلث قد رأينا الشرع اعتبره في مواضع، منها الوصية، وعطايا المريض. قال الأثرم: قال أحمد: إنهم يستعملون الثلث في سبع عشرة مسألة، ولأنّ الثلث في حدّ الكثرة، وما دونه في حدّ القلة، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الوصية: «الثلث والثلث كثير» ).

رابعاً: إذا كان المال الثابت في الذمة بسبب الغصب أو السرقة، أو المماطلة في إرجاع الدين: فإنَّ المعتدي يتحمّل كامل الضرر الناتج عن اعتدائه بما في ذلك خسارة العملة لقيمتها.

قال الدسوقي في حاشيته على «الشرح الكبير»: (ولو حصلت مماطلةٌ مِن المدين حتى عدمت تلك الفلوس؛ كان لربها الأحظُّ مِن أخذ القيمة أو مما آل إليه الأمر مِن السِّكّة الجديدة ـــ أي: العملة الجديدة ـــ الزائدة على القديمة، وهذا هو الأظهر لظلم المدين بمطله).

ونرى المصير إلى الصلح في تقدير الخسارة والضرر قدر المستطاع، فإن لم يمكن فالقضاء يفصل بينهم.

خامساً: إذا حصل تغيرٌ في قيمة العملة في العقود الطويلة الأجل المتراخية التنفيذ كعقود التوريد والتعهدات والمقاولات: فيحقّ للقاضي النظر في تعديل الحقوق والالتزامات العقدية، وتوزيع الخسارة على الطرفين المتعاقدين أو فسخ العقد إن كان ذلك أسهل وأصلح، كما جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة سنة 1402هـ، والله أعلم.

******************

فتوى أحكام زوجة الغائب والمفقود

السؤال: كثيرٌ مِن النساء اعتقل أزواجهن ومضى على ذلك سنوات، ولا تعرف الزوجة مكان زوجها ولا أحواله، وتأتي أخبار متضاربة عن موته وحياته، فكيف تتصرف المرأة؟ وهل تعتبره متوفًى؟ وإن لم تعرف مصيره فهل يجوز لها أن تطلب الطلاق؟ أم يحقّ لها أن تتزوج بسبب طول غيبته؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعدُ:

فإذا فُقد الشخص فلم تُعرف أخباره فلا يُحكم بموته أو انفساخ عقد زواجه أو قسمة ماله إلا بحكمٍ مِن القاضي، وإذا طالت غيبة المفقود فلزوجته أن ترفع أمرها للقاضي لطلب التفريق للضرر، أو الحكم بالوفاة عند غلبة الظن بوفاته، وفيما يلي تفصيل ذلك:

أولاً: مَن غاب عن أهله وانقطعت أخباره، فلا يعلم مكانُه، ولا يُدرى أحي هو أم ميت، كمن كان أسيرًا، أو فُقد أثناء الحرب، فهذا الذي يسميه الفقهاء بالمفقود.

والأصل في المفقود أنه حيٌ، ولا يجوز ترك هذا الأصل لمجرد انقطاع أخباره، أو الشك في حياته؛ فـ “اليقين لا يزول بالشك”، واليقين مثل خبر الثقات مِن زملاء السّجن أو المعركة، المبني على العلم والمشاهدة، ولا يُكتفى بالظنون أو الأخبار المتناقلة.

وبناء عليه: فليس لزوجة المفقود أن تتزوج، كما لا يجوز لورثته قسمة ماله، إلا بعد أن يثبت موته ببينةٍ شرعيةٍ يصدر بها حكم القاضي، فإنْ تأكدت وفاته ابتدأت زوجته عدّتها مِن اليوم الذي تأكد وقوع الوفاة فيه، لا مِن يوم علمها بها.

وإن لم تتأكد مِن خبر وفاته إلا بعد الأربعة أشهر وعشرة أيام فإن عدتها تكون قد انقضت لأن ابتداءها من وقت الوفاة.

ثانياً: إذا طالت غيبةُ المفقود دون أن يعود إلى أهله فلزوجته أن تطلب مِن القاضي الحكم بوفاته، أو التّفريق للضّرر:

فإن اختارت الحكمَ بالوفاة لغلبة الظن بوفاته، فيحدّد القاضي الشرعي مدةً للانتظار، فإن لم يرجع خلالها حكم القاضي بوفاته، وللفقهاء في تحديد هذه المدة مذاهب.

