أسماء الله الحسنى وأثرها في حياة الفرد وإصلاح ونهضة الأمة
مايو 10, 2021
ربيع التغيير في العمل الحركي الإسلامي
مايو 10, 2021

جهود العلامة الشيخ محمد علي الصابوني في علم التفسير

تحميل البحث كملف PDF

الباحث: طارق طه مكرم الله – باحث دكتوراه في كلية معارف الوحي – ماليزيا

الحمدُ للهِ الذي أنزلَ الفرقانَ على عبدِه ليكونَ للعالمينَ نذيرًا، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدِنا محمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ، الذي أرسلَه ربُّه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى اللهِ بإذنِه وسراجًا منيرًا. أما بعدُ:

فإن القرآن الكريم كتاب الله الخالد، والمعجزة الدائمة الباقية، أنزله هداية للعالمين؛ فهو خطاب الله إلى الإنسانية جميعا، يستحث العقول لتنهض لسبر معانيه، والوقوف على مراد الله فيه، وإدراك مقاصده، والتحقق بوصاياه، والامتثال لأوامره ونواهيه، والتواصل مع رسالته. وقد أيقن المسلمون أنه لا شرف إلا والقرآن سبيل إليه، ولا خير إلا وفي آياته دليل عليه، ولا بدع أن يشتغل المسلمون بالقرآن تلاوة وحفظًا ودرسًا، فراحوا يثورون آياته ليقفوا على ما فيه، ولا عجب في ذلك، فهو أس وجودهم المعنوي، ومبنى هويتهم الحضارية، وقوام كينونتهم الاجتماعية، وسبيل سعادة الدنيا وخير الآخرة.

وقد تعددت لدى المسلمين سبل التعامل مع القرآن، وتنوعت عندهم مناهج فهمه استنباطا وتنزيلًا، وما زعم أحد منهم أبدًا أنه استنفد معانيه، وبلغ الغاية في استنباط أحكامه، ذلك أنه: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ ‌مِدَادًا ‌لِكَلِمَاتِ ‌رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف: 109]. ولذلك لم يخل عهد من عهود التاريخ ولا جيل من أجيال المسلمين؛ من أناس يتدبرون القرآن، ويتفكرون في أقوم المناهج لتفسيره، ويبحثون في أنجع الوسائل للعمل بأحكامه واتباع هديه.

وفي هذا السياق من مكانة القرآن في حياة المسلمين ووجودهم، وفي ظل عصر طغت فيه المادة، ومحاولة صرف الناس عن دينهم، كانت الحاجة شديدة إلى لون من التفسير تَتَوَجَّه العناية الأولى فيه إلى هداية القرآن على الوجه الذي يتفق مع الآيات الكريمة المنزلة في وصفه، وما أنزل لأجله من الإنذار والتبشير والهداية والإصلاح، مع سهولة العبارة، ومراعاة أفهام صنوف القارئين.

ومن أبرز المفسرين الذين تناولوا هذا اللون من التفسير العلامة الشيخ محمد علي بن جميل الصابوني. فمن هو؟ وما أبرز جهوده في ميدان تفسير القرآن الكريم؟

تعريف عام بالشيخ محمد علي الصابوني:

ولد الشيخ محمد علي الصابوني بمدينة حلب عام 1930م.

تخرج من الثانوية الشرعية -الخسروية- في سوريا، وأكمل دراسته في الأزهر فنال شهادة العالية عام 1952م، ونال شهادة التخصص في القضاء الشرعي عام 1954م، حيث كان موفدًا نظرا لتفوقه من جهة وزارة الأوقاف السورية لإتمام دراسته العليا[1].

