محمد عبد الحميد بكور – مجاز في الدراسات الإسلامية
لا شك أن نهضة أي أمة وازدهار حضارتها لا يأتيان من فراغ، إنما ذلك نابع من إنجاز متكامل ومتناسق في كل المجالات، إضافة إلى وعي تام بكل ما يوصل للتميز والرقي، خاصة في مجال العلم الذي يُعَدُّ مشعل الفخر بين الأمم، والمؤشر الأبرز لتقدمها الحضاري، من خلال العناية بالعلم والعلماء والإشادة بفكرهم، وتشجيعهم على البحث والإنتاج ونشر كتبهم وحفظها في الخزائن والمكتبات.
عَرف تاريخنا الإسلامي حقبا لا نظير لها في اتساع رقعة العلم والتأليف في كل الفنون والميادين، وشهد بروز أكبر المكتبات التي كانت تُشد إليها الرحال من كل أقطار العالم لذيع صيتها وندرة كتبها.
المكتبات في الصدر الأول من الإسلام:
على خلاف كثير من الديانات والملل فقد جاء الإسلام بالحث على العلم وعلى كل الوسائل المؤدية إليه، وخاصة القراءة والتفكر، كان أول ما أنزل من القرآن الكريم قول ربنا سبحانه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [سورة العلق: أية 1- 5]، إنه أمر صريح بالقراءة وذكر العلم والقلم الأداة الأولى لكتابته وتدوينه.
وقد شجع القرآن الإنسان على التفكر في خلق الله والنظر في الكون فقال سبحانه: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [سورة يونس: آية 101]، وأمرنا ربنا بالتفكر في خلق الجبال والسموات والكواكب والزروع والحيوانات والنفس البشرية وتاريخ الأمم لتتنوع معارفنا عن الحياة التي تحيط بنا، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [سورة فاطر: آية 27 و 28].
في صدر الإسلام كان المسجدُ النبوي هو مكتبة المسلمين يتعلمون فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتربون على يديه، وقد أمرهم بكتابة القرآن الكريم والحفاظ على الرقاع التي يكتب عليها، حيث كانت تحفظ في البيوت وتصان من التلف والتزوير، وكان هذا يمثل نقطة تشكل مفهوم المكتبات في الإسلام، وقد جُمِعَت هذه الرقاع والألواح في مكان واحد في خلافة الصديق حين بدأ بجمع القرآن الكريم إثر معركة اليمامة.
لقد تحول أعراب البادية وأبناء القبائل الفقيرة في المسجد النبوي المبارك من أناس بسطاء لا يعرفون شيئا سوى الرعي والحرب وما توارثوه من الأخلاق والشعر إلى قادة للأمم يعلمونهم الأخلاق والحكمة والمعرفة ودين الله.
وقد تجلى اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالعلم كأحد أركان المجتمع المسلم بعد معركة بدر الكبرى عندما جعل فداء بعض الأسرى تعليم القراءة والكتابة لعشرة من أولاد المسلمين؛ إذ استمر تعليم القراءة والكتابة طيلة العهد النبوي بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم، عن عبد الله بن سعيد بن العاص رضي الله عنه؛ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمره أن يُعلّم الناس الكتابة بالمدينة، وكان كاتبًا محسنًا([1]).
وفيما تلا الحقبة النبوية عمل بعض الصحابة الكرام على تدوين ما تيسر لهم من الحديث والمسائل، كما أسس بعض الصحابة والتابعين مكتبات خاصة بهم يجمعون فيها صنوف الكتب والعلم، ويعَدُّ هذا أول ظهور للمكتبات في الإسلام، فيُذكر أن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه كان يملك كتبًا كثيرة بلغت حِمل بعير، وكان لعبد الله بن عمر رضي الله عنه كتبٌ إذا خرج إلى السوق نظر فيها، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يحفظ كتبه وصحفه في صندوق له حلق، ولعروة بن الزبير كتب احترقت يوم الحرة فحزن عليها وقال: (وددتُ لو أن عندي كتبي بأهلي ومالي)([2])، وكان مجاهد بن جبير يسمح لبعض أصحابه أن يصعدوا إلى غرفته فيخرج إليهم كتبه فينسخون منها([3]).