وما يرجحه المجلس: أنَّ القاضي الشّرعي ينظر في كلّ قضيةٍ بحسب الظروف المحيطة بها، ويحدِّد مدةً للانتظار يغلب على الظن موتُه بعدها؛ لأنَّ حال المفقود وظروف الفقد تختلف مِن حالة لأخرى.

وهو ما قرره المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته (21) المنعقدة بمكة المكرمة لعام (1434ه).

فإنْ حكم القاضي بوفاته فتعتدّ امرأتُه عِدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، تبدأ مِن يوم إعلان وفاته، ويحلّ لها بعد انتهاء العدة أن تتزوج، ولورثته اقتسامُ ماله.

فإنْ ظهر أنه حيٌ بعد ذلك: فيحقّ له أن يطالب بعودة زوجته إليه، فيفسخ القاضي النكاحَ الثاني، وتعتدّ المرأة منه (بثلاثِ حِيَضٍ)، ثم ترجع لزوجها الأول بعقدٍ جديدٍ، وإن لم يرغب في عودتها فله استردادُ المهر الذي دفعه لها مِن زوجها الثاني. وأيَّ الخيارين اختار، فليس له الرجوع عنه.

ويحقّ له أن يستردّ الأموال المتبقية بيد ورثته فقط دون ما أنفقوه منها؛ لأنه أُنفق بناء على حكم قضائي، فلا ضمان فيه.

ثالثاً: إذا ترتب على الزّوجة ضررٌ مِن غياب الزوج، إما لعدم ترك ما يكفي من النفقة، أو لخشيتها على نفسها مِن الفتنة، أو غير ذلك من وجوه الضرر، فلها المطالبة بفسخ النكاح لرفع الضرر.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضررَ ولا ضِرارَ)، ومن القواعد الفقهية المقرَّرة: “الضرر يزال”، وإزالة هذا الضرر لا تكون إلا بعودة الزوج أو التفريق بينهما

ولا نرى للقاضي النظر في دعوى طلب التفريق إلا بعد مرور عام كامل من تاريخ الفقد أو الغياب لقلة الضرر قبل انقضاء هذه المدة  وامكان احتماله واحتياطا لحق الزوج

وفي حال فسخ نكاح المرأة مِن زوجها الغائب قبل الدخول فعلى المرأة أن تردَّ المهرَ لذويه كاملاً، وأمّا إن كان الفسخ بعد الدخول فالمهرُ كاملاً مِن حقّها.

وسعيُ المرأة التي طال غيابُ زوجها وانقطعت أخباره وتضررت بذلك في فسخ النكاح عن طريق القاضي أولى مِن السعي بالحكم بوفاته؛ لأنّه لا أثر لعودة زوجها الأول على نكاحها الثاني في حال الفسخ.

رابعاً: إذا غاب الزوج غيبة غير منقطعة، بحيث يعرف خبره، لكن لا يمكن الوصول إليه، كالمسافر إلى بلاد بعيدة، أو المحاصر في منطقة ما، فزواجه باقٍ مستمر، لا يجوز لزوجته أن تتزوج بإجماع أهل العلم مهما طال بعدُه عنها، فإن تزوجت فالعقد باطلٌ، ويجب التفريق بينهما.

فإن تضررت مِن طول غيبته أو سفره: فلها أن تطلب التفريق مِن القاضي رفعاً للضرر، كما سبق بيانه.

وننصح المرأة بالصّبر على فراق زوجها، وعدم استعجال الفسخ، واحتساب الأجر في ذلك، لا سيما إذا لم يكن للزوج قدرة على الرجوع، إلا في حال الضّرر المحقّق عليها.

خامساً: إن كانت المرأة تعيش في المناطق المحررة: فترفع أمرها للمحاكم الشرعية مباشرة، وإن كانت في مناطق لا يوجد بها محاكم شرعية، كبعض دول اللجوء: فتوكِّل من يقوم برفع قضية لها أمام المحاكم في المناطق المحررة، سواءً كان فرداً أو مكتباً مختصا بذلك، وتحصل عن طريقه على حكم بالتفريق أو الموت.

 

******************

فتوى اجتماع صلاة العيد مع الجمعة

السؤال: يأتي عيد الأضحى هذه السنة يومَ الجمعة، وقد كثرت الفتاوى والأقوال في المسألة، فبأي الأقوال نأخذ؟ وهل نصلي الجمعة إذا صلينا العيد؟ وهل صحيح أنه إذا صلينا العيد سقطت عنا صلاة الجمعة وصلاة الظهر؟ أفيدونا بارك الله فيكم.