أُتيح للشيخ الصابوني أن يتلقى تعليمه على يد كبار العلماء بسوريا، بالإضافة لدراسته في الأزهر الشريف، وقد مكنه ذلك من أن يجالس كوكبة من أساطين الأساتذة المحققين، وكبار العلماء الراسخين ويتتلمذ لهم، فتلقى معارفه وعلومه عن كثير من جهابذة أهل النظر والاجتهاد؛ ومن هؤلاء الأعلام:

  • والده: الشيخ جميل الصابوني الذي تلقى عليه مبادئ العلوم العربية والشرعية.
  • الشيخ محمد نجيب سراج عالم الشهباء (ت. 1373ه/1954م).
  • الشيخ أحمد الشماع.
  • الشيخ محمد سعيد الإدلبي (ت. 1370ه/1951م).
  • الشيخ محمد راغب الطباخ (ت. 1370ه/ 1951م).
  • الشيخ محمد نجيب خياطة شيخ القراء بمدينة حلب (ت. 1387ه/1967م)[2].

اشتغل الشيخ الصابوني بعد تخرجه من الأزهر بالتدريس لمدة ثماني سنوات في الثانويات العامة بحلب، ثم انتدب للتدريس بمكة المكرمة في كلية الشريعة، وكلية التربية بجامعة الملك عبد العزيز، وقد أمضى في التدريس بكلية الشريعة ما يقارب ثمانية وعشرين عامًا، ونظراً لنشاطه العلمي في البحث والتأليف، فقد رأت جامعة أم القرى أن تسند إليه تحقيق بعض كتب التراث الإسلامي، فعيّن باحثاً علمياً في مركز “البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي”[3].

وقد اشتهر الشيخ الصابوني بجرأته في قول كلمة الحقّ، فقد كان لا يتورع عن النصح والتوجيه، مهما علا شأن مخاطبه، وحمل هموم أمته أينما حل وارتحل فدافع عن المظلومين والمضطهدين، ووجه الرسائل الشديدة للحكام المقصرين في حق شعوبهم، وقد لاقى لأجل ذلك الكثير من المتاعب، فحُرم من دخول بلده سوريا لمدّة قاربت الأربعين عاماً، ولكن لم يمنعه ذلك من قول كلمة الحق.

وعندما قامت الثورة في سوريا، كانت مواقف الشيخ واضحة جلية في الوقوف مع أبناء الشعب السوري ودعم ثورتهم، ودعوة النظام إلى الكف عن إراقة الدماء، وصرح كثيرا أن الحاكم الذي يتجبر على شعبه وينحرف كل الانحراف عن دين الله هو مجرم يجب التصدي له، مع بيان أن مساندة مطالب المتظاهرين السلميين واجب شرعي، كما حذر الشيخ الصابوني من مراوغة النظام وحيله المخادعة، واصفًا بشار الأسد بمسيلمة الكذاب[4].

انتقل الشيخ محمد علي الصابوني إلى جوار ربه يوم الجمعة 6 شعبان 1442ه/ 19 مارس 2021م. في مدينة يلوا التركية، عن عمر ناهز 91 عامًا.

ينتمي الشيخ الصابوني رحمه الله إلى مدرسة علمية وتقاليد سورية عريقة في تدريس العلوم، وتتميز هذه المدرسة بتركيزها على تقريب العلوم الإسلامية للدارسين، بالإضافة لعوام المسلمين، مع المحافظة على الصرامة العلمية، وبأسلوب كتابة سهل ويسير، مطرّز بالطابع الأدبي في كثير من الأحيان.

لقد خلف الشيخ الصابوني تراثًا علميًا وافرًا تنوع بين الفقه، والتفسير، والحديث، والردود على مسائل عارضة، ومناقشات مع بعض العلماء، فأسهم في إثراء المكتبة الإسلامية أيما إثراء، غير أن أبرز إنتاجه كان في التفسير، وقد لاقت جهوده في التفسير قبولا واسعا في العالم الإسلامي، فترجمت مجموعة من كتبه إلى لغات عديدة، ما يدل على حاجة المسلمين الماسة لهذا اللون من التفاسير السهلة، قريبة المنال.