المكتبات في العصر الأموي:
لقد استمر عصر المكتبات الخاصة في فترة الحكم الأموي، ويعَدُّ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أول من أمر بتدوين القصص والتاريخ وكتابته على الورق، ثم جاء بعده حفيده خالد بن يزيد، الذي كان له اهتمام خاص بعلوم الكيمياء، فأمر بإحضار كتب اليونان والقبط إلى دمشق وترجمتها إلى العربية، وبذلك وضع أول أساس للمكتبات العلمية في عالمنا الإسلامي، فالعلم يبدأ من ترجمة معارف الأمم الأخرى الأكثر تقدما إذ تتعلمها الأمة ثم تبني عليها لتسهم في دورة الحضارة الإنسانية.
استمرت حركة التدوين واقتناء الكتب ضعيفة في ذلك العصر، واقتصرت المكتبات على الصعيد الشخصي؛ إذ كان اعتماد أهل العلم في ذلك الزمن على المشافهة والتلقي لا التدوين في الكتب، إلى أن تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فأمر بكتابة السنن وتدوينها، فانفتح باب التدوين على مصراعيه بداية من السنة النبوية وأقوال الصحابة والفقهاء والتفسير وسائر العلوم الإسلامية والتواريخ إلى نهاية العصر الأموي في الشرق، ومن أشهر المدونين والكتاب في العصر الأموي الإمام الزهري ومحمد بن إسحاق كاتب السيرة النبوية، والإمام مالك صاحب الموطأ.
المكتبات في العصر العباسي:
وفي عصر العباسيين انتشرت حركة التدوين والنسخ أكثر، وكثر التأليف في مختلف العلوم، وعلى رأسها الحديث الشريف والتفسير واللغة والشعر والسيرة والتاريخ والمنطق والفلسفة والطب، وكان الخلفاء العباسيون يجزلون العطاء على العلم والتأليف حتى كان المأمون يعطي للمؤلفين وزن كتبهم ذهبًا.
وقد انتشر في العصر العباسي نوعان من المكتبات هما المكتبات الخاصة والمكتبات العامة، ولقد شهد العصر العباسي ظهور كثير من العلماء كجابر بن حيان والكندي وأبي بكر الرازي وابن سينا وابن الهيثم وغيرهم، وقد اجتمع لدى العديد من العلماء مكتبات خاصة نقل لنا المؤرخون أخبار بعضها، منها:
مكتبة الجاحظ:
كان أبو عثمان الجاحظ يملك مكتبة ضخمة، حتى أنه فيما اشتهر عنه كان يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للقراءة، وذكر ياقوت الحموي قولا لأبي هفان وهو من معاصريه وممن عاشوا معه، قال: (لم أر قط ولا سمعت من أحب الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ، فإنه لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته كائنا ما كان)، ولا عجب إذ يفرد الصفحات الطوال في كتبه للحديث عن فوائد الكتب وفضائلها ومحاسنها، فألَّف رحمه الله العديد من الكتب، وكانت له مكتبة ضخمة حتى إنه كان يطالع يوما فيها فوقع عليه صف من الكتب أرداه ميتا رحمه الله([4]).
مكتبة ابن جرير:
وذكر الشيخ الكتاني المغربي في كتابه تاريخ المكتبات ابن جرير فقال: (وأعجب ما قرأته عن أهل القرن الثالث، ما في ترجمة ابن جرير في معجم الأدباء لياقوت الحموي، عن أبي القاسم الحسن بن حسين الوراق قال: (كان قد التمس مني ابن جرير أن أجمع له كتب الناس في القياس، فجمعت له نيفًا وثلاثين كتابًا…) قال: فإذا كان ابن جرير الذي مات سنة 310هـ يحضر له هذا العدد من الكتب في باب واحد من علم الأصول، فما بالك بغيره! إن هذا إلا عجب يريك الكثرة التي بلغوها في كل علم وباب)([5]).