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً: تعددت أقوال أهل العلم في مسالة اجتماع صلاة العيد مع الجمعة إلى عدة أقوال، وأشهرها ما يلي:

– ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية: إلى أنّ إحدى الصلاتين لا تغني عن الأخرى، فينبغي لمن صلى العيد أن يصلي الجمعة.

– وقال الشافعية: تسقط الجمعة عمن جاء لصلاة العيد مِن بعيد وشق عليه الرجوع لأداء صلاة الجمعة، ويصليها ظهراً.

– وذهب الحنابلة: إلى أن صلاة الجمعة تسقط عمن يصلي العيد، بشرط أن يصليها ظهرًا، فإن لم يصل العيد فتلزمه صلاة الجمعة، ويلزم الإمام أن يقيم صلاة الجمعة، ويصلي بمن حضر.

وجميع هذه الأقوال اجتهادات لها حظٌّ مِن النظر، وأدلتها مبسوطة في كتب الفقه.

ويرى المجلس: أن يأخذ المسلمون بما عليه الفتوى والعمل المستقر في البلاد التي يقيمون فيها؛ جمعاً للكلمة، وتوحيدًا للصف.

قال سفيان الثوري: (ما اختلف فيه الفقهاءُ، فلا أنهى أحداً مِن إخواني أنْ يأخذ به) ذكره الخطيب البغدادي في الفقه والمتفقّه.

ثانياً: يمكن لمن صلى العيد أن يترخَّص بترك صلاة الجمعة إن كان مِن أهل الأعذار، أو ممّن يشق عليهم الحضور للصلاة، كالمسافرين، والحجاج، والقادمين من أماكن بعيدة.

وقد اجتمع العيد مع الجمعة في عهد عثمان رضي الله عنه، فصلى العيد ثم خطب فقال: (إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فمَن أحب مِن أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها، ومَن أحب أن يرجع فليرجع فقد أذنتُ لكم) رواه مالك في الموطأ.

ثالثاً: مع الأخذ بما سبق، لا بدّ مِن التنبه لما يلي:

1- اختلاف أهل العلم المشار إليه إنّما هو في حقّ مَن صلى العيد، أما مَن لم يُصلِّ العيد فتجب عليه الجمعة دون خلاف.

2- مَن صلى العيد وأخذ بعدم وجوب صلاة الجمعة فيجب عليه أن يصليها ظهراً، والقول بسقوط صلاة الظهر قول منكر لا ينبغي التعويل عليه.

قال ابن عبد البر في «الاستذكار» عن ترك صلاة الظهر لمن صلى العيد: (قولٌ منكَرٌ، أنكره فقهاء الأمصار، ولم يقل به أحدٌ منهم).

3- نرى أنّ الأحوط للمسلم أن يحرص على صلاة الجمعة وإن صلى العيد، وقد قرّر العلماء مشروعية مراعاة الخلاف القوي بفعل ما اختُلف في وجوبه، وترك ما اختُلف في تحريمه.

4- نحث إخواننا من طلبة العلم على العمل بما عليه أهل البلاد التي يقيمون فيها وعدم مخالفتهم فيما هو مِن الخلاف السائغ، وجعل نقاش أمثال هذه المسائل الخلافية في حِلق العلم وبين أهل الاختصاص؛ حتى لا يحصل بها تشويش أو اختلاف، والله تعالى أعلم.

******************

حكم بيع الأراضي والعقارات للشيعة في سوريا

السؤال: نشطت في السنوات الأخيرة حركة بيع للعقارات في دمشق وبعض المناطق في حلب وحمص وغيرها، يقوم بها النظام أو مكاتب وكلاء عنه للشيعة الإيرانيين، ويدفعون في ذلك أموالاً كثيرة وأسعاراً مغرية، فما حكم بيع البيوت والعقارات والأراضي لهم؟ وما حكم العمل في السمسرة والوساطة لهذه البيوع؟

الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

أولاً: لا يخفى على كل متابع دورُ إيران في مساندة النظام السوري ،كما لا يخفى على ذي لب أطماع إيران في التوسع وتصدير مشروعها الصفوي الفارسي، وأحلامها في إعادة مجدها السياسي وبناء إمبراطوريتها، ومن وسائلها في ذلك: إحداث التغيير البشري (الديمغرافي)، إما عن طريق القتل الجماعي لتقليل عدد أهل السنة، أو عن طريق زيادة التهجير للسيطرة على المدن الكبرى، مع جلب الشيعة من أفغانستان وباكستان وإيران وغيرها وتجنيسهم وإعطائهم المال لشراء العقارات والأراضي، وإحلالهم في بلاد المسلمين السنة، وكل ذلك بمساعدة النظام السوري لهم وتسهيل معاملاتهم مقابل حمايته من الانهيار، مع حرص إيران على فتنة أهل السنة عن دينهم بالترهيب والترغيب، ونشر التشيع، وبناء الحسينيات والأضرحة والمزارات في المناطق التي يستولون عليها، لتغيير تاريخها وهويتها.