إنتاج الشيخ محمد علي الصابوني في التفسير:

ولمــَّا كان علم التفسير رئيس العلوم الدينية، والاشتغال به من أجل المطالب الشرعية التي صرف إليها العلماء المحققون عنايتهم، وقدحوا في تحصيلها أزنُد قرائحهم؛ كان لزاماً تسليط الضوء على إسهامات العلامة الصابوني في علم التفسير الذي تنوّع إنتاجه فيه ونذكر منها الآتي:

اختصار لكتب تفسيرٍ بالمأثورِ شهيرةٍ ومعتمدةٍ عند عموم المسلمين، مثل مختصر تفسير ابن كثير، ومختصر تفسير الطبري: وقد سلك فيهما مذهبا واضحا في التلخيص، وهو التركيز على الرأي الراجح لدى المفسر، وذكر أحاديث قليلة صحيحة، ونصوص للصحابة ومشاهير التابعين مما ثبت، وحذف الإسرائيليات، وتجنب الخوض في أي مسائل أخرى خارجة عن التفسير في هذه المختصرات، مما لا ضرورة له من الأحكام والخلافات الفقهية، والاقتصار على الضروري منها دون حشو أو تطويل.

درة التفاسير على هامش القرآن الكريم: وقد خرج هذا الكتاب بأسلوبه الذي عودنا عليه فضيلته، سهل العبارة مع ذكره لأسباب النزول والشواهد من الأحاديث النبوية الصحيحة، وكانت تنبيهاته المهمة غاية في الدقة تلفت نظر القارئ إلى ما خفي من دقائق التفسير، والذي سعى فيه لتلبية حاجة القارئ العادي لكتاب الله الذي يروم المعنى في زُبْدته بعيدا عن المطولات.

التفسير الواضح الميسر: وهذا الكتاب وسط بين التفاسير سالفة الذكر، وبين تفسيره الموجز على هامش المصحف، فمادته ذات أثرة عند جمهور مثقفي المسلمين، الذين ينزعون نحو شفاء الغليل بلون من التفسير يجاوز الإيجاز ويقصر عن الإسهاب.

قبس من نور القرآن الكريم: وهي دراسة موضوعية موسعة لسور القرآن الكريم، رام الشيخ الصابوني منها بيان مقاصد كل سورة وأهدافها، وتوضيح الخطوط العريضة لما احتوته من آداب، وأحكام، وتشريع، وما هدفت إليه من توجيه وإرشاد.

وهذه الدراسة في الحقيقة تعتبر ضمن قائمة التفسير الموضوعي بالمعنى الأخص؛ أي للسورة، وهو ما يسعى المفسر فيه إلى اكتناه النسق الكلي الذي ينتظمها، أو استنباط المقاصد الكبرى التي تدور عليها آياتها، أو الوقوف على المعاني الأساسية التي تربط بين أجزائها. ويشير الشيخ الغزالي إلى أن التفسير الموضوعي ينقسم إلى قسمين فيقول: (أحدهما: تتبع قضيةٍ ما في القرآن كله، وشرحها على ضوء الوحي النازل خلال ربع قرن تقريبًا، والثاني: النظر المتغلغل في السورة لمعرفة المحور الذي تدور عليه، والخيوط الخفية التي تجعل أولها تمهيدًا لآخرها، وآخرها تصديقًا لأولها، أو بتعبير آخر تكوين صورة عاجلة لملامح السورة كلها)[5].

فإذا أنعمنا النظر في كتاب «قبس من نور القرآن الكريم » نجد  أثر هذا المنهج عند الشيخ الصابوني واضحا، وتطبيقه جليا، حيث إنه في تفسيره هذا كان يُعَنْوِنُ لكل مجموعة من آيات السورة موضوعيا. بمعنى آخر؛ كان يقسم السورة إلى مقاطع، كل مقطع يتناول موضوعًا واحدًا، وبالمثال يتضح المقال – على أنه سلك في هذا الكتاب مسلك التفسير الموضوعي بالمعنى الأخص – فنجده قد قسم السورة إلى موضوعات، وهذا بادٍ من فهرسة كل سورة. ففي سورة الأنعام؛ قد عنون موضوعات هذه السورة بالآتي « الثناء على خالق الأكوان، الأدلة على الرسالة، طغيان أهل مكة، إلخ…

 وقد رأى الصابوني أن هدفها- ككل السور المكية- كان التركيز على قضية الألوهية، وقضية الرسالة والوحي، وقضية البعث والجزاء، إلا أن السورة لها طابع خاص تمتاز به وهو (التأكيد على وحدانية الله تعالى) حيث بين هذا الطابع وتتبعه على امتداد السورة الكريمة[6].