مكتبة الصاحب بن عباد:
وذكر أيضا أن سلطان خراسان كتب لأبي القاسم الصاحب بن عباد ورقة يستدعيه لحضرته ليقلده الوزارة فأجابه معتذرا: (كيف لي بحمل أثقالي وعندي من كتب العلم خاصة ما يُحمل على أربعمئة جمل أو أكثر)([6]).
مكتبات أخرى:
وقال الكتاني أيضا: (كان في مكة مكتبة المؤرخ قطب الدين النهرواني الحنفي، كان عظيم الجاه عند الأتراك، وكانوا يعطونه العطاء الواسع، فكان يشتري بما يحصله نفائسَ الكتب ويبذلها لمن يحتاجها، فاجتمع عنده منها ما لم يجتمع عند غيره، ومكتبة أبي الغيث القشاشي التونسي[7]، كان صاحب جاه عظيم ومال كثير، بنى جوامع ومدارس وقناطر، وجمع من نفائس الكتب ما لا يحصى… وكذا مكتبة أبي المواهب شرف الدين الأنصاري[8]، كانت كتبه كثيرة، وكان حريصًا على خطوط العلماء ضنينًا بها، ومن جملة كتبه ثماني عشرة نسخةً من طبقات السبكي وثمانية وعشرون شرحًا على البخاري وأربعون تفسيرًا)([9]).
وقد أوقف العديدُ من العلماء كتبَهم ومكتباتهم على طلاب العلم، كالإمام الحافظ أبي حاتم محمد بن حبان البستي رحمه الله، الذي وضع مؤلفاته الكثيرة في دار خاصة وجعلها وقفًا لأهل العلم([10]).
المكتبات العامة في التاريخ الإسلامي:
إن المكتبات العامة إحدى أبرز معالم النهضة العلمية عند العرب والمسلمين، وقد كثرت منذ أواخر القرن الثاني الهجري، وتنافس الخلفاء في الحصول على أنفس الكتب وأندرها حتى زخرت المكتبات العامة بآلاف المجلدات، وانتشرت خزائن الكتب في أقطار العالم الإسلامي من سمرقند وفاس إلى بخارى وقرطبة ومن بغداد ودمشق إلى حلب والقاهرة، وأمدها الأمراء والخلفاء بما تحتاج إليه من الموظفين والمواد الكتابية وما يلزم لتجليد الكتب([11]).
ولقد كان المأمون يشترط على ملك الروم في معاهداته معه -بعد انتصارات المأمون المشهورة عليه- أن يسمح للمترجمين المسلمين بترجمة الكتب التي في مكتبة القسطنطينية.. وكان لخلفاء بني العباس موظفون يجوبون الأرض بحثًا عن الكتب العلمية بأي لغة لتترجم وتوضع في مكتبة بغداد، بعد أن يتولاها علماء المسلمين المتخصصون بالنقد والتحليل[12].
ومن أشهر المكتبات العامة في تاريخ نهضتنا الإسلامية مكتبة الحكمة ومكتبة جامع الزيتونة ومكتبة جامع القرويِّين.
بيت الحكمة:
أو دار الحكمة، وهي من أشهر المكتبات في العصر العباسي، وهي أول مكتبة أكاديمية وعامة، ويُرجع المؤرخون بداية تأسيسها إلى الخليفة هارون الرشيد رحمه الله، وقد تردد إلى هذه المكتبة بحثًا وتأليفًا علماء كثر، منهم الكندي والخوارزمي، وتضمنت كمّا هائلًا من الكتب في التراث الإسلامي والإنساني على السواء، ككتب التراجم والسير ومصنفات الكيمياء والفلك والطب والجبر، واحتوت على مرصد فلكي، وكانت تحوي غرفًا للمحاضرات والمناظرات، وغرفة للاستراحة، وغرفة للمترجمين، وغرفة للنساخين، وغرفة للمجلدين والوراقين، وغرفًا للخازنين والمناولين، وغرفًا خاصة للتدريس، وغرفًا أخرى لسكن طلاب العلم، وظل هذا المشروع العلمي الضخم قائمًا يستفيد منه الرواد حتى وقع بلاء المغول على بغداد سنة 656ه حيث نهبوا وخربوا وألقوا بآلاف المخطوطات والكتب في النهر[13].