ثانياً: بناء على ما سبق فلا يجوز بيع العقارات والأراضي في سوريا للشيعة الإيرانيين وغيرهم، وهذا البيع باطل لا تترتب عليه آثاره الشرعية، ولا تجوز مساعدتهم بالسمسرة وغيرها  لشراء الأراضي، وذلك لما يلي:

1- أنّ إيران ومعها عموم الشيعة الذين يشترون هذه العقارات مساندون للقتلة المجرمين في سوريا، وهم رأس الحربة في القتل والتدمير الحاصل؛ فالواجب قتالهم ومدافعتهم، وإخراجهم من الديار، لا تثبيتهم فيها؛ فهم أعداء محاربون محتلون، ومن كان عدوا محارباً للمسلمين فلا تجوز معاملته بما يقوّيه ويعينه على تحقيق أهدافه، ويعتبر ذلك من التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه بقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة: 2].

روى أبو يوسف في “الخراج” عن الحسن البصري أنه قال: “لا يحل لمسلم أن يحمل إلى عدوّ المسلمين سلاحاً يقويهم به على المسلمين، ولا كُراعاً، ولا ما يُستعان به على السلاح والكُراع”. والمراد بالكُراع الدواب وما يركبونه من مواصلات.

وجاء في الموسوعة الفقهية: “قال الدسوقي: وكذا يمنع أن يباع للحربيين آلة الحرب، من سلاح أو كراع أو سرج، وكل ما يتقوون به في الحرب، من نحاس أو خباء أو ماعون.

وأما بيع الطعام لهم، فقال ابن يونس عن ابن حبيب: يجوز في الهدنة، وأما في غير الهدنة فلا يجوز، والذي في المعيار عن الشاطبي: أن المذهب المنع مطلقا..، وذكر في المعيار أيضا عن الشاطبي: أن بيع الشمع لهم ممنوع، إذا كانوا يستعينون به على إضرار المسلمين”.

2 – أنَّ في هذا البيع تمكيناً لهؤلاء من نشر دينهم الباطل، وفتنة أهل السنة عن دينهم، وتشييعهم، وإعانة لهم على نشر معتقداتهم الباطلة، والطعن في دينهم، وقرآنهم وسنتهم، والاستعلان بتكفيرهم، والتوعد بقتلهم، وسب الصحابة والطعن بأمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين، كما تشهد بذلك كتبهم وخطبهم وفتاواهم .

قال ابن قدامة في “المغني”: “وهكذا الحكم في كلِّ ما يُقصد به الحرام، كبيع السلاح لأهل الحرب، أو لقطاع الطريق، أو في الفتنة، وبيع الأمَة للغناء، أو إجارتها كذلك، أو إجارة داره لبيع الخمر فيها، أو لتُتّخذ كنيسة، أو بيت نار، وأشباه ذلك. فهذا حرامٌ، والعقد باطل”.

3- أنَّ هذا البيع وإن توفرت في صورته الشروط والأركان المعتبرة في البيع الصحيح، إلا أنَّه يؤدي لمفاسد عظيمة، وقد يصير المباح محرماً إذا أدى إلى مفسدة؛ لأنّ للوسائل أحكام المقاصد، فكيف إذا كانت المفسدة عظيمة متعلقة بالدين والأرض.

4- أنّ المشروع الشيعي جزء مِن مخططات الأعداء في تدمير بلاد المسلمين، وتقسيمها، وتهجير أهلها، وفي تمكين هؤلاء الشيعة إعانة للأعداء، وتسليط لهم على بلاد المسلمين ومقدراتهم، وإعانة الأعداء على المسلمين من المحرمات القطعية في الشريعة.

قال تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 9]

 ثالثًا: لا يجوز للمسلم بيع هذه الأراضي والعقارت للشيعة وإن كان محتاجًا للمال، أو مُجبرًا على هذا البيع؛ لما تقرّر في القواعد الفقهية مِن أنّ “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”، و” يُحتمل الضرر الخاص لدفع الضّرر العام”، ” وإذا تعارضت مفسدتان دُفعت المفسدة العظمى بارتكاب الأدنى”؛ فالمصلحة الخاصة من تحصيل بعض الأموال، أو دفع بعض الضرر عن النفس تتعارض مع المصلحة العامة في الحفاظ على بلاد أهل السنة ودينهم، ودفع الضرر عنهم، فلا بدّ من دفع الضرر العام والمفسدة العظمى في تمكين الشيعة من بلاد السنة وإن وقعت بعض المفاسد، أو فاتت بعض المصالح الخاصة.