تحقيق كتاب معاني القرآن للإمام أبي جعفر النحاس: قام الشيخ الصابوني بتحقيق هذا الكتاب الذي يعد واحداً من أهم كتب التفسير، وقد بذل فيه جهدًا كبيرًا، وعلى الرغم من اعتماده على المخطوطة الوحيدة للكتاب إلا أنه اجتهد في تحقيقها؛ مستعيناً بالكثير من المراجع، والكتب الخاصة بالتفاسير، واللغة، والحديث، وغيرها؛ وبالفعل خرج هذا الكتاب في ستة أجزاء، وتم طبعه تحت اسم جامعة أم القرى بمكة المكرمة بمركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي.

صفوة التفاسير:

هذا الكتاب يعتبره كثيرون درة أعمال الشيخ الصابوني في التفسير، وقد رزق قبولًا واسعًا، وترجم إلى العديد من اللغات، ولهذا نقف عليه وقفة تفصيلية.

يمثل هذا التفسير مرحلة متقدمة لطلاب العلم غير المختصين في التفسير، بحيث يتيح لهم ملخصا وافيا للقضايا اللغوية، والبلاغية، والنكات الهامة في تفسير الآيات.

 وقد جمعه الشيخ الصابوني من تفاسير كبيرة معروفة مثل الطبري، والقرطبي، والزمخشري، وابن كثير، وغيرها وكتبه بلغة سهلة، كما يمثل هذا التفسير مرحلة متقدمة للمثقف المسلم الراغب في معرفة أعمق بالقرآن الكريم بعيدًا عن المطولات الكبيرة جدا، التي لا يملك فهمها إلا من كان له دربة في قراءة التراث. وبالرغم من الانتقادات التي وجهت لصفوة التفاسير – وهي في مجملها مذهبية لا علمية ويغلب عليه روح التعصب والغلو – إلا أنه يظل أحد أشهر التفاسير في العصر الحديث للمثقف المسلم سيما طالب العلم غير المختص بالتفسير.

سبب التأليف: قد أفصح الشيخ في مقدمة تفسيره عن الأسباب الباعثة على كتابة التفسير على المنهج الذي ارتضاه في الكتابة، فقال واصفًا حال المجتمع: (وإذا كان المسلم قد اضطرته الدنيا إلى أن يشغل وقته في تحصيل معاشه، وضاقت أيامه عن الرجوع إلى التفاسير الكبيرة، التي خدم بها أسلافنا كتاب الله تعالى، تبيانًا وتفصيلًا لآياته، وإظهارا لبلاغته، وإيضاحًا لإعجازه، وإبرازًا لما حواه الكتاب المجيد من تشريع وتهذيب وأحكام وأخلاق وتربية وتوجيه… فإن من واجب العلماء اليوم أن يبذلوا جهدهم لتيسير فهمه على الناس، بأسلوب واضح، وبيان ناصع، لا حشو فيه ولا تطويل ولا تعقيد ولا تكلف، وأن يبرزوا ما في القرآن من روعة الإعجاز والبيان، بما يتفق وروح العصر الحديث، ويلبي حاجة الشباب المثقف المتعطش إلى التزود من علوم القرآن الكريم ومعارفه.

ولم أجد تفسيرًا لكتاب الله عز وجل على ما وصفت رغم الحاجة إليه، وسؤال الناس عنه، ورغبتهم فيه؛ فعزمت على القيام بهذا العمل، رغم ما فيه من مشقة وتعب، واحتياجه لوقت لا يتاح في هذا الزمان، مستعينًا بالله الكريم، متوكلًا عليه، سائلًا إياه أن يعينني على إتمام هذا الواجب، وأن يوفقني لإخراجه بشكل يليق بكتاب الله تعالى، يعين المسلم على فهم آيات القرآن، والتزود من بيانه، ما يزيده إيمانا ويقينا، ويدفعه إلى العمل الجاد الموفق إلى مرضاة الرب جل وعلا).