مكتبة جامع الزيتونة:
ومن المكتبات الشهيرة في إفريقيا مكتبة جامع الزيتونة بتونس، المعروفة بالعبدلية، وعدد مجلداتها خمسة آلاف ومئتان وتسعة وأربعون، وعد بعضهم ما اشتملت عليه خزانة جامع الزيتونة فقال: اشتملت على أزيد من سبعة آلاف مجلد([14])، وقد استمر الجامع بما فيه من شيوخ ودروس وكتب منارة للعلم في إفريقيا قرونًا عدة وما زال.
مكتبة جامع القرويين:
ومن المكتبات الإسلامية العريقة في شمال إفريقيا مكتبة جامع القرويين بالمغرب، والتي كان يحج إليها الناس من بقاع العالم يطلبون العلم فيها، وما زالت إلى يومنا هذا حاضنة للمثقفين وطلاب العلم والباحثين.
وغيرها كثير من المكتبات التي لا يسع المقام لذكرها كلها، وهذا يدل على الازدهار الثقافي والعلمي والحضاري الذي عرفه تاريخنا الإسلامي، وعلى أهمية المكتبات في دفع عجلة العلم والحضارة.
المكتبات في عصرنا الحاضر:
ما زالت المكتبات العامة والوقفية مستمرة إلى عصرنا هذا، ولكنها فقدت بريقها مع الفجوة الحاصلة بين المواضيع التي تحويها وبين حاجة المجتمع اليوم، كما أن لتخلفنا الحضاري ونفور الناس من البحث العلمي أثرًا كبيرا في عزوف الناس عن القراءة.
إن التراجع الذي مُنيت به القراءة العلمية والبحثية في زماننا أفقد المكتبات بريقها وأثرها الحضاري، مما أدى بدوره إلى تدني المستوى العلمي لدى الناس عامة وطلبة العلم خاصة.
إنه لا يخفى على عاقل الدور الكبير الذي تؤديه المكتبات في نشر ثقافة القراءة وتشجيع البحث العلمي ونشر الوعي في المجتمع، ومشكلتنا الحاضرة أن أغلب مكتباتنا الشهيرة اليوم تتوفر على كتب قديمة لا تتجدد، الكتب نفسها تبقى على الرفوف سنوات متعاقبة لا تُستبدل ولا تُكلِّف إدارة المكتبات نفسها بمسايرة التطور العلمي وتوفير كل جديد من العلم لطلابه، فكم من طالب علم يود شراء كتاب فيجد سعره غاليًا ويبحث عنه في المكتبات العامة فلا يجده، أو قد يجده فتحول قوانين المكتبة وقيودها بينه وبين الانتفاع به… لذلك تشهد أمتنا تراجعا هائلا وعزوفا كبيرا عن القراءة، إضافة إلى انشغال الناس بالهواتف الذكية ومواقع التواصل وبرامج الدردشة ومتابعة الأخبار السياسية والفنية والرياضية.
وهنا لا يمكننا أن نغفل دور الكتب الإلكترونية المتوفرة في الشبكة العنكبوتية في إغناء جزء من الباحثين عن الرجوع إلى المكتبات والجلوس فيها، ولكن ما نعالجه هنا العزوف المخيف عن القراءة وحب التعلم في مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة.
نحو مجتمع قارئ:
لا شك أن هناك علاقةً مطردة بين تخلفنا الحضاري وعزوفنا عن القراءة، ولكن في انطلاقنا إلى النهضة العلمية المنشودة فإن القراءة هي الحجر الذي نبني عليه تطورنا العلمي، ولهذا يجب على قادة المجتمع ومعلميه أن يبذلوا جهدهم في دفع الجيل إلى القراءة العلمية المثمرة، وإعادة التفاعل بين المكتبة والإنسان المسلم.