رابعاً: يشمل هذا التحريم مساعدة هؤلاء الشيعة في تملك هذه الأراضي، وتنفيذ إجراءاتها القانونية، من سمسرة وإفراغ، وغير ذلك، ويجب على المسلم التحري والتثبت من المشتري والتأكد مِن حيل السماسرة، فلا يبيع العقارات للمكاتب والسماسرة الذين تحفهم الجهالة في أعيانهم أو هيئاتهم أو أهدافهم.

وختامًا: فإننا نحث الأغنياء والميسورين وتجار المسلمين الغيورين على مصلحة بلادهم أن يبذلوا وسعهم لتثبيت أهل السنة في مدنهم ومناطقهم، وأن يعينوهم بمالهم وبما يستطيعون على البقاء في أرضهم، وإفشال مخطط أعدائهم؛ فهذا مِن التعاون الواجب، قَال اللَّهُ تَعَالَى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].

كما أننا نوصي المختصين من إعلاميين وحقوقين وغيرهم: فضح هذه الممارسات، وتوثيقها، وتقديمها للجهات العالمية المعنية، ونوصي الجهات القضائية أن تحكم ببطلان بيع كل عقار ثبت أن مشتريه أصوله إيرانية أو مذهبه شيعي.

******************

فتوى التعامل مع الخوارج الفارين من أرض المعارك

السؤال: ما حكمُ إيواء الدواعش الذين يفرون من المعارك ومناطق سيطرتهم ويلجؤون إلى الأراضي المحررة، وكيف نتعامل معهم؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصّلاة والسّلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فلا يجوز إيواء أفراد تنظيمات الغلاة – كتنظيم (الدولة) ونحوهم-، ولا التعاون معهم، بل يُسلم من وجُد منهم إلى الجهات القضائية والشرعية الثورية للتعامل معهم وفق الهدي النبوي في معاملة الخوارج، وتوضيح ذلك فيما يلي:

أولاً: إنَّ انهيار تنظيمات الغلاة أمرٌ متوقّعٌ طالما حذّر منه العقلاء؛ لمعرفتهم بحقيقة هذه التّنظيمات، فهي ليست فئات باغية لها تأويلها السائغ، ولا جماعات منحرفة تتصف بصفات الخوارج وحسب، بل تجاوزت ذلك كلَّه حتى أصبحت كياناً مختلَقاً مخترَقاً يستخدمه أعداء الإسلام في ضرب أهل السنة، وتدمير جهادهم، واحتلال مناطقهم بتهمة محاربة الإرهاب.

أمّا التعامل مع أفراد هذه التنظيمات الفارين مِن مناطق القتال فلابدّ فيه مِن اليقظة والحذر، واعتبار ما يتناسب مع حقيقة تنظيمهم وفكرهم وخطرهم، وسابق تعاملهم مع الثوار؛ فإنَّ مما ابتدعوه مما لم يكن في أسلافهم: الغدر، واستباحة الكذب، ونقض العهود والمواثيق.

ثانياً: بناء على ما سبق فلا تجوز إعانة هؤلاء ولا إيواؤهم ولا نصرتهم عندما يفرون مِن المعارك؛ لأنهم مِن الـمُحْدِثين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لعن الله مَن آوى محدثا) رواه مسلم وغيره.

قال الطِّيبي في”شرح المشكاة”: “ويدخل في ذلك الجاني على الإسلام بإحداث بدعة، إذا حماه عن التعرض له، والأخذ على يده لدفع عاديته”.

فهؤلاء جمعوا بين الإحداثَين: الإحداث في الجرائم مِن القتل والسّلب والنّهب للمسلمين والمجاهدين، وبين إحداث البدعة المغلظة، مع ثبوت اختراقهم من الأعداء، واستخدامهم لهم.

أما فرارهم من معارك مع الأعداء: فهو لا يؤثِّر في حقيقة إحداثهم؛ فهم معتدون على المسلمين قبل هذا القتال، وأثناءه، وبعده.

وقد ثبت الأمرُ النبوي بقتال الخوارج واستئصالهم في أحاديث كثيرة، منها: ما ورد في الصحيحين مِن حديث عليّ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: (فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنَّ في قَتلِهم أجراً لمن قَتَلهم عند الله يومَ القيامةِ).