سبب التسمية: يوضح الشيخ الصابوني ذلك بقوله: (وقد أسميت كتابي “صفوة التفاسير” وذلك لأنه جامع لعيون ما في التفاسير الكبيرة المفصلة، مع الاختصار والترتيب، والوضوح والبيان، وكلي أمل أن يكون اسمه مطابقًا لمسماه، وأن تستفيد منه الأمة الإسلامية، بما يوضح لها السبيل الأقوم، والصراط المستقيم)[7].

طريقة المؤلف في صفوة التفاسير:

وقد سلك الشيخ الصابوني في تفسيره الكتاب العزيز أسلوبا تبينّه النقاط الآتية:

أولًا: بين يدي السورة، وهو بيان إجمالي للسورة الكريمة، وتوضيح لمقاصدها الأساسية.

ثانيًا: المناسبة بين الآيات السابقة والآيات اللاحقة .

ثالثًا: اللّغة مع بيان الاشتقاق اللغوي والشواهد العربية .

رابعًا: سبب النزول .

خامسًا: التفسير .

سادسًا: البلاغة .

سابعًا : الفوائد واللطائف .

ثناء العلماء على “صفوة التفاسير”:

يقول الشيخ الغزالي: (إن الثقافة القرآنية تحتاج إلى قلم سهل العبارة، فياض الأداء، بعيدًا عن المصطلحات الفنية، والمناقشات الفلسفية، همّه الأكبر إبراز السياق السماوي، والوصول به إلى نفوس الجماهير دون تكلف أو التواء).

وقد نجح فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني رحمه الله في تحقيق هذه الغاية، إذ يسر تفسير الكتاب العزيز، وجمع في تفسيره جملًا من أقوال الأئمة تتضمن خلاصات علمية وأدبية جعلته غنيًا بالحقائق، والحكم النافعة .

وقد لاحظنا أن الشيخ محمد علي الصابوني قرن في تفسيره بين كثير من مأثورات السلف واجتهادات الخلف، أي أنه جمع بين المنقول والمعقول – كما يقولون – فيستطيع القارئ أن يرى أمامه اللونين معًا، وأن ينتفع بخير ما في الطريقتين .

كما لاحظنا أن التفاسير الأخرى قد تجنح إلى أحد الطرفين، فإما ايجاز شديد أو إطناب لا يطيقه العصر، ولكن الشيخ محمد علي الصابوني – جزاه الله خيرًا – استطاع أن يتوسط في مسلكه العلمي فأفاد وأجمل، كما ابتعد عن الشطط الذي وقع فيه البعض حين جازف بذكر نظريات علمية أو أحاديث نبوية لا بد في سوقها من التثبت والتمحيص .

يقول شيخ الأزهر الإمام الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود رحمه الله: (أطلعني الأخ الأستاذ محمد علي الصابوني على شيء من كتابه الجديد “صفوة التفاسير” وهو كتاب تحرّى فيه المؤلف ذكر أصح الآراء في تفسير كتاب الله تعالى مع الاختصار والسهولة، وإذا كان اختيار المرء قطعة من عقله، فإنه لا شك أن المؤلف وفق توفيقًا كبيرًا في الاختيار من أمهات كتب التفسير التي رجع إليها على علم وبصيرة)[8].

روائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن:

لعل هذا الكتاب هو الثاني من حيث الانتشار والاهتمام في العالم الإسلامي بعد صفوة التفاسير، وهو عبارة عن مجموعة كبيرة من المحاضرات، وقد جاء الجزء الأول منه في أربعين محاضرة، كما جاء الجزء الثاني في ثلاثين محاضرة، وهو يعد مرجعًا لكل من كتب في هذا الباب بعده.

مميزاته:

– الجمع بين التأليف القديم من حيث غزارة المادة وخصب الفكرة، والتأليف الجديد من حيث العرض، والتنسيق، وسهولة الأسلوب.

– الاعتماد على المصادر القديمة مع الاستفادة من المؤلفات الحديثة كتفسير آيات الأحكام للسايس.