ولعله يمكننا إعادة اللحمة بين المكتبة والجيل من خلال عدة إجراءات، منها:
تجربة في توجيه الطلاب إلى القراءة:
أرادت بعض المدارس السورية في تركيا أن تقوم بتشجيع الطلاب على القراءة، ولا تملك القدرة المادية لتأسيس مكتبة، فاقترحت الإدارة أن يحضر كل عضو في الكادر التدريسي ما لديه من كتب في بيته لجمعها في المدرسة وإقامة معرض لها، وبالفعل حصلت المدرسة على مكتبة مؤقتةٍ متنوعةِ المجالات، واستفاد الطلاب والمعلمون من هذه التجربة أيما استفادة… وهذه المحاولة على بساطتها يمكن تطبيقها في كل المدارس السورية الفقيرة في المخيمات والمهجر والداخل؛ للارتقاء بمستوى جيلنا الذي دمرته الحرب وأنهكه الظلم والطغيان… وقد صدق من قال: إن الجيل الذي يقرأ تسهل قيادته ولا يسهل استعباده، والجيل الجاهل -كالذي عمل حزب البعث على صنعه وتربيته- يسهل استعباده وتصعب قيادته.
تقوم بعض المدارس التركية بتجربة رائدة لتعويد الطلاب على القراءة، وذلك من خلال توزيع الكتب التاريخية الهادفة على الطلاب، وتخصيص وقت يومي للقراءة تحت إشراف المعلم بين الدروس أو في آخرها، وأحيانا يطلب المعلم من بعض الطلاب أن يحدثوه عما استفادوا من الكتب التي قرؤوها، وما الدرس الذي تعلموه من كل كتاب، وكلما انتهى الطالب من كتاب تبادله مع صديقه الآخر… وقد كان لهذه التجربة أثرٌ كبيرٌ في إزالة الجفوة ما بين الطالب والكتاب، وانطلق الطلاب بعدها للبحث عن كتب جديدة لشرائها وقراءتها.
وإن هاتين التجربتين على بساطتهما لو طبقناهما في مدارسنا السورية ومعاهد تعليم القرآن في فترات متلاحقة وتحت توجيه المعلمين إلى الكتاب المفيد والقريب إلى الاختصاص المفضل للطالب؛ لوجدنا لها أثرًا طيّبًا في ربط جيلنا بثقافة عصره، مما سيجعله جيلا منتجا بدل أن يكون جيلا جاهلا عالة على الإنسانية… وما يقع على عاتقنا أن نعلمهم القراءة، والله هو الهادي إلى سواء السبيل.
([1]) التراتيب الإدارية لمحمد عبد الحي الكتاني / تحقيق عبد الله الخالدي ج 2 ص 48 الطبعة الثانية.
([2]) أصول كتابة البحث العلمي وتحقيق المخطوطات، د. يوسف المرعشلي (ص 216) دار المعرفة للطباعة والنشر.
([3]) أصول الحديث علومه ومصطلحه/ محمد عجاج الخطيب ص 110 / دار الفكر ط 2002 بيروت لبنان
([4]) معجم الأدباء لياقوت الحموي، تحقيق إحسان عباس (ج 5/ ص 2101) دار الغرب الإسلامي.
([5]) تاريخ المكتبات الإسلامية ومن ألف في الكتب للشيخ محمد عبد الحي عبد الكبير الكتاني، (ص 74) الطبعة الأولى 2013/ مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث/ المغرب الرباط.
[7] محمد الكمرائي، التونسي، القادري، (أبو الغيث) طبيب مشارك في بعض العلوم، توفي مطعونا بتونس (ت 1031) انظر معجم المؤلفين (11/163).
[8] من أحفاد الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي توفي 1092هـ ترجمته في فهرس الفهارس والأثبات (2/1064).
[9] تاريخ المكتبات (ص 257) بتصرف.
[10] أصول كتابة البحث العلمي للمرعشلي (ص 217).
[11] أصول كتابة البحث العلمي يوسف المرعشلي (ص 216).
[12] “المغول وحرق مكتبة بغداد” الدكتور راغب السرجاني موقع الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات.
[13] “المغول وحرق مكتبة بغداد” الدكتور راغب السرجاني موقع الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات.
[14] تاريخ المكتبات ص 330