وخوارج هذه التنظيمات شرٌّ مِن الخوارج الأولين، وإيواؤهم ومساعدتُهم مخالفٌ للهدي النبوي في التعامل معهم.

ثالثاً: غالب مَن يخرج مِن مناطق هؤلاء إنّما يخرج فرارًا مِن الموت، وعجزًا عن القتال، وبحثًا عن مكان آخر يبث فيه منهجه، أو بحثا عن فئة أخرى ينضمّ إلى صفوفها، لا رغبة في التوبة أو اقتناعًا بانحراف الفكر وبطلان المنهج، والأصلُ في أمثال هؤلاء أنَّ حكمهم لا يختلف عن حكم الأفراد المقاتلين المقيمين في مناطقهم، والفارَّ مِن الخوارج مِن أرض المعركة تجوز ملاحقته والإجهاز عليه ولو كان جريحًا أو أسيرًا.

قال الكاساني في ”بدائع الصنائع” في تصرف الإمام مع البغاة: “الإمام إذا قاتل أهل البغي فهزمهم وولوا مدبرين، فإن كانت لهم فئة ينحازون إليها، فينبغي لأهل العدل أن يقتلوا مدبرَهم، ويُجهِزوا على جريحهم؛ لئلا يتحيّزوا إلى الفئة فيمتنعوا بها، فيكرّوا على أهل العدل، وأما أسيرهم فإن شاء الإمام قتله استئصالاً لشأفتهم، وإن شاء حبسه لاندفاع شره بالأسر والحبس”.

وهذا في حقّ البغاة، فالقول في أفراد هذه التنظيمات الذين تجاوزوا البغاة والخوارج بكثير أشدّ، لا سيما وقد ثبت مِن سيرتهم أنَّهم يُعطون الأمان، ويعلنون التوبة، ثم يعودون للقتال ويغدرون بالمجاهدين.

كما أنه لا ينبغي تأمينهم على أنفسهم إلا بالرجوع إلى القضاء الشرعي لينظر في حالهم وصدق توبتهم، ومَن ثبت كذب ادعائه بالتوبة: فله أحكام أسرى الخوارج.

رابعاً: مَن هرب منهم مِن غير المقاتلين أو انحاز وكان مِن معتنقي فكرِ الخوارج ودعاتهم المدافعين عنهم، المصرّحين بتكفير المسلمين والمجاهدين، المحرّضين على قتالهم، سواء كان مِن الرجال أو النساء فإنه يتحتم على الهيئات القضائية والشرعية الثورية إزالةُ ضرره، وكفُّ باطله، ومنعُه مِن نشر فكره، فإن لم يمكن ذلك إلا بالقتل فقد أجازه عددٌ من أهل العلم، ما لم يترتَّب على ذلك مفسدةٌ أعظمُ منها.

جاء في “التّمهيد” لابن عبد البر: “رأى مالكٌ قتلَ الخوارجِ وأهلِ القدر مِن أجل الفساد الدّاخل في الدّين، وهو مِن باب الفساد في الأرض، وليس إفسادُهم بدون فسادِ قطّاع الطّريق، والمحاربين للمسلمين على أموالهم، فوجب بذلك قتلُهم، إلا أنّه يرى استتبابتَهم لعلّهم يُراجعون الحقَّ، فإنْ تمادوا قُتلوا على إفسادِهم، لا على كفرٍ”.

وقال ابنُ عابدين في حاشيته “رد المحتار”: “فأمّا في بدعةٍ لا تُوجب الكفرَ فإنه يجب التّعزيرُ بأيِّ وجهٍ يمكن أنْ يمنعَ مِن ذلك، فإنْ لم يمكنْ بلا حبسٍ وضربٍ يجوز حبسُه وضربُه، وكذا لو لم يمكن المنعُ بلا سيفٍ إن كان رئيسَهم ومقتداهم جاز قتلُه سياسةً وامتناعًاً”.

خامساً: النساء والأطفال الفارون مِن هؤلاء: فالأصلُ فيهم أنَّهم ليسوا مِن أهل القتال والحرب، فلا يجوز قتلُهم، ولا الاعتداءُ عليهم، لكن إذا شاركت المرأةُ البالغةُ مع الخوارج في القتال والأعمال الحربية جاز قتالُها وقتلُها، وكذا إذا باشرت أو تسبّبت في قتل المسلمين، أو أسرهم.

قال الماوردي في “الحاوي الكبير”: “إذا قاتل مع أهل البغي نساؤهم وصبيانهم وعبيدهم كانوا في حكمهم”.