– امتاز بالصراحة والوضوح في تقرير الواقع الإسلامي في مفهوم آيات الأحكام، ومن ذلك حديثه عن الاختلاط وبيان مفاسده[9].

– الدعوة إلى تطبيق الأحكام الفقهية في المجتمعات المسلمة، وإزالة ما أصابها من وهن أو إبعاد[10].

– يظهر من خلال ترجيحاته عدم التعصب لمذهب معين، وإنما يتبع ما ترجح له بالدليل.

– أما المنهج المتبع في تناوله آيات الأحكام؛ فيمكن تحديده في عشر نقاط هي:

أولًا: التحليل اللفظي مع الاستشهاد بأقوال المفسرين وعلماء اللغة.

ثانيًا : المعنى الإجمالي للآيات الكريمة بشكل مقتضب.

ثالثًا: سبب النزول إن كان للآيات الكريمة سبب.

رابعًا: وجه الارتباط بين الآيات السابقة واللاحقة.

خامسًا: البحث عن وجوه القراءات المتواترة.

سادسًا : الحديث عن وجوه الإعراب بإيجاز.

سابعًا: لطائف التفسير وتشمل (الأسرار والنكات البلاغية والدقائق العلمية).

ثامنًا : الأحكام الشرعية وأدلة الفقهاء، مع الترجيح بين الأدلة.

تاسعًا : ما ترشد إليه الآيات الكريمة باختصار.

عاشرًا: خاتمة البحث وتشتمل على (حكمة التشريع) لآيات الأحكام المذكورة[11].

خاتمة:

من خلال هذا العرض السريع لجهود الشيخ الصابوني نستطيع أن نقول إن الشيخ رحمه الله، قام بعمل منهجي وعلمي عظيم، أسهم في توفير مستويات متعددة من التفاسير التي تخدم المسلم المعاصر، وتقرب كتاب الله لعموم المسلمين، بالإضافة إلى طلاب العلم المبتدئين، و هذا عمل نادر بين العلماء المعاصرين.

[1] انظر: المصدر نفسه. وتبين لنا من خلال النظر في بعض الوثائق الشخصية الخاصة بالشيخ الصابوني أن مولده هو 10/ 3/1930م. وقد حصل الشيخ على ليسانس كلية الشريعة من الأزهر في سنتين بدلًا من أربع سنوات وفي هذا ما يدل على ذكاء الشيخ ونبوغه المبكر.

[2] عمر عبسو، الشيخ العالم المفسر محمد علي الصابوني،http://www.odabasham.net/، شوهد1/5/2021م.

[3] محمد عدنان كاتبي، مقال بعنوان: محمد علي الصابوني، https://islamsyria.com/، شوهد1/5/2021م.

[4] تلفزيون سوريا، وفاة الشيخ محمد علي الصابوني، www.syria.tv، شوهد 1/5/2021م.

[5] محمد الغزالي، تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل، (القاهرة: دار الشروق، ط5، 1424ه/2003م)، ص128-129.

[6]  انظر: محمد علي الصابوني، قبس من نور القرآن الكريم، (القاهرة: دار السلام، ط1، 1418ه/1997م)، ص123-125.

[7] محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، (بيروت: دار القرآن الكريم، ط4، 1402ه/1981م)، ص20.

[8] المصدر نفسه. وقد استفدت هذه الأقوال من تقريظ الكتاب، حيث قام العديد من العلماء بتقريظه من بينهم العلّامة الشيخ أبو الحسن الندوي، والإمام الأكبر شيخ الأزهر فضيلة الشيخ عبد الحليم محمود، وفضيلة الشيخ محمد الغزالي، وسماحة الشيخ عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى بالمملكة العربية السعودية، ومعالي الدكتور عبد الله عمر نصيف الأمين لعام لرابطة العالم الإسلامي، والشيخ عبد الله خياط إمام الحرم المكي الشريف وغيرهم.

[9] محمد علي الصابوني، روائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن، (دمشق: مكتبة الغزالي، ط3، 1400ه/1980م)، ج2، ص389.

[10] محمد علي الصابوني، روائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن، ج2، ص51.

[11] المصدر نفسه، ج1، ص11.