وأمّا مَن شاركت معهم في بعضِ إجرامهم مِن القبض على المسلمات أو تعذيبهنّ مِن غير أن يؤدّي ذلك إلى القتل، أو كانت مِن دعاتهم فإنها تُعاقب عقوبةً تتناسب مع جريمتها، ويقدّر ذلك القضاةُ وأهلُ العلم.

وأمَّا الأطفال: فمَن ارتكب منهم شيئًا مِن الجرائم الجنائية كالقتل، أو التّجسس، ثمّ قُبض عليه فإنّه لا يُقتل، بل يُعزل ويعلّم أمور الدِّين، ويقدَّم له ما يحتاج مِن توجيهٍ ورعايةٍ؛ لأنَّه ليس محلًا لإيقاع العقوبات الشّرعية، فإذا ظهرت عليه آثارُ الصّلاح والتّوبة مِن هذا الفكر المنحرف فيُخلّى سبيلُه، مع الاحتياط.

سادساً: من أعلن التوبة من فكر الخوارج قبل أن نقدر عليه، وقبل أن يقع عليه ما يضطره للخروج مِن أرضهم فيجوز استقباله والكف عنه، قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 33-34].

مع ضرورة أخذ الحيطة والحذر منهم؛ فلا يُشركون في قتالٍ، ولا يُولّون ولاياتٍ صغيرة ولا كبيرة، ولا يُمكّنون مِن الخروج مِن البلاد أو التنقُّل فيها، أو التواصل مع غيرهم مِن المشكوك في توبتهم؛ لما عُهد عنهم من الكذب والغدر بالمسلمين، وندرة مَن يصدُق منهم في توبتِه.

وتختص الجهات القضائية والشرعية الثورية بإصدار أحكام ذلك.

نسأله سبحانه وتعالى أن يلطف بنا، وأن يدفع عنا وعن إخواننا، والحمد لله رب العالمين.

******************

فتوى التغلب بين الفصائل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

في ظل هذا العدوان والإجرام على الشعب السوري والذي يقوم به الروس الصليبيون والإيرانيون الصفويون معاونين لنظام تجاوز كل حد، وفي ظل التفرق والتنازع الحاصل بين بعض الفصائل المقاتلة في بلاد الشام، يأتي من يفتي بشرعية التغلب بين الفصائل بأن يُخضع القوي منها الضعيف لحكمه، كما يفعله السلطان المتغلب في الدولة الإسلامية.

والتغلب عند الفقهاء هو حالة استثنائية، يقول د. وهبة الزحيلي رحمه الله: “القهر حالة استثنائية غير متفقة مع الأصل الموجب لكون السلطة قائمة بالاختيار، وإقرارها فيه مراعاة لحال واقعة للضرورة ومنعاً من سفك الدماء”. الفقه الإسلامي وأدلته 8/291

فالفقهاء تعاملوا مع هذه الطريقة بحذر، ولم يدعوا إليها ولم يستحسنوها بل نظروا إليها على أنها مفسدة ولا تعتبر مصلحة بحق الأمة، ولا يوجد أحد من الفقهاء المتقدمين والمتأخرين دعا إلى التغلب والقهر لما في ذلك من سفك دماء المسلمين بل قبلوها كأمر واقع درءا للفتنة وأخذا بأخف الضررين.

قال الماوردي وأبو يعلى الفراء: “والإمامة تَنْعَقِدُ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: بِاخْتِيَارِ أَهْلِ الحل والعقد. وَالثَّانِي: بِعَهْدِ الْإِمَامِ مِنْ قَبْلُ”. فلم يذكرا التغلب طريقة شرعية للإمامة.

ولا يجوز لأي فصيل أن يقلد ما هو غير مشروع في الإمامة الكبرى لينقله إلى حالة الاقتتال بين الفصائل الآن ليتغلب أحدها على الباقين ويحكم سوريا، لأنه لن يستطيع ذلك أبدا، وسيؤدي هذا الفعل الشائن إلى مفاسد عظمى وسيؤدي الى انشغال الفصائل ببعضها عن هدف الثورة الكلي الجامع لكل السوريين، وهو القتال لإسقاط النظام الطائفي البغيض، وإقامة دولة تحقق للشعب السوري الحرية والعدل والكرامة.

قال ابن حجر الهيتمي في ”الصواعق المحرقة” 2/628:”المتغلب فاسق معاقب لا يستحق أن يبشر ولا يؤمر بالإحسان فيما تغلب عليه بل إنما يستحق الزجر والمقت والإعلام بقبيح أفعاله وفساد أحواله”.

فلا يجوز لأحد من الفصائل المقاتلة أن تتغلب على فصيل وتخضعه لحكمها محتجة بفعل التغلب القديم والحديث عند الحكام لأنه منكر من الفعل وزور.

ومن العجيب أن تصدر هذه الفتوى في ظل الحصار في كثير من المحافظات!! فأي تغلب والفصائل ليست بقادرة على فك حصارها والانتصار على أعدائها، وأي تغلب هذا والعدو يزحف على الأرض، ويمطر الناس من الجو بشتى أسلحة الفتك والدمار.

وهذا التغلب هو بدعة قاعدية داعشية، مارسته داعش ضد الفصائل المجاهدة في العراق ثم نقلته إلى الشام، ولكن المجاهدين تصدوا لها قدر الإمكان ثم تابعت النصرة بعدها بقضم الفصائل فصيلا فصيلا والناس ينظرون!!!.

وهذه الفتوى باطلة من وجوه لأنه يترتب عليها منكرات كثيرة ومخالفات شرعية، منها:

1- التغلب هو استخدام للقاعدة الشيطانية “الغاية تبرر الوسيلة” فالغاية هي السيطرة واقامة حكم الله في الأرض _زعموا!!_ فتسفك الدماء وتنهب الأسلحة والأموال لأن الغاية عنده هي نبيلة.

2- هذا التغلب بغيٌ وظلمٌ واعتداءٌ على الأنفس المعصومة، والأموال المحترمة، واللهُ عزّ وجلّ قد حرَّمَ ذلك كلَّه، قال تعالى : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }، وقال أيضاً: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ }.

وفي الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يروي عن الله تبارك وتعالى أنّه قال:” يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا …” الحديث.

3- وهذه الأفعال فسادٌ في الأرض وإفسادٌ، وإتلافٌ للأموالِ العامّةِ والخاصّةِ، قال تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}، وقال أيضاً: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }

4- وفي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم: “فإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هذا”، وهذه الأفعالُ فيها ترويعٌ للمؤمنين، ولا يَحِلُّ ذلك في دين المسلمين، قال رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلّمَ:” لا يَحِلُّ لمسلمٍ أنْ يُرَوّعَ مسلماً “ رواه أبو داود.

5- وفيها حملُ السلاحِ على المسلمين، وقد جاء الوعيد في ذلك ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر. رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا “.

6- وفيها رميٌ للمسلمين ليلاً حالَ سكونهم ونومهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”مَنْ رَمَانَا بِاللَّيْلِ فَلَيْسَ مِنَّا “رواه أحمد وصححه ابن حبان.

7- وفيها الغَدْرُ؛ والإسلامُ قد حرّمَ الغدرَ، ففي صحيح مسلم عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ : ” اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيداً… الحديث، وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ”.

8-  هذه الأعمال تفريقٌ لجماعةِ المسلمين، وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ”مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ”.

9- فيها نشرٌ للفتنةِ بين المسلمين، والقتالُ شُرِعَ من أَجلِ رفع الفتنة، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}، ولما دعا أحدهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه للقتال الدائر بين المسلمين فأبى عليه فقال له رجل: أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونُ فِتْنَةٌ “ رواه مسلم.

وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في النهي عن السعي في الحرب التي تحدث بين المسلمين، فعن أبي بردة رضي الله عنه قال: دخلت على محمد بن مسلمة فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ وَفُرْقَةٌ وَاخْتِلَافٌ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأْتِ بِسَيْفِكَ أُحُدًا فَاضْرِبْهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ، ثُمَّ اجْلِسْ فِي بَيْتِكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ يَدٌ خَاطِئَةٌ أَوْ مَنِيَّةٌ قَاضِيَةٌ) فَقَدْ وَقَعَتْ وَفَعَلْتُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أخرجه أحمد وابن ماجه.

وللخروج من فتنة الاقتتال والتنازع لا بد من الرجوع للعلماء ففي حال غياب الأمراء فالعلماء هم الأمراء الذي ينبغي على المسلمين طاعتهم كما قرر ذلك العلماء ومنهم الجويني في كتابه “الغياثي”.

ويجب على جميع الفصائل التوحد من غير اقتتال فإن لم يكن فالتعاون، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)} [الروم: 31، 32]، وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].

نسأل الله العلي القدير أن يجمع كلمة المجاهدين على البر والتقوى وأن ينصرهم على عدوهم والحمد لله رب العالمين.